عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ … د. نور أفشان

الدكتورة نور أفشان – مديرة التحرير لمجلة التلميذ

هى الأستاذة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطى من أشهر الكتاب العرب المعاصرين بل أبلغهم فى العكوف على الدراسات القرآنية و الإهتمام بها.ظهرت على الصعيد الأدبى كقصاصة نسوية و ناقدة أدبية و صحفية بارزة و هى فى الثلاثينات من عمرها. و لكن ذاع صيـتـها فى أنحاء العالم العربى و الإسلامى بما كتبت الأدبية العالمة فى الدراسات القرآنية و سيرة أهل البيت و خاصة عن أم النبى صلى الله عليه وسلم “السيدة آمنة بنت وهب” . و لها عشرات من الدراسات حول أبى العلاء المعرى.

ولدت سنة 1913م فى الشاطى النيل من فرع دمياط. والدها العارف بالله الشيخ محمد بن على بن عبد الرحمن من كبار العلماء الأزهر بدمياط، شريف ابن شريف ينتهى نسبه الى “الحسين بن على ابن أبى طالب”. و أسرة الوالد تنتمى إلى “الشيخ المدمهوجى” من كبار علماء الأزهر و مشائخه. (1)

وتلقت الدكتورة عائشة بنت الشاطى العلوم العربية و الإسلامية على منهج الأزهر الشريف على يد والدها و زملائها الشيوخ من علماء الأزهر بالمعهد الدينى الأزهرى بدمياط. بدأت دراستـها الجادة المنظمة فى عام 1918 م وهى فى الخامسة من عمرها عندما أدخلها والدها إلى كتاب الشيخ مرسى لحفظ القرآن الكريم و كانت قبل ذلك قد حفظت بعض الآيات و السور من القرآن الكريم. و عندما حصلت عائشة على شهادة الإبتدائية كانت قد جاوزت العاشرة التى حددها والدها لحجزها فى البيت ، و لكنها كرهت أن تبقى فى دارها بينما زميلاتها يواصلن تعليمهن فى المدرسة الراقية. خاصة و أنها كانت الأولى بين الناجحات،و وافق والدها بعد تردد مبدئى و بفضل وساطة جدها و أمها و بعض الشيوخ على إدخالها فى المدرسة العصرية حيث أتمت تعليمها بنجاح ثم حاولت الالتحاق بمدرسة المعلمات فى المنصورة حيث غامرت بالسفر إليـها بتشجيع من أمها عندما كان والدها غائبا عن دمياط، و لكن والدها بعد عودته من السفر سحب كل أوراق التحاف بتلك المدرسة. و نهائيا نجحت فى الالتحاق بمدرسة طنطا و أدت امتحان شهادة الكفاءة للمعلمات، و بعد صعوبات شديدة و وساطات عديدة وافق الأب على أن تعمل مُدرِّسة للبنات بالمنصورة، و فى السنة التالية مباشرة تقدمت من المنـزل إلى امتحان الكفاءة الثانوية رغم أنها كانت تقوم بتدريس أربع و ثلاثين حصة أسبوعيا، فأعجب مراقب تعليم البنات بأجوبتها فأمر بنقلها من وظيفتها كمعلمة إلى وظيفة كاتبة بكلية البنات بالجيزة.(2)

و حصلت على ليسانس فى الآداب عام1939 م و كانت رسالتها عن “الحياة الإنسانية لأبى العلاء”و بعد ثلاثة أعوام أى فى عام 1944 م حصلت على شهادة الدكتورة و كان موضوعها ” دراسة نقدية لرسالة الغفران” . (3)

و تدرجت فى المناصب الجامعية فكانت أستاذة كرسى اللغة العربية و آدابها بجامعة “عين شمس” سنة 1962م ، و استقرت استاذة التفسير و الدراسات العليا بكلية الشريعة جامعة القرونين سنة 1970 م. (4)

و تقول “الدكتورة عائشة بنت الشاطى ” عن تعليمها:

” تعلمت على منهج الأزهر فكان القرآن كتابى الأول و حتى الآن و اعتبـره كنـزى الأعلى و كان يدفعنى إلى العلم الوراثة ، حب العلم الذى كان يجرى فى دمى ، لقد كان أبى عالما فأحببت العلم ،و عندما وقف فى طريقى ليسلبنى ما ورثته عنه حاربته و انتصرت عليه .”(5)

ومن أساتذتها بالجامعة الأستاذ مصطفى عبد الرازق و الأستاذ أحمد لطفى السيد و طه حسين، و كانت قد أعدت رسالتها للدكتوراه تحت إشراف الدكتور طه حسين، و من اساتذتها أيضا المستشرق الألمانى الشهير (يوسف الشاخت) و تقول عنه:

” شاخت كان أستاذا فى جامعتنا ( الأزهر) يدرس لنا فقه اللغة و يرتدى ذى العلماء”(6)

وكذلك زوجها أمين الخولى من أساتذتها. كانت ترتبط به فتقول عنه:

” كنت أجد فيه الأستاذ و الموجه و الزميل و الصديق و أشعر نحوه بمثل ما يشعر به المريد نحو شيخه، و حين عز على أن استغنى على أستاذى تزوجته بعد تلك السنوات الطوال من التفاهم النفسى و التجاوب العقلى و الانسجام الروحى و حسى من زمانى أنى لقيته.”(7)

كانت عائشة عبد الرحمن تحب أن تختار لها اسما مستعارا لــــ كتابة، فاختارت لقب بنت الشاطى لأنها كانت ولدت و ترعرعت على شواطى “دمياط” فتقول فى زكرياتها:

“أمضيت صباى ألعب على شاطىء فرع دمياط. كنت أنزل فى الماء أنا و البنات و نصطاد السمك أو أصعد معهن على ظهر المواكب التجارية الاتية من الشام نسهر و نسمر أو نركب قاربا بشراع يزحف بنامع التيار إلى البحرالواسع عند رأس البـر ثم نعود آخر النهار . عشت على الشاطى أهلى أيام عمرى، و تأثرت بالشاطى و بناسه و واقعه فأهملن لأمه. (8)

و تقول الأستاذة فرحانة الصديقى فى كتابها “دور المرأة فى اثراء اللغة العربية و آدابها عبر العصور ” بالنسبة لاسمها المستعار بنت الشاطى: “إنها اتخذت هذا الاسم لتكتم هويتها من أبيها.(9)

من أجل هذا أطلقت على نفسها اسم بنت الشاطى. و قد بدأت حياتها الأدبية بكتابة أبحاث حرة عن الريف المصرى و عن قضية الفلاح.و نشرت هذه الأبحاث فى الأهرام عام 1939 م لأول مرة بتوقيع ” بنت الشاطى” الذى عرفت و اشتهرت به بعد ذلك.(10)

كانت بنت الشاطى كاتبة و مفكرة و أستاذة و باحثة . لها مساهمة كبيـرة فى الأدب العربى الحديث. فكتبت فى مجال التفسير و الدراسات القرآنية. فتعد أولى النساء المسلمات التى اسهمن فى هذا المجال فى العصر الحديث.

فيقول الدكتور نذير احمد المجيد القاسمى:

” لعل الدكتورة بنت الشاطى ،أول مسلمة اسهمت فى نطاق التفسير الذى هو ضيق على رحبه و خطيـر على كونه سهل التناول ، و قد يكون لها فضل السبق على صواحبـها ، كما يرى الأستاذ عيسى يوسف بلاظة و ذلك على رغم قولها : “إلا ما أعلم من مكانة جليلة كانت للمرأة المسلمة فى تاريخنا ، لا حجمت عن التقدم إلى هذا الميدان الجليل: اشفاقا من ان ينكر مكانى فيه.”(11)

و تأثرت عائشة فى التوجيه الأدبى بوالدها الشيخ محمد على عبد الرحمن من علماء الأزهر الشريف فهو مهلمها الأول، و قد تلقت عليه و هى ناشئة علوم الدين و اللغة و الفقه و التفسير. (12) و بعد ذلك تأثرت بزوجها الأستاذ أمين الخولى حتى أن صار إماما لها فتسمى به “الإمام الخولى ” و قد اكثـرت الإعتـزار بمنهجه فى التفسير الذى شرحه فى كتابه (مناهج تجديد فى النحو و البلاغة و التفسير و الأدب ) و هو منهج التناول الأدبى الموضوعى الذى تعلمت منه ثم عنت به عناية دقيقة بالغة فى دراساتها القرآنية المنهجية و كانت لا تحسن الرأى فى الدراسات القرآنية المعاصرة لأنها غير المنهجية و يتصدى لها من ليسوا من أهلها كما تقول: و الدراسات القرآنية فى مجال العام ، تسير على غيـر منهج و يتصدى لها من المؤلفين من ليسوا أهلا لها ، و لم انس محاولة ” الأستاذ مصطفى صادق الرافعى ” رحمه الله ، فى اعجاز القرآن ، و عندما دعيت لأحاضر بجامعة دمشق فى يناير 1962 م أهدى الى “الأستاذ الدكتور محمد المبارك” عميد كلية الشريعة ، نسخة من كتابه “من منهل الأدب الخالد” و فيه محاولة موقفة لإستجلاء بعض الملاحظات البلاغية فى القرآن الكريم، لكن على غير منهجنا هذا فى التفسير البيانى .” (13)

فقد أهدت هذه الكاتبة المبدعة الى المكتبة العربية زهاء أربعين كتابا و منها ستة كتب فى الدراسات القرآنية و من أهمها : “التفسير البيانى فى القرآن الكريم” و “الاعجاز البيانى للقرآن “و “مسائل ابن الأزرق ” و “التفسير العصرى”.

و لها فى الأدب آثار أدبية خالدة و بخاصة : “قيم جديدة للأدب العربى” و “لغتنا و الحياة” و نص الغفران” و “رسالة ابن الفارح”و “الغفران”و جديد الغفران” و ” الحياة الإنسانية عند أبى العلاء ” و “تراثنا بين ماض و حاضر” و ” الشاعرة العربية المعاصرة” و ” أبو العلاء المعرى” و ” مدينة الإسلام” و ” فى حياة أبى العلاء “و ” الخنساء” و” أعداء البشر” و لها أعمال أدبية قصصية و رواية. منها : ” على الجسر” و “أرض المعجزات” و ” سيد الغربة ” و “رجعة فرعون” و “صور من حياتهن”و ” إمرأة خاطئة” و “سر الشاطى” و لها كتابان هى الدراسات الإجتماعية : ” الريف المصرى” و ثانيها ” قضية الفلاح”.

و مضت عائشة تكتب و تنتج محتفظة بشخصيتها و طابعها الخاص و هى ربة البيت و مع ذلك فانها ما زالت تحفظ للأدب أمانته.و يقدم أدب عائشة صورة الأنثى فى مختلف صوره لأنها ابنة بيئتها و نمت على طبيعتها. و القصص التى كتبتها هى مجموعة من الذكريات . و ترتكز على المأساة و الحزن و تصور نساء عرفتهن فى حياتها ، و فى معظم قصصها نحس بها و نرى شخصيتها فى أسلوبها.و يقول الناقد و الأديب أنورالجندى فى كتابه الشهير “الكتاب المعاصرون”:

“سر جمال أسلوبها أنها حفظت القرآن فى صباها مما منحها هذا الوضوح و هذه البلاغة بالإضافة إلى البساطة و الأشراق الديباجة و الوفاء لأبويه يبدو فى أكثـر من موضع فهى قد أهدت كتابها بطة كربلاء إلى والدها لأنها هو الذى هداها إلى هذا الانجاه.”(14)

فكانت الدكتورة عائشة بنت الشاطى هى أديبة أصلية ذات أسلوب نسوى رقيق. قد ساهمت بنصيب وافر من الدراسات الإسلامية و الأدبية و النقدية. و كان لها نشاط ملموس فى الدراسات القرآنية مع نشاط فعال اللغة و الادب. و أنها قد اتخذت من قلمها سلاحا فاضلت به فى سبيل عقيدتها. و لها مكانة مرموقة بين الكاتبات و الأديبات فى العصر الحديث.

الهوامش و المراجع

1- مو سوعة نساء و رجال من مصر- لمعى المطيعى، ص: 114-115

2- دور المرأة فى اثراء اللغة العربية و آدابها عبر العصور- لفرحانة صديقى ، ص: 229-230

3-المصدر السابق، ص: 231

4- رأى فى انتقادات حول الدكتورة عائشة بنت الشاطى و تفسيرها لكلمات من القرآن و آيات – للدكتور نذير أحمد، ص: 105

5- تراثنا بين ماض و حاضر- عائشة بنت الشاطى ، ص:53

6- المصدر السابق، ص:53

7- الكتاب المعاصرون- لأنور الجندى ، ص: 133

8-المحافظة و التجديد- لأنور الجندى ، ص :814

9- دور المرأة فى اثراء اللغة العربية و آدابها عبر العصور- لفرحانة صديقى ، ص: 228

10- المحافظة و التجديد- لأنور الجندى ، ص :810

11- رأى فى انتقادات حول الدكتورة عائشة بنت الشاطى و تفسيرها لكلمات من القرآن و آيات – للدكتور نذير أحمد، ص:106

12- ايضا ،ص: 106

13- التفسير البيانى فى القرآن الكريم- للدكتورة عائشة بنت الشاطى ، ص:17-18

14- الكتاب المعاصرون- لأنور الجندى ، ص: 130


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ د عبد الناصر بدري أمين
    د عبد الناصر بدري أمين

    شكر الله لك سعادة الدكتورة/ نور أفشان؛ فقد ذكَّرَنا مقالك هذا بالباحثة المستنيرة الدكتورة عائشة عبد الرحمن صاحبة التنوع الفكري والثقافي، ونموذج المرأة المسلمة التي سبحت ضد التيار؛ فتعلمنا منها الصبر والمثابرة، والجهاد في سبيل تحصيل العلم، وقد كانت حياتها العلمية زاخرة بالحركة والنشاط، فقد حاضرت في كثير من جامعات الدول العربية؛ فقد عملت أستاذَا للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس بمصر، وأستاذًا زائرًا لجامعات أم درمان، والخرطوم، والجزائر، وبيروت، وجامعة الإمارات، وكلية التربية للبنات في الرياض بالمملكة العربية السعودية.
    وأود أن أقول: إن بنت الشاطئ لم تتلق تعليمها في جامعة الأزهر، وإنما تلقت تعليمها الجامعي في كلية الآداب جامعة القاهرة، وكان المستشرق الألماني(يوسف شاخت) يدرِّس في كلية الآداب جامعة القاهرة حينئذٍ وليس في جامعة الأزهر.
    مع تحياتي.

  2. الصورة الرمزية لـ محمد وحيد الندوي

    ليست هناك شهادة تسمي” الكفاءة الثانوية ” بل شهادة الكفاءة قبل الثانوية.. هناك أمور اخري كتبت خطا عن حياتها التعليمية…! وكتبت انهاحصلت علي الليسانس عام١٩٣٩وكتبت ” وبعد ثلاثة أعوام اي في عام ١٩٤٤” حصلت علي الدكتوراه؟؟!!. يا دكتورة، بين عام ١٩٣٩و١٩٤٤ هناك اربع سنوات. في الواقع هي حصلت علي الليسانس عام ١٩٣٩ وبع سنتين حصل علي الماجستير عام ١٩٤١. ان كانت في تلك الايام ماجستير. ثم -بعد ثلاث سنوات- في عام ١٩٤٤ حصلت علي الدكتوراه. واظن في تلك الايام تسمي لها الشهادة العالمية.؟

  3. الصورة الرمزية لـ عبدالرزاق

    كثير من الأخطاء يقع فيها الكتاب و هي عدم تمحيص المعلومات و أخذها دون نقدها فمثلا عندما قال الدكتورة نور أفشان عن عائلة بنت الشاطئ أن والدها شريف ابن شريف ينتهى نسبه إلى “الحسين بن على ابن أبى طالب” هذا من أكبر الأخطاء ، فكل شخص كاتب أو باحث أو سياسي أو متدين – و إن كان كل من يؤمن بدين فهو متدين يتبع هذا الدين أو ذاك- يدعي أنه شريف ابن شريف يعود نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل نقبل منه هذا الكلام وإن كان كما قلت فما هو الزائد فيه قال تعالى:( إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ). فعلى كل باحث أن يمحص المعلومات التي يأخذا و يراها بعين الناقد الايجابي

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: