العربية والإعلام: الواقع والطموح

مشكلات تواجه اللغة في الإعلام وكيفية حلولها
قبل فترة وجيزة لم يكن في المكتبة العربية أى كتاب عن اللغة والإعلام إذا استثنينا كتابات د /عبدالعزيز شرف ، والآن خرجت بعض المؤلفات التى تتحدث عن اللغة والإعلام ؛ لأن معرفة الإعلاميين باللغة وجدتُه ينقسم إلى فريقين :
الفريق الأول : عرف من اللغة المصطلحات الإعلامية المتداولة ، وربما تدرب على الأداء الجيد ودرس المخارج والصفات عن طريق الدورات التى تُعقد للإعلاميين – كتدريس د . كمال بشر” نائب رئيس مجمع الخالدين ” كتابه فن القول ،وهو عبارة عن مقالات في الأداء الجيد ، ودور الحركة الجسمية ، وقواعد اللغة ، وكالفنان عبدالوارث عسر في كتيبه ” فن الأداء ” الذى كان يدرسه في أكاديمية الفنون ، وهذا فريق ندُر وجوده في الإعلام المرئى خاصة .
الفريق الثانى : لم يدرس اللغة البتة ، وهو معتمد على صورته وملبسه ، ولهجته التى تبدو أرستقراطية وتميل إلى تحريف الصفات وترقيق الحروف ، وتبديل المخارج … ويرون أن الإعلام ابن بيئته ولا مجال للحديث بالفصحى خاصة حال التعليق على الرياضة ، أو الحوار مع الممثل … إلخ .وللأسف إعلامنا كظاهرة اجتماعية مثل اللغة لم يعبر عنا .غير أنه للحق يمكن القول : إن كلا من الفريقين قد فتح الباب على مصراعيه ، وأوجد فجوة كبيرة بين اللغة والإعلام ، وصنع لغة خاصة به أضرت باللغة .
لغة الإعلام بين الفصحى والعامية
بالطبع لغة الإعلام نثرية ، وعرّف النقاد العرب النثر أنه : الكلام المرسل من قيود الوزن والقافية ، وقسموه على ثلاثة أقسام ، ثم أضافوا إليه قسما رابعا ، وهذه الأقسام هي : النثر العادي الاعتيادي الذي يستخدمه الناس في لغة تخاطبهم دون روية أو تفكير …
– النثر العلمي وهو الذي تصاغ به الحقائق العلمية .
– النثر الفني وهو الذي يرتفع عن لغة الحديث العادية ، ولغة العلم الجافة ، إلى لغة فيها فن ومهارة ، وأضاف أهل الصحافة والأدب – النثر العملي ( الصحفي ) وقالوا هو نوع يقف في منتصف الطريق بين النثر الفني والنثر الاعتيادي .
ونرى الإعلام استخدم اللهجة المحلية التي تسير في تركيبها حرة طليقة ولا تراعى القواعد فهى لغة خالية تماماً من الإعراب ، خاصة في تغطية الأحداث الرياضية أو الفنية – كما يقال – ، ولا مجال للقول بأن الإعراب مخترع كما قال محمد بن المستنير (ت206هــ ) المعروف بقطرب ، وكذا عدم مراعاة مطابقة الكلام لمقتضي الحال ( علم المعاني ) ، والقواعد المتعلقة بما تضمنته العبارات العربية – أحيانا -من محسنات لفظية ( علم البديع ) والافتقار إلى الثروة اللغوية ( متن اللغة ) فلا تتعدى الكلمات المستعملة في لغىة الإعلام سوى 10% من قاموس اللغة العربية … والعامية فقيرة كل الفقر في مفرداتها ، فلا يشمل متنها إلا الكلمات الضرورية الاعتيادية ، في حين عرف عن لغتنا الفصحى أنها أوسع اللغات ، ودقتها في إيصال المعنى ، وقدرتها على متطلبات العصر .
ومن الملاحظ انحراف العامية عن الفصحى بإبدال كثير من الحروف ، والقلب ، والنقصان والزيادة ، والنحت ، والتصحيف …إلخ دون ضرورة أو تناسب مع القوانين اللغوية لهذه الظواهر ؛ لذا فإننا نرفض العامية ، ورفضنا لها لأنها لا تصلح لغة إعلامية ، لكونها فقيرة ومضطربة كل الاضطراب في قواعدها وأساليبها … إلخ ، وبُعدها تماماً عن الفصحى ، وتعددها في الأقطار العربية …
فلغة الإعلام هي الفصحى لما تمتاز به من خصائص ومن حيث قدرتها الاتصالية بالجماهير على امتداد الوطن العربي جعلها أكثر وفاء لمطالب الإعلام وغاياته ، والإعلاميون يشترطون في اللغة الإعلامية الوظيفة الهادفة ، والوضوح ، والإشراق ؛ لأنه فنٌّ تطبيقي ، وكل هذا في اللغة الفصحى .
ولذا من أهم المشكلات التي تواجهنا ضعف الكوادر العاملة في الإعلام ( الصحفي – المذيع – المخرج – مقدم البرامج – كاتب السيناريو – المصور – المعد …. ) عن التحدث بالفصحى ، أو الأداء السليم .
لذا فإن إعداد كوادر إعلامية تعرف اللغة وسيميائية الصورة فرض عَين وضرورة عَصر … وهى بداية حقيقية لقيام إعلام عربي متميز ، وقد ألف الفنان عبد الوارث عسر كتابه الشهير ” فن الإلقاء ” وكان يدرس في أكاديمية الفنون .
– قلة الأجهزة المساعدة ، كمعامل الأصوات ، للتدريب على الأداء السليم ، ولذا نعيب على كليات وأقسام الإعلام إغفال ذلك الجانب المهم ، وصبّ جل مناهجها على النظريات الإعلامية نسبة تزيد على 70/ تقريباً ، فالإعلامي لم يتدرب على فنّ الإلقاء ، أو الأداء الجيد قبل أن يجلس أمام الآلة الإعلامية .
– طغيان اللهجات المحلية على الفصحى في الإعلام العربي ، لأنها تعرقل شيوع الإرسال الإعلامي في أقطار الوطن العربي وتحد من تأثيره المرجو ، وتبدد الجهد المبذول فيه فلا ينتفع به في نطاق واسع ، ولذلك فإن مجابهة هذه اللهجات في وسائل الإعلام عامة كسب كبير للإعلام العربي بقدر ما هو كسب للغة القومية ووحدة الفكر العربي .
– تَبعيت بعض القنوات الناطقة بالعربية لدول أجنبية ، وثمة احتكار للأنباء من وكالات أنباء يسيطر عليها اليهود في العالم ، ويشير البحث – هنا – إلى أن قضية التبعية الإعلامية واحتكار الغرب للإعلام أجهزة ومضموناً ، وكوادر ، من القضايا المؤرقة للزعامات الوطنية في العالم كله ، ولذا نرى العمل على تعريب هذه الآلات خاصة الحواسيب في تكنولوجيا الاتصال ، وصد هذه الهجمات الشرسة ضد اللغة والهوية ، ولا غرو في ذلك ، ففرنسا تجاهد في إعلامها ضد الغزوات الثقافية الأميركية للغتها وتصنع لها معجماً تاريخياً … وكذا تفعل ألمانيا وروسيا …. إلخ ، فلماذا لا نصنع معجماً تاريخيا يسرد لنا تاريخ الكلمة حتى وقتنا الحاضر ؟ .

لهذا كله …
كنا في حاجة إلى لغة فصحى مفهومة سهلة المنال لنرتقى بالمشاهد أو السامع ، ليست بالعسيرة ولا الدارجة ،تخاطب المتعلم والأمي معاً ، وتفى باحتياجات التطور والمعاصرة ، بحيث تصبح القضية هى نجاح الاتصال بالجماهير بلغتنا العربية ، وعلى الدول العربية أن تفحص القيود المادية والإدارية بغية التعاون على حلها ، وذلك أن تعميم اللغة المشتركة والتقريب بين اللهجات لن يتم ما لم يتدفق الإعلام من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل في القناة بين القادة والشعوب العربية .
ونحتاج إلى المزيد من الأبحاث في هذا المجال باعتباره فتح جديد يتنازعه اللغوي والإعلامي والفيلسوف … إلخ لنوفر الأطر الفكرية الملائمة التي تقودنا للارتقاء لغة الإعلام ، وما ذلك على أولى العزم ببعيد .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ محمود مبارك الشاذلى
    محمود مبارك الشاذلى

    مقال رائع … فقد سئمنا هذه اللغة الإعلامية الرديئة ونريد أن نرتقي بلغة الإعلام العربى فى كل الوسائل

  2. الصورة الرمزية لـ أبو عبد الرحمن حمدى البندارى
    أبو عبد الرحمن حمدى البندارى

    قضية مهمة … شكرا لك أخى د محمد مبارك الشاذلى ، وأنت ابن بجدتها كما يقال عندكم فى اللغة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: