هل المؤتمرات العلمية علمية؟

بقلم: د. رفيق يونس المصري

سألني سائلٌ قائلاً لي: كثير من البلدان العربية والإسلامية تعقد مؤتمرات علمية، قد لا يكون الغرض منها علميًا، بل قد يكون الغرض منها التأليف السياسي أو الديني للمشاركين. هل هذا يدخل في باب تأليف القلوب؟

الجواب

هناك بلدان عربية وأجنبية تعقد مؤتمرات لأغراض علمية، أو لأغراض مختلطة علمية سياسية، ولكن قد تكون حصيلتها مفيدة إلى حد معين يرتفع وينخفض.

وهناك بلدان تعقد مؤتمرات ظاهرها علمي وباطنها تجاري، بحيث يكون الغرض من المؤتمر هو جمع المال من المشاركين في المؤتمر. فهناك من يحضر هذه المؤتمرات ويدفع رسمًا للمشاركة، وغرضه من الحضور قد يكون الحصول على ترقية علمية يدعمها بوثائق تثبت حضوره لهذه المؤتمرات، وبأوراق علمية قد تكون متساهلة، ولكن بما أنها صادرة عن بلد أجنبي، فقد يقدّرها بلد المشارك لغرض سياسي أو غير ذلك، أو قد يغترّ بها بلد المشارك ويعدّها وثيقة محترمة ومقدّرة.

وهناك بلدان تعقد مؤتمرات لأغراض ظاهرها علمي وباطنها سياسي أو ديني، حيث يدعى المشاركون على نفقتها، وقد يحضرون من بلدانهم بالدرجة الأولى في الطائرة، وينزلون في أفخم الفنادق، ويتناولون أشهى الوجبات وأغلاها ثمنًا، كما قد يحظون بنزهات سياحية في البر أو البحر أو النهر أو الجو، وربما تدفع لهم مكافآت مالية قليلة أو كثيرة، ظاهرة أو خفية، متساوية أو متفاوتة. ويرى منظمو هذه المؤتمرات أنها إذا لم تنفع علميًا فإنها تنفع سياسيًا أو دينيًا. فإذا احتاجت الدولة إلى موقف سياسي أو ديني معين فإنها تجد من بين هؤلاء المشاركين علماء وباحثين يتبنون هذا الموقف ويدافعون عنه، بالحق أو بالباطل. وإذا أرادوا أن يتكلموا لم يكن أمامهم إلا التأييد أو السكوت على الأقل. ولو فعلوا غير ذلك فإنهم لن يدعوا مرة ثانية وسيحرمون من الفوائد المادية والمالية والسياحية والتعارف وما إلى ذلك. ولذلك تجد أن الدول الثرية، عربية وأجنبية، يمكنها أن تشتري بمالها الكثير من الألسنة والولاءات. فمن الصعب أن ترى عالمًا أو باحثًا يضحي بالمال من أجل شيء آخر. وعندئذ لا تكاد تسمع من هذا الصوب صوتًا واحدًا حرًا. ذلك أن المال الاقتصادي والمال الديني يفعل فعله في رجال هذا العصر كالمال السياسي الذي تشترى به الأصوات في الديمقراطيات الحديثة.

وقد تعقد مؤتمرات لا يدعى إليها إلا من يتوقع منه الموافقة على المسائل المعروضة، هذا في حين أن المؤتمر قد يكون دينيًا يراد منه في الأصل البحث عن الحكم الصحيح، من خلال تلاقح المذاهب والآراء!

ومن المؤشرات الدالة على جدية المؤتمر أو عدم جديته من الناحية العلمية أن منظميه قد لا يعطون المشاركين مدة كافية لكتابة البحوث، كأن تكون المدة شهرين أو أقل! والغرض من استعجال المؤتمر وجود مناسبة سياسية تقتضي ذلك، ولم يمكن الإعداد لها قبل وقت كاف.

ومن المؤشرات أنك إذا حضرت الجلسات فلا تكاد تجد إلا ثرثرات. وقد لا يكون هناك فاعلية ولا عدالة في توزيع العروض والمداخلات وتشكيل اللجان.

ومن المؤشرات أيضًا عدم التوصل إلى أي توصيات أو قرارات ذات معنى. وكثيرًا ما نسمع أن العمل الجماعي أفضل من العمل الفردي. وهنذا غير مسلّم، فقد يكون العمل الفردي أكفأ وأصدق وأجرأ وأكثر استقلالاً وأقل تكلفة بكثير. فالعمل الجماعي مقيد بالمؤسسة، والمؤسسة مقيدة بالدولة، والمناصب والدعوات قد لا تكون نزيهة، فضلاً عن شوائب التدخل السياسي الظاهر أو الخفي في مجال البحث العلمي.

وقد تُنشر أوراق المؤتمر وتكون هناك فضيحة علمية ومنهجية، أو لا تنشر ولا تصل إلى المختصين والناقدين. فهناك مؤتمرات وندوات مغلقة، لا تستطيع فيها الوصول إلى البحوث، ولا حتى التوصيات والقرارات، مثل ندوات الهيئة العالمية للزكاة في الكويت.

ولا ريب أن تكاليف انعقاد المؤتمر قد تكون باهظة جدًا، وتشترك فيها عدة جهات، يسمون (الرعاة). وقد تتولى شركة متخصصة جمع المال للمؤتمر في مقابل نسبة معلومة من المال المجموع. ولو نسبتَ نتائج المؤتمر إلى تكاليفه فإنك ستدرك بلا صعوبة أن المؤتمر ظاهره علمي وباطنه سياسي أو ديني. والزعماء والأحزاب والجماعات حتى الإسلامية منها في بلداننا يهتمون بالولاء أكثر بكثير مما يهتمون بالحقائق العلمية، وقد تجد من هؤلاء الزعماء من لا يستطيع القراءة والكتابة. فهم يُختارون لنا بعناية فائقة من العجزة والعميان. ومنهم من يتعلم القراءة وكتابة اسمه وتوقيعه بعد أن يصبح زعيمًا.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ ميلاد مفتاح ميلاد
    ميلاد مفتاح ميلاد

    دكتور رفيق المصري
    لقد اعجبني تعليقكم الجرىء حول السمسرة والمتاجرة في العلم عن طريق اكذوبة المؤتمرات العلمية !! للاسف معظم المؤتمرات والندوات العربية ليست لهل علاقة بمسالة البحث العلمي او الوصول الي فكرة القيمة المضافة الي محور المؤتمر. للاسف معظم مسميات المؤتمرات والندوات وورش العمل العربية هي مجرد ترجمة لما تعقده المحافل الاجنبية من مؤتمرات. والمتابع باللغات الاجنبية سوف يلاحظ الحيل التي تلعبها المؤتمرات والندوات العربية العلمية. فلم نجد في اى منشور اعلاني لتلك المؤتمرات التي تسمي نفسها بالعلمية اي اسئلة يريد المؤتمر او التدوة الاجابة عليها ّ. النقطة الاخري الدعائية والتي تصرف الاموال من اجل ابرازها اسمها، في المؤتمرات العلمية وما علاقة ذلك, انها المهرجانات باسم العلم لاجل الحصول علي اموال او تمرير اوراق باسم العلم من اجل استعمالها في الترقيات الاكاديمية الوهمية, اذا البحث عن الموارد المالية والبحث عن وسائل للترقيات الاكاديمية اسباب يتبغي ان تضاف الي مداخلة الدكتور رفيق المصرى

    الدكتور ميلاد مفتاح ميلاد
    باحث عربي

  2. الصورة الرمزية لـ gouttel zahir
    gouttel zahir

    انّ اغلب الملتقيات في الوطن العربي وللأسف تهريج و فلكلور الأكل و الشرب والتزيف المعرفي

  3. الصورة الرمزية لـ د. سعيد القحطاني
    د. سعيد القحطاني

    استمتعت بقراءة المقال وأوافق الدكتور رفيق على ما جاء فيه في الجملة ولم يؤثر علي كثيرا ما جاء فيه من غمز وددت لو أنه خلا عنه المقال ليبقى متجردا يصلح لكل زمان ومكان.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: