مفهوم العنف في الخطاب النسائي ومواثيق الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والأسرة .. د. مليكة نايت لشقر

الدكتورة مليكة نايت لشقر

أنتج الفكر النسائي في مساره النضالي مجموعة من المفاهيم والمقولات التي شكلت بصمة في تاريخه الفلسفي والفكري، ويمكن تقسيمها إلى نوعين، مفاهيم نضالية وأخرى فلسفة ويراد منها تثبيت خطاب الحركة النسائية، وتدقيقه في إطار نظرية ومشروع سوسيوثقافي يجسد حمولة إيديولوجية فكرية وفلسفية، ويترجم أهداف الحركة وطموحاتها التغيرية لواقع المرأة؛ وقد طور الخطاب النسائي مفاهيمه النضالية بدءا بالتمييز ثم العنف والمساواة والتمكين وصولا إلى «الجندر» والنوع الاجتماعي، هذا المفهوم الذي سيمثل ذروة النضال النسائي في أفق النظرية النسائية المستوعبة لكل تناقضات الحركة عالميا، وسنتناول في هذا المقال مفهوم العنف.

أ ـ تعريف العنف:

جاء في لسان العرب: “الْعُنْفُ: الْخُرْقُ بِالْأَمْرِ وَقِلَّةُ الرِّفْقِ بِهِ، وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ. عَنُفَ بِهِ وَعَلَيْهِ يَعْنُفُ عُنْفًا وَعَنَافَةً وَأَعْنَفَهُ وَعَنَّفَهُ تَعْنِيفًا، وَهُوَ عَنِيفٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ رَفِيقًا فِي أَمْرِهِ. وَاعْتَنَفَ الْأَمْرَ: أَخَذَهُ بِعُنْفٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ”[1]؛ هُوَ بِالضَّمِّ الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَكُلُّ مَا فِي الرِّفْقِ مِنَ الْخَيْرِ فَفِي الْعُنْفِ مِنَ الشَّرِّ مِثْلُهُ”[2].

وجاء تعريف العنف في المعجم الفلسفي بأنه “مضاد للرفق، ومرادف للشدة والقسوة، فكل فعل شديد يخالف طبيعة الشيء ويكون مفروضاً عليه من خارج، فهو بمعنى ما فعل عنيف”[3].

كما عُرِّف في العلوم الاجتماعية بأنه “استخدام الضبط أو القوة استخداماً غير مشروع أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير على إرادة فرد ما” [4].

غير أن دلالات هذا المفهوم لم تُفَعَّل في الدراسات النفسية والاجتماعية إلا مؤخرا ، حيث كان يعبر عنها بألفاظ أخرى كالعدوان، والعداوة، والتدمير، والسلوكيات العنيفة ضد الذات وضد الآخرين …

أما ربط هذا العنف بالمرأة أو بالأسرة فقد بدأ مع النظريات الاجتماعية بمختلف توجهاتها، وكذا مع نظريات الحركة النسائية، ثم بعد ذلك تبنته الأمم المتحدة على مستوى الإعلانات والتوصيات والاتفاقيات الصادرة عنها.

[1] – لم يرد هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث، وإنما جاء بألفاظ أخرى تفيد هذا المعنى الذي ذكره صاحب “اللسان”، إلا أنه جاء بلفظ قريب من هذا في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : يَا عَائِشَةُ : “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ “(كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق،حديث 4703)، كما أورده ابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب الرفق حديث 557، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ “، وأخرج البخاري في كتاب الدعوات حديثا فيه لفظ “العنف” وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ” مَهْلًا يَا عَائِشَةُ ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ، أَوِ الْفُحْشَ” (حديث 5949).

للاطلاع على المقال


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد