د. يوسف الإدريسي: من آفاق البحث في التخييل والمتخيّل

الدكتور يوسف الإدريسي – جامعة القاضي عياض بمراكش، المغرب

أ. نجاة ذويب – شبكة ضياء

على هامش اللقاء التكريمي الذي عقده مخبر البحث: تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات…. ونظمته مدرسة الدكتوراه: الآفاق الجديدة في اللغات والآداب والفنون والإنسانيات احتفاء بأعمال الكاتب والأكاديمي المغربي الدكتور يوسف الإدريسي*، أجرت شبكة ضياء حوارا معه، نقدمه للقراء تعميما للفائدة.

س: من هو يوسف الإدريسي؟

ج: المؤكد أنني لن أوفّق في الجواب عن هذا السؤال، ليس لأنه يرتبط بالحديث عن الذات، بل وكذلك لأنه يستدعي معاينتها بوعي آخر مغاير عبر وضع مسافة نفسية وذهنية معها وهو ما يظل في اعتقادي غير قابل للتحقق، لذلك قد أكتفي بالقول يوسف الإدريسي باحث وأكاديمي من المغرب، مازال مؤمنا بأنه يتلمس أول الخطو في مضمار البحث الأكاديمي، وهو في اعتقاده الراسخ ذاك منشغل بدراسة المتخيل بتجلياته الجمالية والرمزية والأسطورية، والحفر في أغوار التراث النقدي والبلاغي عند العرب بحثا عن أنساقه المضمرة.

س: تمت استضافتك على هامش ندوة الأسطورة في النصوص المقدسة التي نظمها مخبر تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان، وقد كانت كتاباتك موضوع اللقاء العلمي الاحتفائي، بهذه المناسبة أين تتنزل عتبات النص والخيال والتخييل في مشروعك النقدي؟

ج: أولا أريد أن اشكر غاية الشكر أستاذي الجليل د.حمادي المسعودي مدير المخبر والأستاذ : د. عبد الله البهلول على الدعوة الكريمة باسم المخبر ومدرسة الدكتوراه، وهي دعوة شكلت بالنسبة إلي مناسبة جميلة …. وجديدة لزيارة تونس مرة أخرى واللقاء بباحثيها ومفكريها الأجلاء الذين تجمعني بالعديد منهم علاقات إنسانية وعلمية قوية وقديمة تعود إلى بدايات التسعينات من القرن الماضي، يوم كان اساتذتنا الأجلاء بكلية الآداب بمراكش بالمغرب ينظمون لقاءات علمية وأكاديمية يستدعون فيها أساتذة أجلاء من الجامعة التونسية ويعقدون لنا على هامشها لقاءات تربوية ومحاضرات علمية قصد إطلاعنا على جديد الأبحاث والدراسات في اللغة والأدب والنقد وتحليل النصوص، وهي اللقاءات والمحاضرات التي كنا نتطلع إليها مع بداية كل موسه جامعي، وظلت راسخة في ذهننا ووجداننا وأسهمت أيما إسهام في تكويننا. لذلك فزيارتي لتونس ولقائي بأساتذتها وباحثيها تدخل في إطار هذه العلاقة العلمية القديمة بين جامعيي البلدين.

وبالنسبة للقاء العلمي الاحتفائي فقد كان مناسبة للاستماع والاستفادة من قراءات باحثين تونسيين لبعض كتبي، لاسيما كتاب عتبات النص في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر الصدار في طبعتين الأولى سنة 2008 والثانية سنة 2015، والخيال والمتخيل في الفلسفة والنقد الحديثين الصدار عام 2005، والتخييل والشعر حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية الصادر عام 2015، ومفهوم التخييل في النقد والبلاغة العربيين الأصول والامتدادات الصادر عام 2014.

س: يلاحظ المتتبع لنتاجك العلمي اهتماما ملحوظا بموضوعات الخيال والتخييل، ما السر وراء ذلك؟

ج: هذا الاختيار أملاه سببان موضوعيان، يتمثل الأول في الوعي العلمي المتصاعد منذ المقدمة الرائدة التي كتبها الفيلسوف الأماني إيمانويل كانط لكتابه نقد ملكة الحكم في طبعته الأولى والتي اعترف فيها، ونبه من خلالها على قيمة الخيال وأهميته، وهو الوعي الذي تصاعد وتطور وانتهى مع رواد الظاهراتية والأنثربولوجية إلى الكشف عن الهالة الخيالية التي تحكم الفكر الإنساني وتوجه أنشطته الذهنية ونتاجاته بمختلف مستوياتها وتجلياتها، والتي لا تقتصر على الجمالية فحسب كما كان متوهما، بل تمس حتى تلك المسماة ” عقلانية” التي يعبرها الخيال ويتحكم فيها ويوجه طرائق التفاعل معها، وهو ما اختص كتاب الخيال والمتخيل الصادر سنة 2005 بمتابعته وإبرازه؛ ويتجسد الثاني في مراجعة بعض الأحكام والتصورات التي سادت لدى عديد الدارسين المحدثين حول مفهوم التخييل في التراث النقدي والبلاغي والفلسفي عند العرب، والتي تبين من خلال خلاصاتها ونتائجها المتضاربة أن الحاجة كانت ماسة لمراجعتها ومقاربة المفهوم مقاربة أكثر دقة وعمقا وهو ما سعى إلى إنجازه كتابا: التخييل والشعر حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية، ومفهوم التخييل في النقد والبلاغة العربيين : الأصول والامتدادات.

س: ما هي آفاق البحث في التخييل في مشروعك النقدي؟

ج: بالنسبة لآفاق البحث أصبحت مقتنعا أكثر بالنظر في تسرب الخيال وترسبه في الأنساق والنتاجات بمختلف أنواعها وتجلياتها الفكرية و”العقلية” قبل الجمالية والخرافية. وذلك انطلاقا من اختيار راسخ مؤداه أن البحث في التخييل باعتباره نشاطا ذهنيا وتعبيرا جماليا ومفهوما نقديا يحتاج إلى مزيد من البحث والمدارسة بطريقة لا تتوكل على الجهود الفردية لبعض الباحثين، بل تتوسع ليصبح موضوع اشتغال مجموعات ومختبرات عديدة، خاصة بالنظر إلى ما يطرحه البحث فيه من آفاق علمية واعدة. ولعل الناظر في عدد مراكز البحث في أوربا التي تهتم بالخيال والمتخيل سينتهي إلى أن العناية به على هذا النحو ليست اعتباطية أو ضربا من الترف الفكري والتنويع العلمي، بل تحكمها مضمراته وآفاقه، ومقابل ذلك يلاحظ ضآلة الاهتمام به في وطننا العربي، إذ باستثناء مخبر البحث في المتخيل بكلية الآداب جامعة الصفاقس وفريق بحث في المتخيل عندنا في المغرب أكاد لا أجد إطارا أكاديميا آخر للاهتمام به، وهو أمر يطرح أكثر من سؤال، وقد يجعلنا نعتقد أننا لا نريد أن نخرج من لحظة التمثل إلى المعاينة !!

س: ونحن على هامش ندوة الأسطورة في النصوص المقدسة..ما علاقة الأسطورة بمشروع يوسف الإدريسي النقدي؟

ج: لعلي لست بحاجة إلى القول إن المدخل الأول والرئيس لمقاربة الأسطورة خيالي بامتياز، إذ بدون خيال، وبمعزل عن غايات تخييلية يتعذر إنتاج الأسطورة. ولئن كنت قد أوضحت ذلك في معرض دراستي الموسومة بالخيال والمتخيل في الفلسفة والنقد الحديثين، فقد نبهت أيضا استنادا إلى الأدوات التحليلية للأنثروبولوجيا أن الأسطورة لا تنحصر في المحكي الخرافي أو الديني أو الجمالي، بل إنها تمتد لتشمل حتى الأنساق الفلسفية والخطابات الفكرية، وكفى دليلا على ذلك الفلسفة اليونانية التي امتزج فيها التأمل العقلي بالفكر الأسطوري، إلى حد يبدو في كثير من أعمال روادها وفي مقدمتهم أفلاطون وكأن الفكرة العقلانية تستفيق من حلم أسطوري وتأسف عليه أحيانا. ولئن كان ذلك يبين– وخلافا لما كان يعتقد – أن كل مستويات التفكير البشري ومختلف العلوم والنظريات لا تتخلص أبدا من الهالة التخييلية بالكامل، فإنه يكشف أن كل عقلانية وكل نظام منطقي يحملان في ذاتهما أوهامهما الخاصة، و بالتالي فالأسطورة لا تعبر الخطابات الدينية والمحكي الجمالي والخرافي فحسب، بل تخترق وعلى نحو عميق ومغاير طبعا الأنساق العقلانية .

س: ما هو حال النقد في المغرب اليوم؟هل يشكل سيرورة؟

ج: النقد المغربي اليوم مدين إلى حد كبير بالطفرة النوعية التي عرفتها الجامعة المغربية خلال الثمانينات وعلى امتداد التسعينات من القرن الماضي على يد أساتذة الأجيال الذين اجتهدوا ونجحوا في إيجاد موطئ قدم للبحث العملي الأكاديمي بين النموذج المشرقي والنموذج الغربي، ويبدو أنه اليوم، ومن خلال عديد الأسماء والتجارب، التي يصعب حصرها في هذا الحيز، أنه أخذ منذ بدايات الألفية الثالثة يتخلص من المدرسة الفرنسية التي كان مرتبطا بها أيما ارتباط، وصار يولي وجهه نحو المدرسة الأنجلوساكسونية، وهو ما يحقق بعضا من خصوصيته وتميزه، ولعلي اكتفي بالإشارة هنا إلى الأعمال الرائدة للأستاذة المؤسسين: محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن ومحمد مفتاح ومحمد البكري ومحمد برادة وسعيد يقطن وسعيد بنكراد ومحمد العمري وغيرهم ممن يشكلون مفخرة للجامعة المغربية اليوم …

س: كيف يتجاوز الناقد المغربي العوائق التي تعترضه على مستوى التواصل مع المتلقي؟

ج: العوائق ربما قد تكون في الانتشار ومستوى المقروئية في الوطن العربي، لكن يبدو أن درجة الإقبال في المعارض الدولية على الكتاب المغربي وحدة طلب دور النشر المشرقية على طبعه كل ذلك يعتبر مؤشرا قويا على درجة الانتشار ومستوى الإقبال.

س: كيف ترى مستقبل النقد في الجامعة التونسية؟

ج: للنقد الأكاديمي التونسي ميزة نكاد لا نجدها في غيره ألا وهي عنايته بموضوعات ومجالات دقيقة لا يلتفت إليها غالبا، وهو ما يحقق له خصوصيته وتميزه، أضف إلى ذلك تحرره من سلطة النظرية وسطوتها وتركيزه على التحليل المنهجي للخطاب، وهو ما يخلصه من تخمة النظرية ويمكنه من كشف أغوار النص … وأسراره الجمالية والفكرية الدفينة… وكفى دليلا على ذلك عشرات الدراسات التي تصدر عن باحثين تونسيين و عناوين رسائل الدكتوراه المسجلة أو التي تمت مناقشتها والتي لا يجحد أي أحد في الأثر الراسخ الذي أحدثته في الدرس الجامعي في الوطن العربي، يمكن أن أذكر هنا الأعمال الرائدة للأساتذة الأجلاء عبد الله صولة وحمادي صمود وتوفيق الزيدي وحسين الواد وتوفيق بكار ويوسف صديق… وغيرهم ممن يعدون علامة فخر لتونس وأكادمييها… وجامعاتها….

س: بماذا تعدنا كقراء ناقدين في المستقبل القريب؟

ج: بمناوشات جديدة …. وحفريات أخرى في التراث النقدي والبلاغي عند العرب…

…………………………………………………..

** د.يوسف الإدريسي: أستاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، جامعة القاضي عياض –المغرب، من مؤلفاته:

2015: مفهوم التخييل في النقد والبلاغة العربيين الأصول…والامتدادات، عتبات النص في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر- – الأدب قضايا وإشكالات – نقد الشعر عند العرب : أسئلة النشأة والتشكل،

2012- التخييل والشعر: حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية.

2009- امتدادات المفهوم الفلسفي للتخييل عند البلاغيين المغاربة.

2008- عتبات النص: بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر.

2008- التخييل والشعر : حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية .

2005- الخَيَال والمتَخَيل في الفلسفة والنقد الحديثين.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد