فروق بين الحس واللمس وما يقاربهما

الحس: حس الحاء والسِّين أصلان: فالأوَّل غلبة الشيء، بقتْل أو غيره، والثاني: حكاية صوت عند توجُّع وشبهة.

فالأول الحَسُّ: القتْل، والحسيس القتيل، ومِن هذا حَسْحَسْت الشيء مِن اللحم إذا جعلته على الجَمْرَة.

ومِن هذا الباب قولهم: أحسَسْتُ؛ أي: عَلِمْتُ بالشيء، وهذا محمولٌ على قولهم: قُتِلْتُ عِلْمًا، فقد عاد إلى الأصْل الذي ذَكرْناه.

ويقال للمشاعر الخمس: الحواس، وهي اللَّمْس، والذَّوْق، والشمّ، والسَّمع، والبصر.

ومِن هذا الباب قولهم للذي يطرُد الجوع بسخائِه: حَسْحَاس.

والأصل الثاني: قولهم حَسَّ، وهي كلمة تُقال عند التوجُّع، ويقال: حَسِسْت له، فأنا أَحُسُّ، إذا رَقَقْت له؛ كأنَّ قلبك ألِمَ شفقةً عليه[1].

وفي “القاموس”: الحَسُّ: الجَلَبة، والقتْل، والاستئصال، ونفْض التراب عن الدابَّة بالمِحَسَّة.

وبالكسر: الحرَكة، وأن يَمُر بكَ قريبًا فتسمعه ولا تَراه، [كالحسيس] والصوت، وجع يأخُذ النُّفساء بعدَ الولادة، وبَرْد يُحْرِق الكلأَ.

والحَاسُوس: الجاسوس، أو هِي في الخير، وبالجِيم في الشر.

وحَوَاس الأرْض: البَرْد، والبَرَد، والرِّيح، والجرد، والمواشي[2].

وأحْسَسْتُ وأحْسَيْتُ وأحَسْتُ: ظننت، ووجدت، وأبصَرْت وعلِمْت.

قال الأخفش: أَحَسَّ معناه: ظن ووجد[3]، وأيقن وعلم[4].

والتحسُّس: الاستماع لحديثِ القوم، وطلب خبرِهم في الخير[5].

والحس: هو أوَّل العِلم وهو مدركٌ بحاسَّته[6].

ورد لفظ الحس بصِيغه “6” مرَّات بالقُرآن الكريم على “4” أوجه:

1- القتل: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾ [آل عمران: 152].

2- الإدراك بالحاسَّة: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 52].

3 – البحث: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ [يوسف: 87].

فكلُّ ما أُصيب بالحاسة سُمِّي حسًّا، والإحساس الوجود والمشاهَد، فأحَسَّ: علم ووجَد ورأى[7].

ومحسوس به: بمعنى: مشاهدٌ، خطأ، والصواب “مُحَسٌّ”؛ لأنه يقال: أَحْسَسْت الشيء وحَسَسْت به، وحَسَّ المتعدي؛ بمعنى القتْل، والتَّحَسُّس تَفعُّل من الإحساس وهو المعرفة[8].

فالحسُّ مِن الحاسة، وهي القوَّة التي بها تدرك الأعراض الحسيَّة، وحَسِسْتُ نحو علِمتُ وفَهِمت.

لكن لا يُقال ذلك إلا فيما كان مِن جهة الحاسة.

وأما أحسستُه فحقيقته أدركتُه بحاستي، كما في ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ﴾ [آل عمران: 52]، فهذا تنبيه أنَّه قد ظهر منهم الكفر ظهورًا بَانَ للحِسِّ فضلاً عن الفهم، وفي قوله – تعالى -: ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ﴾ [مريم: 98]؛ أي: هل تجد بحاسَّتك أحدًا منهم[9]؟

والحسُّ المشترَك: هو القوَّة التي ترتسِم فيها صورُ الجزئيات المحسوسة، فالحواس الخمْسة الظاهِرة كالجواسيس لها، فتطلع عليها النَّفْس من ثَمَّة تُدركها[10].

والإحساس: هو إدراكُ الشيء، مكتنفًا بالعوارض الغريبة واللواحِق المادية، مع حضورِ المادَّة ونِسبة خاصَّة بينهما وبيْن المدرك.

والإحساس: للحواس الظاهِرة، كما أنَّ الإدراك للحسِّ المشترك أو العقل[11].

والفِعل المأخوذ مِن الحواس رُباعي، كقوله – تعالى -: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ﴾ [آل عمران: 52].

وحَسَّ الثلاثي له معانٍ ثلاثة، وهي: القتْل، أو المسح أو الإلْقاء بالحجارة، فهذه الثلاثة يُقال فيها للمفعول: محسوس، أمَّا المفعول مِن الحواس: فمُحسّ، وجمعها مُحَسَّات لا محسوسات.

والإحساس إنْ كان للحسِّ الظاهر فهو المشاهدات، وإنْ كان للحس الباطن فهو الوجدانيات، وهي الحسُّ المشترك، والخيال، والواهمة، والحافظة، والمتخلية.

وقد صرَّح المحقِّقون بأنَّ القُوى الجسمانية آلات للإحساس، وإدراك الجزئيات، والمدرك هو النفْس… ولو أصابتْ واحدة مِن الحواس آفة اختلَّ ذلك الفِعل كالحواس الظاهرة.

ومِن الناس مَن يقول: للنفْس حاسَّة سادِسة، تدرك بها عوارِض النَّفْس؛ كالجوع والعطَش والشِّبع؛ والأصحُّ ما عليه العامَّة وهو الخمس؛ إذ لكلٍّ من الخمس يحصُل علم مخصوص به باستعمال آلة مخصوصة به، وأمَّا ما يُدرَك به عوارض النفْس فبخلق الله في الحيوان بدون اختياره إذا وجد شرْطه[12].

نخلص إلى نقاط جامعة لما سَلَف:

1. الحس هو أوَّل مراتِب العِلم مرتبط بالحواس الخمْسة، وهي آلاليات الإدْراك الأولى.

2. الإحساس للظاهِر بالمشاهدات وللباطِن بالوجدان.

3. القُوى الجسمانية الخَمس آلاتٌ للإحساس وإدراك الجزئيَّات، والمدرِك هو النفس.

4. الإحساس إدراكُ الشيء مكتنفًا بالعوارض الغريبة واللواحق الماديَّة.

مفهوم الإيجاس: مِن وجَس، الواو والجيم والسين؛ كلمة تدلُّ على إحساسٍ بشيء وتَسَمُّع له. تَوَجَّسَ الشيء: أحَسَّ به فتسمَّع له[13].

والوَجْسُ: الفَزَع يقَع في القلب أو في السمع مِن صَوْت أو غيره.

والواجِس: الهاجِس، وميجاسٌ: عَلَمٌ، وتوَجَّس الطعام أو الشراب: تذوَّقه قليلاً قَليلاً[14].

ورد اللفظ بصِيغة الماضي”3″ مرَّات في القرآن الكريم، بمعنى الإحساس بالفزَع أو الخوف، أو بما يقَع في القلْب منه، فيشعُر به ويضمره ولا يظهره، وقد ورَد في (هود/70) و(طه/67) و(الذاريات /28) ﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [الذاريات: 28]، كلها مقرونة بالخوف المضمَر، غير أنَّ ذلك لا يمنع من ظهوره على الوجهِ، فيعرف كما في (هود/70) ﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ ﴾ [هود: 70]، فالوجس الفزَع في السَّمْع والقلب مِن صوت أو غيره مما يُحَس به[15].

لذا قيل: الوجس هو: حالةٌ تحصُل من النفْس بعدَ الهاجِس؛ لأنَّ الهاجس مبتدأ التفكير، ثم يكون الواجِس الخاطر[16]*.

– الإيناس: مِن أنس: الهمزة والنون والسِّين أصلٌ واحد، وهو ظهورُ الشيء، وكلُّ شيء خالَف طريقةَ التوحُّش، ويقال: آنسْتُ الشيء إذا رأيته أو سمعته[17]، فآنسَه ضدّ أوحشَه، وآنس الشيء عَلِمه وأحسَّ به.

وعندَ الجوهري: الأنيس: المؤانِس، وكل ما يُؤْنَسُ به[18].

ورَد فعل آنس “7” مرَّات في القرآن الكريم؛ أرْبع منها في النار التي آنسها موسى – عليه السلام – إذْ سار بأهلِه في البريَّة، في (طه/10) و(النمل/7) و(القصص/29) مرَّتين، منها: ﴿ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ [طه: 10].

والإيناس في تلكم الآيات: الإبصار البَيِّن الذي لا شُبهة فيه، ومنه “إنسان”؛ لأنَّه يتبيَّنُ به الشيء، والإنس لظهورِهم، والجن لاستتارهم، وقيل: هو إبصار ما يُؤْنَسُ به[19].

ومِن الإيناس بمعنى العِلم جاء في (النساء/6)؛ بصيغة الماضي: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾ [النساء: 6]، فالإيناس يأتي بمعنَى الرؤية، ولا يفرِّق أهلُ اللغة بين قول القائِل: آنست ببصري ورأيت ببصري، كما يأتي بمعنى العِلم والأُلفة، والاستئذان والإحساس[20]، وارتباط العِلم بالإيناس من حيثُ مدلولُه اللُّغوي؛ لأنَّ الإيناس هنا ليس مجرَّدَ إبصار لظواهِر الرشد الحسيَّة في سنِّ البلوغ، ولكنَّه الطُّمأنينة المؤنِسة بالابتلاء والامتحان إلى أنَّهم قد رشدوا حقًّا، فإن عُلِم في اليتيم صلاحُ رأيٍ تُرِكت له أموالُه؛ كي يتولى رعايتها[21].

واستأنس: استعلم، واستأنسه: آلَفه، والاستئناس: الاستعلام والاستكشاف والاستِيضاح.

وهذه المعاني في قوله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27]، فتستأنِسوا: تجدوا إيناسًا، والإنسان قيل: سُمِّي بذلك؛ لأنَّه خُلِق خلقةً لا قِوام له إلا بإنس بعضِهم ببعض، ولهذا قيل: الإنسان مدني بالطبْع؛ من حيث لا قوامَ لبعضهم إلا ببعض، ولا يُمكنه أن يقومَ بجميع أسبابه.

وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأنَّه يأنس بكلِّ ما يألفه[22]، فالاستئناس هو عبارةٌ عن الأنس الحاصِل مِن جهة المجالسة، وهو خلاف الوحشة[23].

– اليد: الياء والدال: أصلُ بناء اليد للإنسان وغيره، ويُستعار في المِنَّة، فيقال: له عليه يدٌ، ويجمع على الأيادي واليُدِيّ، واليَدُ: القوَّة، ويجمع على الأيدي[24].

واليَدُّ مشددة، واليَدُ مخفَّفة لغتان[25].

ورد لفظ اليد باشتقاقاته في “120” موضعًا مِن القرآن الكريم على”6″ أوجه:

1- الجارحة: ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [البقرة: 79]، ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ﴾ [المائدة: 33].

2- الجوارِح كلها وأعمال الفرد: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [النساء: 62].

3- المِلك: ﴿ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: 237]، ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [المؤمنون: 88].

4- القوَّة: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45].

5- الندم: ﴿ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ﴾ [الأعراف: 149].

6- الكرم والإنعام: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64].

فاليَدُ غالب دَلالتها على الجارِحة، وأصله مِن يَدْي، لقولهم في جمعه: أَيْدٍ ويَدِي وأفعُلٌ في جمع فَعْل أكثر، واستُعيرت اليَدُ للنِّعمة والقوَّة، فيد مطلَقة عبارة عن إيتاء النَّعيم، ويد مغلولة عبارة عن إمساكِها.

كما أنَّ نِسبة أفعال الإنسان وجرائره تكون كلها إلى اليد على جِهة التغليب؛ ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الحج: 10]، ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [الكهف: 57].

وقوله: ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [البقرة: 79]، فنِسبته إلى أيديهم تنبيهٌ على أنهم اختلقوا ذلك، كنسبة القول إلى أفواهِهم في قوله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 30]؛ تنبيهًا على اختلافِهم[26].

كما دلَّتِ اليد على القوَّة والقُدرة والسلطان، والجاه والوقار، والحفظ والنصر والإحسان، وكلها أوصافٌ لأعمال اليد.

– اللمس: اللام والميم والسِّين أصلٌ واحد يدلُّ على تطلُّب شيء، ومسيسه أيضًا، تقول: تلمَّسْتُ الشيء، إذا تطلَّبته بيدك، قال أبو بكر بن دريد: اللمْس أصله باليد؛ ليُعرفَ مَسُّ الشيء، ثم كثُرَ ذلك حتى صار كل طالِب مُلْتَمِسًا، ولَمَسْت إذا مسست، وقالوا: كل ماسٍّ لامس[27]، فلمسه: مسَّه بيده؛ ولمس الجارية: جامَعَها، والتمس، وتَلَمَّس: تطلَّب مرة بعد أخرى[28].

ورد لفظ اللمس “5” مرات في القرآن الكريم على “3” أوجه:

1- الطلب: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴾ [الجن: 8]، ﴿ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ﴾ [الحديد: 13].

2- التحسس بالجارِحة: ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام: 7].

3- الجماع: ﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [النساء: 43]، و[المائدة: 6]، فاللمس إدراكٌ بظاهِر البشرة كالمس، ويُعَبَّر به عن الطلب، ويُكَنَّى به وبالملامسة عن الجِماع، وقُرِئ لمستم ولامستم حملاً على المس وعلى الجماع[29].

فاللمس هو لصوقٌ بإحساس، والمس أقلُّ تمكنًا مِن الإصابة، وهو أقل درجاتها[30].

واللمس أعمُّ ممَّا هو باليد كما هو المفهوم مِن اللغة والتفسير، وبعض الكتب الكلاميَّة.

فقوله – تعالى -: ﴿ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ [الأنعام: 7]؛ أي: فمسُّوه، والتقييد فيه بأيديهم لدفْع التجوز لا محالة، فإنَّه قد يتجوز به الفحْص؛ كما في قوله – تعالى -: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ﴾ [الجن: 8]، واللَّمْس قد يُقال لطلب الشيء وإنْ لم يوجد.

والمسُّ يقال فيما معَه إدراك بحاسَّة اللمس، ويُكنى به عن النِّكاح والجنون، ويقال في كلِّ ما ينال الإنسان مِن أذًى: مَسّ، ولا اختصاصَ له باليد؛ لأنَّه لصوقٌ فقط.

فاللمس هو قوَّة منبثَّة في جميع البدن، تُدرك بها الحرارة والبرودة، والرُّطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عندَ الالتماس والاتصال به[31].

نخلُص إلى نقاط جامعة لما سلف:

1. اللمس قوَّة منبثَّة في جميع البدن تُدرك بها الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك.

2. اللمس يُقال للطلب والبحْث وإن لم يوجد.

3. اللمس أعمُّ ممَّا هو باليد؛ فهو إدراكٌ بظاهر البشرة.

– المس: الميم والسِّين أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على جَسِّ الشيء باليد.

ومَسِسْتُه أمَسُّهُ، وربما قالوا: مَسَسْتُ أَمُسُّ، والممسُوس: الذي به مَسٌّ كأن الجِنَّ مسَّته، والمَسوس من الماء: ما نالته الأيدي[32].

وفي “القاموس”: مَسِستُه – بالكسر- أمَسُّهُ مَسًّا ومسيسًا ومِسِّيسَى، وحاجة ماسَّة: مهمَّة، وقد مَسَّتْ إليه الحاجة، ولا مِسَاس: لا تَمَسَّ، وكذا: لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ، ومثله التَّماسُّ[33].

ورد لفظ مسّ باشتقاقاته وصيغة في حوالي”61″ موضعًا من القرآن الكريم على”3″ أوجه[34]:

1- الجماع: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ [الأحزاب: 49]، و﴿ لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [البقرة: 236]، و﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ [آل عمران: 47].

2- الإصابة: ﴿ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ﴾ [الأعراف: 95]، ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]، ﴿ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 35].

3- الخَبَل: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275].

4- التِقاء البشرة: ﴿ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ﴾ [طه: 97] ؛ أي: المس بالجارحة.

فالمسُّ المتعارَف عليه هو التِقاء البشرتين، والمسك باليد[35]؛ إذ المسُّ كاللمس، لكن اللمس يُقال لطلب الشيء، وإن لم يوجَد.

والمس يُقال فيما يكون معه إدراكٌ بحاسَّة اللمس؛ لذا كُني به عن النكاح، وكني به عن الجنون، وعن كلِّ ما يَنال الإنسانَ من أذًى[36].

ما ورَد في القرآن كناية عنِ الجماع كان بصيغة: “يتماسَّا”، “تمسُّوهن”، “يمسسني”، والتِقاء البشرتين “مساس”، والجنون “المس”، وغالِب ما ورد كان فيما ينال المرء مِن سوء، فاقترَن اللفظ دائمًا مع الضراء والسوء والعذاب والشر، كما اقترَن مع الخير والحَسَنة.

والمس يُقال فيما معه إدراكٌ بحاسَّة اللمس، ولا اختصاصَ له باليد؛ لأنَّه لصوقٌ فقط[37].

نخلص إلى نقاط جامعة لما سَلَف:

1. المس يُقال فيما معه إدراكٌ بحاسَّة اللمس، ولا اختصاص له باليدِ؛ لأنَّه لصوقٌ فقط.

2. المسُّ يدلُّ على جسِّ شيءٍ باليد أو بالبشرة.

3. المس غالِب مواطنه في القُرآن هو ما ينال الإنسانَ من أذًى.

الهوامش:


[1] “معجم مقاييس اللغة”، ابن فارس (1/ 266).

[2] “القاموس”، الفيروز آبادي، (ص: 538).

[3] “مختار الصحاح”، محمَّد بن أبي بكر الرازي (ص: 77).

[4] “معجم ألفاظ العلم والمعرفة”، عادل زاير (ص: 17).

[5] “القاموس المحيط” (1/538).

[6] ” معجم الفروق اللغوية (1/186).

[7] “الكشاف”، الزمخشري (1/ 432).

[8] “بصائر ذوي التمييز”، الفيروز آبادي (2/ 153).

[9] “المفردات”، الراغب (ص: 123).

[10] “التعريفات”، الجرجاني (ص: 98).

[11] “الكليات”، الكفوي (ص: 54).

[12] المرجع السابق (ص: 54).

[13] “معجم مقاييس اللغة”، ابن فارس (2/622).

[14] “القاموس”، الفيروز آبادي (ص: 579).

[15] “معجم ألفاظ العِلم والمعرفة”، عادل زاير (ص: 21).

[16] “المفردات”، الراغب (ص: 528).

* يُقال لما يقَع في النفس مِن عمل الشر وما لا خيرَ فيه: “وسواس”، ولما يقَع مِن عمل الخير “إلهام”، ولما يقَع من تقدير لا على الإنسان ولا له: “خاطر”، “الكليات”، الكفوي (ص: 942).

[17] “معجم مقاييس اللغة”، ابن فارس (1/ 28).

[18] “صحاح اللغة”، الجوهري (2/ 902).

[19] “الكشاف”، الزمخشري (2/ 531).

[20] “التفسير الكبير”، الفخر الرازي (24/ 181).

[21] “الكشاف”، الزمخشري (1/ 500).

[22] “المفردات”، الراغب (ص: 308).

[23] “الكليات”، الكفوي (ص: 115).

[24] “معجم مقاييس اللغة”، ابن فارس (2/650).

[25] “القاموس” الفيروز آبادي (ص: 329).

[26] “المفردات”، الراغب (ص: 458).

[27] “معجم مقاييس اللغة”، ابن فارس (2/459).

[28] “القاموس”، الفيروز آبادي (ص: 575).

[29] “المفردات”، الراغب (ص: 458).

[30] “الكليات”، الكفوي (ص: 799).

[31] “التعريفات”، الجرجاني (ص: 221).

[32] “معجم مقاييس اللغة”، ابن فارس (2/ 487).

[33] “القاموس المحيط” الفيروز آبادي (ص: 575).

[34] “إصلاح الوجوه والنظائر”، الدامغاني (ص: 434).

“الأشباه والنظائر”، ابن الجوزي (2/ 157).

[35] “الوجوه والنظائر في القرآن”؛ دراسة موازنة: سليمان بن صالح القرعاوي، مكتبة الرشد: الرياض. ط (1)، (1410هـ) (ص: 575).

[36] “المفردات”، الراغب (ص: 470).

[37] “الكليات” الكفوي (ص: 799).


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد