الرابط الاجتماعي بين سكان قرى شمال البحرين: دراسة سوسيولوجية لمقومات العيش المشترك

برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس نوقشت أطروحة لنيل الدكتوارة في عبة علم الاجتماع للطالب البحريني : نوح خليفة في موضوع: الرابط الاجتماعي بين سكان قرى شمال البحرين، دراسة سوسيولوجية لمقومات العيش المشترك، وذلك 19 أبريل 2017. ونال الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جداً مع التوصية بطبع ونشر الأطروحة.
وقد تشكلت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:
الأستاذ محمد الصوفي رئيساً
الأستاذ المختار الهراس مقرراً
الأستاذة أمينة مكاوي عضواً
الأستاذ عبد السلام الفراعي عضواً
الأستاذ محمد ياقين عضواً
الأستاذ محمد الأشهب عضواً
خلاصة عامة للتقرير:
عرفت منطقة البحث هوية محلية وانخراطاً بشرياً في نطاق كل ما هو قروي بشكل خاص اقترن بانخفاض معدلات الارتباط بالأوساط الحضرية في الأنشطة المعيشية اليومية، إلا في أضيق الحدود وبعض الأنشطة الغير متوافرة بالقرى.
فقد شهد الوسط القروي اكتفاء في مختلف مجالات الحياة ومشاركة في مختلف ميادين تلبية متطلبات الاكتفاء المحلي. وقد ساعد على ذلك توفر بعض الخدمات الحكومية في الأوساط القروية، إضافة لجهود النخب الشبابية المحلية المنخرطة بمشروعات محلية.
إن أبرز مؤشرات العيش المشترك في خضم هوية قروية شديدة الارتباط بكل ما هو قروي تبرز من خلال انخراط مهني مكثف من قبل أبناء القرى في المجالات القروية عبر الأعمال الحرة في المهن الثانوية ولعبهم دوراً أساسياً في تكوين مجال مكتفي ذاتيا.
إضافة إلى شغل نسائية كبيرة حيز ربة منزل واستمرار أدوارها الاجتماعية الخادمة للحضور المحلي والمساهمة في انخفاض معدلات تغير النظام الاجتماعي المحلي في الوسط.
لقد كشف لنا تنامي التعمير العمودي الهادف الى الحفاظ على الأبناء في نطاق عيش أسري مشترك في سياق ما يؤسسه الأب لأبناءه المقبلين على الزواج أن أطراً جديدة للأسرة الموحدة والممتدة مازالت تسجل حضورا بارزا وتؤثر في تكوين رابط أسري.
إضافة إلى مختلف المتغيرات، فإن ممتلكات المبحوثين التي تشهد حضورا مكثفا ومركزيا في القرى التي يقطنونها يبين لنا أيضا أن الالتفاف حول المجال والهوية في الوسط القروي وتشكيل مصالحه ومقومات اكتفاءه توجه فاعل بين نخب محلية.
إن الانفتاح على الزواج القروي حديثا مقارنة بالارتباط بالزواج من داخل القرية نفسها أو العائلة قديما عامل مهم شكل هوية قروية أكثر تأثيرا أيضا، حيث ينتشر الزواج من قرى أخرى بنسب تفوق الخمسين بالمئة من إجمالي عينة البحث فانفكاك الخصوصية الثقافية للقرية ضاعف فرص الرابط الاجتماعي بين سكان قرى شمال البحرين.
وكذلك فإن العلاقات الأسرية القوية من حيث التواصل ودرجات التردد لزيارة الأقارب ومقومات الالتقاء الأهلي عبر المناسبات الاجتماعية الدينية والتزاور العائلي في المنازل في ضوء تجاور القرى مع بعضها البعض تشكل مظاهر استثنائية ما زالت تشكل ظواهر اجتماعية بارزة.
أما الرابط الأعم والأشمل فيتمثل في ارتباط المبحوثين بتقديم مساعدات للمؤسسة الخيرية عبر المؤسسة الدينية، وانتشار المؤسسة الخيرية في الأوساط القروية، وتمكنها من بناء نفوذها عبر توحيد الروح التضامنية بين قرويي البحرين نحو تكوين قدرات خاصة بالقرى عن طريق توفير نظام خاص بالحماية الاجتماعية، في الوقت الذي أمنت فيه الدولة المجتمع بأنظمة حماية مثل أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية والضمانات الأخرى. فهذا ينذر بجهود على طريق تشكيل نظم ضامنة لاستقلالية الأنظمة المجتمعية الداخلية في الوسط القروي.
إلى جانب ما سبق، تبين أن المؤسسة الدينية أقوى المؤثرات الفاعلة في تشكيل قوة الكلمة ووحدتها. أما في الجانب الاجتماعي، فإن دوران الكلمة في الأوساط العامة أقوى المؤثرات القادرة على تعميم المواقف القروية، بينما لم يسجل السياسيون المستقلون ولا الناشطون أي حضور وتأثير مقابل قوة تأثير الجمعيات السياسية في آراء ومواقف العامة إضافة إلى تمكن القنوات الفضائية الغير محلية من تكوين مواقف السكان اتجاه القضايا البحرينية العامة.
إن حركية السكان في نطاقات جغرافية محددة في ضوء تجاور القرى ومتانة الطرق التي تتخلل البنى القروية الساحلية متغير يفرض نفسه في تكوين رابط اجتماعي. وتبين ارتباط السكان بالتحرك بشكل عرضي باتجاه المدينة في التوجه إلى السوق المركزي في العاصمة المنامة الذي يقصده السكان للتسوق الغذائي اليومي الذي يقصدونه عبر المرور من خلال طرق عابر للقرى خلال سلسلة القرى الممتدة من المحافظة الشمالية والمتصلة بمحافظة العاصمة. وكذلك نفس الحركة تشهدها مقاصد السكان إلى مستشفى السلمانية الطبي.
وقد لوحظ اكتفاء السكان خدميا من خلال مقاصدهم إلى أمكان الإصلاح والصيانة. فقد تبين أن سكان قرى شمال البحرين تتمركز حركيتهم باتجاه هذه المقاصد في إطار القرية نفسها بنسبة 75% مقابل نسب ضعيفة أخرى تتركز أغلبها في قرى أخرى، سواء بالمحافظة نفسها أو قرى بمحافظات أخرى.
أما الترفيه، فإن مختلف الأنشطة وأغلبها يكتفي من خلالها السكان بمجالهم المكاني القروي. ولا يتبين الانفتاح على الأوساط الحضرية الأخرى في الجانب الترفيهي إلا من خلال المطاعم والمقاهي. فقد لوحظ أنها المؤثر الترفيهي الأكثر فاعلية في خلق مناخات جديدة لانخراط سكان القرى في نظم الحداثة ومؤثرات العولمة والخروج من الأطر المحلية الداخلية بالقرى.
وتشهد الأمكنة الدينية حراكا خاصا ويبرز تبادل المنفعة بين القرى المتحاذية بدرجة أكبر من خلال مختلف الأنشطة الدينية، خصوصا عند الاتجاه إلى شعيرة حضور خطب دينية وارتياد مقار تحفيظ القرآن وحضور بعض الاحتفاليات. لكن يلاحظ أن المدينة المنامة وجهة مركزية للاحتفال بمناسبات دينية، وأن الطرق الداخلية فاعلة بين القرى بعضها البعض في مختلف الأنشطة الدينية بشكل ملحوظ بينما الحراك الى المدينة المنامة فإن الحراك عبر شوارع داخلية قروية محاذية للقرى واضح بين سكان قرية كرانة الواقعة على تقاطع مهم بالقرب من قرى العاصمة ومدينة المنامة المرتبطة بوسطها القروي بشوارع داخلية. أما قرية كرزكان، فإن استخداماتها للطرق الرئيسية بخارج المجال القروي أكبر عند الانتقال إلى المنامة للالتحاق بمناسبات دينية، في الوقت الذي يبدو فيه أن قرية كرزكان مركزية في نشاطها الديني ومكتفية بذاتها بشكل لافت مقارنة بقرية كرانة.
يتضح من خلال الخلاصة العامة أن التغير في المجال القروي وتحول هوية الإنسان من قروية محلية إلى هوية عامة مرتبط بنظم الحداثة. إن الحراك العام في الأوساط البحرينية يرتبط بشقين مهمين، الأول ثقافي تتطلب تغيراته أزمنة أطول وهي مرتبطة بضرورة إحداث نقلات بيئية وثقافية جاذبة للإنسان إلى مجالات التغير الأحدث. أما الشق الثاني فإنه جغرافي يرتبط، أولا، بتخطيط أعمق للتوزيع الخدماتي والانتشار الطرقي، وكذلك بتعميق أسس نشر الرابط الأحدث المتمثل بربط الانسان بنظم الدولة خدماتيا واجتماعيا واقتصاديا عبر المنظومة الطرقية والخدمية، ودعم الانخراط الأكثر عمومية في الأوساط الحضرية.
لقد تبين أن الخصوصية البيئية والجغرافية في المجال القروي وتضافر خصائصها المحلية مع حراك أبناء المجتمع نحو الاستقلالية والاكتفاء والارتباط ببعض المؤسسات الأهلية لا سيما الدينية كموجه مجتمعي أساسي والجنوح نحو تكوين رأس مال اجتماعي خاص مؤثر، كل ذلك أدخل الهوية القروية في متغيرات خاصة جوهرها ومضمونها محلي قروي غير منخرط انخراطا بينا في نظم العولمة إلا عبر الموجه الديني لذلك فإنه يدور في إطار محلي.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ أحمد سميسم علاوي
    أحمد سميسم علاوي

    التوفيق حليف المبدعين ……….
    شكرا لهذه الجامعة العريقة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: