ندوة الرحلة والهجرة: لقاء المغاربة بالحداثة

بعد النجاح الذي حققته فعاليات الندوة الدولية حول ’تمثلات باريز عند المغاربة‘ (نوفمبر 2014)، تتعاون نفس بنيات البحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لتنظيم ندوة دولية في موضوع ’’الرحلة والهجرة : لقاء المغاربة بالحداثة‘‘ يومي 8 و9 دجنبر 2015.

ممّا لا شك فيه أن مفهوم الحداثة صار أنموذجا أساسيا ومرجعا لا محيد عنه بصعود أوروبا إبّان العصر الحديث وهيمنتها وإشعاعها على الساحة الدولية. ونتيجة لحركة الاتصالات والتبادلات والنزاعات، فرضت هذه الحداثة الغالبة المكتسحة نفسها على المجتمعات غير الأوروبية فرضا، وخلقت تفاعلات وسَمَت وما زالت تسِم بقوة العلاقات القائمة بين الدول والأمم والحضارات.

وإذا كان مصطلح الحداثة اللاتيني متأخرا نسبيا ابتدعه على الأرجح الشاعر الفرنسي بودلير للدلالة على الحديث العهد والجديد، فإنه انتهى إلى تعيين وقائع وسمات حضارية ظهرت وتبلورت وتطوّرت في المجال الثقافي الأوروبي بصورة تدريجية ابتداءً من القرن السادس عشر الميلادي : تعظيم حرية الفرد وحقوقه، وإعلاء شأن العلم والاكتشافات والاختراعات التقنية، وإبراز طريقة جديدة في الحكامة تقطع مع طرق الاستبداد واللاهوت، والرفع من وضع اجتماعي يتخلى فيه الدين عن تدبير المجال العمومي ويتقلص في المجال الخاص. وهكذا، أصبحت الفردانية، وحرية الرأي، والفكر النقدي، والنزعة إلى التغيير، مظاهر جوهرية للحداثة. فباسم هذه القيم وبفضل سلاحها، رسخت أوروبا مكانتها الدولية، وعملت على فرض نظام جديد على الأمم الأخرى.

في هذا السياق، سعت الدول الأوروبية إلى مزيد من التحديث والهيمنة على فضاءات ومناطق نفوذ جديدة توجد خارج قارتها، واستعملت الحرب أداة لفرض مشاريعها على الآخرين. فبعد غزو الأمريكيتين، دارت الدائرة على إفريقيا وآسيا. وكان لا بد للعالم العربي الذي ظل دوما على اتصال بأوروبا من التعرف على هذه الأخيرة في مرحلة التوسع انطلاقا من مطلع القرن التاسع عشر.

ولم يسلم المغرب من هذا المدّ، إذ اضطر إلى فتح حدوده وقبول أنواع شتى من الاتفاقيات كانت تجري دائما لصالح الأوروبيين، ثم انتهى به الأمر إلى فقدان سيادته. وفي هذا الإطار، اضطر المغرب للتعرف على أوروبا عن كثب، واكتشاف بعض تجليات الحداثة في دول إسبانيا و فرنسا وإنجلترا.

فبعدما كانت مزهوّة بأنفتها الوطنية والثقافية بقدر ما كانت منكمشة على ركائزها وقيمها وهويتها لاتنفتح على اوربا الا بصورة خجولة وحذرة، استسلمت السلطنة الشريفة إلى الأمر الواقع في نهاية المطاف.

وقد تجلى هذا الواقع الجديد على أرض السلطنة في عدة مجالات أبرزها ما حدث في مدينة طنجة من تغلغل أجنبي شجّع على تواجد جماعة أوروبية قوية جدا فيها منذ نهاية القرن التاسع عشر، ممّا خلق فجأة وضعية ساهمت في حركية الاتصالات والتبادلات الثقافية والاجتماعية. كما برز هذا الواقع الجديد من خلال الرحلات الرسمية التي قام بها السفراء والمبعثون المغاربة إلى أوروبا منذ منتصف القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين. وانكشف أيضا من خلال مساهمة الجنود المغاربة في المجهود الحربي على مسرح العمليات العسكرية بأوربا. وأخيرا تأكد هذا الواقع الجديد بسبب ظاهرة الهجرة التي انطلقت في القرن العشرين ولم تتوقف بل تطورت وأدت إلى الإقامة الدائمة لجالية مغربية كبيرة جدا بفرنسا أولا ثم بمجتمعات استقبال أوربية أخرى.

نقترح، في هذه الندوة الدولية، فحص لقاء المغاربة بالحداثة ونفض الغبار عن هذه الظاهرة الفريدة من خلال واقعتين اثنتين كبيرتين دفعت بهؤلاء إلى الاحتكاك بأوروبا، وهما الرحلة والهجرة. ونسعى إلى أن يكون تناول هذا الموضوع من وجهات نظر وتخصصات متعددة مستهدفين بذلك الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية معا، لأننا نطمح إلى رسم صورة شاملة عن هذا اللقاء واستخلاص حصيلة مركزة عن أهم التبادلات التي سمحت بها.

إذا كان من البديهي أن اتصال المغاربة بالحداثة التي جسدتها أوروبا كشف للعيان تفاوتا زمنيا وذهنيا وزعزع البنيات الاجتماعية والذهنية والمؤسسات التقليدية، كيف أدرك المغاربة الحداثة، وكيف تصوّروها، وكيف وصفوها، وكيف حكموا عليها، وكيف عاشوها على مدى الأجيال حسب الفترات والسياقات المختلفة ؟

ما هي المواقف التي أثارتها هذه الحداثة ؟ وما هي القراءات والتأويلات والتأملات التي ولّدتها ؟

ما هي الدروس التي أوحت بها للرحالة المغاربة مفارقات اللقاء مع المجتمعات الأوروبية ؟ وما هي العبر التي استخلصها المهاجرون المغاربة من عقد ألوان المقارنة بين المجتمعات التي استقبلتهم ومجتمعهم الأصل ؟

ما هي التوترات التي أسفرت عنها هذه الحداثة بين الرؤى والأدلوجات الخاصة بكل مجتمع من هذه المجتمعات ؟ وما هي التبادلات التي عزّزتها في أرض الوطن ودفعت بها إلى الأمام في بلدان المهجر ؟

ما دامت الحداثة وثيقة الصلة بمسألة التحديث الجوهرية، وما دام هذا التحديث رهانها الأساس، كيف عالجت الدولة والنخب والرأي العام المغربي هذا الإشكال ؟ هل أدرك الرحالة والمهاجرون المغاربة الرابط الناظم بين الحداثة وبين قوة أوروبا وجبروتها ؟

وما دامت الحداثة لصيقة بسيرورة تاريخية واجتماعية وثقافية داخلية، هل تصوّر الرحالة والمهاجرون المغاربة إمكانية بلورة مفهوم خاص للحداثة يكون ملائما لثقافتهم ومسيرتهم التاريخية ؟

يمكن لهذه الأسئلة ومثيلاتها أن تغذي أو تـُلهِم الباحثين الذين يرغبون في المشاركة في هذه الندوة الدولية التي نتمنى أن تكون غنية ومثمرة.

انبثقت فكرة هذه الندوة الدولية بفضل مبادرة تقدمت بها ’فرقة البحث في الكتابات الهوياتية ببلاد المغرب‘، وتتعاون معها في تنظيمها بنيات أخرى بكلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان، وهي ’شعبة اللغة والآداب الفرنسية‘، و’مختبر حوار الثقافات والابحاث المتوسطية‘، و’فرقة البحث حول السينما والدراسات السمعية والبصرية‘، و’فرقة البحث في ثقافات المجتمعات المتوسطية‘. وملتقى الدراسات المغربية والاندلسية و فرقة البحث في التنمية بجهة طنجة تطوان .

ستنعقد الندوة ما بين 8 و9 دجنبر عام 2015 برحاب كلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان.

ترسل عناوين المداخلات وملخصاتها (من 10 إلى 15 أسطر) إلى العنوان الالكتروني لنائب العميد المكلف بالبحث العلمي والتعاون الأستاذ مصطفى الغاشي[email protected] قبل متمّ 31 يوليوز 2015.

أما نصوص المداخلات المقبولة من طرف اللجنة المنظمة، فترسل إلى نفس العنوان يوم 30 شتنبر 2015 على أبعد تقدير.

******

منسق الندوة الأستاذ العميد محمد سعد الزموري

الأساتذة أعضاء اللجنة المنظمة :

محمد سعد الزموري، مصطفى حنفي، عبد الإله الخليفي، مصطفى الغاشي، حميد العيدوني، نزار التجديتي، عبد اللطيف شهبون، عبد السلام بوغابة.

*******

اعضاء اللجنة العلمية:

محمد سعد الزموري، مصطفى حنفي، عبد اللطيف شهبون، نزار التجديتي، محمد اليوبي الادريسي


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد