ندوة أثر القروض الدولية على الاقتصاد العراقي

أثر القروض الدولية على الاقتصاد العراقي هو موضوع الندوة الحوارية التي أقامتها منظمة تموز للتنمية الاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت – مكتب العراق والأردن، وذلك في قاعة إنليل بفندق بابل الدولي عصر يوم الاربعاء 25 كانون الثاني 2017 . اقتتحت الندوة بكلمة ترحيبية من الزميلة فيان الشيخ علي رئيسة منظمة تموز والتي رحبت من خلالها بالحضورالغفير الذي مثّل اغلب قطاعات الدولة من برلمان ،حكومة ،اكاديميين ، خبراء اقتصاد ومصارف ،رجال أعمال ،نقابات عمال ،منظمات مجتمع مدني و إعلام حيث عكس هذا التنوع اهمية الواقع الاقتصادي وتأثيره على العراق والعراقيين .
أشارت الزميلة فيان في كلمتها الى ان منظمة تموز اخذت على عاتقها بحث القضايا الاقتصادية وذلك بأقامة سلسلة من الورش والندوات ابتدأت منذ صيف 2016 وستستمر خلال هذه السنة بهدف تناول المشاكل الاقتصادية والمساهمة بوضع تصورات عن حلها لتحقيق النمو الاقتصادي المتجه للوصول الى العدالة والتنمية الاجتماعية التي تعمل لأجلها منظمتنا ، وان هدف ندوتنا اليوم هو توفير هذه المساحة لذوي الخبرة والاختصاص للتعريف باسباب القروض الدولية التي لجأ لها العراق وحجمها والقطاعات المخصصة لها تلك القروض وكيفية سدادها وأثارها السلبية والايجابية على الحياة الفردية والمجتمعية كالتعليم والصحة والفقر والبطالة وكذلك أثرها على أجيال المستقبل عند تثقيل كاهل العراق بالديون .
كما تحدثت السيدة آنيا فيلير المديرة المقيمة لمؤسسة فريدريش ايبرت في المكتب الأقليمي للعراق والاردن في كلمة الترحيب عن اهتمام مؤسستها بقضايا تعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتي تنطلق لأجلها بالمشاركة في اقامة هذه الانشطة حيث تسائلت عن اهمية التعرف على اي القطاعات التي ستوجه لها هذه القروض وماهي المنافع التي ستعود منها على العراقيين بعد ما مروا به من مصاعب وتحديات اقتصادية وأمنية .
ابتدأت اعمال الندوة برئاسة الخبير الإقتصادي الأستاذ باسم جميل انطوان وبمشاركات قيمة من الاساتذة ، د.مظهر محمد صالح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية ، ود.ماجد الصوري الخبير المالي وعضو مجلس إدارة البنك المركزي ، ود. عزت صابر اسماعيل عضو اللجنة المالية والاقتصادية لبرلمان إقليم كردستان . ذكر الاستاذ باسم في مقدمته عن الندوة ان موضوع القروض الدولي موضوع كبير وواسع ويحتاج الى ادارة سليمة للتعامل معه بما يحقق التسديد وعدم اللجوء له مجددا وذلك بالاستفادة من الطاقات البشرية والكفاءات واستخدام اساليب ناجعة للنهوض بالاقتصاد وتطوير عمل المصارف وتشجيع المواطنين على التعامل المصرفي لما له من اهمية في جذب المال المكتنز بعيدا عن المصارف والاستثمار .
ثم ابتدأت المداخلات الاساسية للندوة والتي وضح فيها المتحدث الأول د. مظهر محمد صالح عن ان لجوء العراق الى القروض الدولية لم يأتي اعتباطا ، بل من حاجة ماسة بعد ماوصل اليه من ظروف اقتصادية صعبة وتحديات ابرزها انخفاض اسعار النفط في العالم والحرب على داعش الارهابي والتي كلفت اكثر من 40 مليار دولار . وان توجه العراق الى القروض الخارجية كان بعد نصائح من مؤسسات دولية لاجل انضواء العراق تحت مظلة مالية دولية متعددة الاطراف .
ومن هذا المنطق تم التوجه الى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودخل العراق في تحالف واتفاقية أسمها ترتيبات الإستعداد للأئتمان المعروفة بـ (SBA) والتي تفرض التزامات دقيقة وشروط لكنها تنسجم مع متطلبات الاصلاح الاقتصادي التي نسعى اليها كتحسين الأداء المالي وتعزيز الحوكمة المالية والرقابة في عمل البنك المركزي العراقي من خلال تعديل قانونه ، والرقابة في حسابات الدولة وادارة السيولة النقدية ، تعديل قانون الادارة المالية وتعديل قانون هيئة النزاهة وملاحقة واسترداد الاموال الهاربة .
وقد شرح د. مظهر وبالتفصيل كيف خفف العراق من شدة أزمته الاقتصادية من خلال القروض الدولية حيث وضح بأن الصندوق رسم خارطة طريق لمواجهة العجز المتوقع في الموازنة للسنوات الثلاث 2014-2015-2016 التي قدرت بما يقارب الـ50 مليار دولار.هذا غير حاجة العراق الى استدامة مالية ليتمكن من الاستمرار بتلبية احتياجاته في الحركة والاعمار والحرب والرواتب وغيرها .
ولمواجهة هذا العجز اخذ العراق قرض من البنك الدولي بلغ 3 مليارات دولار يسدد بفائدة تقارب ال2% خلال 18 سنة . واقترض أيضا من صندوق النقد الدولي مبلغ 5.3 مليار دولار يسدد بفائدة 1.5 % ولمدة خمس سنوات . ثم قدمت الدول الصناعية الكبرى السبعة قروض ميسرة للعراق بلغ مجموعها 4 مليار دولار وذلك إستجابة لنداء مؤازة اطلقته الـJ7 في مؤتمر طوكيو للتضامن مع العراق. كما أجلت الكويت استيفاء مستحقاتها المتبقية من تعويضات حرب العراق عليها والبالغة 4.6 مليار دولار، وقد حصلنا على 2 مليار مساعدات من دول اخرى، وبذلك توفر للعراق قروض دولية تقارب الـ 20 مليار من قيمة العجز المتوقع بـ 50 مليار . اما ماتبقى من قيمة العجز والمقدر بـ 30 مليار فان تسديده مبني على ثلاث طرق وهي، احتمال تحسن اسعار النفط ، الاقتراض الداخلي واعادة الهندسة المالية وهذه متطلبات داخلية يجب على العراق العمل بها .
وبالنسبة لسنة 2016 فأن مجموع المصروفات تقدر ب81 ترليون وهذا يعني ما نسبته 90% من التنفيذ في الميزانية التي كان مقدر فيها العجز بنسبة 25% ، وعند الموازنة سيتبين بأن العجز خفض الى 15% .
وقد بلغ مجموع القروض الخارجية في سنة 2016 مايقدر بـ 3.8 ترليون دينار والاقتراض الداخلي 5.11 ترليون دينار وقد ساعد مجموع هذه القروض في سد العجز المقدر بـ 15% لسنة 2016 .
ومن المهم معرفة ان حصة كل عراقي في دفع مجموع الديون تبلغ 3500 دولار وبالمقابل فأن ماعليه من ضرائب مقدر بـ200 دولار سنويا .
ثم تحدث د. ماجد الصوري عضو مجلس إدارة البنك المركزي العراقي عن التطور التاريخي للديون العراقية موضحا بأن العراق كان لديه فائض مالي قيمته 35 مليار دولار قبل سنة 1980 وبعد الحرب الايرانية اصبح مديون وعليه 42 مليار دولار ولعدم وجود احصاءات دقيقة فأن هناك رأي يقدر قيمة تلك الديون بـ 80 مليار دولار . وان مراحل الديون ثلاثة الاولى منها مرحلة الحرب الايرانية ثم المرحلة الثانية مرحلة غزو العراق للكويت والتي نتج عنه قرار الامم المتحدة بإلزام العراق بالتعويض عن كل الاضرار الناجمة عن الحرب . وفي فترة الحصار انعزل العراق عن العالم ممايعني انه لم يستطيع الاقتراض الدولي الا ان هناك آراء تؤكد بانه اقترض مايزيد عن 50 مليار دولار .
اما المرحلة الثالثة وهي بعد 2003 فقد قسمت الى فترتين الاولى لغاية منتصف سنة 2014 والتي ارتفع فيها سعر النفط واستطاع فيها العراق ان يخفض ديونه وفق جهود دولية وعملية تسوية جيدة بحيث سدد فيها العراق69 مليار دولار من أصل 125 مليار ، وهذا ماساعده في الحصول على ثقة دولية ودخول في التصنيف الدولي .
بينما كانت الفترة الثانية لهذه المرحلة هي ما بعد داعش وماتسبب به من حرب وخراب منذ منتصف 2014 بحيث بلغ مجموع القروض101 مليار دولار نهاية سنة 2016 )) 60 مليار منها خارجي و 41 داخلي)) ، ولم يستطيع العراق التسديد خلال تلك السنة سوى الفوائد .
اما في سنة 2017 فأن حجم الديون المتوقعة ستكون 164 مليار دولار بين قروض داخلية وخارجية وقروض اقليم كوردستان التي متوقع ان تكون 40 مليار دولار .
وعن اسباب الديون تحدث د. ماجد بأنها تتمثل بعدم وجود رؤية واستراتيجة وعدم تطبيق الخطط وغياب الادارة الرشيدة والتنسيق بين المؤسسات العراقية هذا غير الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة وذلك كله بسبب عدم تطبيق بنود الدستور الخاصة بواجبات الحكومة الاقتصادية والمالية وعدم تطبيق نظام الادارة المالية رغم مساوئه بل حتى الموازنة لم تطبق بشكل صحيح .
بالنسبة لتأثير الديون هو حجز اموال كثيرة بعيدا عن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية مما يتطلب اعادة النظر بكل السياسات الادارية وتفعيل دور القطاع الخاص لأخذ مكانه في حل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والا سيستمر بزيادة ديونه حتى وان ارتفعت اسعار النفط الذي يشكل 99% من واردات العراق .
وقد تداخل الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان بأن الامور ليست بصورة مأساوية كبيرة وان الأمل موجود بتحقيق النهوض الاقتصادي اذا ما اعتمدت الاساليب الحديثة سيما ان غياب الاحصاء يغيب علينا معرفة الكثير من الايرادات والموارد التي لم تعلن فبحسب رأيه وعلى سبيل المثال ان مجموع الايرادات ان قدر بـ 100 مليار فهو يتوقعه 300 مليار لان الكثير من القطاعات كالزراعة والبناء لم تسجل ، هذا بالاضافة الى وجود الكوادر الشبابية التي تطرح افكار ومشاريع ممتازة .
وآخر المتحدثين كان د. عزت صابر عضو برلمان كوردستان الذي تحدث عن التزامات كل من اقليم كوردستان والعراق من الناحية المالية والخلافات السياسية الاقتصادية بين الطرفين وادعاء كل منهم بانه صاحب الحق وانه يطلب الاخر التزامات مالية مؤكدا بان القروض يجب ان تكون لكل العراق والعراقيين من حيث المنفعة والتسديد ، وان عدم صرف القروض في مشاريع تنموية سيثقل كاهل البلد مستقبلا. مما يتوجب وجود خطط للأستفادة من القروض في التنمية والاستثمار .
ثم فتح باب المناقشة والاستماع لمداخلات واستفسارات الحضور والذين أثروا الندوة بالمعلومات والمناقشة والتفاعل ومن ابرز تلك المداخلات :
– الاستفسار عن خطط وآلية تسديد القروض دون اللجوء الى قروض اخرى في ظل سعر النفط والمخاوف من انخفاضه.
– الاستفسار عن مصير الودائع للمصارف الاهلية في البنك المركزي لأقليم كوردستان والمحجوزة منذ ثلاث سنوات مما أثر على عمل المصارف وسيولتها النقدية .
– مداخلة حول ايجاد البدائل والتنويع في الايرادات وانعاش القطاع الصناعي فالعراق يملك 250 مصنع مهم 20 منها فقط أحيل للاستثمار والباقي معطل .
– الاشارة الى ارتفاع معدلات الفقر التي ستزيد بسبب القروض وشروط الجهات الدولية .
– الاستفسار عن الغموض في قروض التسليح
– مداخلة حول الآثار السلبية للقروض الدولية وماتسببه من دمار للدول واستعراض تجارب دولية حول ذلك
– استفسار عن جدية الحكومة في وضع حل للمشاكل الاقتصادية وكيف لها ان تعمل اعفاءات وتسهيلات اقتصادية لدول مجاورة والبلد يمر بهذه الأزمة .
وقد اجاب المتحدثون عن مجمل الاستفسارات شاكرين للحضور الكريم حسن الاستماع والتفاعل وقد اختتم الاستاذ باسم جميل انطوان الندوة موجزا لابرز الاقتراحات والتوصيات الناتجة عنها
ابرز التوصيات :
– تطبيق بنود الدستور الخاصة بواجبات الحكومة الاقتصادية والمالية
– اهمية وجود نظام احصائي يتناول النواحي المالية والاقتصادية ، غيابه تسبب بنقص كبير في ادارة العراق .
– اعادة النظر بكل السياسات الادارية وتفعيل دور القطاع الخاص لأخذ مكانه في حل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية
– تمكين الصحفيين الاقتصاديين حيث نعاني من الافتقاد الى اعلام اقتصادي .
– مكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري في البلد
– توجيه القروض للمنفعة المجتمعية من خلال مشاريع تنموية واسثتمارية .
– تنمية القطاع المصرفي والاستفادة من المال الشخصي غير المستثمر .
– افتتاح فروع للبنك المركزي في اقليم كوردستان
– الشروع باجراءات اصلاحية فعلية في مجال تعزيز الرقابة والحوكمة المالية .
– تنمية القطاع الزراعي والسياحي وتنويع مصادر الدخل .
– الاستفادة من الطاقات الشبابية واعتماد اساليب علمية حديث تطور النظام الاقتصادي
ومن الجدير بالذكر ان الندوة تميزت بحضورها النوعي الواسع حيث تجاوز عدد المشاركين ال 140 شخص بينهم عضوتين من مجلس النواب العراقي وهما ” السيدة ريزان شيخ دلير والسيدة رحاب نعمة ” وكذلك تمثيل حكومي ومصرفي واكاديمي وباحثين ومدني ورجال اعمال وحضور واسع لنقابات العمال وكذلك حظيت الندوة تغطية اعلامية جيدة بحضور وسائل اعلام مهمة مما يؤشر اهمية موضوع الندوة لكل العراقيين .

المصدر: دنيا الوطن


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد