د.حسين نصّار رائد الدّراسات المعجميّة … محمد مبارك البنداري

د. محمد مبارك البنداري: عضو هيئة التدريس في جامعتي الأزهر وأم القرى

تقول العرب :فلان أصل أصالةً فهو أصيل الرأي وأصيل العقل (راجع أساس البلاغة للزمخشري) مادة :أ. ص ل .

والدكتور حسين نصار لغوي ومحقق ومثقف وعلامة في هذه الأصول ، علما ومعرفة ودراية فهو ثبْت وثقة في العربية لغة القرآن الكريم ، ملمّ بتاريخ معجمها ، عارف باشتقاقها ، عالم بأسرارها وأصولها ، فهو علم من أعلام العصر ، وركن من أركان الحركة العلمية في العصر الحديث ، ورائد الحركة المعجمية في العالم العربي ، والكتابة حوله شاهد وفاء لعَلم كرّس جهوده لإحياء العمل المعجمي وترسيخ قواعد اللغة والتحقيق ، وستظل كتبه الخالدة شاهدة على الجهد الذي لم يكلّ والعقل الذي لم يضلّ ، والإمام المحيط بالثقافة العربية والآداب والعلم الواسع بالتاريخ .

من المعروف عن د . حسين نصار أنه أصدر في وقت مبكر من حياته رسالته للعالمية ” الدكتوراة ” والتي تقدم بها لكلية الآداب – جامعة القاهرة ، والموسومة بـــ ” المعجم العربي نشأته وتطوره ” 1953م ، وأصبح هذا الكتاب فيما بعد أبرز كِتَاب في مصر والعالم العربي يؤرخ لرحلة التأليف في المعجم العربي .

نحن إذن إزاء شخصية خصبة غاية الخصوبة ،عميقة غاية العمق ، شخصية مؤلف ومحقق ، وباحث متجرد لفكرة واحدة ، عاش لها حياته كلها وما أطولها ( توفي بعد التسعين من عمره) بعيدا عن مجالات الشهرة والتألق ، أو إحداث الدوي ،كأنما هو زاهد ، لا يتطلع إلى أي شيء في هذه الحياة ، غير أمر واحد هو أن يبحث بتجرد في تراثنا العربي والإسلامي ، فلم يدخل في صراع الأقران كما دخل د. رمضان عبدالتواب ، ود.البدراوي زهران –رحمهما الله – …وغيرهما من أعلام اللغويين في الجامعات المصرية آنذاك .

من وجهة نظري المتواضعة أنه يمثل أنموذجًا من النماذج القلائل التي تظهر في تاريخنا بل والفكر الإنساني عامة ، بين آن وآخر لتكون مهيأة بالصبر والقلم على أداء دور كبير ، ليس على مسرح الحياة العلمية وإنما في أعماقها … كان – رحمه الله – من أولئك القادرين على فهم واستيعاب تراثنا .

كانت حياة د.حسين نصار في مطلعها قبل أن ينتقل عن دنيانا منذ أيام صعبة ؛لكنها كانت تنبيء عن شخصية عالم في المستقبل ، فهو شاب ولد في أسيوط 1925م حارة كوم بهيج وحصل على الثانوية ، ثم قدم إلى القاهرة ليتعلم على نفقة الدولة ، بعدما فاز في مسابقة وزارة المعارف آنذاك ” التربية والتعليم ” في اللغة العربية ، واستقر بعدها في القاهرة ، وحيل بينه وكلية الطب بالإسكندرية بسبب الحرب …

وقد اكتملت ثقافته في مكتبة بلدية أسيوط ، حيث كان يقرأ – كما حكى – فيها بالرفّ لا بالكتاب ، فجاءت ثقافته عربية إسلامية أصيلة قوامها دراسات اللغة والأدب والعلوم والفقه والتاريخ والسنة والشرائع والقرآن ….

واهتم بالدراسات القرآنية في أخريات حياته ، وكتبه خير دليل على ذلك ، كالناسخ والمنسوخ في القرآن ، وإعجاز القرآن : الفواصل ، وفواتح سور القرآن ، والقسم في القرآن الكريم ، وكتب غريب القرآن ، ومعجم آيات القرآن …

ومن شدة حبه لبلدته أسيوط أهدى جامعة أسيوط مكتبته العامرة منذ أعوام ، فقد جمعها مع تلامذته وقام بإرسالها كهدية للجامعة .

تخرج د. حسين محمد نصار في قسم اللغة العربية بكلية الآداب 1947م ، وحصل على الماجستير 1949م وكانت أطروحته بعنوان : ” نشأة الكتابة الفنية في الأدب العربي ” ثم الدكتوراة –كما ذكرت-.

وكانت المناصب العلمية التي تولاها خير معين له على الترجمة والتأليف والتحقيق ، فقد تولى منصب رئيس الجمعية اللغوية المصرية ، والجمعية الأدبية المصرية ،ولجنة الدراسات الأدبية واللغوية في المجلس الأعلى للثقافة ، ومقرر المجلس القومي والآداب والإعلام واتحاد الكتاب .

لقد قدم د.حسين نصار إلى أهل عصره عصارة الثقافات القديمة والمستحدثة عبر الترجمة لبعض الكتب الغربية ، من أجل بناء ثقافة عربية إسلامية عصرية .

ولا شك كان د. حسين نصار رائد مدرسة علمية تجمع بين القديم والجديد … الشرق والغرب …اللغة والدين …

اهتم د.حسين نصار بتحقيق الكتب ، فقام بتحقيق العديد من الدواوين الشعرية والتعليق عليها ، وقد كانت بداية تحقيقه للنصوص الشعرية ونشرها في مرحلة مبكرة من حياته ، حيث قام بتحقيق ديوان سراقة البارقي وهو طالب في الفرقة الرابعة بالكلية عام 1947م ، ثم توالت التحقيقات العلمية الرصينة لعيون التراث العربي ، من ذلك تحقيقه لكل من :

ديوان ابن الرومي ت 896هـ ، وديوان ابن مطروح ت 659هـ ( وهو شاعر مصري ولد في نفس محافظة د.نصار / أسيوط ) ، وديوان عبيد بن الأبرص ت 545م ، وقد قام بتحقيقه المستشرق الانجليزي السير تشارلز جيمس ليال ت1920موقد أعجب د.نصار بتحقيق ليال وشهد له بما بذله من جهد واضح في مقدمته الضافية للديوان ، وأعاد تحقيق الديوان لأنه – كما ذكر – اطلع على أشعار أخرى لعبيد أوردها ابن ميمون في كتابه ” منتهى الطلب من أشعار العرب ” ولم ترد في النسخة الخطية التي اعتمدها ليال ، بل لم يكن كتاب ابن ميمون من المراجع التي وقع عليها ليال أثناء تحقيقه للديوان ، وديوان ابن وكيع التَّنيسي ( أبومحمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف ) ، ديوان جميل بثينة ت82هـ ، ديوان قيس بن ذريح ت 61هــ ( مجنون لبنى ) ، ديوان الشاعرة الخِرنق بنت بدر بن هفَّان ت 600م ، ديوان ظافر الحداد ت529هــ(الإسكندري ) ، ديوان أبي الصوفي سعيد بن مسلَّم العماني ت 1952م (شاعر الأسرة المالكة بسلطنة عمان ).

ومن الكتب التي قام بتحقيقها : ولاة مصر للكندي ت 350هـ ، وقدم للكتاب بمقدمة تحدث فيها عن الكندي ومؤلفاته ومنهجه في التأليف والرواة الذين اعتمد عليهم في كتابه ، وحقق ” رحلة ابن جبير ت 614هــ ، وحققها قبله المستشرق وليم رايت 1852م واعتمد على نسخة يتيمة ، بيد أن .نصار حصل على نسخة أخرى في المغرب وأعاد تحقيقها وقام بمقابلة بين النسختين ، وحقق –أيضًا- الجزء 24 من كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري …. كما قام –أيضًا – بالإشراف وكتابة مقدمات لكثير من الكتب المحققة ككتاب منتهى الطلب من أشعار العرب لابن ميمون ..

وغيرها من المخطوطات ، وقد أفدت كباقي الباحثين من تحقيقاته النادرة وبحوثه المعمقة في النقد والأدب ،واطلاعه الواسع على أشعار العرب وآرائهم النقدية ، وملاحظتهم الطريفة .

وللدكتور نصار ترجمات كثيرة لعدد من أبرز أعمال المستشرقين تشهد بتمكنه من اللغة الإنجليزية ، وقد ترجم المغازي الأولى للمستشرق يوسف هوروفتس 1949م ، ودراسات عن المؤرخين العرب للمستشرق د.س مرجوليوث ، ومقدمة المستشرق تشارلز ليال التي قام بتحقيقها لديوان عبيد بن الأبرص ، وأرض السحرة للمستشرق برنارد لويس ، وابن الرومي حياته وشعره للمستشرق روفون جيت ، وتاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر لهنري جورج فارمر …،وقد وصف د. عوني ترجمات د.نصار بأنها محكمة وواضحة ، إذ يقول : إن نصار لا يكتفي بمجرد الترجمة ، وإنما يعلق على ما يترجم مضيفا أو مصححا بالهامش بدون تدخل في النص نفسه .. وأن د.نصار كان يجهد نفسه في نقل النصوص العربية التي يترجمها المستشرقون إلى الإنجليزية من مصادرها العربية سواء كانت مطبوعة أم مخطوطة .

وقد أشرف د.نصار على كثير من الرسائل العلمية في قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة القاهرة ، وأصبح بعض تلامذته يشار إليهم بالبنان في اللغة العربية وآدابها ، ومن هذه الرسائل العلمية في مرحلة الماجستير ::

-إيقاع القافية في العروض العربي / للباحث أحمد عادل حسن علي عمار .

– التوجيهات الإعرابية لمنصوبات القراءات في كتب الإعراب القرآني ومعانيه حتى نهاية القرن الرابع الهجري / رنده إسماعيل ثابت .

– لهجة ذمار(اليمن ) : دراسة صوتية وصفية / عباس على محمد حسين السوسوة 1984-2مج .

– الجملة الشرطية فى الشعر العراقي المعاصر / مالك يوسف المطلبي 1978 .

– ديوان عمرو بن قمينة : معجم ودراسة دلالية / ندا عبد الرحمن الشايع .

– صيغ الأمر والنهي فى القرآن الكريم / تقي محمد على الطحان ؛ إ/ حسين نصار 1980

– التوجيهات الإعرابية لمنصوبات القراءات في كتب الإعراب القرآني ومعانيه حتى نهاية القرن الرابع الهجري / رنده إسماعيل ثابت.

-كتاب الجامع لابن وهب : دراسة نحوية / أسماء محمد عبد الله الشرمبابلي ؛ إ. حسين نصار 1990 .

ومن الرسائل التي أشرف عليها في مرحلة الدكتوراة :

– التأليف في خلق الإنسان من خلال معاجم المعاني : دراسة تاريخية ، موضوعية / وجيهة أحمد السطل 1976 .

– أبو عبيدة معمر المثنى ( 110- 209هـ ) / نهاد ياسين محمود طه الموسى 1969.

– الأزهرى فى كتابه تهذيب اللغة / رشيد عبد الرحمن العبيدى 1973.

– كتاب القطع والائتناف ، تصنيف أبي جعفر النحاس المتوفي 338هـ، الجزء الثاني : تحقيق ودراسة / أحمد خطاب العمر 1976-2مج .

– بناء الجملة في شعر شوقي دراسة نحوية دلالية / إلهام سيف الدولة حمداني 2002

– كعب بن زهير : دراسة لغوية / وفاء محمد كامل 1974.

– تداوليات الخطاب ولسانيات السكاكي / أحمد محمد الإدريسي 1987 .

– تحقيق كتاب المقتصد فى شرح الإيضاح لعبد القاهر الجرجاني / كاظم بحر المرجان 1975 .

– تفسير مشكل إعراب القرآن لأبي طالب القيسي الأندلسي : دراسة وتحقيق / عبد الحميد عوض محمد السيورى 1975 .

– ظاهرة التأويل في النحو العربي / نجاة عبدالعظيم الكوفي ؛

جامعة عين شمس ، كليةالبنات 1972 .

لغة القصة الفلسطينية القصيرة فى الضفة والقطاع فى العقد الأخير من القرن العشرين دراسة فى ضوء علم اللغة الحديث / جهاد عبد القادر ، معهد الدراسات والبحوث العربية – جامعة الدول العربية ، 2005 م.

وأخيرًا … لقد حاولتُ في هذا المقال حسب قدرتي تسليط الأضواء على شخصية د.حسين نصار ، ومؤلفاته ، وبعض آراءه اللغوية ، وعملت على إبرازها ودراستها والتنبيه على ما حوته من قيمة علمية نفيسة ، ولستُ أضع نفسي في المنزلة التي تسمح بمعالجة آراء د.حسين نصار والإتيان عليها جميعًا ، فذلك يحتاج إلى جهود تلامذته في المؤسسات العلمية التي عمل فيها ، وإنما هو جهد المقل أدفع به العمل العلمي الأكاديمي ، وربما يكون خطوة للأمام بإذن الله .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد