حوار مع د. رشيد يلوح: التحاور والتبادل الثقافي

أجرى الحوار: د. زكرياء السرتي

يشغل الدكتور رشيد يلوح وظيفة باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويهتمّ في أبحاثه بالعلاقات العربيّة – الإيرانيّة والسياسة الدّاخليّة الإيرانيّة. عمل قبل انضمامه إلى المركز صحافيًّا متخصِّصًا في الشؤون الإيرانيّة. له عدّة بحوث وترجمات بين اللّغتين الفارسيّة والعربيّة، ودراسات في الثّقافة والإعلام والدراسات الإيرانيّة. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوع “التّداخل الثّقافيّ العربيّ – الفارسيّ”، من جامعة محمد الخامس في الرّباط. وعلى درجة الماجستير في اللّغة والأدب الفارسيّين من جامعة “تربيت مدرس” في طهران. وكان قد حاز شهادة الليسانس (البكالوريوس) في الأدب العربيّ من جامعة ابن زهر في أغادير – المغرب. وهو عضو بالجمعية المغربية للدراسات الشرقية.

الأستاذ رشيد يلوح، نرحب بكم ونشكركم على قبول الدعوة.

شاركتم مؤخرا في الندوة الدولية “الدرس المقارني وتحاور الاداب” التي عقدت أيام الاثنين 28 أفريل- الاربعاء 30 أفريل 2014 بمناسبة اليوم العربي السابع للأدب المقارن وحوار الثقافات. نود أن نطلع الباحثين على مضمون الورقة البحثية التي قدمتموها في الجلسة العلمية السابعة.

بداية أشكر موقع ضياء على الاستضافة الكريمة، وأهنئ إدارته على ما حققته من نجاح كبير في وقت قياسي.
وبخصوص سؤالك، فعنوان الورقة التي شاركت بها في ندوة “الدرس المقارني وتحاور الآداب” هو “قيمة الحب في الشعر الفارسي القديم، قصة (ليلى ومجنون) للشاعر نظامي كنجوي نموذجا”، وقد حاولت من خلالها الوقوف مع مساهمة الشّعر الفارسي القديم في إبراز قيمة الحبّ وتعزيز تجلياتها الجماليّة والإنسانيّة انطلاقا من دراسة منظومة (ليلى ومجنون) للشّاعر نِظامي الكنجفي( 530 -595ه) وهو أوّل شاعر فارسي قام بصياغة القصّة العربيّة (قيس وليلى) باللّغة الفارسيّة وفي قالب شعري جمع بين الجماليّة في المبنى والإبداعية في المعنى.
وتفترض الدّراسة أن قيمة الحبّ في شعر الغزل الفارسي أخذت خصائص إبداعية فريدة شكلاً ومضموناً لم تعرفها هذه القيمة في التّجربتين الإسلامية والأموية، وفي سبيل إثبات هذه الفرضيّة تمت معالجة أسئلة محوريّة من قبيل: كيف قدّم الشّاعر نِظامي الكنجفي قصّة (ليلى ومجنون)؟ وماهي الخلفية الثّقافيّة التي وقفت وراء الإضافات النوعية للشّاعر نِظامي في القصّة؟ وكيف خَدمت (ليلى ومجنون) قيمة الحبّ في الأدبين الفارسي والإنساني؟
على مستوى المنهج استفادت الدّراسة من أدوات منهجيّة مُتعدّدة، أبرزها: منهج الأدب المقارن ومنهج الدّراسات الثّقافيّة، وعلى مستوى المضمون انقسمت محاورها إلى ثلاث محاور مركزيّة، هي: محور نظري تاريخي، محور تطبيقي تحليلي، ثم محور استنتاجات.
ومن أهم نتائج الورقة أن (ليلى ومجنون) الفارسية هي نتيجة إيجابية لنتائج التّداخل الثّقافي العربي الفارسي وصيرورته الحضارية، فهي لم تتنكر للنص الأصلي (قيس وليلى) ولم تكن تشويها لمقاصده، بل العكس من ذلك أعطته خصائص جديدة من الجماليات الشكلية والمضمونية.
ونعتقد أن استعارة النّص من الفضاء العربي هو دليل على وجود نظرة تسامح نحو العرب كانت سائدة حينئذ في المجتمع الفارسي، وقد ساهم النص في ترسيخ هذه النّظرة حين أبرز صورة الإنسان العربي المتعفِّف والمتعلِّق بالمعاني في أذهان الفرس، ما ينسجم طبعاً مع صورة العربي المسلم باعتباره مصدرا للقيم الروحية، على عكس صورة العربي المتوحّش الّتي روّجها التّيار الشّعوبي منذ القدم على هامش المجتمع الفارسي، ومن بعده استحكمت هذه الصّورة مع نظريات بعض المستشرقين فتلقّفها منهم التّيار القومي الإيراني المعاصر لِتأخُذَ بعداً إيديولوجياًّ.
ومن جهة أخرى، ساهمت قصّة (ليلى ومجنون) في تقوية الاشتراك الأدبي واللغوي بين العرب والفرس، إذ وفرت للثقافة الفارسيّة كماًّ هائلاً من المفردات والمفاهيم والأساليب القادمة من الفضاء العربي، ما أعطى للهوية الفارسيّة لونا عربيا أصيلا لايمكن البتة فصله أو عزله عن باقي مكونات الهوية الفارسيّة.
وتُقدِّمُ القصّة صورةً نموذجيةً للأدبين العربي والفارسي في تعانقهما وتداخلهما، لاسيما في ساحة الأدب العالمي، إذ كانت موضع اكتشاف للمستشرقين وباقي الأدباء والدّارسين في مختلف الثقافات العالمية، وتمت ترجمتها إلى اللغات التّركيّة والأرديّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة والروسيّة، فوجدت في كل هذه الثقافات ترحيباً كبيراً.
وأخيرا، نَشعرُ أنه حانَ الوقت لاستدعاء هذا المناخ الثقافي الإنساني المنفتح والمتسامح، لاسيما أننا نعيش في مرحلة تاريخية تطبعها الخصومة والاصطدام بين العرب والفرس من جهة، وبين هذين الطرفين والغرب من جهة أخرى، لقد حان الوقت ليستأنف الشّرق دوره في نشر ثقافة الحبّ وقيمته كما صورتها قصّة (قيس وليلى) العربيّة، أو كما صورتها نسختها الفارسيّة (ليلى ومجنون)، أو كما راجت في باقي نصوص الآداب الشرقية، دون أن نَنعَزل طبعاً عن مكتسبات هذه القيمة الإنسانيّة في المنجز الثقافي العالمي المعاصر.

الدكتور يلوح: ماذا عن التواصل العلمي الذي تم بين الباحثين المشاركين في أيام الندوة السابقة؟
لقد بذل الإخوة في جمعية الأدب المقارن التونسية وفي بيت الحكمة التونسي جهودا كبيرة ومشهودة وفرت للندوة مناخا علميا استثنائيا كان وراء نجاح حوارات بحثية وثقافية نسجها الباحثون والخبراء من دول وثقافات غربية وشرقية، وقد كان الأدب المقارن جوهر هذه الحوارات، وقد اكتشفت شخصيا أن الفاعلين في هذا المجال هم الأجدر بتجسيد أفكار عالمية طموحة مثل التحاور والتبادل الثقافي، لأنهم يتعاملون مع هذه الأفكار بخلفية علمية وبحثية صارمة، ويعتبرونها جزءً أساسيا من انشغالاتهم المهنية اليومية.
وكما تعلمون، تشكل النقاشات الجانبية الموازية للجلسات العلمية في أي مؤتمر فرصا ممتازة للباحثين لاتقل أهمية من ناحية قيمتها المعرفية عن تلك الجلسات نفسها.

أفضت المناقشات العلمية في جلسات الندوة إلى ضرورة فتح آفاق واعدة لحوار الثقافات. ما هو تصوركم للحوار الثقافي في المرحلة الراهنة؟
رفعت الندوة شعار “الدرس المقارني وتحاور الآداب”، وهو شعار بحثي دقيق، يسعى إلى اقتحام المجال المدرسي للأدب المقارن من باب تحاور الآدب، وقد قدمت ورقة الدكتور محمود طرشونة نائب رئيس الجمعية التونسية للأدب المقارن مقترحا في هذا الشأن يروم تجاوز الحدود التقليدية لنظرية الأدب المقارن، وفي اعتقادي هذا المقترح يستحق الاهتمام البحثي وهو بحاجة إلى المزيد من الاجتهاد النظري، إذ يفتح الباب واسعا أمام الأدب المقارن ويعمق أبعاده التحاورية، والتي من أبرزها تحاور الثقافات، فتحاور الأدب يخرج الأدب المقارن من أطره ومحدداته التقليدية التي ساهمت في انتاج بعضها نتائج المدرسة الكولونيالية ونظريات بعض المستشرقين الذين ميزوا في أعمالهم بين أدب غربي مركزي ومتفوق وأدب غير غربي هامشي. في حين تسعى فكرة تحاور الآداب إلى الانتصار لمفهوم القيمة، فكل أدب وكل ثقافة تحمل قيما ذاتية خاصة بها أو تتقاسمها مع آداب وثقافات أخرى، وهذه القيم هي متفوقة وجميلة شكلا ومضمونا لذاتها وفي ذاتها وعند أصحابها، ولايمكن مفاضلتها قيميا مع مثيلاتها في الآداب الأخرى، أو إضفاء غطاء العلم والموضوعية على تلك المفاضلة.
وهكذا سيكون تحاور الثقافات الملاذ الآمن للتعايش بين القيم والأفكار في العالم، كما سيكون الضامن للتعددية والتنوع الثقافي والإنساني، بعيدا عن محاولة قولبة الثقافة الإنسانية تحت شعارات براقة تروم الهيمنة وإلغاء الآخر المختلف لأهداف إيديولوجية أو طائفية.
ضيفنا الكريم، فعلا إن تحاور الثقافات هو الملاذ الآمن للتعايش بين القيم والأفكار في العالم، وهو الضامن للتعددية والتنوع الثقافي والإنساني. نرجو لكم مزيدا من العطاء العلمي المتميز.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد