حاجة الدعوة الإسلامية إلى علم (لغة الجسد) … عطية السيد عطية العادلي

د. عطية السيد عطية العادلي: كلية أصول الدين والدعوة – فرع جامعة الأزهر الشريف بالمنصورة

بسم الله الرحمن الرحيم
تقوم الدعوة الإسلامية في أساسها على الاتصال المباشر وغير المباشر بين الداعي والمدعو عبر قنوات مختلفة ومتعددة .
والاتصال المباشر يتضمن نوعين من الاتصال ، اتصال لفظي ، واتصال غير لفظي ، لكن الملاحظ أن النوع الأول قد استولى على نصيب الأسد من الرعاية والاهتمام من قبل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ، فتعددت قنوات التواصل اللفظي بينهم وبين المدعوين ، ما بين خطابة ،ومحاضرة ، ودرس ، وندوة ، ومؤتمر ، وبرامج دعوية امتلأت بها القنوات الفضائية المسموعة منها والمرئية ، كما شملت الكتاب ، والمجلة ، والجريدة ، وكادت أن تختفي من على خريطة الدعوة الإسلامية منطقة أساليب التواصل غير اللفظي بين الدعاة والمدعوين ليس بسبب عدم وجودها – فهي موجودة ومشاهدة – وإنما بسبب عدم فهمها وإدراك مظاهرها ومراميها ، مما أوجد فجوة كبيرة بين الدعاة والمدعوين .
وتسبب ذلك في وجود حالة من التشويش لجهازي الإرسال والاستقبال،نشأ عنه عدم وضوح في الرؤية خاصة لدى الدعاة إلى الله تعالى .
حدث هذا وما زال يحدث في الوقت الذي نجد فيه أن القرآن الكريم قد أكثر فيه من الإشارة إلى أسس علم ( لغة الجسد ) في العديد من المواضع ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
قوله تعالى : ” قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ” عمران: ٤١
فأمر الله نبيه زكريا ان يستعمل الرموز للإفصاح عن مكنون مراده .
وقوله تعالى : َ” فأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ” مريم: ٢٩
فاستخدمت السيدة مريم البتول الإشارة لينتبه شانئوها إلى دليل برائتها .
وقوله تعالى :وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ” الحج : ٧٢.
فلفت رب العزة أنظار نبيه محمد صلى الله عليه وسلم للتفحص في قسمات وجوه مخالفيه ومعانديه ليستطيع قراءة ما تكنه صدورهم من حقد ، وما تخطط له عقولهم من مكائد تصل إلى حد الفتك بخصومهم من المؤمنين الموحدين .
َوقوله جلَّ شأنه : ” فلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ” الملك: ٢٧ ، فالوجه صفحة مفتوحة يُقرأ من خلالها سرور النفس وبهجتها ، أو حزنها واستياؤها .
وكما أشار القرآن الكريم إلى أسس علم ( لغة الجسد ) كذلك أشارت السنة النبوية في مواضع عدة ، ومنها :
-حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : ” لما أثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطنا ، وهبط الناس –يعني إلى المدينة – فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصمت فلا يتكلم ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ، ثم يصبها علىَّ ، أعرف أنه يدعو لي ” ( 1)
-عن علي رضي الله عنه قال : أهدي إلىَّ النبيُّ حلة سيراء فلبستها ، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي ” ( 2) .
وفي المقابل أثرت الثقافة الغربية العالم المعاصر ما أطلقوا عليه فن ( لغة الجسد ) فاكتشفه القوم ثم رعوه ، ونموه وطوروه ، واستخدموه في شتى مناحي الحياة ، وعلى مستوى العديد من فئات المجتمع.
فاستفاد منه السياسيون في مخاطبة الجماهير ومحاولة التأثير عليهم وإقناعهم واستمالتهم ، أو ترهيبهم وتخويفهم ، كما فعل نابليون ، وهتلر .
واستفاد منه الاقتصاديون خاصة في مجال عقد الصفقات بيعاً وشراء، للوصول إلى قراءة الأفكار التي تدور في عقولهم والخواطر التي تسيطر على أذهانهم .
واستفاد منه رجال الأمن والشرطة ، والمنوط بهم التحقيق في الجرائم ، واكتشاف المجرم من خلال الإيماءات والإشارات ، وحركة اليدين ، ودوران العينين ، وحركات عضلات الوجه .
واستفاد منه العاملون في حقل الطب النفسي ،ففهموا الحالة النفسية التي تسيطر على المريض من خلال لغة جسده الطبيعية وغير الطبيعية .
وكان من المفترض أن ينتبه العاملون في حقل الدعوة إلى الله تعالى إلى استثمار هذه اللغة التي هي أصدق في التعبير عما يجول في نفس المدعو من خواطر وأفكار، تؤدي قراءتها قراءة سليمة، وفق إطارها الصحيح إلى اختصار المسافات ،وسد الفجوات بين كلا الطرفين ، خاصة إذا علمنا أنها ” أقوى بخمس مرات من ذلك التأثير الذي تتركه الكلمات ، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن ما يقارب من 55% من الأهداف التي يطمح المرسِل إلى تحقيقها ، يصل إليها عن طريق الإيماءات والحركات بينما تحقق باقي العناصر النسبة المتبقية أي بنسبة 45% ” ( 3)
إن دراسة الدعاة لعلم لغة الجسد هي بمثابة المفتاح الرئيس لفتح قفل الحالة النفسية للمدعو ، فيعرف الداعية متى يكون المدعو في حالة غضب أو في حالة رضا ، في حالة حزن أو في حالة فرح ، وكيف تبدو عليه علامات الاقتناع بما يقال له ، أو علامات الرفض وعدم القبول ، فكل هذه المشاعر الداخلية ، والأفكار العقلية تُقرأ قراءة جيدة من خلال حركة يد ، أو إيماءة رأس ، أو دوران عين ، أو تحرك عضلة وجه .
ورحم الله الجاحظ حينما قال : ” رُبَّ كناية تُربي على إفصاح ، ولَحْظٍ يدلُّ على ضمير ، وإن كان الضمير بعيد الغاية ” (4)
وأخيراً أحيلك أيها القاريء الكريم إلى مجموعة من عناوين مؤلفات في هذا الفن يمكنك الاستفادة منها :
– لغة الجسد ، آلان ، باربارا بييز .
– البيان غير اللفظي في الحديث النبوي ( لغة الجسد ) ،د. أحمد عبد العزيز .
– الاتصال الصامت وعمقه التأثيري في الآخرين ، عودة عبد عودة عبدالله .
– لغة الجسد النفسية ، جوزيف ميسنجر .
– لغة الجسد ، بيتر كلينتون .

وإذا تصفحت المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية فستجد العشرات بل المئات من المؤلفات القيمة التي تثري معلوماتك في هذا المجال .
______________________
الهوامش :
1- سنن الترمذي ، كتاب المناقب، باب “مناقب أسامة بن زيد ” برقم 4188 .
2- صحيح البخاري ، كتاب الهبة ، باب : ” هدية ما يكره لبسه ” برقم 2614.
3- سيكولوجيا الواقعية والانفعالات ، محمد محمود بني يونس ، ص 340، دار المسيرة : عمان ، ط1 ، 2007 .
4- البيان والتبيين ، الجاحظ ، 2/7 .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد