مؤتمر العرب في إفريقيا قبل الإسلام: البيان الختامي والتوصيات

توصلت إدارة شبكة ضياء من اللجنة المنظمة لمؤتمر “العرب في إفريقيا قبل الإسلام” بالبيان الختامي الذي صدر عن المشاركين في أشغاله وجلساته العلمية. وإذ نقدر شكر الجهة المنظمة وثقتها، فإننا نبادر إلى نشر البيان والتوصيات تعميما للنتائج العلمية القيمة على عموم الباحثين والمهتمين:

البيان الختامي

بعد ما يقارب السنة والنصف من التعاون والعمل الدؤوب، بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء المملكة المغربية؛ ومركز الحصن للدراسات والبحوث بأبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة؛ توفقت اللجنة المنظمة في إعداد لقاء دولي في موضوع “العرب في إفريقيا قبل الإسلام”، أيام 20-21-22 يناير 2015 بالرباط؛ شاركت فيه ما يقارب عشرين جامعة عربية وأجنبية، من عشرين دولة؛ ببحوث ودراسات قيمة، من تخصصات مختلفة شملت التاريخ والآثار والوراثة واللغة والجغرافيا والأديان وغيرها؛ من طرف أساتذة مختصين؛ اختيرت بحوثهم من طرف لجنة علمية، من بين ما يزيد على مائة طلب مشاركة قدمت للمؤتمر.
قبل وصول ضيوف المؤتمر إلى مقر الفعاليات، توصل السادة المشاركون جميعا بنسخة إلكترونية أرسلت إليهم قبل أيام من مجيئهم إلى عاصمة المملكة المغربية الرباط، حتى يتسنى لهم الاطلاع المسبق على أعمال زملائهم والتعليق عليها؛ وعند وصولهم توصلوا بالنسخة الأولية المطبوعة من الكتاب.
قام مركز الحصن بأبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة الشقيقة، بتوفير أحسن الظروف المادية واللوجستيكية لإنجاز هذا الملتقى، وقامت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بتوفير أنسب الظروف العلمية، والأطر الأكاديمية التي تابعت هذا الإنجاز من التحضير إلى التحقق؛ وكانت الشراكة الموقعة بين الشريكين (المركز والكلية) إطارا أساسيا، انصهرت فيه جهود أعضاء المؤسستين لتحقيق نجاح المؤتمر المادي والمعنوي الكبير. من أجل ذلك فإننا باسم جميع المنظمين والمشاركين والحضور الكرام، نشكر المؤسستين والساهرين عليهما والمنظمين للفعالية، على كل دعمهم وعنايتهم التي أولوها للمؤتمر وضيوفه الكرام؛ ونتمنى لهم مزيدا من التوفيق.
عالج المؤتمر في دورته الحالية مسلّمة ما زالت تردِّدها جهات عديدة عن تاريخ العرب قبل الإسلام، ومفادها أن العرب لم يكن لهم وجود في إفريقيا قبل مجيء الإسلام، الذي نقلهم من الجزيرة العربية إلى مختلف بلاد العالم، بما فيها إفريقيا، وجعلهم ينشرون لغتهم وثقافتهم ودينهم؛ أحيانا بطرق سلمية؛ وفي غالب الأحيان بالجهاد والسيف. وبناء على هذه المسلمة اتخذت جهات مختلفة، مواقف عدائية من العرب وتاريخهم ودينهم باعتبارهم مجرد غزاة لإفريقيا ومناطقها المختلفة، لا تاريخ ولا حضارة لهم فيها.
ساهم المؤتمرون كل من زاوية تخصصه في معالجة القضايا المطروحة في محاور هذه الدورة؛ ومثّل المؤتمرون مختلف ألوان الطيف الموجودة. منهم من لم يحد كثيرا عن المسلمات القائمة، ومنهم من سار إلى أبعد الحدود حتى جعل إفريقيا هي أصل العرب ومنطلق وجودهم وحضارتهم، وليس العكس. وبين هذين الطرفين غطت تدخلات المؤتمرين أغلب المحاور المقترحة، واتفقت جميعها على أن تواصل العرب مع إفريقيا قديم وعريق قبل الإسلام، وهناك العديد من الأدلة العلمية على ذلك من جميع التخصصات ؛ فخرائط اليونان والرومان والمدن والموانئ والمراكز الحضرية التي أنشأها العرب في العالم الإفريقي القديم وسواحله بينت أهمية الوجود العربي وارتباطه العضوي بإفريقيا. كما أن المعطيات التاريخية والوراثية والأثرية والنقشية والمدونات القديمة، والتأثيرات الحضرية التي كشفت عنها الحفريات والمواد الأولية والمنتجات التي برعوا في صناعتها، والحرف والفنون تبرز إلى أي حد كان العرب حاضرين وفاعلين في عالم إفريقيا القديم قبل الإسلام؛ بالإضافة إلى أن معطيات اللسان واللغات القديمة، والخطوط الفينيقية والبونية والمسند التي تبناها العالم القديم، والمصادر الدينية والنصوص الكلاسيكية والملاحم القديمة والأساطير؛ سواء في شرق إفريقيا وبلاد الحبشة وإريتريا والسودان ومصر، أو في شمال إفريقيا وحوض المتوسط، أو في الساحل والصحراء الكبرى، وشمال البلدان المطلة على غرب إفريقيا؛ أظهرت إلى أي مدى كانت مساهمة العرب الإنسانية والحضارية المتعددة. لم تقتصر المشاركات على بيان الجوانب التاريخية القديمة فقط، بل إن منها من أثار المشاكل الآنية العملية والذهنية التي توجد بين الأفارقة والعرب اليوم، ومنهم العرب الأفارقة، والأفارقة غير العرب، والعرب غير الأفارقة، وهي مشاكل لا يستهان بها، تحتاج إلى دراسات علمية رصينة واقتراحات ناجعة من أجل لم الشمل ونبذ الفرقة.
وصل المؤتمر إلى أهدافه المسطرة، شكلا ومضمونا؛ وكان الجانب العلمي في المستوى المتوقع والمطلوب؛ بما حمله من جودة المداخلات وتنوعها؛ وتعدد التخصصات، وملامستها لأهم الأسئلة الواردة في محاور ورقة المؤتمر.
إن غنى النقاش الذي عرفته الجلسات، أفرز بدوره أسئلة أخرى جديدة، جعلت المشاركين يتطلعون إلى نسخ ودورات قادمة تعالج باقي القضايا والإشكالات، وتدفع إلى مزيد من البحث والدراسة والتنقيب على كثير من المستويات: المفاهيمي والنقدي والميداني.
لهذا ترى اللجنة العلمية أن أهم نجاح حققه المؤتمر إضافة إلى ما سبق، هو اكتشاف وجمع أساتذة باحثين من جامعات عربية وأجنبية مختلفة، مستعدين للتعاون النظري والميداني، والمشاركة في عمل عربي علمي، عالمي متعدد التخصصات؛ يقدم إضافة جديدة مختلفة للبشرية عامة وللحضارة العربية خاصة، يتصف بالعلمية والموضوعية والأصالة، وبجهود عربية ذاتية.
إن هذا المؤتمر هو انطلاقة لمشروع كبير، يبدأ بالتواصل بين الباحثين والمفكرين والأساتذة من جامعات عربية وعالمية متعددة، والتوعية بأهمية الموضوع، والدعوة للمشاركة في أشغاله، من خلال مؤسسات المشاركين وتخصصاتهم وميادين اشتغالهم؛ من أجل إعادة النظر والبحث ومناقشة العديد من المسلمات الرائجة، عن العرب وتاريخهم وحضارتهم وهويتهم؛ والتي روّجتها من قبل دراسات وأبحاث استشراقية واستعمارية، صارت هي المنطلق المعرفي للبحث في ما يتعلق بالعرب، وخصوصا قبل الإسلام؛ ومحاولة إنشاء مدرسة معرفية علمية تكتب التاريخ العربي القديم، من جديد.
بعد التقرير العام للمؤتمر نقدم أهم التوصيات التي وصّى بها المؤتمرون ومن خلال اللقاء الختامي للمؤتمر، وهي كما يلي:
على المستوى العلمي:
تنظيم دورات سنوية أو كل سنتين للمؤتمر، وأن تتناول الدورات المقبلة أحد المواضيع الآتية: “التراث المادي للعرب قبل الإسلام” و “المنهج في دراسة التاريخ العربي قبل الإسلام” و”التاريخ العربي قبل الإسلام من خلال الشواهد الأثرية” و”الدراسات اللغوية في المجال العربي قبل الإسلام”…
تأسيس مجلة محكمة متعددة التخصصات تهتم بالقضايا المرتبطة بالحضارة العربية قبل الإسلام، (وهناك من يقترح الانفتاح على المراحل الإسلامية)، واعتماد لجنة دولية للقراءة واتخاذ القرارات العلمية وتحكيم المشاريع والدراسات المقترحة.
إنشاء موقع إلكتروني متخصص باللغتين العربية والإنجليزية. يعمل على نشر جميع الأعمال المرتبطة بالموضوع، ومناقشتها في منتدى الموقع.
المستوى البيداغوجي/الأكاديمي:
تشجيع المختبرات في الوطن العربي على الاشتغال وإنجاز بحوث علمية حول تاريخ وحضارة العرب قبل الإسلام، وإشراك الطلبة في المشروع.
خلق تكوينات متخصصة في موضوع العرب قبل الإسلام على مستوى الماستر والدكتوراه في الوطن العربي.
ضرورة الاهتمام بالعمل الميداني وإدراجه في البرامج المقررة في الجامعة.
المستوى الاستراتيجي:
تكاثف الجهود والتعاون بين الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي.
خلق شبكة من الباحثين العرب في الموضوع، لتبادل الخبرات والتجارب والمعلومات، والتواصل مع نظرائهم في إفريقيا وباقي دول العالم.
خلق بنك معلومات يضم المصادر والمراجع ومنشورات السادة المشاركين.
الانفتاح على الإنتاج العلمي الغربي والإفريقي المرتبط بالعرب قبل الإسلام، وترجمته إلى العربية. وترجمة أعمال الباحثين العرب إلى اللغات الأجنبية بدءا من ترجمة كتاب المؤتمر الأول إلى الإنجليزية.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد