المواجهة النووية الأمريكية الكورية الشمالية: من يهدد السلام العالمي؟ .. بصيلة نجيب

بصيلة نجيب: باحث دكتوراه علوم سياسية تخصص سياسات عامة محلية بجامعة مولاي الطاهر سعيدة الجزائر

الصراع في شبه الجزيرة الكورية يتخطى عمره الستين سنة وعرف فترات توتر حادة كما عرف فترات تهدئة وهدوء ولكنها كانت قليلة نسبيا مع فترات الصدام والمواجهة، هذا الصراع أخذ مؤخرا منحى خطيرا ينذر بحرب نووية، وهذا منذ مجيء الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، بحيث أخذ هذا الصراع طابع التهديد باستخدام القوة العسكرية بما فيها استخدام الأسلحة النووية.
ان هذه التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية تهدد بزعزعة استقرار العالم مما سيتسبب في الكثير من الاضطرابات والمزيد من الدمار والخراب، العالم الغربي يقف الى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ويصف كوريا الشمالية بكل الاوصاف التي تجعلها دولة خارج المنظومة الدولية، فقد ذكرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أن اطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي يشكل انتهاك صارخا من كوريا الشمالية لالتزاماتها الدولية وطالبت المفوضية من كوريا الشمالية بالامتناع عن أي استفزازات جديدة يمكن أن تفاقم التوتر الإقليمي والعالمي، ولم يرد في بيان المفوضية الأوروبية أي ذكر لاستفزازات الولايات المتحدة الأمريكية ضد كوريا الشمالية وتحرشها بها وهذا ما يعطي الانطباع للرأي العام العالمي بأن كوريا الشمالية وبتجاربها النووية تهدد الأمن والسلم العالميين، وحتى الحلف الطبيعي لكوريا الشمالية ممثلا في روسيا والصين وافقتا على العقوبات التي اصدرهما مجلس الامن ضد كوريا الشمالية بالرغم من مناشدتهما الطرفان بضبط النفس.
فهل فعلا كوريا الشمالية هي من تهدد الأمن والسلم والاستقرار في العالم؟ ومن يهدد السلم والأمن بالعالم ويدفع العالم الى مزيدا من الحروب والقتل والدمار ويعمل على توتير الأجواء العالمية وزرع الخوف من إمكانية اندلاع مواجهة نووية قد تدخل العالم في أتون دمار يلحق بالأجيال القادمة؟ انها إشكالية يجب الإجابة على تساؤلاتها بموضوعية وحذر شديد والاحاطة بكل جوانب الموضوع بعيدا عن اي خلفية أيديولوجية أو سياسية أو اصطفاف
الحرب الكلامية والاستعدادات العسكرية:
الشتائم والسباب والتهديدات تلكم هي اللغة المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية تزداد حدة ومعها تخشى دول العالم وخاصة منطقة شبه الجزيرة الكورية من تصاعد الموقف وزيادة التوتر مما ينذر بانفلات الأمور.
فقد كتب الرئيس الأمريكي بصفحته على تويتر يوم الجمعة 11 أوت 2017 “الحلول العسكرية أصبحت جاهزة تماما الآن وفي وضع التأهب والاستعداد لاستخدامها، إذا تصرفت كوريا الشمالية بتهور. ونتمنى أن يجد كيم جونغ أون مسارا آخر”، من جهتها كوريا الشمالية لم تسكت وردت متوعدة بحرب لا هوادة فيها في حال تهورت الولايات المتحدة الأمريكية ووجهت ضربة اليها.
المواجهة الكلامية تحولت سريعا الى استعدادات عسكرية من الجانبين الأمر الذي جعلها تصبح أزمة عالمية تهدد الأمن والسلم ليس بالمنطقة فقط ولكن بالعالم اجمع، فالتصريحات والتصريحات المضادة توحي وأن كل طرف ماضي في استعداداته، والمؤشرات على الأرض توحي بذلك، فعندما تصدر وكالة الأمن الداخلي في جزيرة غوام يوم السبت 11 أوت 2017 منشورا هو عبارة عن معلومات للسكان عن الكيفية التي يتعاملون بها مع أي هجوم محتمل. وعندما تقول موسكو ان تبادل التهديد بين واشنطن وبيونغ يانغ يقلقنا كثيرا، بينما صنف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المواجهة بين أمريكا وكوريا الشمالية بأنها خطر عال جدا، نفهم من هذا كله أن المواجهة لم تعد كلامية وان خطر تعرض الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية الى التهديد.
في يوم الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 وامام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصف النظام السياسي لكوريا الشمالية بأنه نظام شرير مهددا بتدمير هذا البلد تدميرا كاملا في حالة أقدمت كوريا الشمالية على تنفيذ تهديداتها ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
وجاء الرد الكوري الشمالي من طرف الزعيم كيم جونغ أون قائلا: “أن ترامب يؤكد بأنه أصدر اشد اعلان حرب عبر التاريخ”، وقد اعتبرت الصحافة الكورية الشمالية تصريح ترامب على أساس انه استفزاز واهانة ضد زعيمها وضد كوريا الشمالية.
التصعيد اللفظي والحرب الكلامية بين الرئيس الأمريكي والزعيم الكوري الشمالي وصل ذروته يوم الجمعة 22 سبتمبر 2017 عندما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الزعيم الكوري الشمالي بالمجنون، فقد كتب على صفحته بتويتر “كيم جونغ أون من كوريا الشمالية بوضوح هو مجنون وهو لا يتردد في تجويع شعبه وقريبا سيكون امام اختبار قوي وسيكون على المحك كما لم يحدث من قبل”.
وأمام حقيقة أخرى وهي أن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقف في وجه أمريكا وباستطاعتها خوض حرب ضدها، وهذا ما يؤكده المسؤولون الأمريكيون، فقد صرح الجنرال توماس شوارزر منذ مدة بعيدة وبالضبط يوم 07 مارس 2000 والذي كان يشغل وقتها القائد العسكري الأمريكي بكوريا الجنوبية امام أعضاء الكونجرس الأمريكي بقوله: “ان كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تستطيع ان تحارب الولايات المتحدة الأمريكية في حرب واسعة النطاق”.
من جهتها صنفت جريدة إكسربيس البريطانية التهديدات العالمية لعام 2016 المواجهة الأمريكية والكورية الشمالية من بين التهديدات التي تهدد العالم بمزيد من الدمار والخراب، من جهة أخرى ذكر موقع القناة الفضائية روسيا اليوم يوم 13 جوان 2017 أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس وفي تصريح خطي له قبل جلسة الاستماع امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي أمس الاثنين أن “كوريا الشمالية تشكل التهديد الأخطر والأكثر الحاحا للسلم والأمن” مقدما إياها على تهديدات أخرى قد تشكلها روسيا والصين وايران والمنظمات الإرهابية حسب التصنيف الأمريكي.
وآخر تصريح للرئيس الأمريكي كان يوم السبت 07 أكتوبر 2017 قال فيه: “أن الجهود الدبلوماسية حيال كوريا الشمالية فشلت على الدوام……. شيئا واحدا فقط سيكون له مفعول” بدون ان يذكر اي توضيحات حول هذه العبارة والتي توحي بتضمينه استخدام القوة العسكرية، وما كتبه الرئيس الأمريكي قبل هذا على حسابه بتويتر يعزز فرضية الذهاب الى الخيار العسكري، فقد كتب “الرؤساء واداراتهم عكفوا على الحديث مع كوريا الشمالية على مدى خمسة وعشرون سنة ووقعوا اتفاقات وصرفوا طائلة من الأموال” بهذا فترامب لا يعترف بالجهود الدبلوماسية وبالنسبة اليه هي مضيعة للوقت والمال ويستطرد قائلا: “لم يكن لها مفعولا فقد تم خرق الاتفاقات قبل أن يجف الحبر في استهانة بالمفاوضين الأمريكيين عفوا لكن شيئا واحدا فقط سيكون له مفعول”.
بما ان المفاوضات لم تأتي بنتيجة وهي اهدار للمال والوقت واهانة للمفاوضين الأمريكيين فقد بقي شيء واحد فقط وهو بلا شك استخدام القوة العسكرية لإنهاء الأزمة الكورية حسب التعبير الأمريكي والغربين ما يؤكد هذا الاتجاه هو تصريحه للصحفيين يوم الجمعة 06 أكتوبر 2017 بعد حفل العشاء الذي دعا اليه القادة العسكريين مع زوجاتهم بتلك العبارة “انه الهدوء الذي يسبق العاصفة” وبالرغم من الحاح الصحفيين على الاستفسار عن فحوى العبارة الا ان الرئيس الأمريكي بقي يكررها دون إضافة، وعلى كل فهي واضحة فدائما ما كانت العاصفة تحمل الأهوال.
الاعلام وتوظيف الحقائق:
كوريا الشمالية بلد منعزل عن العالم يحكمه شاب طائش يعذب شعبه ويحكمه بالحديد والنار وكل ما يفعله هو تطوير أسلحة ذرية نووية يهدد بها جارته الجنوبية ويهدد بها السلم والاستقرار بالمنطقة والعالم، تلكم تقريبا هي الصورة التي ينقلها لنا الاعلام الغربي ويتبعه في ذلك وسائل الاعلام العربية (بحكم أنها تابع) وخاصة تلك وسائل الاعلام العالمية التي تهيمن على المشهد الإعلامي والتي تعمل وفق وظيفة نقل الخيال الى الواقع.
المعروف أن الدعاية الإعلامية تقوم على مبدأ غسل الأدمغة وهذا بعد ان تتعرف مليا على الطريقة الأنسب لمخاطبة العقل الغربي والعقل العالمي بصفة عامة، ويرتبط نجاح الدعاية الإعلامي عند الاعلام العالمي ووكالات الانباء العالمية بتلك الإمكانيات المادية والكوادر البشرية التي تتوفر عليها كبريات وكالات الأنباء العالمية.
من جهة أخرى فإن الاعلام الغربي في عمومه يلعب دور سياسة التحريض ضد كل مخالف للسياسات الغربية ويحرض ضد كل صاحب حق ويعمل وفق منهج قلب الحقائق وفق أسلوب التهويل بصورة الخصم والعدو والتشنيع به، ووفق أسلوب الدعاية بالصورة والكلمة والأمثلة في هذا الصدد عديدة ومتنوعة وحالة العراق وفلسطين مثال صارخ على ما تقدم.
وفي حالة كوريا الشمالية فقد استعمل الاعلام كل هاته التقنيات وزاد عليها مستغلا تقنيات الاعلام والاتصال وتقنيات الصورة والصوت ليغوص في أعماق نفسية الانسان الغربي ليهز وجدانه وعواطفه فيهتز لرؤية صورة نساء يبكين من حول الزعيم الكوري لترافقها الكلمة التي تقول أنه الخوف هو من يجعلهن يبكين والكثير من الصور التي نقلت للرأي العام الغربي بصفة عامة والرأي العام الأمريكي بصفة خاصة فجعلت من صورة كوريا الشمالية كما يريدها الساسة في البيت الأبيض وتم نقلها للعالم على ذلك الأساس.
وكما هو الأسلوب المتبع في وسائل الاعلام الغربية والأمريكية منها على وجه الخصوص في مثل هذه المواقف الذي يتمحور حول البناء على أحداث ومواقف وظواهر سياسية حقيقية فعلية ليتم فبركة الباقي وبناء تلك الصورة النمطية المنشودة والتي تسوق على أنها الحقيقة، وهذه هي الدعاية التي تعني “الشعور الوحيد الذي يحمله أي شخص حول حدث لم يجربه هو شعور نابع من تصوره الذهني للحدث وأن هذا التصور لا يعتمد على معرفة معينة أو مباشرة بل على صورة صنعها أو تسربت له” حسب تعريف الصحفي الأمريكي والتر ليبمان.
في موضوعنا فإن الحقيقة هي أن كوريا الشمالية هي بلد يتم فيه التداول على السلطة عن طريق الوراثة وراثة الحكم والتحكم بالبلد وتنتهج فيها السلطة هناك نظاما شيوعيا غارق في اللون الأحمر، كما أن كوريا الشمالية يحكمها نظام سياسي بشع ويجمع بين ثناياه كل ما يكرهه الغرب والغربيون ويمقتونه.
هذه حقيقة أولى بنى عليها الاعلام والساسة في الغرب صورة لكوريا الشمالية تدور حول انها بلد يحكمها نظام يجسد كل معاني الشر وبالتالي فهو نظام لا يمكنه أن يكون ضمن المجموعة الدولية الا بتخليه عن عقيدته السياسية الحالية وتبني قيم الغرب وما يتوافق مع العقيدة السياسية الغربية.
الحقيقة الثانية هي أن كوريا الشمالية بلد يعمل على تطوير الأسلحة النووية ويطور معها أسلحة وذخائر صواريخ بالستية لها القدرة على حمل رؤوس نووية يمكنها احداث كوراث تدميرية وبيئية في حالة اطلاقها على منطقة ما، وهذه هي الصورة التي تبنى عليها الحقيقة المعبرة عن خيال الساسة في الغرب وفي أمريكا على وجه التحديد والتي يتم ايصالها الى الرأي العام العالمي والمتمثلة في ان نظام كوريا الشمالية يشكل أكبر تهديد للسلام العالمي والأمن والاستقرار في العالم وهذا بالضبط ما صرح به وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ريكس تيلرسون.
لكن هل فعلا يشكل نظام بيونغ يونغ تهديدا للسلام العالمي؟ وما شكل هذا التهديد؟ ومن يعمل على زعزعة الأمن والسلام بشبه الجزيرة الكورية؟ ومن الفاعل الفعلي للاضطراب الذي تشهدها المنطقة؟
إنها الأسئلة التي يجب طرحها والبحث جديا عن إجابات لها حتى لا نقع في نمطية الصورة الغربية التي تعمل وسائل الاعلام المهيمنة على المشهد الإعلامي العالمي على تسويقه، فمنذ دخول كوريا الشمالية النادي النووي العالمي بداية من أكتوبر 2006 وضعت على قائمة الدول المنبوذة عالميا بفضل استراتيجية أمريكية محكمة عملت من خلالها على حشد وسائل الاعلام لتسويق صورة بلد منعزل يهدد العالم بأسلحته النووية، بالإضافة الى دفع مجلس الأمن الى تبني قرارات تدين نظام بيونغ يونغ مما ترتب عليه تسليط عقوبات اقتصادية على الدولة الكورية الشمالية، ولم تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية بهذا فقد حافظت على ريتم استفزازاتها ودفع كوريا الجنوبية الجارة الى أعمال استفزازية ضد كوريا الشمالية وذلك عبر مناورات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية لا تنتهي، كان الهدف الرئيسي لهذه الاستراتيجية هو دفع كوريا الشمالية وحشرها في زاوية الدولة المارقة التي تخالف قواعد المجتمع الدولي وبالتالي عزلها ودفعها الى الفشل وفي الأخير العمل على تفجيرها من الداخل.
الدعاية الإعلامية الأمريكية والغربية بصفة عامة صورت كيم جونغ على أنه طاغية دموي لا حدود لجنونه وتم تصوير البرنامج النووي لكوريا الشمالية على أنه لعبة مجنونة بيد كيم جونغ وأنه برنامج قائم على نزوة لهذا الطاغية فلا حدود ولا آفاق له سوى تلبية رغبات كيم جونغ واشباع رغبته المجنونة، ولكن هذه الصورة خاطئة تماما وغير مطابقة للواقع ولا ترتكز على أية أدلة ولا على موضوعية بالموضوع وانما هي ادعاءات سياسية وسياسوية تخدم أهداف الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في ادانة وشيطنة كل دولة لا تستجيب للهيمنة الامريكية.
الاستراتيجية النووية لكورية الشمالية:
إن تتبع برنامج كوريا الشمالية النووي وتفحص بداياته يعطينا صورة مغايرة لما يروج له الغرب واعلامه ويعطينا صور أخرى غير تلك التي أراد نشرها عبر العالم وايهام الرأي العام العالمي بها، فقد كانت كوريا الشمالية منضوية تحت معاهدة الحد من الأسلحة النووية والتي تم إقرارها عام 1968، وفي 10 جانفي 2003 انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة بعد ما تم اتهامها بانها تعمل على برنامج نووي سري منذ عام 1989 وبعد مفاوضات جمعت كل من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين أظهرت كوريا الشمالية الكثير من مؤشرات خفض توجهها نحو امتلاك الأسلحة النووية وابقت على ذلك لمدة فاقت العامين وفي 09 أكتوبر 2006 أقدمت كوريا الشمالية على تجربة نووية أولى ثم تبعتها بثانية اكثر شدة يوم 25 ماي 2009 وكانت الثالثة عبارة عن تجربة لقنبلة نووية يوم 12 فيفري 2013 وفي يوم 16 جانفي 2016 أعلنت بيونغ يونغ عن تجربتها لقنبلة هيدروجينية وتبعتها بأخرى ما بين 8 و9 سبتمبر 2016 هذا بالإضافة الى تطويرها صواريخ باليستية بإمكانها حمل رؤوس نووية.
إن هذه اللمحة المقتضبة عن تاريخ التجارب النووية الكورية الشمالية تظهر أن:
– برنامج كوريا الشمالية يتبع استراتيجية محددة تخضع لقواعد وضوابط وفق تواريخ محددة كذلك مما يفند الدعاية الإعلامية الغربية التي تسوق البرنامج على أنه عشوائي ومتخبط ولعبة يلعبها زعيمها
– هو برنامج دفاعي بحث يتم وفق قاعدة الردع من الضعيف ضد القوي والغرض هو ردع المعتدي وابراز قوة الانتقام التي يمكن ان تطاله في حالة الاعتداء.
– هو برنامج لا يستهدف العدوان أو الاخلال بالأمن والسلم بالمنطقة بدليل أنه ومنذ بداية البرنامج النووي لم يتم استخدامه في نطاق هجومي عدواني وكل الرسائل التهديدية كانت تشير الى رد الهجوم لا الهجوم
– هو برنامج احتياطي لتأمين البلد من التدخلات الأمريكية التي لم تتوقف عن الاستفزازات وما وجود القاعدة الامريكية بكوريا الجنوبية وتلك المناورات التي تجري كل عام على حدود دولة كوريا الشمالية إلا أدلة على أن استفزازات الولايات المتحدة الأمريكية لا حدود ولا ضابط لها
– تاريخ خروج كوريا الشمالية من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية يتوافق مع مخاوف كوريا الشمالية من اجتياح أمريكي ليكون مصيرها مصير العراق تحت حجة حقوق الانسان والديمقراطية ولهذا التخوف مبرره فقد أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية كوريا الشمالية ضمن الدول المارقة مع كل من إيران والعراق وقد استخدم هذا المصطلح من طرف الرئيس الأمريكي جورج ولكر بوش في خطاب له ألقاه بتاريخ 29 جانفي 2002.
سعي لتبييض جرائم التاريخ:
تاريخ أمريكا دموي منذ بدايتها الأولى ومحرقة الهنود الحمر تغني عن كل كلام، ولأمريكا قصة عشق مجنونة مع الحروب، وهذا العشق دائما ما يدفعها الى اختلاق الأسباب والمبررات حتى وان كانت واهية من اجل اشعال نيران الحروب واذكاء نار الفتن وهذا متعارف عليه في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ودائما ما تجعل من نفسها الضحية والبلد الذي يدافع عن نفسه ويدافع عن الأمن والسلم بالعالم.
وفي حالة كوريا الشمالية فإن أمريكا تعمل على عكس الاتهامات والصاقه بهذا البلد لتقف موقف الواعظ الذي يعطي دروسا في الأخلاق، فأحرار العالم يعرفون جيدا من استخدم الأسلحة النووية، فالولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية في هيروشيما ونكازاكي حيث راح ضحية ذلك الاستخدام أكثر من 220000 قتيل بالإضافة للخسائر المادية والبيئية التي فتكت بالمنطقة ومازالت آثارها لحد الآن.
ووقتها الهجوم النووي على الأراضي اليابانية لم يكن مبررا بتاتا من الناحية العسكرية والسياسية، فمن الناحية العسكرية كانت القوات الأمريكية تدك مواقع القوات اليابانية وتلحق بهم الهزائم بمنشوريا ومن الناحية السياسية فقد كانت اليابان على استعداد للتفاوض من اجل انهاء الحرب.
المفارقة في هذا الاستخدام أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تبد اسفها ولا ندمها على تلك المجزرة المذبحة الكارثة لا من قبل الساسة ولا من قبل نخبة المجتمع الأمريكي وعلمائه ومثقفوه إلا القلة منهم.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تلك الأمة الاستثنائية كما يراد لها أن تكون مسكونة بعشق الحروب وعشق التدخلات في الشؤون الداخلية للدول وعشقها لتزعم العالم وتحديد من بين دول العالم من يكون له الحق في امتلاك الأسلحة النووية ومن لا يمكنه ذلك، وهي في نفس الوقت مهووسة بتبييض تاريخها ووضع نفسها دائما موضع الضحية والأمة التي يكرهها الآخرون الديكتاتوريون الرجعيون بسبب قيمها التي تحترم حقوق الانسان والديمقراطية وتعلي من شأن الانسان.
المواجهة الأمريكية الكورية الشمالية تاريخ من الدماء:
تعمل أمريكا على تبييض تاريخها الدموي مع كوريا الشمالية، فالمواجهة الأمريكية الكورية الشمالية عبارة عن بحر من الدماء ومن القتل ومن ترويع الناس في بيوتهم وقصفهم بكل أنواع الأسلحة التي توفرت لديها وقتها، فقد قصفت أمريكا الشعب الكوري الشمالي بالنابلم أثناء الحرب الكورية حيث تولت أمريكا الحرب نيابة عن الجنوبيين ضد الشماليين، وقد كانت تلك الحرب بالنسبة للأمريكيين حربا بين الخير والشر وبطبيعة الحال فقد كانت أمريكا تقف في صف الخير وكوريا الشمالية في صف الشر
ورسميا كوريا الشمالية تقول إن ما يقارب من 20 % من مجموع سكان كوريا الشمالية قضوا تحت القصف بالنابالم والقنابل، وارتكبت فضائع وجرائم حرب لا يذكرها الكثيرون ولم يدعو للتحقيق فيها، وحسب بعض الأرقام التي تقدم لضحايا الحرب الكورية فقد كانت كالآتي:
– بالنسبة لكوريا الشمالية 300 ألف قتيل و220 ألف جريح
– بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية 157350 قتيل
– وتجاوز عدد الضحايا المدنيين من الجانبيين الكوريين المليون قتيل
– بلغت الخسائر البشرية لكل الأطراف المتحاربة (04) أربعة ملايين قتيل
كم اتهمت كل من الصين وكوريا الشمالية الحليفتين في هذه الحرب الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام أسلحة بيولوجية أثناء العمليات القتالية، ولم تذكر المصادر التاريخية أي تحقيق جرى للتأكد من هذا الاستخدام، وان كان يمكن تصديقه نظرا لسوابق أمريكا في هذا المجال وفي تلك الاستراتيجية التي تتبناها منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية والقائمة على صنع أسلحة وتجريبها في ميدان المعارك الحقيقية، وكثيرا ما تجد وأن الحرب هي الميدان المناسب لتطوير أسلحتها كما أن البعض من المؤرخين يصفون المعاملة الأمريكية للسكان على الأراضي الكورية بأنها كانت متوحشة وبشعة وغير إنسانية.
أثناء الحرب الكورية والتي استمرت من سنة 1950 الى غاية 1953 استخدم سلاح الجو الأمريكي بكثافة شديدة القنابل الحارقة، وتذكر بعض المصادر التاريخية أن المدينة الصناعية هيونغ نام كانت الهدف الرئيسي لهجوم جوي شديد يوم 31 جويلية حيث ألقيت ما يقارب من 500 طن من القنابل مما تسبب في تدمير المدينة بشكل تام قارب على 85% من المدينة دمر على آخره وسويت جميع البنايات بالأرض.
ويذكر بريس كيمينغ وهو مدير قسم التاريخ بجامعة شيكاغو وصاحب كتاب تاريخ الحرب الكورية في مقالة له بعنوان “ذكرى نار في كوريا الشمالية” الخسائر التي تسبب فيها قصف مدن كوريا الشمالية بالقنابل الحارقة، وقد كشف تقييم الاضرار الناجمة عن قنبلة المدن الكورية الشمالية أن 22 مدينة رئيسية من البلد كانت عرضة للقصف الشديد من طرف الطائرات الأمريكية والذي أسفر عن:
– 18 مدينة كانت مدمرة بنسبة تصل الى 50%
– المدن الصناعية الكبرى هامهونغ وهانغ نام دمرت بنسبة تصل الى 85%
– مدينة ساريوان دمرت تقريبا عن آخرها بنسبة 95%
– مدينة سانجو دمرت عن آخرها وسويت بالأرض 100%.
– العاصمة بيونغ يونغ دمرت بنسبة 75%.
هذه احدى نتائج الحرب الامريكية على كوريا الشمالية، حرب استمرت ثلاثة سنوات حصدت ثلاثة ملايين كوري ما يعني حوالي 20% من سكان كوريا الشمالية أحرقوا بنابالم وهذا ما ذكره بريس كيمينغ في لوموند ديبلوماتيك لشهر ديسمبر 2004 ضمن مقالة بعنوان “ذكريات نار في كوريا الشمالية”.
وعلى ضوء حقائق التاريخ الذي جمع كوريا الشمالية بأمريكا يمكننا أن نفهم هذا العداء المستفحل من طرف أمريكا لهذا البلد الصغير وسعيها المستميت لتسويد صورة هذا البلد وتشويه حقائق البلد وما يقوم به لأنها في الأخرى تريد أن تبيض تاريخها ولا تريد من كوريا الشمالية أن ترفع رأسها وان تحكي عارها وخزيها وتريد ان يتلهى العالم بصورة كوريا الشمالية وديكتاتورية زعيمها وحكمها غير الديمقراطي الذي لا يحترم حقوق الانسان ولا يلتفت هذا العالم الى عار أمريكا وما فعلته بكوريا الشمالية، ومن جهة أخرى نفهم موقف كوريا الشمالية الذي يتسم بالحذر الشديد وعدم الثقة بأمريكا ونفهم هذه العدوانية المعادية للإمبريالية الأمريكية.
ازدواجية المعايير عند الأمريكيين:
السياسة الخارجية الأمريكية لها محددات تتعامل من خلالها مع القضايا الدولية ومنها قضية انتشار السلاح النووي وكل قضية تحدد الكيفية التي يتم التعامل بها وفي قضية السلاح النووي الكوري الشمالي فإن المحددات التي تحكم هذا التعامل لا تتعلق فقط بالمحدد التاريخي بل يتعلق كذلك بسياسة ازدواجية تتعامل بها أمريكا مع كوريا الشمالية، ففي الوقت الذي ترافع فيه من أجل عالم خال من أي تهديد ومن اجل عالم يعمه الأمن والسلام، فإنها في نفس الوقت تتصرف وفق منطق برغماتي مقيت وفق ما يخدم مصالحها الاستراتيجية والتي يسعى اليها المركب الصناعي العسكري ومن يقف خلفه.
إن ما يحكم العلاقة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية هو ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الطرف الأمريكي ليس فقط مع كوريا الشمالية ولكن مع العالم اذ ينطلق من منطلق حلال علي حرام عليكم فعلاوة على الخلفية التاريخية والتي تجعل الولايات المتحدة تنتهج منهج المرافعات الأخلاقية في قضايا مثل انتشار السلاح النووي فهي تتخذ من البرنامج النووي الكوري الشمالي فزاعة تخيف بها العالم وتستجدي الرأي العام العالمي كما فعلت تماما مع كذبة البرنامج النووي العراقي.
تركز الولايات المتحدة الأمريكية من خلال اعلامها والاعلام الغربي المساند لها على أدق تفاصيل البرنامج النووي الكوري الشمالي وتعمل على تكبير الصورة والتركيز الشديد على تصويره على أنه تهديد وشيك للسلم والأمن العالميين فهذا يعني أنها تريد من العالم الحر أن ينسى ويتناسى الــــــــ 4018 راس نووي التي تمتلكها أمريكا ويركز فقط على بعض العشرات من الرؤوس التي تمتلكها كوريا الشمالية هذا على افتراض وأن هذه الرؤوس لها نفس الفعالية والقوة التدميرية التي تمتلكها الرؤوس النووية الأمريكية.
تقوم أمريكا بالتهويل من خمسة تجارب نووية أجرتها كوريا الشمالية ليعم الغضب والنقمة على دولة مارقة تهدد العالم بتجاربها النووية بينما ينسى الجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية أنجزت ألاف التجارب النووية كما أن الاعلام لم يشر يوما الى أن أمريكا هي من أدخل السلاح النووي في الحرب واستخدمته لقتل المدنيين في هيروشيما وناكازاكي، وأن هي من أدخلت السلاح النووي الى شبه الجزيرة الكورية سنة 1958.
أسئلة لا اجابة لها سوى تبريرات الاعلام الغربي، فما تفعل كل هذه الترسانة العسكرية الحربية الأمريكية بشبه الجزيرة الكورية؟ وما تفعله بالضبط حاملات الطائرات في بحر اليابان؟ وهل فعلا هناك خطر وشيك يستدعي كل هذا الانتشار الاستراتيجي العسكري الأمريكي وليس انتشار تكتيكي للقوات بالمنطقة؟
إنها أسئلة لا إجابات لها سوى تبريرات الاعلام الغربي القوي والمهيمن على الساحة الإعلامية العالمية والموالي لأمريكا والتبرير الذي تجتره مختلف وسائل الاعلام هذه هو أن كل هذا التواجد العسكري الأمريكي هو لحماية العالم والمنطقة من تهديدات كوريا الشمالية للسلم والامن العالمي وان كوريا الشمالية هي دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي ولا تحترم الاتفاقيات الدولية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
إن الفحص الدقيق لهذين الاتهامين الذين يستخدمان لتبرير الوجود الكثيف للقوات العسكرية الحربية الامريكية يوضح لنا مدى الاستهزاء الذي يبديه الاعلام بعقول الناس والاستخفاف بهم والسعي لاستحمارهم، فتهديد كوريا الشمالية للسلم والامن العالميين تهمة لا أساس لها من الصحة ولا دليل ولا حجة لأصحابها سوى الكلام وإعادة اجتراره، فكوريا الشمالية تاريخيا ومنذ تأسيسها لم تهاجم أي دولة ولم تعتدي على أي دولة وما تجاربها النووية الا ردة فعل على التهديدات الأمريكية والاستفزازات التي تمارسها أمريكا ضدها، بالإضافة الى أن كوريا الشمالية هي دولة مستقلة وتمتلك سيادتها وقرارها وهي حرة أن تفعل ما تشاء داخل أراضيها وهذا ما تنص عليه مواثيق الأمم المتحدة، وكوريا الشمالية دولة عضوة بالأمم المتحدة كالولايات المتحدة الأمريكية تماما ولها ما لأمريكا وعليها ما على أمريكا، زيادة على هذا فالولايات المتحدة الأمريكية ليست مسؤولة على تحديد كيفية تعامل كل دولة مع مواردها ولا الكيفية التي تحمي بها أراضيها.
كوريا الشمالية دولة ذات سيادة ومن حقها أن تخرج من أي معاهدة متى شاءت ومتى رأت أن تلك المعاهدة لا تخدم مصالحها، كما فعلت تماما الولايات المتحدة الأمريكية مع معاهدة المناخ حيث اخطرت دول الاتحاد الأوربي بذلك دون ان تتعرض لأية حملة إعلامية او توصف بالدولة المارقة بالرغم من ان هذه المعاهدة تخدم السلم والامن البيئي كما انها لحماية العالم من التدهور البيئي الذي يمس بالأمن البيئي العالمي الذي يهدد بدوره الحياة على كوكبنا، كما أن المعاهدة تخدم العيش المشترك وترسي مبادئ التعاون من اجل محيط نظيف وبيئة نظيفة وآمنة، وسلوك الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن هو تهديد فعلي للأمن البيئي العالمي، ألا يفسر هذا السلوك على أن أمريكا تتعامل بمبدأ الكيل بمكيالين وبازدواجية المعايير؟ ببساطة أمريكا تحل لنفسها وتحرم على الآخرين.
كوريا الشمالية تجري التجارب النووية وتسعى لامتلاك السلاح النووي هذا ان لم تكن امتلكته وهذا صحيح ولا تخفيه وتصرح بأن سلاحها النووي هو سلاح ردعي تردع به أمريكا حتى لا تغزوها وتدمرها كما دمرت العراق من قبل ودول أخرى فقد حفظت كوريا الشمالية الدرس جديا واستوعبته، ولكن ماذا عن إسرائيل التي تحميها أمريكا وتدافع عنها؟ ماذا عنها وعن ترسانتها النووية ياترى؟
إسرائيل تمتلك ترسانة نووية لا يعرف عنها العالم أي شيء تقريبا وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تمض اتفاقية حضر الأسلحة النووية وهي تمتلك تقريبا 300 رأس نووي ويمنع على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تزور المنشآت النووية الإسرائيلية ولم يحدث أن تحدثت هذه الوكالة عن الترسانة النووية الإسرائيلية بالخير ولا بالشر ولم يحدث أن فكرت بزيارتها لغرض التفتيش بل حتى لغرض الزيارة والاطلاع فقط، وهذا يحدث بحماية أمريكية بامتياز ومباركة الدول الأوروبية وهنا تبرز ازدواجية المعايير الممارسة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية فتقمع كوريا الشمالية وتستفزها وتمهد لغزوها وتدميرها كما يصرح مسؤولوها وفي المقابل تهدد كل من يتحدث عن الترسانة النووية الإسرائيلية وهذا دون الحديث عما تفعله إسرائيل من قصف وتدمير وقتل شبه يومي للفلسطينيين واحتلال أراضي وبهذا فهي لا تهدد الأمن والسلم العالميين بنظر أمريكا بل إنها دولة ديمقراطية تراعي حقوق الانسان، أليس هذا ما تروج له أمريكا والاعلام الغربي المهيمن؟ وأليست هذه ازدواجية وكيل بمكيالين؟
الأمن المسلح أو الأمن تحت التهديد:
لا تتوقف التهديدات الأمريكية ضد كوريا الشمالية بتدميرها ومسحها عن خريطة العالم ولا تتوقف التصريحات الأمريكية بالاستعداد للذهاب الى الحرب، وحسب المنطق الأمريكي فكلها تصريحات تصب في صالح الأمن والاستقرار بشبه الجزيرة الكورية، فالولايات المتحدة الأمريكية تمارس التهديد من أجل الأمن، وعلى كل فهذا هو الأسلوب الأمريكي في استتباب الأمن وإقامة السلام والعدل بالعالم وهذا ما فعلته بالعراق ومع المنطقة العربية.
تقيم الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية بكوريا الجنوبية قوامها 29000 عسكري وهذا من أجل ماذا ومن المستهدف من قاعدة عسكرية بهذا الحجم؟ طبعا من أجل ردع عدوان كوريا الشمالية ضد جارتها الجنوبية ولا تعده أمريكا استفزاز ولا يستوجب التنديد من طرف كوريا الشمالية ولا يجب أن يثير حفيظتها كما أن الاتفاقية التي تجمع كوريا الجنوبية بأمريكا والخاصة بقيادة القوات وقيادة العمليات الحربية في حالة نشوب حرب مع كوريا الشمالية كثيرا ما أثارت حفيظة كوريا الشمالية وموضوعيا فإن هذه الاتفاقية موجهة ضد كوريا الشمالية لاستفزازها أكثر وهي تعني أن أمريكا موجودة بكوريا الجنوبية من اجل غزو كوريا الشمالية، ويتضح هذا من خلال ذاك التأجيل الذي فرضته أمريكا فقد كان الاتفاق يقضي بنقل القيادة العسكرية للعمليات الحربية الى كوريا الجنوبية الا أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت ذلك بدعوى التهديد المستمر لكوريا الشمالية، وهنا نعود لفكرة الفزاعة التي تخيف العالم ومن ورائها تحقق أمريكا مصالحها وتهمين على العالم وتضعه تحت تصرفها.
وتجري أمريكا وكوريا الجنوبية مناورات عسكرية ضخمة بصفة دورية، فقد تناقلت وسائل الاعلام مشاركة 15 ألف عسكري أمريكي ونحو 300 ألف عسكري من القوات المسلحة لكوريا الجنوبية في مناورة ضخمة على الحدود مع كوريا الشمالية سنة 2016.
لا تكتفي أمريكا باستعراض قوتها واساطيلها قبالة السواحل الكورية الشمالية فقد قامت مؤخرا بجلب حليفتها اليابان وهي العدوة التقليدية لكوريا الشمالية حيث أمضى اليابانيون أكثر من 35 سنة محتلين منطقة الكوريتين، وقد ذكرت وكالة الأنباء اليابانية أن حاملة طائرات هيلوكوبتر تابعة لقوة الدفاع الذاتي البحرية قد انضمت يوم الاثنين 01 ماي 2017 لسفينة تابعة للبحرية الأمريكية في المحيط الهادئ، وذكرت وكالة الأنباء كوديو اليابانية أن هذه المهمة بأمر من وزير الدفاع الياباني تومو اينادا وتهدف الى اثبات قوة التحالف الأمني الياباني الأمريكي، ومن أجل ردع كوريا الشمالية عن اجراء المزيد من التجارب النووية والصاروخية، هل بعد هذا الاستفزاز استفزاز أكثر واكبر؟ ويتم كل هذا تحت مبرر الحفاظ على الأمن والاستقرار والسلام بالمنطقة والعالم.
خاتمة:
ان التوتر الذي يسود منطقة شبه الجزيرة الكورية لا يعود فقط الى التجارب النووية التي تجريها كوريا الشمالية وانما يعود كذلك وبنسبة أكبر الى الغطرسة الأمريكية التي تمارس عبرها كل انواع الاستفزاز ومحاولة الاذلال لبلد صغير محاصر، ويعود هذا التوتر الى تلك السياسات التي تتسم بكثير من السعي الى الهيمنة على العالم ولعب دور دركي العالم الذي يزجر ويأمر، ويعود هذا التوتر في شق منه الى ذلك التحريض والحملات الإعلامية التي يمارسها الاعلام الغربي القوي والمهيمن على الساحة الإعلامية العالمية والذي يساند أمريكا ويعمل وفق استراتيجيتها في تركيع الدول وشيطنتهم وتصوير كل مخالف لها في صورة شيطان يسعى لتخريب العالم وتهديده.
ومن خلال العرض الذي مر معنا فإن الذي يهدد العالم ويقوض الأمن واسس العيش المشترك بين الشعوب والأمم هو الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتبنى المبدأ الميكافيلي لتحقيق مصالحها وهيمنتها على العالم.
أمريكا لا تذخر جهدا للقضاء على بقايا الشيوعية والذي بقيت من عقدها كوريا الشمالية وهذا واحد من الأسباب التي تجعل أمريكا تحاصر كوريا الشمالية اقتصاديا وتعزلها ديبلوماسيا وتشيطنها إعلاميا وتأمر حلفائها بأن يحذو حذوها وتوحي لحلفائها بجنوب شرق آسيا بضرورة وقف جميع المساعدات التي كانت تقدم لها ومنها المواد الغذائية وهذا لا تعتبره أمريكا تقويض للأمن والاستقرار فتجويع شعب بأكمله ومحاصرته يعتبر بالمنطق الأمريكي عقوبات اقتصادية فقط.
إن ما تفعله امريكا هو نوع من الاذلال والاستفزاز ضد كوريا الشمالية وهو حشر لهذا البلد في الزاوية الضيقة التي تجد فيها القيادة الكورية الشمالية نفسها مضرة لارتكاب حماقة استخدام الأسلحة النووية وبالتالي حدوث كارثة تودي بألاف الضحايا الأبرياء.
إن أمريكا ما كانت لتتردد في توجيه ضربة عسكرية لبيونغ يونغ لولا تيقنها من امتلاك هذه الأخيرة للسلاح النووي وقدرتها على الرد في القوت المناسب مما يعني احداث دمار كبير قد يؤدي الى تراجع أمريكا بقرون عديدة للوراء وهذا ما صرح به وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لقناة أن تي في التلفزيونية الروسية وقد قال في مجمل حديثه: “الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قصفت العراق لأنه توفرت لديها معلومات دقيقة بأن العراق لا توجد لديه أسلحة للدمار الشامل” واعرب السيد لافروف عن تيقنه بأن الأمريكيون لن يقصفوا كوريا الشمالية لانهم يعرفون بدقة أنه توجد لديها قنابل نووية، مؤكدا في حديثه أن العالم قد يسقط في حفرة لا يمكن التنبؤ بها اذا لم تدرك الولايات المتحدة الأمريكية ذلك ومحذرا بأن ذلك سيضر بألاف المواطنين الأبرياء بكل المنطقة.
ان ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وما تقوم به بالعالم أجمع وما قامت به من قبل وما ستقوم به من خلال سياستها الخارجية المبنية على الغطرسة واستخدام القوة العسكرية والتهديد باستخدامها وابتزاز الدول هو التهديد للسلم والأمن بالعالم وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كل انزلاق.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد