أزمة مسلمي روهنجيا ضغث على إبالة للعالم الإسلامي … محمد أشرف

محمد أشرف: الجامعة الملية الإسلامية – نيودلهي

لم تزل أخبار مسلمي روهنجيا طنّانة في الأخبار الرئِيسية من الوسائلِ الإعلاميةِ والمَواقِع الإجتماعية. ومن الحقيقة الماثلة أمَام أَعْيُن جميع المُراقِبين للحُقوق الإنسانيّة أنّ مُسلِمي روهنجيا مَا زالوا مُكابِدين من الإضطهادات الشنيعة والإنتهاكاتِ الصارخةِ على أيدي جيشِ بُورما ومُتطرِّفي البوذيين الأغلبيّة من الولاية “أراكان”.
وقد تمَّ تهجير المسلمين الأقلِّيّين من قُراهم قسرًا وشُرِّدُوا من أوطانهم وحُرِّقَت بُيوتهم ومُخيَّماتُهم وانتُهبت أموالهم على ان يُنفَّذ عليهم عمليّة التطهير العرقي وألحَّهم بالنزوح من أوطانهم راكبين قواربَ مُهَلهَلة هائمِين في وسط خليج بَنغال.
وكان بدءُ هذه الإضطهاداتِ المُفظِعة سنة 2012 على تهمةِ ارتكابِ بعضٍ من المسلمين على اغتصابِ فتاةٍ بوذيّةٍ وقتلها شنقًا. وكان متطرِّفُو البوذيّين تحت قيادة أشوين وِيراتو (Ashwin virathu) يتحيَّنون الفرصَة لتنفِيذِ عمليَّة الإبادةِ الجِماعيَّة على مسلمِي روهنجيا حيث تزايدت إحصائيةُ نسماتهم بشكلٍ متضاعِف سنة 2008. وبعد هذه الواقعات استفْحلتْ أوضاعُ الروهنجيين وتنوَّع عليهم التعذييبُ والإخفاءُ القَسري والحرقُ وقتلُ الأطفال والشبَّان واغتصابِ الفَتيَات ونهب قُراهم قبل حرقٍ ونسفِ آلاف المنازل والمَحالّ. واتهمهم بارتكاب جَرائمَ عِدَّة على خلفية الطائفيّة وتعرّضت المساجدُ والمبانِي للحملة التدمِيرية.
وفي رأس أكتوبر السنة الماضية تعرَّضَ الروهنجيون أيضًا لحملةٍ عسكريةٍ حيث لم يكترثْ بهم الحكومة البورمية تحت الرابطة القومية للديموقراطية (NLD). وأعلنت المصادرُ الرسميّةُ للعَفوِ الدّولي( Amnesty international) بأنّ عدد المُشَرَّدين قد تزايدت على 30000 والقتْلى منهم مائة الف على التقريب وانتزح منهم 27000 رغم ان كثيرا من الدول المجاورة قد اغلقت عليهم ثغورُها ومنعتهم الدخول الى أرضها.
ومن المدهش للعقول بأن هذه الاضطهادات العَوِيصَة تُرتكب أمام أعيُن الناشطِين للحقوق الإنسانيةِ كما أن أون سان سويي (Aung San Suyi) الحائزة لجائزة نوبال على السلام لنشاطاتها في السنة الماضية لم تَزلْ تَتَلَمَّصُ حين ما طُرحتَ أسئلةٌ عن هذه القضية رغم أنها تشغَلُ منصِبًا بارِزا في حزب الرابطة القومية للديموقراطية (NLD) التي تحكم بورما حاليًّا ولم تنبُسْ بِبنتِ شَفتها عن هذه القضية المُلْفِتَة للأنظار تملُّقًا للبوذيين الأغلبيِّين في البلد.

مسلمو روهنجييا إلى أين ينتمون؟
إن الوثائقَ الرسميةَ تُشير إلى أن هذه الفرقة العرقية مازالوا يعمُرونَ مِنطَقة أراكان (ولاية بورما حاليا) واتخذوها مسكنا لهم في بورما الغربية منذُ القرنِ الخامسِ عشرَ وِفقَ ما يُسَلِّطُ التاريخُ أضواءَه على هذه الحقيقة. فإن أغلبية الروهنجيين في مناطق أراكان تشير ايضا الى انهم السكان الأصلية في الأراكان.
ولم يزل الروهنجيون يعيشون أوضاعًا مفظعة الى التمييز العنصري والعَزلِ العرقي مع البوذيين الأغلبيين في بورما على ادعاءِ أنهم الخارجِيُّون وليسوا أبدا من السكان الأصليِّين بل هاجروا من مناطق بنغلاديش الى أرض بورما والحكومةُ لم تَمْنحْ لهم الجنسيةَ الوطنيةَ ونحَّتْهُمْ من الإحصاءاتِ الرسمية حيث لم يزل عددُ نسمتهم يتزايد بشكل متضاعف.
وقد شرع العِراكُ بين الروهنجيِّين والبوذيين المتطرفين من سنة 1942 حينما كانت بورما تحت استعمار بريطانيا وكان هذا الصراعُ الطائفي بَدْءَ توتُّرِ العَلاقةِ بين المسلمين والبوذيين حتى استفْحَلتِ الأوضاعُ الإجتماعية في بورما وأخذَ المسلمون مَغَبَّةً لهذه المشاكلِ النزوحُ من مسقطِ رأسِهم الى البلدان النائِية. فإن الإحصاءات الماضية قد اظهرت بان مليونًا من الروهنجيين يعيشون غُرَباء في الدُّوَل العربية والبلاد الجنوبية في شرق آسيا.
والروهنجيّون الذين يسكنون في بورما يَتعرَّضُون لأوضاعٍ مفظعةٍ من الحكومةِ وشعبها البوذية المتطرفة. وما إعتبرتْهم الحكومةُ لما جدَّدَتْ إحصاءَ السكانِ واعتبرتْهم خارجيِّين (بنغالي الأصل) ولم تزلْ المنازعةُ القَبَلِيَّةُ تُعَكِّرُ حياتهم اليوميّة وأحوالهم الإجتماعيةَ ولا يتمتعون شيئًا من المنازلِ الحكومية رغمَ أنهم يمثلون العَشرةَ في المائةِ من عدد سكان بورما. وقد بلغت الإضطهادات والمشاكلُ إلى آخر نُقَطٍ حيثُ نُحُّوا من الجبهة المتقدمةِ في مجتمع بورما.
التجاوبات العالمية على قضية روهنجيا
إن هذه الشناعت والوحشيّات لم تزل مكتومة على الوسائل الإعلاميّة على أن بورما تتعرض فيها الوسائل الخارجيّة لتحديدات وتقييدات خاصة من قبل الحكومة. إنّ هذه المنازعات والاضطهادات لم تجد شيئا من الانتباهات الدُوليّة ولم تلفت أنظار العالم إلا بعد أن أفشت الأقمار الصناعيّة الصُور المفتّتة للقلوب حيث إنهم يحملون عبء حياتهم على كواهلهم وسط خليج بنغال على متن الزوارق المُهلْهلة الحافلة بالأطفال والشبّان قد أهزلتهم المَجاعة وسُوءُ التغذية .
وبعدما انتشرت صورهم وشاعت في مواقع التواصل الإجتماعيّة وسلّطت الوسائل الدُوليّة الضوء على هذه المجازِر الوحشيّة تقدمت المنظّمات الحقوقيّة للمُساعدة كما أن العفو الدولي إستدعى على نُشطاء بورما للمُناقشة على حلّ ناجعٍ لأزمّة روهنجيا وأرسل كثير من الهيْئات غيرالحكوميّة مساعدات لمسلمي روهنجيا .
إنّ نشاطات الرئيس لجمهوريّة تُركيا رجب طيب أُردوغان لَجدير بالثناء حيث إنّه أرسل مساعدات عديدة إلى بورما وتابع المناقشات عن كثب لإلتفات إنتباه العالم على هذه الجريمة الوحشيّة التى يرتكبها جيش بورما مع الدعم مِن الحكومة وإجتمع الناس للمظاهرات في عاصمتهم دعما للروهنجيين المضطهدين وشقّوا حناجرهم بالهُتاف الصاخِب ضِدّ حكومة بورما على مجزرها المسلمين.
وقد بعثت هيئةُ الأممِ المتحدةِ وفدا للفحصِ عن أحوال أقليّة بورما المضطهدَة يترأسُها كُوفي حنّان (Kofi Annan) الأمين العام للهيئة الأُمم المتّحدة سابقا ولكن المراقبين للحقوق الإنسانيّة لا ينتظرون مِن هذا الوفد شيئًا من الحل الناجع لهذه القضية حيث إنّ الوفدَ ينظر إلى هذه الأزمّة من خِلال عدْسة مُضايقة الأقليّة على أيدي الأغلبيّة .
ومِن المتوقّع بأنّ المبادرات من قِبل رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق يقدّم حلّا حاسما لمشاكل مسلمي روهنجيا كما أنه أنذر العالم الإسلامي عن مَغبّات هذه الكارثة الوخيمة المدى .وبادر بِإستدعاء طارئٍ في عاصمة ماليزيا على الوزراء الخارجييّن من الدُول الإسلاميّة للمناقشة على حلّ ناصع على هذه القضيّة. وناشد مُؤتمر الدول الاسلامية حكومة بورما لإتّخاذ خُطوة جادّة لِوقف هذه الإضطهادات ضدّ أقليّة المسلمين ولتمنحهم حقوق المدنيّة وتحفّظا خاصّا . وإن النشاطات من قبل الهيئات الحقوقيّة الدولية يسلّط أضواء الرجاء على وضع هادئ ومستقبل مزدهر لمسلمي روهنجيا في مسقط رأسهم.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد