قلم حر: نبضات قلم (1)

دكتور ربيع عبد العزيز – أستاذ النقد الأدبي والبلاغة ، كلية دار العلوم، جامعة الفيوم – مصر

يرمي اللغويون العرب بالعجمة كل كلمة تبدأ بالنون التي تليها راء، وبهذا المقياس أخرجوا من دائرة الفصاحة كلمات مثل النرد والنرجس . وفيما ذهب إليه ابن منظورأن النرد ( فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَهُوَ النَّرْدَشِيرُ . وَفِي الْحَدِيثِ : ” مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ ” ، النَّرْدُ : اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَشِيرُ بِمَعْنَى حُلْوٍ ).
وبرغم عجمة كلمة النرجس فقد تسربت، مع غيرها من ألفاظ العجم، إلى معجم شاعر جاهلي معدود في الفحول؛ نعني الأعشى، كما تسربت إلى شعر غيره من الشعراء، على نحو ما نجد في البيت الذائع؛ الذي وصف فيه الوأواء الدمشقي قطرات الدمع المنهمرة من عيني حبيبته، والذي يقول فيه:
وأمطرتْ لُؤلؤًا من نرجسٍ وسقتْ وردًا … وعضتْ على العِنابِ بِالبردِ
وهام أبو هلال العسكري بهذه اللوحة الفنية الباذخة التي جمع فيها الشاعر خمسة تشبيهات في بيت واحد، ولم يقم وزنا لعجمة كلمة النرجس وعيا منه بأن العربية لم تكن يوما منغلقة على نفسها، وأن التقارض اللغوي سنة من سنن اللغات الحية..وفي تقديري أن هناك اختلالا بين المعنى اللغوي للفصاحة وبين بعض ما عده اللغويون أعجميا؛ فالفصاحة إشراق وجلاء ووضوح، وما كانت الألسنة لتجري بشعر الأعشى وفيه من الكلمات ما يفتقد إلى الإشراق والجلاء، أو تكسوه ستائر الغموض بحيث تمجه الأذواق وتنبو عنه الآذان، وإنما جرت الألسنة بشعر الأعشى وغير الأعشى لأنه يعبر عن أصحاب تلك الألسنة تعبيرا مشرقا ويخاطبهم بما يفهمون من ألفاظ وإن عد اللغويون بعضها أعجميا وأخرجوه من دائرة فصيح العرب..
وقد سار الزمن سيرته وغدا الكثير من أعجمي الألفاظ جزءا من ثقافة الشاعر العربي قديما كان أو معاصرا؛ فالدمستق له حضوره في شعر أبي فراس وغيره من الشعراء العباسيين، وسيزيف وجيفارا من الرموز التي ألف المعاصرون من شعرائنا أن يستدعوها في قصائدهم بدون أن يزور النقاد عنها أو يعترضوا عليها أو على نظائرها مما لا أصل له في لسان العرب، بل مما تغيب معانيه عن الكثيرين ممن يتلقون الشعر.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد