تحرير النفس أهمُّ طرق تحرير القدس … إياد محمد إسماعيل أبو ربيع

إياد محمد إسماعيل أبو ربيع- دكتوراه في أصول الفقه

النفس البشرية بحكم تكوينها والظروف التي تنشأ فيها تتعرض إلى آفات خطيرة، تؤثر في طريقة التفكير والتعبير و التدبير، وهذا كله من شأنه أن يشكل تعرّجات المسير وملامح المصير.
والمجتمعات العربية تعاني من آفات أصابت أفرادها وجغرافيتها، لكن عند الموازنة ينبغي أن يكون الاعتناء بالإنسان أكثر بكثير من الاعتناء بالبنيان، وبذل الجهود في تهذيب النفس وتدريب الذهن أكثر بكثير من استعادة الأرض. فالإنسان الواعي في المحصّلة هو الأساس والأرض والبنيان تابع وفرع عنه.
والنفس الضعيفة تحاول التنصّل من تحمّل الأعباء ومن أهمها المسئولية الأخلاقية، لذا تهرع إلى تعليقها على “الآخر” وأفضل آخر هو العدو. بيْد أن المسئول الأول هو “الذات”
فبينما النفوس الضعيفة منشغلة بالتغافل عن معالجة الخلل، أو تبريره أو تعليقه على الآخر، فإن الآخَر منشغل في توظيف هذا الخلل واستثماره.
يعتبر القرآن الكريم أحد أهم المناهج النظرية والبرامج العملية التي تعالج آفات النفس ولوثات الذهن. إذ يقرر أن المسئولية على النفس بالدرجة الأولى “قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ”. آل عمران: 65. ويدعو في كثير من الآيات إلى التعقّل والتفكّر والسير في الأرض، ويكشف عن الأمراض والأعراض التي تصيب أفراد المجتمعات مما يؤدي إلى تعوّقها وفشلها في مواجهة الأزمات. وتظهر منهجية القرآن الكريم في معالجة الحالة النفسية والذهنية للفرد من خلال المُدخل والآلية والمُخرج كالآتي:
أولاً: الحالة الذهنية:
المُدخل:
-التأكد من صحة الفكرة. “قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ”. النمل:27. وكم حريٌّ بشبابنا وأعلاميّينا وفضائياتنا أن يتحرّوا مصداقية الخبر، وعدم المسارعة في نشر ما يُسعد الميل النفسي، ويبتعد عن التحقيق الموضوعي. كما ينبغي الإنصاف ولو كان صاحب “الأقرب إلى الصواب” خصمًا “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ”. المائدة: 8.
الآلية:
– إعمال التفكير، وأهمه التفكير النقدي. (آيات التعقّل والتفكّر وإعادة النظر في المألوف والموروث)، بيْد أن التفكير النقدي غير مسموح به في دائرة التنظيم، ولو تمّ يكون على استحياء، ومن يقوم به لا بدّ له من ثِقل حزبي ليُغفر له أو ليُدافع عنه.
– تغيير الفكرة إذا ظهر ما هو أقوى منها. “قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”. القصص: ٤٩، فما يزال التزمّت مسيطرًا على كثير من القرارات، ومعظم القرارات وحتى التعابير قائمة على ما أسمّيه (فقه المناكفات).
– النظر في المآل، (قصة نبي الله موسى عليه السلام مع العبد الصالح)، ومحاولة التأثير في الأحداث، وعدم الاكتفاء بالعواطف وردّات الأفعال.
المُخرج:
– انسجام الفكرة مع مقررات المفكِّر وآلية التفكير. نلحظ انفصام في التفكير، تجده يمدح من يدعمه، وفي ذات الوقت لا يذمّه إذا ما دعم خصمه، يُبدي مساوئ خصمه بالتشنيع، ويضخّم محاسن ذاته بالتلميع. ويتغافل عن مساوئه وكأنه معصوم!
– نقل الفكرة ونشرها بالحكمة. “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي”. النحل: 125.
-عدم التصريح بما لا ليس بموثوق. “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”. الإسراء: ٣٦.
فإذا كانت المدُخلات خطأ فالنقل والمخرجات بالضرورة خاطئة، وتعود التصرفات والتعبيرات على الفرد والمجتمعات بالشقاء أو الفناء.

ثانيًا: الحالة النفسية:
– التواضع.
– التعاون فيما اتفق.
– الاعتذار.
– الأدب في الخلاف.

إن أولى مراحل العلاج الاعتراف بالخلل، وتحديد موضعه، فعلينا مكاشفة أنفسنا بأننا نفتقد كثيرًا من المناهج والبرامج التي دعا إليها القرآن الكريم، وأن خصمنا اللدود لا يُستهان به، وإن لم نستثمر العلاجات التي قدّمها القرآن الكريم أفرادًا وجماعات فسنعجز عن مواجهة الأزمات، وإن بقي البُنيان أهم من الإنسان فسنفقد مزيدًا من إنساننا ومن أرضنا. وستجدّد المآسي والنكبات.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ سالم بحر
    سالم بحر

    هنا يكمن الداء ومن يأتي العلاج

    1. الصورة الرمزية لـ سالم بحر
      سالم بحر

      هنا يكمن الداء ومن هنا يأتي العلاج

  2. الصورة الرمزية لـ سالم بحر
    سالم بحر

    هنا يكمن الداء ومن يأتي العلاج

    1. الصورة الرمزية لـ سالم بحر
      سالم بحر

      هنا يكمن الداء ومن هنا يأتي العلاج

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: