أهداف التنمية غير المستدامة … نايري وودز

 نايري وودز مديرة برنامج الحوكمة الاقتصادية العالمية في جامعة أكسفورد
نايري وودز
مديرة برنامج الحوكمة الاقتصادية العالمية في جامعة أكسفورد

إن المجموعة الجديدة من الأهداف العالمية (أهداف التنمية المستدامة) تهدف إلى البناء على هذا التقدم، وهذا لا يعني القضاء على الفقر فحسب؛ بل أيضا معالجة عدد من التحديات الأخرى مثل توسيع فرص الحصول على التعليم وحماية البيئة، ولكن في هذه المرة هناك رياح معاكسة قوية.

إن التطورات الجيوسياسية الأخيرة مثل أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط تساهم في تعقيد ميزانيات وأجندات الحكومات، كما أن أسعار السلع الأساسية واستثمارات الاقتصادات الناشئة -وهي عوامل ساعدت في إحراز التقدم تجاه تحقيق أهداف التنمية للألفية- هي الآن في حالة تراجع علما أنه بدون ابتكار جريء فإن أجندة التنمية الجديدة لن تكون مستدامة على الإطلاق.

يتم حاليا إعادة توزيع ميزانيات المساعدات لكبار الجهات المانحة بشكل غير معلن، وبالنسبة لمعظم الدول المانحة الكبرى فقد تم إعادة توزيع المساعدات لوقف تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط وخاصة سوريا. لقد غيرت أزمة اللاجئين كذلك الأولويات المحلية؛ ففي السويد يتم حاليا استخدام 30% من ميزانية المساعدات للاعتناء باللاجئين الذين يصلون إليها، وفي سويسرا يصل الرقم إلى 20%.

يتم إعادة توزيع أموال المساعدات الأخرى من الجهات المانحة الرئيسية لغايات الأمن، بحيث تخصص للتأقلم مع التغير المناخي وتخفيف آثاره، بالإضافة إلى التعهد بمنح تلك المساعدات لتحقيق الأهداف الوطنية الأخرى. وفي المملكة المتحدة على سبيل المثال فإن التحول تجاه تخصيص الموارد لتحقيق أولويات تحقق المصلحة الوطنية كان واضحا في إستراتيجية المساعدات الجديدة في 2015.

بالنسبة للاقتصادات الناشئة فإن تدفقات المساعدات الجديدة لا تبدو واعدة كما كان عليه الحال قبل خمس سنوات؛ فحسب إحدى التقديرات فإن المساعدات الصينية ارتفعت من 630 مليون دولار أميركي سنة 2000 إلى 14.4 مليار دولار أميركي في الفترة من سنة 2010 إلى 2012، ولكن التباطؤ الاقتصادي الحالي في البلاد قد يؤدي لتباطؤ النمو في ميزانيات المساعدات، ومن غير المحتمل أن تعوض الاقتصادات الناشئة الأخرى هذا النقص؛ فالبرازيل التي كان يشار إليها سنة 2010 على أنها “دولة مانحة صاعدة” تعيش حاليا أزمة اقتصادية وسياسية، وهي نفس الأزمة التي تعيشها جنوب أفريقيا.

لقد زاد من تلك التحديات بالنسبة للدول النامية القوانين المالية الجديدة في الدول المتقدمة والتي تعيق تدفقات الاستثمارات والتمويل للدول النامية. إن ما يضعف إيرادات الاقتصادات النامية بشكل أكبر هو تباطؤ الطلب العالمي وانهيار أسعار السلع الأساسية والتي كانت كارثية بالنسبة لمعظم الدول النامية طبقا للحائز على جائزة نوبل أنجس ديتون، وتتويجا لذلك كله فإن السياسات النقدية التوسعية التي تبنتها الاقتصادات الرئيسية تعمل على زعزعة الاستقرار.

وفي هذا السياق الصعب فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة -وهي أهداف طموحة في أفضل الأوقات- سيتطلب جهود جبارة. إن تعزيز فرص النجاح سيتطلب أولا وقبل كل شيء استخدام كل دولار موجه للتنمية بأكبر قدر ممكن من الكفاءة، ويعني هذا إعادة التفكير بكيفية تقديم المساعدات وطرح أسئلة صعبة على الشبكة المعقدة من الوكالات الدولية التي تقوم بتقديمها، ليس أقلها عن فعالية عملياتها من حيث التكلفة.

أنظر لبرنامج الغذاء العالمي والذي أعلن في يوليو/تموز 2015 أن ليس لديه أي خيار سوى تخفيض المساعدات للاجئين السوريين في الأردن ولبنان، وهي خطوة خاطرت بترك 440 ألف لاجئ بدون طعام، مما قد يؤدي لمزيد من الرحلات الخطرة عبر البحر الأبيض المتوسط.

إن هذا القرار يعود جزئيا للتدفقات المالية غير الكافية، ولكن ربما يعود ذلك أيضا لتكاليف عمليات برنامج الغذاء العالمي نفسه؛ حيث تشير مراجعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لبرنامج الغذاء العالمي إلى أن “التكلفة العالية للخدمات اللوجستية” بالإضافة إلى “المشاكل في استخدام المناقصات العالمية” تؤثر سلبا على الفعالية والكفاءة.

بينما لم يقدم أي شخص مقارنة بسيطة وصريحة للقيمة مقابل المال بين برنامج الغذاء العالمي والجهات الأخرى التي تقدم المساعدات؛ فإن بعض المنظمات تتمتع بكفاءة عالية. يبدو أن “براك” وهي منظمة تنمية بنغالية تعرف بأنها “أضخم منظمة غير حكومية في العالم” قادرة على تقديم المساعدات مقابل جزء صغير من التكلفة التي تتحملها المنظمات العالمية التي يهمين عليها الغرب.

وكما أشارت وكالة التنمية الدولية البريطانية لتبرير دخولها في شراكة إستراتيجية مع منظمة براك، فإن براك تبتكر من أجل استجابة أكثر فعالية لاحتياجات الفقراء المحددة؛ فعلى سبيل المثال ابتكرت براك عملية استخدام تقنية الهاتف النقال في الرعاية الصحية ودافعت عن تقديم المبالغ النقدية -أو الأصول التي تدر الدخل- لأولئك الذين يعيشون في فقر مدقع.

إن دفع الأموال النقدية هو قضية تثير الاهتمام، وإن فكرة منح الأموال لأكثر الناس حاجة هي فكرة واضحة وقوية، ولكن هذه الفكرة كانت دوما تتعارض مع الاعتقاد “الفيكتوري” بأن الفقراء مبذرون، ومن المرجح أن يضيعوا تلك الأموال على الكحول والسجائر والقمار.

لكن هذا لم يحصل في المكسيك عندما تلقت العائلات الفقيرة مبالغ نقدية، وعوضا عن ذلك أصبح أطفالهم يتمتعون بالتغذية الجيدة والصحة بشكل مشابه لأولئك الذين يتلقون المساعدات من برنامج الغذاء الذي يكلف أكثر من 20% من أجل إدارته، ولقد كانت هناك نتائج مماثلة في الإكوادور والهند وأوغندا، بالإضافة إلى برامج المساعدات الإنسانية العالمية. وقد أظهرت دراسة في زيمبابوي أنه بينما يستخدم الفقراء المبالغ النقدية التي اكتسبوها حديثا في شراء البضائع والخدمات من الآخرين في مجتمعاتهم، فإنهم بذلك يساهمون في توليد المزيد من الدخل للآخرين.

بالطبع ليس بالإمكان استبدال جميع المساعدات بتحويلات نقدية، ولكن في بعض الحالات فإن مثل هذه المقاربة تعطينا فرصة تحقيق مكتسبات كبيرة فيما يتعلق بالفعالية والكفاءة مقارنة بالمساعدات التي تقدم من خلال مؤسسات معقدة ومكلفة.

تخيل إزالة تكاليف تصميم برامج معقدة وشروط وأنظمة مراقبة وبرامج تدريب بالنسبة للفقراء، وتخيل كذلك برنامج غذاء عالمي لا يقوم بترتيب الخدمات اللوجستية والمشتريات والتخزين والتوزيع لما يصل إلى 3.2 مليون طن متري من الغذاء ولا يستغرق 120 يوم في الحصول على الغذاء وتوزيعه للبلدان المتلقية.

يشير برنامج الغذاء العالمي إلى أنه يقوم حاليا بزيادة استخدامه للنقد وقسائم الشراء. ربما يجب الضغط عليه من أجل تبرير استخدام أي شيء آخر، كما تجب مقارنة تكاليفه الإدارية في توزيع المبالغ النقدية مع منظمات مثل براك.

في بيئة اقتصادية وجيوسياسية صعبة على المستوى العالمي فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة سوف يكون ممكنا فقط لو استخدمنا بشكل فعال كل دولار من دولارات التنمية المتعددة الأطراف، ويمكن أن يعني هذا إعطاء المزيد من الدولارات بشكل مباشر لأولئك الذي يحتاجونها.

المصدر : بروجيكت سينديكيت


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد