عرفان اللّغة في تعلّميّة النّصّ .. د. سرور الحشيشة

دكتورة سرور الحشيشة: أستاذة بكلّية الآداب بصفاقس (تونس)

ما زال النّصّ بمعرفتنا المدرسيّة حتّى صارت التّعلّميّة تعلّميّة النّصّ . ومازال المتعلّم عندنا يأتي النّصّ متكرّها له راغبا عن قراءته مشفقا من شرحه حتّى لم نصب من تلك التّعلّميّة غير حظّ قليل ممّا كنّا نؤمّله منها من الأهداف ونصله بها من الغايات.والنّصّ ههنا مفهوم في النّحو أو ما به يكون علم الخطاب ، وليس هو بما يكون من نمط كتابته أو انتمائه ثقافيّا إلى خطاب بعينه يكون أدبيّا أوحضاريّا أو علميّا أو دينيّا . والنّصّ بهذا المعنى اصطلاح يدلّ به النّحو في اللّغات الطّبيعيّة على ما زاد من الكلام على الجملة الواحدة . وهو لذلك لا يخرج في الحدّ من أن يكون اللّغة نفسها باعتبارها الملكة المخصوصة في غيرها من ملكات الذّهن بكونها نظاما في الإدراك له اختصاصه العرفانيّ من جهتي التّصوّر والتّمثيل. و أمّا العرفان فنحدّه ههنا بأنّه مايكون عند الكائن من المبادئ المعرفيّة الإدراكيّة الأولى الّتي لا تخرج في طبيعتها من أن تكون حالا من الاستعداد الطّبيعيّ الفطريّ مهيّأ لضروب أخرى من الإنشاء المعرفيّ الخلافيّ.
ولمّا كان النّصّ اللّغة نفسها وكانت اللّغة ملكة وسلوكا من العرفان لم يكن بدّ من أن تكون معرفة النّصّ معرفة اللّغة ويكون عمل المتعلّم في النّصّ من عمل الذّهن في اللّغة التي كان منها النّصّ.
ولعلّ في تعريف النّصّ بأنّه اللّغة أوّلا وردّ اللّغة إلى نشاط الذّهن ثانيا ما يبرّر ما نراه من أن تصير تعلّميّة النّصّ عندنا في ما نتصوّره لها من الأسباب وما نصله بها من الغايات عمليّة ذهنيّة عرفانيّة من القراءة حتّى التّأليف . وإنّما لتلك العمليّة المعرفيّة آليّات و مناهج ومسالك من التّطبيق والتّوظيف تتهيّأ لها في اللّغة لكون اللّغة ظاهرة نفسيّة ذهنيّة لا تخلو في النّصّ من أن تكون نشاطا يجمع إليه كلّ ما يدخل في فعل المتعلّم وهو يبتغي في النّصّ معرفة.
فأمّا القراءة فأوّل ما يكون من أمر المتعلّم مع النّصّ . وهي عمليّة في ضمّ العلامات الّتي تتكوّن منها السّلسلة الكلاميّة في النّصّ على النّحو الّذي يحصل منه المعنى الّذي يكون في هذه المرحلة شموليّا ترجع إليه المعاني الّتي من شأنها أن تكون ههنا مدلولات الكلمات ، وهي دلالات الوحدات المعجميّة نفسها ، أو دلالات المركّبات والجمل ممّا يمكن أن يتركّب منه المعنى الجمليّ في النّصّ ولا يكون في ذاته معنى النّصّ.
وإنّما تكون القراءة في هذا المستوى موصولة بالفهم على الجملة ، وهي لذلك عمليّة لا تكون آليّاتها إلّا نحويّة معجميّة إعرابيّة . والنّحو باعتباره القواعد الّتي تحكم توليد سلاسل الكلام على النّحو الّذي تكون به مقبولة لا يكون إلّا المبادئ الكلّيّة التي تفسّر الصّورة الّتي تشتغل بها الملكة اللّغويّة في الذّهن.
والنّحو بهذا المفهوم هو الّذي يبرّر توجيه المتعلّم في قراءة النّصّ إلى الدّلالة المعجميّة للوحدات أوّلا وما يكون لتلك الوحدات من خصائص التّراكب في النّصّ ثانيا . إذ في تعقّب هذه الخصائص وتلك الدّلالة عمل من النّحو يهدي قارئ النّصّ إلى ما ينشده من قراءته بوصفه المعنى الجمليّ للكلام أوّلا وما سينشأ عليه عنده من المعرفة ثانيا.
ولا تخلو القراءة وهي إعمال الذّهن في نحو النّصّ من أن تكون فعلا عرفانيّا يعيد إنتاج النّصّ على هيأة يقدّرها المسار الّذي يتّخذه الفهم والسّبل الّتي يسلكها إدراك المعنى وتصوّره. وإنّما القراءة فعل عرفانيّ كما هي الكتابة الّتي لا تعدو في إنتاج النّصّ أن تكون حافزوجود تجدّده القراءة تجديدا يختلف معه النّصّ من جهة ما تقتضيه هيأة وجوده في الذّهن من النّحو فالمعنى.
إنّ قراءة النّصّ باعتبارها قراءة اللّغة عمل ذهنيّ آلته النّحو معجما وإعرابا. إذ لمّا كانت تعلّميّة النّصّ تنشد في ما تنشده بناء المعرفة جعلت المعنى أوّل السّبل إليه . وليس المعنى ههنا إلّا ما يكون من نشاط الذّهن في قراءة اللّغة الّتي هي نحو في النّصّ نحاه المتكلّم لا يخلو من أن يكون من عمل الذّهن تعيينا و إحالة و تركيبا، وهو لذلك قرينة على سبل تصوّر المعنى عنده ممّا يحتاج إليه المتعلّم وهو يقرأ النّصّ يروم معناه.
وأمّا الشّرح فمهارة أخرى من مهارات تعلّميّة النّصّ الّتي نحسبها مهارات ذهنيّة عرفانيّة لكونها لا تخلو من أن تكون موصولة باللّغة . والشّرح هو شرح اللّغة فلا يكون إلّا من عمل العرفان . ولئن كانت منهجيّة تعلّميّة النّصّ عندنا تحليليّة فإنّ تفاعل المتعلّم مع النّصّ لا يخلو من الشّرح . ولايخلو شرحه من أن يكون على أحد أمرين . فإمّا هو يريد بالشّرح التّحليل نفسه . وهذه غاية مقصودة في ذاتها لأنّ الثّاني لا يخرج من كونه مفتقرا إلى الأوّل . وإمّا هويغلّب الشّرح على التّحليل ليسر ما يصيبه من الشّرح وعسر ما يجده من التّحليل، بل ما أكثر ما يصيب المتعلّم من النّصّ الشّرح من حيث أراد به التّحليل . إذ لمّا كان المتعلّم يقدّرأنّ ما يقصده من معرفة النّصّ إن هو إلّا المعنى نفسه كان الشّرح أقرب أنشطة التّحليل إليه لكونه موصولا بما ظهر من كلام النّصّ ولفظه ولما يبدو من أنّ فضله فيه أظهر منه في غيره من تلك الأنشطة الّتي تكون استنتاجا وبرهنة وتأليفا وغير ذلك.
والشّرح ضربان أو هو ضرب واحد يكون الأوّل فيه مقتضى للثّاني. والأوّل أن تقابل ألفاظ النّصّ بمدلولاتها ، وهو تعيين الكلمات بدلالاتها المعجميّة بوصفها دلالات لغويّة أولى. و الثّاني ، وهوالأصل ، هو ما يحصّله المتعلّم من مدلولات الألفاظ وقد صارت إلى التّركيب. وإنّما هو في الاقتضاء ما ينجزه المتعلّم من ضمّ مدلولات الكلم شارحا دلالتها المحصّلة بالتّركيب . ودلالة الألفاظ وهي مفردة مقتضى
لشرحها وهي مركّبة بالتّضامّ الحاصلة منه الدّلالة التّأليفيّة للكلام.
ولايخرج عمل الشّرح في كونه ضربا من تحصيل المعنى على الإفراد ثمّ على التّركيب من أن يكون من مقتضيات القراءة بوصفها ما يباشر به المتعلّم النّصّ . غير أنّ للشّرح فضلا على تلك المباشرة في أنّه ذهاب بالدّلالة المؤلّفة إلى مقتضى البنية اللّغويّة بوصفها بنية مركّبة تتآلف في توليد الدّلالة فيها مستويات من اللّغة كثيرة ذات تعالق معقّد من قبيل ما يطّرد بين البنية التّركيبيّة و البنية المعجميّة من علائق إعرابيّة تتحدّد منها البنية الوظيفيّة نفسها.
وليس هذا مجالا للمضيّ في مثل هذه المسألة . ولكن حسبنا من ذلك أن نبيّن أنّ الشّرح تحصيل الدّلالة التّأليفيّة الّتي لا تكون ذلك المعنى الإجماليّ المحصّل من القراءة أوّل أنشطة التّعلّم ، بل تكون ذلك المعنى وقد زاده مقتضى التّراكب اللّغويّ تأليفيّة . و التّأليفيّة هي ما يكون من تعليق ذلك المعنى بغيره على النّحو الّذي يحصل منه في المعنى الأوّل المعنى النّواة زيادة تخصّصه وتخرج به إلى غيره.
ولا بدّ في عرفانيّة الشّرح من أن تكون آليّات المتعلّم في حلّ اللّفظ وتحصيل معناه ممّا يتأسّس عليه في تقديره تحليله النّصّ آليّات لغويّة . وهي إذا كانت كذلك لاتوصف إلّا بكونها من طبيعة تصوّريّة ذهنيّة نخصّصها ههنا بأنّ الدّلالات المعجميّة للوحدات الّتي تتكوّن منها العبارة اللّسانيّة في النّصّ هي الّتي تقتضي ما تختصّ به العبارة من خصائص تركيبيّة إعرابيّة تكون بدورها قيدا على ما يتركّب مع المعنى النّواة فيها من المعاني الّتي توسّع دلالتها و تخصّصها .
والتّوسيع الدّلاليّ الّذي يكون مقتضى للعلائق اللّغويّة الّتي تسلكها عبارة النّصّ هو عين الشّرح. ولا يخرج في تقديرنا من كونه عمليّة نفسيّة ترتبط باللّغة ارتباطا وثيقا. والشّرح بهذا المعنى من نشاط الذّهن في لغة النّصّ ، وهو لذلك من الدّلائل على عرفانيّة تعلّميّة النّصّ . ونحن إذا رمنا من متعلّم النّصّ أن يصيب من شرح النّصّ معرفة نرجوها فلا بدّ من أن نقيم في اعتبارنا كون الشّرح نشاطا ذهنيّا يتّصل باللّغة على النّحو الّذي تتحدّد به آليّاته و تقنيات توظيفه في فعل التّعلّم بوصفه فعلا معرفيّا ذهنيّاعرفانيّا بالأساس. ومن آليّات الشّرح بهذا الوصف التّوسّل بالبنية التّركيبيّة في إدراك المعنى التّأليفيّ الذي يحدّد الشّرح درجة التّأليفيّة فيه بالنّسبة إلى درجات أخرى هي إمّا أبسط من قبيل ما تقتضيه القراءة ، وإمّا أكثر تأليفا من قبيل ما يقتضيه التّحليل.
و مهما تكن درجة وعي المتعلّم بكونه يسلك في شرحه النّصّ سبيل التّركيب فإنّ عمليّة الفهم في ما ترومه من الدّلالة وما تتوسّل به إلى ذلك من التّركيب عمليّة نفسيّة ذهنيّة تتمّ عبر ما تقضي به البنية التّصوّريّة من الحاجة إلى ضرب من المنطق الدّاخليّ ترتكز عليه في التّوجّه إلى معرفة المعنى.
و التّركيب منطق في اللّغة يحدّد مبادئه ما يكون من الملكة نفسها يرجع إلى مفهوم النّحو الكلّيّ وما يكون في نحو اللّغات خاصّا.على أنّ المنطق في ما نقصد إليه ليس المفهوم النّحويّ التّقليديّ ، بل هو مفهوم تصوّريّ في ما تقتضيه البنية الإعرابيّة من علائق اقتضائيّة بين مكوّنات البنية اللّغويّة ومختلف مستويات تمثيلها. و البنية المنطقيّة وفق هذا التّصوّر واحد من تلك المستويات التّمثيليّة . والمنطق بهذا المعنى إن هو إلّا الصّورة الّتي يشتغل بها الذّهن في تصوّر نحو النّصّ ثمّ الطّريقة التي يوظّف بها ذلك التّصوّر في إدراك دلالة العبارة .
وليس الشّرح بهذا الوصف إلّا ما يكون من عمل المتعلّم في التّعرّف إلى معنى العبارة اللّسانيّة في النّصّ بما يحصل عنده من تأليف مدلولات الوحدات المعجميّة أوّلا وما يتوسّل به في التّأليف من التّصوّر النّحويّ للتّركيب في النّصّ ثانيا. إذ الشّرح في عرفانيّة التّعلّم هو ركوب المعنى بالنّحو . فأمّا المعنى فيكون معجميّا مؤلّفا لدرجة التّأليف فيه فضل على الضّمّ . وأمّاالنّحو فيكون بنية تصوّريّة مظهرها التّأليف وأصلها منطق التّأليف.
وأمّا التّحليل فهو درجة من تأليفيّة المعنى . وبينما تكون معرفة الشّرح في تعلّميّة النّصّ معنى مؤلّفا التّأليف فيه هو ما يحصل من اجتماع دلالة الضّمّ في القراءة بدلالة النّحو في الشّرح على معنى توسيع الأولى بالثّانية وتخصيصها بها يكون التّحليل ارتقاء في تأليفيّة المعنى على النّحو الّذي يحصل به لدى المتعلّم معرفة مركّبة التّركيب فيها هو حاصل ما يجتمع من دلالات الشّرح ، ولا تخلو من كونها معجميّة مخصّصة بدلالات منطقيّة نحويّة ، وما يتاح للمتعلّم من معارف سابقة يتفرّع الفكر في تصنيفها إلى ما هو تصوّريّ ذهنيّ يتجاوز الملكة اللّغويّة إلى غيرها من الأنظمة العرفانيّة وما هو بيئيّ يرجع إليه التّاريخيّ و الحضاريّ الثّقافيّ والمجتمعيّ وغير ذلك ممّا لا يخرج في الإدراك من أن يكون تصوّريّا لاشتغال المبادئ الذّهنيّة فيه دور أوّل ولا يخرج في التّوظيف من أن يكون ضربا من المعرفة النّفسيّة الّتي تدخل في جملة الآليّات الذّهنيّة العاملة في إنتاج معنى النّصّ وبناء معارفه.
والتّحليل بهذا المفهوم عمل تأويليّ تقتضيه تعلّميّة النّصّ بوصفها تعلّميّة عرفانيّة . وإنّما التّحليل درجة من تحصيل المعنى تقتضي تأليفا وظيفيّا بين معرفتين للمتعلّم سابقتين معرفة في النّصّ هي عبارة عن مقتضى الدّلالة المعجميّة المشروحة من الزّيادة المخصّصة في المعنى ومعرفة في الذّهن يعتبر فيها بما للنّصّ بوصفه خطابا من مقتضيات التّداول .
وللذّهن في الدّلالة التّأليفيّة التّحليليّة عمل تصوّريّ تكون فيه المعرفة الثّانية قاعدة دلاليّة يقوم عليها تأويل المعرفة الأولى . وليس التّأويل إلّا نشاطا تصوّريّا استدلاليّا تبرّره عمليّات التّمثيل الذّهنيّ في مستوى العلاقة بين خصائص البنية اللّغويّة المعجميّة والنّحويّة في النّصّ وخصائص البنية المعرفيّة النّفسيّة عند المتعلّم . ولا يخلو التّمثيل الذّهنيّ في فعل التّأويل الدّلاليّ من أن يكون قراءة تصوّريّة في ما قد يكون بين البنيتين من أسباب المناسبة الّتي يحصل من التّركيب فيها معرفة ثالثة تقع من تعلّميّة النّصّ في مرتبة التّأليفيّة التّحليليّة بوصفها تأليفيّة تأويليّة عرفانيّة .
والتّحليل هو المعرفة الّتي يصيبها المتعلّم من معرفة سابقة أدركها من شرحه النّصّ . فما يزال يركب المعاني المؤلّفة المحصّلة لديه من شرح العبارة حتّى تترقّى له المعرفة درجات من التّأليف يصير فيها المعنى تحليليّا بعد أن قد كان مشروحا. ولا يخلو عمل المتعلّم في ركوب الدّلالة المشروحة إلى الدّلالة التّحليليّة من أن يكون عملا ذهنيّا هو ما يقتضيه المعنى في التّصوّر من تراتب تأليفيّ ثمّ ما يقتضيه ذلك التّصوّر التّراتبيّ في التّحصيل الدّلاليّ من ترقّ ذهنيّ تسيّره آليّات توليد المعنى وما يكون عليه من العلائق والقيود الاقتضائيّة الّتي تتحكّم في مكوّنات البنية الدّلاليّة بوصفها بنية تصوّريّة تكون مقتضى للبنية اللّغويّة نفسها . ولا يخلو هذا التّرقّي من أن يكون ترقّيا عرفانيّا.
إنّ المعرفة الّتي يقصد إليها المتعلّم من النّصّ لتكون في ما يحصّله من معنى النّصّ وما يسلكه في تحصيله من مناهج . وإذا كانت اللّغة تكيّف تعلّميّة النّصّ فكرا ومنهجا لكون اللّغة هي النّصّ نفسه كان فعل التّعلّم فعلا عرفانيّا يلتبس في جانب كبير منه بنشاط الملكة اللّغويّة بوصفه نشاطا ذهنيّا تتقاطع مبادئه وآليّات اشتغاله بغيره من الأنظمة العرفانيّة.
وممّا دللنا به على أنّ تعلّميّة النّصّ عرفانيّة لا يخرج العرفان فيها من أن يكون ملتبسا بالعرفان اللّغويّ ما يكون من عمل المتعلّم في النّصّ قراءة وشرحا وتحليلا. والثّلاثة وجوه من معرفة النّصّ يترقّى منها الذّهن ترقّيا لا يسلم من أن يكون من عرفان اللّغة . إذ الثّلاثة مراتب في تأليفيّة العبارة اللّغويّة . ويقتضي المعنى المعرفيّ في كلّ مرتبة من التّأليف ما يكون قبله من المراتب . وليس التّأليف بهذا المعنى إلّا ما يقتضيه التّعالق بين مستويات البنية اللّغويّة من الدّلالة .
و التّعالق ههنا مبدأ ضروريّ تقضي به طبيعة اللّغة وآليّات اشتغالها في الذّهن ، ويكون من جهته وجها من اشتغال النّظام اللّغويّ يكمن في تراتبيّة الأبنية اللّسانيّة و تعاقبيّة وظائفها على الصّورة الّتي تكون بها الدّلالة اللّغويّة دلالة ترسّبيّة يترقّى نشاط الذّهن في تصوّر بنيتها وتمثّل تأليفيّتها .
وإذا كان شرح النّصّ ما يتألّف من دلالة القراءة الّتي هي دلالة الضّمّ ودلالة النّحو الّتي هي منطق التّراكب اللّسانيّ في العبارة كان التّحليل ما يتألّف من معرفة الشّرح بوصفها المعجم وهو مخصّص بالنّحو ومعرفة الفكر الّتي هي ما يستدعيه الخطاب من السّياقات المعرفيّة الأخرى. فالأوّل حاصل الضّمّ مع النّحو. والثّاني حاصل الأوّل مع التّأويل . وهما معا حاصل عمل الذّهن في اللّغة النّصّ عملا تصوّريّا عرفانيّا منه تكون التّعلّميّة النّصّيّة تعلّميّة عرفانيّة لغويّة.
إنّ تفكير المتعلّم في النّصّ تفكير في لغته تصير له تعلّميّة اللّغة برنامجا ذهنيّا أصوله في الإدراك ليس في التّقعيد . وإنّما تعلّميّة النّصّ مقتضى لعرفان اللّغة كائنا تقطيعيّا تأليفيّا تصوّريّا دالّا . وكلّ مشروع في هذه التّعلّميّة ينبغي أن يكون لذلك تمشّيا عرفانيّا لغويّا في معرفة النّصّ باعتبارها تصوّرا تأليفيّا لسانيّا.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد