القروض في روما في العصر الجمهوري … محمد أحمد جودة

د. محمد أحمد جودة: عمادة التعلم الاليكتروني والتعليم عن بعد – جامعة الملك فيصل

المقدمة
تناولت العديد من الدراسات العربية والاجنبية التاريخ الاقتصادي لروما في العصر الجمهوري ونشأة البنوك وأنظمتها ولا يخلوا كتاب عن تاريخ الرومان من توضيح الاوضاع الاقتصادية لروما وتأثيرها على نشأة وتطور المجتمع الروماني.
بينما الدراسات التي تناولت نشأة القروض بشكل منظم وظهور البنوك ودورها في هذا المجال في روما في العصر الجمهوري قليل الي حدا ما ويكاد يكون نادر كدراسة بشكل مستقل. كما اضافت الدراسات حول العملة الرومانية الكثير من المعلومات الهامة في هذا المجال.
ومن أبرز الدراسات التي تناولت القروض والبنوك في روما منذ أقدم العصور دراسة الباحث كينيث موست عام 1984 التي اشار فيها الي ما يتعرض له المدين من اهوال وكذلك الباحث اندرو عام 1999 حول البنوك والانشطة التجارية في العالم الروماني. وايضا دراسة الباحث هولاندر حول الاموال في روما في العصر الجمهوري عام 2007.
واهمية البحث تتضح في رصد وتتبع ظاهرة القروض التي تمثل أحد جوانب الاقتصاد الروماني وادواته التي بدأت في الظهور خلال العصر الجمهوري والقاء الضوء على أهميتها ومدي فعاليتها في المجتمع. ودور المجتمع الروماني في التصدي لسلبيات هذه الظاهرة.
ومن المعروف ان الاقتصاد هو نظام إنتاج وتوزيع واستهلاك الثروة، وارتبط الاقتصاد بالتاريخ منذ القدم، فالأفكار الاقتصادية دائما ما كانت نتاج لزمانها ومكانها، وتتغير هذه الأفكار بتغير الظروف المحيطة بما يراه الأنسان ملبيا لاحتياجاته في ذلك الوقت وفي تلك الظروف، ولفهم أي جانب من الجوانب الاقتصادية في فترة معينة يجدر بنا الرجوع إلى التاريخ، كما أن الأفكار الاقتصادية لم تكن مجالا شائعا للدراسة.
وبالحديث عن الاقتصاد في عهد الجمهورية الرومانية، فنرى انه على الرغم من التطور الكبير في مكانة روما في تلك المرحلة، وأهميتها حتى غدت العاصمة السياسية لشبه الجزيرة الإيطالية، فلم يصحب ذلك تطورا اقتصاديا حيث ان الرومان كان شعب زراعيا ، فانهماك الرومان في الحرب لم يترك لهم مساحة كافية لتطوير الاقتصاد، وبنجاح الحروب الرومانية زادت رقعة الأراضي الرومانية، والتي قد امتلكها البطارقة وقاموا بتأجيرها. ومن ضمن المجالات الاقتصادية التي زاولها الرومان هي التجارة ولكن لم تكن التجارة بنفس درجة أهمية الزراعة لدى الرومان حيث يذكر ان الرومان كانوا يعتبرون التجارة ومزاولتها من الحرف الأدنى شرفا.
ويهدف البحث الي التعرف على نظام القروض منذ بدايته وظهوره في المجتمع الروماني كجانب اقتصادي جديد على المجتمع ظهر في العصر الجمهوري وتطور بشكل سريع حتى أصبح له تأثير كبير ليس فقط على الجانب الاقتصادي ولكن على كافة جوانب الحياة الرومانية.
منهجية البحث:
يعتمد البحث على المنهج التحليلي الذي من خلاله يتم رصد ظاهرة القروض وبدايتها وتتبع مراحل تطورها خلال العصر الجمهوري وتحليلها من خلال الوثائق التي تشير الي عمليات الإقراض التي تحدثت عنها المصادر وعلاقتها بمجالات الانشطة الاقتصادية المتنوعة مثل سك العملة بأنواعها مما ساعد على توفير معايير القيمة والارتكاز عليها كنقطة مرجعية في الحياة الاقتصادية واكتساب الثروات. وكذلك في نشاط تحويل العملات المالية نتيجة اتساع رقعة روما واتساع نشاطها الاقتصادي.
العملة الرومانية:
قدمت دراسة أنظمة العملة الرومانية مساهمات كبيرة في فهم الاقتصاد الروماني، وقبل سك العملة كانت وسيلة التعامل في روما تتمثل في الرطل النحاسي الذي ينقسم إلى اثني عشرة أوقية ، وبما ان هذه الكتل لم تحمل طابع الدولة ضمانا لوزنها ونقاء مادتها، فكان يجب وزنها وفحصها عند التعامل بها. وفي عام 268 ق.م تم إصدار نوعين من المسكوكات، أحدهما من الفضة وينقسم إلى فئتين وهي فئة الدراخمة الواحدة، وفئة الدراخمتين، والنوع الأخر هو من البرونز ويسمى As
ويتألف من فئات متعددة من الرطل وأضعافه وأجزائه، وقد كانت الدراخمة الواحدة تساوى خمسة قطع برونزية فئة الرطل الواحد .
ووفرت العملات معايير القيمة، وشكلت وسيلة الصرف والدفع، ووسيلة لحفظ القيمة، فبمجرد إصدارها أصبحت العملات نقطة المرجعية في الحياة الاقتصادية وفي اكتساب الثروات الخاصة بسرعة .
وفي حوالي 213 ق.م بدأت روما في ظل نظامها الجمهوري في سك أول عملة فضية جديدة قيمتها عشر أسات asses نحاسية وتعادل في قيمتها 120 أوقية من البرونز وكان اسمها denarius وقد ظلت هذه العملة سائدة الاستخدام طوال الخمسة قرون التالية. وكانت العملات تضرب من فضة جيدة تصل نسبة نقاءها 95%، وظلت هذه العملة هي السائدة طوال العصر الجمهوري ، وقد تم سك نقود ذات فئة أصغر وتساوى ربع وزن الدينار وسميت Sestertius .
وقد اسهم نظام سك العملة الرومانية وتوفر العملات وتنوعها بشكل كبير في تطور الأنشطة البنكية خاصة عمليات الإقراض. حيث اسهم تنوع العملة وقيمتها في تحديد قيمة المعاملات المالية والقروض وقيمة الفوائد عليها.
القروض:
ومن أبرز العلامات الواضحة في الاقتصاد الروماني والتي نحن بصدد دراستها هي ظاهرة القروض التي ظهرت بشكل واضح، وكان لها تأثير كبير على حياة المواطن الروماني.
فبانتصارات روما المتتابعة وباتساع نطاق أراضيها، وتكدس الأموال لدى عدد من الطبقات مثل طبقة السيناتو وطبقة الفرسان كان من الطبيعي اتساع النشاطات الاقتصادية التي تمت مزاولتها وبالتالي اتساع المعاملات المالية وظهور العملات الأجنبية داخل روما مما أعطها طابع أنها ذات مركزا ماليا كبيرا ، ونتيجة لذلك ظهر العديد من الأفراد الذين يعملون في مجال تحويل العملات المالية
وقد كان إقراض المال من أبرز فروع النشاط المالي في روما منذ بداية العصر الجمهوري ويتضح ذلك من انتشار ظاهرة القروض والتي أدت بعد ذلك إلى مشاكل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وقد أطلقت كلمة Fenerator على أي شخص يقرض المال بفائدة.
واستعرضت الكتابات التي ترجع إلى القرن الرابع والخامس قبل الميلاد مسألة الديون والمشاكل السياسية والاجتماعية المترتبة عليه، وجاءت نصوصهم تعبر بشكل واضح بأن فئة المرابين شملت عددا من النبلاء
فقد كان المجتمع الروماني مجتمع طبقي خلال الفترة الأخيرة من الجمهورية وكان يتكون من ثلاث طبقات طبقة السيناتو senatorius ، الطبقة العامة populares ، طبقة الفرسان equester وقد شاركت هذه الطبقات في عملية القروض سواء كانوا يقوموا بإعطاء القروض أو يقترضون، ويجدر بنا ذكر أن الفئات المتميزة التي هيمنت سياسيا واجتماعيا على المجتمع الروماني كانت فئة أعضاء مجلس الشيوخ وفئة الفرسان
طبقة السيناتو: كانت طبقة السيناتو تشمل في بداية ظهورها عائلات البطارقة patricii أو الأشراف، ولكن بمرور الوقت أصبحت تشمل كل الأسر التي يحصل أحد أفرادها على عضوية مجلس السيناتو، وهذا التغيير يرجع إلى القرن الرابع ق.م حيث سمح في ذلك الوقت للعامة بتقلد المناصب التي كانت تؤهل شاغلها لعضوية مجلس السيناتو ، مما أدى إلى ظهور طبقة سناتورية جديدة تجمع كلا من العامة والأشراف، لا تقوم فقط على شرف المولد مثلما هو الحال للأشراف patricii.
الطبقة العامة populares : فقدت هذه الطبقة قاعدتها الاقتصادية المستقلة، ففي فترة من الفترات كانت تتمتع هذا الطبقة باستقلالية اقتصادية وشملت صغار ملاك الأراضي وأرباب الحرف ولكن مع بدايات القرن الثاني ق.م بدأ يتحول غالبية أفرادها إلى تابعين للأثرياء mbitio . ومن التغييرات التي حدثت في هذه الطبقة هي دخول المحررين من العبيد إليها libertini، ويرجع هذا التغيير إلى اعتماد روما على أفراد الطبقة العاملة خلال الحروب التي خاضتها لتوسيع الإمبراطورية
طبقة الفرسان: تعد طبقة الفرسان هي الطبقة الأرستقراطية من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة خلال الفرن الأخير من الجمهورية الرومانية، وقد لعبوا دور بارز في الحياة الاقتصادية الرومانية، و قبل ظهور طبقة الفرسان كطبقة تتمتع بنفوذ كبير في الدولة كان من الواضح أن أفراد هذه الطبقة شديدو الحرص على رعاية مصالحهم الشخصية، وذلك باتخاذ خطوات لفعل ذلك؛ حيث عملوا على توحيد صفوفهم وتوجيه ثرواتهم تجاه النشاطات المالية والتجارية ، وخاصة انه كانت هناك ضوابط تقيد من حركة أعضاء السناتوس التجارية والمالية ، ونستطيع ان نقول أنه قد تركز عمل الفرسان في قطاع الأعمال العامة publican والأعمال الخاصة mbition s.
فطوال العصور القديمة كان الأغنياء (أو بعضهم) والنخبة (أو بعضها) كانوا يقرضون المال بفائدة خاصة في نهاية الجمهورية الرومانية، وكان العديد من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان يقبلون هذا المصدر كمصدر من مصادر الدخل إما على فترات متباعدة(عرضي) أو على أساس منتظم؛ حيث ان هذا العمل لم يكن محظورا ، ويخبرنا Polybius أن الرومان حرصوا على المال بصورة كبيرة، وكانوا يستغلون أوقاتهم لتحقيق المكاسب
وقد نوه ليفيوس أيضا عن حب الرومان للمال وانهم كانوا يرتكبون اي افعال من اجل الحصول على السيولة الشرائية ، ولكن يتضح من خلال أقوال شيشيرون أن هذا الحب والسعي خلف المال لم يلق القبول، ويذكر أن الربى كان يجلب كراهية الناس مثل كراهية جامعي الضرائب وعبر عنه بأنه عمل مبتذل وغير نبيل، وفي هذا السياق عبر أيضا عن عدم رضاه عن تجار الجملة والتجزئة وارتباط تحقيق المكاسب لديهم بالكذب. وكانت وجهة نظر المجتمع التي يعبر عنها سيشيرون في انتقاضه لهذه المهن ان اصحابها كانوا لا يحملون الا سوء النية للناس اضافة الي انها لم تكن تحتاج الي نواحي فنية أي يقصد انها مهن سهلة تحقق المكسب السريع دون مجهود على حساب مصلحة الناس.
وقد كان تقديم القروض يستخدم كمصدر دخل، وبعض المرابين من طبقة النبلاء لم يقتصرون على إقراض أموالهم الخاصة. بل أنهم أقرضوا المبالغ الموكلة إليهم من قبل أعضاء آخرين من النخبة .
ومن أجل تقييم تطور السوق المالية الروماني، كنا بحاجة إلى معرفة ما إذا كان هناك مؤسسات وسيطة لعملية الاقتراض حيث تتوسط بين المقترضين والمقرضين، وتفادي الاتصال المباشر بينهما. ونجد ان هذه المؤسسات في كل المجتمعات هي المصارف، وعند تركيز نظرنا على الوثائق المالية تصل بنا هذه النقطة وتتركز على النخبة الرومانية
وقد كان ظهور المصارف في اليونان في القرن الخامس ق.م، وفي روما في نهاية القرن الرابع ق.م يمثل نقطة تحول في تطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات القديم، وقد قسم العاملين في مجال الأموال والقروض إلى مجموعتين رجال الأعمال على جانب، والمصرفيين المهنيين على الجانب الأخر ولكن هذا التقسيم هو في حد ذاته غير كاف؛ حيث كان عالم الأعمال متنوع للغاية اجتماعيا، كما لم يشمل رجال الأعمال غير المهنين مجموعة موحدة.
وقد كان للمصرفيين المحترفين مشاريع صغيرة تُعرف باسم تجارتهم، وقد تعلموا مهاراتهم من خلال التدريب، كما كانوا مُلزمين باحترام الضوابط التي تحكم تجارتهم .
ولم يكن النظام المصرفي مختلفا عن الدائنين حيث أن المصرفي هو مصطلح يطلق فقط على الاختصاصيين الذين يستغلوا المال الذي يحصلون عليه في صورة ودائع لجنى مكاسب، فمصرفي الودائع لم يكتف الإقراض من ماله الخاص أو للعب دور وسيط، فكان يمارس مهنة التجارة التي تتكون من استقبال وحفظ ودائع لأجل غير مسمى أو لمدة محددة ثم إقراض الأموال المتاحة لأطراف ثالثة، وبالتالي يتصرف بصفته دائنا. وقد ميزت النصوص القانونية اللاتينية بين أولئك الذين لديهم الحق في فتح حساب وهذا يعني المصرفيين، وأولئك الذين لم يكن لديهم هذا الحق .
وبدأ التوسع الهائل من الخدمات المصرفية الرومانية وإقراض المال في أواخر القرن الثاني ق.م، وبحلول أواخر الجمهورية. ويبدوا أن إيطاليا فى ذلك الوقت كان لديها قطاع مصرفي كبير ، وقد نشأت المصارف على مبدأ الإقراض بفائدة مشروطة ومحددة سلفا، فقد كان الدور البارز للمصارف هو إعطاء القروض لمن يحتاجها وذلك مقابل فائدة متفق عليها ، وأصبحت أيضا تقبل الودائع بفائدة مشروطة ومحددة ، وكانت الفائدة تتغير من حين لأخر فقد ذكرت نسبتين مختلفتين في مراسلات شيشرون احدهما يوضح أن هناك مال وفير لدرجة انه يمكن الحصول على 6% ، ويقول مرة أخرى أن الفائدة ليست أقل من 12% ، وهذا حيث أن تغير سعر الفائدة يختلف باختلاف الأقبال على القروض من عدمها.
ومن خدمات المصارف الأخرى لعملائها بخلاف توفير القروض كانت تحويلات الأموال والشيكات، وتوفير خدمة أوامر الدفع سواء للمصرفي أو لشخص أخر مدفوع إليه ، ونرى أن وظيفة المصارف تتلخص في إدارة حركة السلع وكذلك المال، ونستطيع أن نقول إن تسديد الديون هي واحدة من أهم الخدمات التي تقدمها البنوك.
وبالحديث المفصل عن الخدمات الخاصة بالأعمال المالية التي قدمها أصحاب المصارف Argentarii ، نجد أن صاحب المصرف يتيح وضع مبالغ تخص العملاء في مصرفه يود عملاءه أن يتركوها لديه، كما يذكر شيشرون أن العملاء يضعوا أموالهم في المصارف للادخار ويأخذون فائدة في المقابل، أو يضعون الأموال ويتم التصرف في المبلغ المودع في المصرف من قِبل صاحب المصرف ولكن بأوامر من صاحب المبلغ ، وقد ذكر شيشرون هذا الأمر في العديد من المواقف مما يؤكد هذه الوظيفة للمصارف.
أيضا من الوظائف التي قامت بها المصارف هي تحويل العملة مقابل الحصول على نسبة (عمولة) collybus، ويوضح ذلك من خلال ما ورد عن شيشرون عندما أراد تحويل مبالغ مالية إلى ابنه من عملة أثينا
وكان أصحاب المصارف يقومون بعدد من الأنشطة نيابة عن المودعين مثل دفع أو استلام المبالغ المالية، أيضا البيع والشراء نيابة عن العميل، وقد نوه شيشيرون عن هذه الوظيفة حيث انه أعطى أحد رجال المصارف وظيفة شراء منزل نيابة عنه
أيضا كان من الوظائف التي يقوم بها المصارف هي أن يكون وكيل للمدين حيث يقوم بسداد دينه كاملا فيصبح هو الدائن الجديد، وذلك في نظير عمولة محددة، وقد تم ذكر ذلك ضمن حديث بين شيشيرون واتيكوس .
وقد اتسع نشاط المصارف داخل وخارج روما، ويبدو أن إقراض المال كان موجود في كل من المناطق الحضرية والريفية ، وعلى الرغم من الدور الفعال الذى لعبه رجال المصارف في تقديم القروض إلا انه قد نشأ عنها العديد من المشكلات حيث سيطر الجشع على أصحاب المصارف في نسب الفوائد التي يحددونها مقابل الاقتراض ، وقد حاولت الدولة التصدي لذلك، واستمرت في إصدار قوانين الدين leges fenebres للحد من مشكلة جشع مقدمي القروض الذين كانت علي رأس أولاوياتهم جمع الثروات بمضاعفة الفائدة المضافة إلى القروض دون النظر إلى المدينين ، واذا نظرنا على قوانين الألواح الاثني عشر التي تقرر إصدارها في سنة 449-450 ق.م. نجد أنها تضمنت فقرات تخص الديون وعلاقة الدائن والمدين .
وأيضا قد ناقشت قوانين ليكينيوس وسكستيوس 368 leges liciniae sextiaeق.م مشكلة الفائدة كما يذكر ليفيوس .
ويتضح مما سبق أن ليكينيوس وسكستيوس قد ساندوا العامة حيث أن أحد قوانينهم قد نصت على خصم ما يتسلمه المراب كفائدة على القرض من مبلغ القرض الأساسي. ويؤكد ليفيوس مرة أخرى على ذلك
وهذا معناه إعادة إصدار إحدى بنود قوانين الألواح الاثني عشر فكما ذكر أن احدى قوانين الألواح الاثني عشر أقرت إلا تزيد الفائدة عن 12أوقيةعلي الرطل.
ويخبرنا ليفيوس انه تم تخفيض الفائدة إلى النصف من أصل الدين وكان يتم الدفع على أربعة أقساط متساوية، الأولى على الفور، والباقي في ثلاث سنوات متتالية. ولكن من الواضح أن هذا التخفيض لم يجد نفعا ولم يخفف من الضرر على المدينين فلم يكن هذا القانون إلا دواء مسكنا عالج أعراض الداء مؤقتا دون أن يعالج الداء نفسه وهو ارتفاع معدل الفائدة على القروض، ورغم ذلك لم يتم حل مشكلة الديون والفائدة العالية.
حيث نجد ليفيوس يوضح ان L. Genucius قال ان الربا غير قانوني
ويجب التنويه أيضا أن من أكبر المشكلات التي نتجت من نشاط مقدمي القروض كانت مشكلة العبودية مقابل الدين، ففي حالة عدم سداد الدين يفقد الدين حريته مدى الحياة . وقد يصل الامر فى بعض الاحيان الي ان يفقد المدين حياته بسبب القرض. وقد اشارت قوانين الالواح الاثني عشر الي ان ضمان القرض كان حياة المدين وليست املاكه ومدة القرض لا يجب ان تتجاوز العام كما اعطت هذه القوانين للدائن حق القبض علي المدين الذي تمت ادانته بعدم الوفاء بدينه Judicatus وسجنه لمدة 60 يوما عنده وخلال هذه المدة كان الدائن يعرض المدين manus mbition فى سوق المدينة مكبلا بالاغلال ومعلنا مقدار الدين حتي يشجع من له صلة بالمدين علي التقدم لسداد الدين عنه ويسمي هذا الشخص vindex .
وقد انهي قانون lex Poetelia 326ق.م ذلك حيث نهي عن سجن الدائن للمدين ، كما قضى بضرورة قبول أية ممتلكات يقدمها المدين وفاء لدينه، ومنع سجن المدين إلا بحكم صادر عن محكمة قضائية
ويعد إصدار عدد كبير من القوانين تختص بمشكلة الديون مؤشر على انتشار تقديم القروض، ونهم مقدمي القروض للحصول على أكبر قدر من المكاسب المادية سواء كانت شرعية أم غير شرعية، على الرغم من القوانين التي صدرت والاستياء وكره الشعب لمقدمي القروض وجشعهم ولكن ذلك لم يؤثر في نشاط المالي الذى يقوم به مقدمو القروض.
ولقد كان من اشهر المصرفين اتيكوس Atticus ، لم يكن اتيكوس جشع مثلما عُرف عن أصحاب المصارف ولكنه كان يتمتع بالأمانة والصدق، كما كان حريص للغاية على استراد أمواله حتى انه استطاع استرداد 50 تالنت من يوليوس قيصر حسب ما ذكره شيشرون ، وأيضا من رجال المصارف المعروفين فيتينوس vetteinus ، كونسيديوس considius، اكسيوس axius ،سيليكيوس selicius، كوينتوس كايكيليوس quintus caecilius ، فيستوريس vestorius ، كاليوس روفوس caelius rufus، جايوس اوبيوس gaius oppius.
ولكن كما اختلفت نتائج نشاط المصارف ورجالها ما بين فوائد وأضرار، فقد اختلفت أيضا الآراء حول رجال المصارف ما بين الحسن والسيء ففي أواخر الجمهورية تم ملاحظة أن سواء المصرفي أو بعض موكليه قد كانت لهم مكانة اجتماعية كبيرة، ولكن على الرغم من ذلك دائما ما يؤكد شيشرون على أن مكانة رجل الأعمال مهما بلغت درجة نجاحه أقل من مكانة عضو طبقة السيناتو، ودائما ما أكد على أن مكانته تفوق مكانة اتيكوس رجل الأعمال الناجح.
Quod me mbition quaedam ad honorumstudium, te autem alia minime reprehendenda ratio ad honestum otium duxit .
وأيضا كان ينظر إلى مقدم القروض على انه أحط قدرا من اللص أو القاتل، وقد أوضح كاتو ذلك على لسان كاتو الكبير حيث عندما سئل عن الأعمال الأكثر ربحا قد ذكر عدد من الأعمال منها تربية الماشية و الزراعة ولكن عندما سئل تحديدا عن تقديم القروض قال ماذا بشأن ماذا عن القتل “Quidhominem,” inquit, “occidere?”
وتشير المصادر بشكل مؤكد الي كراهية المجتمع بصفة عامة لعمليات الاقراض التي كان تصاحبها عمولات وفوائد. وعندما تطورت عملية الاقراض وبدأت فى الانتشار وأصبح يمتهنها البعض خاصة المصرفين وجدنا رفض العامة والمجتمع الروماني لهذه المهنة وعبرت المصادر عن مدي الكراهية لعمليات الاقراض ووضعها فى مكانة تصل عند البعض الي مرتبة الجرائم الكبرى كالقتل.
ولم يقتصر هذا الرفض العام لعمليات القروض على مجرد الكراهية او النظرة الدونية لمن مارسوه وانما كانت هناك خطوات وتدخل من جانب الدولة الرومانية للتصدي لهذه الظاهرة في محاولة لوضع حد لجشع المرابين والتقليل من الاثار السلبية لهذه العمليات على الحياة الاقتصادية فى الجمهورية الرومانية.
النتائج:
ومن أبرز النتائج التي يبرزها هذا البحث ان عملية الاقتراض لم تكن قاصره على طبقة محددة، حيث أن المصارف قدمت القروض لكافة الطبقات بدءاً من الفقراء الذين يحتاجون القروض لسد احتياجاتهم، وصولا إلى طبقة السيناتو.
كانت أكبر المشكلات التي نتجت من نشاط مقدمي القروض أن في حالة عدم سداد الدين يفقد المدان حريته مدى الحياة وذلك أما عن طريق العبودية مقابل الدين أو السجن، فكانت نظرة المجتمع إلى مقدم القروض أنه أحط قدراً من اللص أو القاتل.
اتسع نشاط المصارف داخل وخارج روما، ويعتقد أن إقراض المال كان موجود في كل من المناطق الحضرية والريفية، ولكن على الرغم من الدور الفعال الذى لعبه رجال المصارف في تقديم القروض إلا انه قد نشأ عنها العديد من المشكلات حيث سيطر الجشع على أصحاب المصارف في نسب الفوائد التي يحددونها مقابل الاقتراض، وقد حاولت الدولة التصدي لتلك المشاكل فقامت بإصدار قوانين للدين Leges Fenebres وذلك للحد من مشكلة جشع مقدمي القروض الذي كانت علي رأس أولاوياتهم جمع الثروات بمضاعفة الفائدة المضافة إلى القروض دون النظر إلى المدينين، وإذا نظرنا إلى قوانين الألواح الاثني عشر التي تقرر إصدارها في سنة 449-450 ق.م نجد أنها تضمنت فقرات تخص الديون وعلاقة الدائن والمدين، وبالرغم من جمييع المحاولات لحل مشكلة الديون والفائدة المرتفعة إلا أنها لم تحل بشكل نهائي.
استعرضت الكتابات التي ترجع إلى القرن الرابع والخامس ق.م مشكلة الديون الناتجة عن القروض والمشاكل السياسية والاجتماعية المترتبة عليها، وقد نشأت العديد من المشكلات منها على سبيل المثال سيطرة الجشع على أصحاب المصارف في نسب الفوائد التي يحددونها مقابل الاقتراض فكان علي رأس أولوياتهم جمع الثروات في وقت قصير دون بذل مجهود، وذلك عن طريق مضاعفة الفائدة المضافة إلى القروض دون النظر إلى المدانين. ويتضح مما سبق ان المشكلة الكبرى لم تكن في عمليات الإقراض وانما كانت في الفوائد الباهظة عليها وكذلك العقوبات القاسية علي المتعثرين والعاجزين عن الدفع التي قد ثل أحيانا الي ان يدفع المدين حياته بسبب عدم مقدرته علي السداد.
ولعلنا في هذا الصدد نشير الي نقطة مهمة في فهم لفظ الربا نفسة . حيث كلمة الربا التي حرمها الإسلام قد اشتقت منها اللغة اللاتينية كلمة Riba وهي كلمة لاتينية من المجموعة الاولي من الأسماء بمعني Bank of river أي تعني في الأساس الفائدة . ولعلنا في هذا المجال ندرك الفرق بين كلمة مصرف وكلمة بنك, حيث اقترنت دائما كلمة البنك بالقروض ذات الفوائد في الأساس بينما كلمة مصرف تشير الي الأنشطة المالية العادية بعيدا عن القروض ذات الفوائد الربوية المتزايدة.
المصادر
– Cicero, 1913, De Officiis, Trans. By: Walter Miller, LCL.
– Cicero, Epistulae ad Atticum
– Cicero, Epistulae ad Familiares
– Polybius, The Histories .vol. VI, Books: 28-39, Trans. By: W.R. Paton, LCL.
– Titus Livius (Livy), 1949, Aburbe condita, books 33-34, Trans. By: William Heinemann LCL.
– Titus Livius (Livy) 1919, Ab urbe condita, books 6-10. Trans. By: William Heinemann, LC.
المراجع العربية
– ريس، ريتشارد & جيمس، سيمون. ترجمة وتعليق: طلعت عبد الرازق زهران. 2000م. التعرف إلى العملات الرومانية، الجمعية السعودية للدراسات الأثرية-المملكة العربية السعودية.
– نصحى، إبراهيم. 1978م. تاريخ الرومان منذ أقدم العصور وحتى 133 ق.م، مكتبة الانجلو المصرية -القاهرة.
المراجع الأجنبية
– Andreau, Jean. 1999. Banking and Business in the Roman World, Cambridge University Press, United Kingdom.
– Boren, Henry. 1992. Roman Society, Heath and Company, United States of America.
– Fowler, W. Warde. 1909. Social life at Rome in the age of Cicero, the Macmillan Company, New York.
– Frank, Tenney. 1933. Survey of Ancient Rome. Vol1.the Jones Hopkins Press, USA
– Hollander, David B. 2007. Money in the Late Roman Republic. Brill Press, Boston.
– Johnston, David. 2015. The Cambridge Companion to Roman law. Cambridge University press, UK
– Lewis, N. & Reinhold, M. 1955. Roman Civilization. Vol1. Harper Torch books, New York.
– Most, Kenneth S. 1984. Loans of ancient Rome: Accounting Historians Notebook. Vol. 7. no. 1 .spring.: 22-23.
– Mousourakis. 2015. Roman Law and the Origins of the Civil Law Tradition. Springer, Switzerland.
– Naphtali, Lewis & Meyer, Reinhold. 1959: Roman Civilization. Vol 1. Columbia University Press, New York
– Potter, David S. 2006. A Companion to the Roman Empire. Blackwell Publishing, Singapore.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد