صدر للباحث في مجال القواعد الفقهية، الدكتور سعيد اجديرا، كتاب بعنوان: القواعد الفقهية المبنية على الاستصحاب ، بمجهود شخصي، مع تأطير من نقابة الأدباء والباحثين المغاربة ضمن منشورات أمنية.
مقدمة الكتاب:
الحمد لله على الهداية لطلب العلم، لاستيعاب مصادره الشرعية وقواعده الكلية. والصلاة والسلام على رسول الله، الذي ضبط جزئيات الشريعة بكلياتها، لتكون صالحة لكل زمان ومكان وحال.
أما بعد:
فمن أسباب اختيار موضوع الكتاب، أهميتُه في العلاقة بين علمي الأصول والفقه، من خلال التأصيل والتطبيق معا، ودون الاقتصار أو التوسع في أحدهما فقط. وقد أدركت هذه الأهمية، منذ بحثي لنيل الإجازة في الدراسات الإسلامية، في موضوع قاعدة الإباحة الأصلية: تأصيل ونماذج، التي تُعد إحدى قواعد الاستصحاب الفقهية.
لكن القواعد الفقهية المبنية على الاستصحاب، كثيرة يتعذر حصرُها، لتعدد و تنوع قواعده هو أيضا. وما لا يُدرك كله لا يُترك جله، خصوصا مع اعتماد منهج شمولي يضم الكل.
إن بعض هذه القواعد، عامة تدخل في جل أبواب الفقه ولا تَخص بابا واحدا. وبعضها الآخر الأكثر عددا، من القواعد الخاصة بباب أو ببعض الأبواب، بمعنى أنها أقل انتشارا في الأبواب الفقهية.
ثم بالإمكان تصنيفها تصنيفا منهجيا أدق، لأن الاستصحاب يكون إما وجوديا وإما عَدميا. فيتم التصنيف إلى قواعد فقهية مبنية على الاستصحاب الوجودي وقواعد فقهية مبنية على الاستصحاب العدمي، مما يتوافق أيضا مع ارتكاز التقعيد بالاستصحاب على نوعين فقط هما: استصحاب العدم الأصلي واستصحاب ما دل الشرع على ثبوته. لكن التصنيف المختار منهجي لا غير، فلا يمنع تفرُّع قواعد صنف عن قواعد الصنف الآخر، خصوصا أن هذه القواعد في مجموعها متداخلة.
فالقاعدة نفسها، يمكن النظر إليها عبر عدة جهات أو تفريعات. ويتم التفرع بالخصوص عن قواعد عامة، كقاعدة “اليقين لا يزول بالشك” وقاعدة “الأصل بقاء ما كان على ما كان” وقاعدة “الأصل في الأمور العارضة العدم”وقاعدة “الإباحة الأصلية”. فلا يقع تناقض عند التطرق لإحدى القواعد، بذكر تفرعات وتفريعات لها مختلفة، لأن الاختلاف في التصنيف والتفريع هنا، اختلاف تنوع متكامل لا اختلاف تضاد متنافر.
والأوْلى ترتيب الصنفين بتقديم الوجودي على العدمي لمسايرة التقسيمات السائدة، حيث يتم التفريع غالبا عن قواعد وُجودية، في طليعتها قاعدة “اليقين لا يزول بالشك”. وهي مسايرة، تستهدف استثمار التفريع المتداول والتأصيل المترابط، مع تمتينها بنظرة شمولية وكيفية تناول ذات محاور موحدة.
فيُنطلق دائما من محورين أساسيين، يَخصان مضمون القاعدة ونماذج تطبيقية لها. ويَرِد أيضا، محور التفريعات العامة إن وُجدت، باعتبارها تطبيقات عامة سواء كانت من القواعد أو الضوابط. ثم يرد محور المستثنيات، إن كانت موجودة كذلك.
وبالمثل يُلاحَظ التداخل، في تفريعات وتطبيقات قواعد الاستصحاب الفقهية. فيكون التمييز بينها، مرتكِزا على الإلحاق بالقاعدة المصرَّح بها أو الأكثر الْتصاقا بالتطبيق. ولتقليص التداخلات كثيرا، يكفي في كل قاعدة أن تُضم القواعد المرتبطة بها.
فتَم هذا الكتاب من الجانب التطبيقي لرسالة جامعية، وفق منهج فقهي مقارن بين المذاهب الفقهية، مع تسليط الاهتمام على المذهب الظاهري، لأنه لم يكن مدروسا بكِفاية في تلك القواعد التي قد تَهُمه أكثر من غيره. أما الجانب النظري، فتَم في كتاب “التقعيد الفقهي والمذهب الظاهري”.
خاتمة الكتاب:
ظهر اهتمام مُتزايد بنظرية التقعيد الفقهي، في سياق مشروع فقه الكُليات، الذي يتطلب تكثيف الجهود العلمية. فكان هذا البحث، لَبنة من لَبنات المشروع الأساس لانتظام الفقه الإسلامي، سواء القديم منه أو الحديث.
وفي الختام، إنما تَرِد بعض النتائج، باعتبارها تهُم التقعيد الفقهي أكثر من غيرها. ثم وُرودَها الإجمالي، لا يُغني عن تفصيلاتها وتفصيلات غيرها في ثنايا البحث. فكان من أهمها، ما يَلي:
1) القواعد الفقهية المبنية على الاستصحاب، تَحتاج إلى تفصيلات، لاستيعابها استيعابا تاما، سواء في التأصيل أو في التطبيق.
2) مجال تطبيقها يحتاج للضبط، من أجل ضمان عدم التعسف في التطبيق.
3) قواعد الاستصحاب، تأتي مثله في آخر مدار الاجتهاد والعمل. فلا تُطبق تلقائيا، إلا عند عدم وجود دليل آخر.
4) المذهب الظاهري بالخصوص، كان متميزا فيها مثلما تَمَيز فِقهه. فتَم التنبيه إليه أكثر، في سياق فقه موضوعي مقارن.
5) إنه مذهب متميز، ساير في التقعيد عموما منهجَه الظاهري. فكانت القواعد الفقهية المعتبرة فيه، إما مبنية على النص أو على الاستصحاب، سواء كانت عامة أو خاصة. ثم تلك المبنية على الاستصحاب، هي التي تَحتاج إلى تفصيلات، لأن الأخرى نالت مع نصوصها الشرعية حظها من التفاصيل في جميع جوانبها.
6) هذا المذهب يُعد في فئة للقواعد، مشتركة بين المذاهب الفقهية. وإنما تَميز بتعامله معها حسب منهجه النصي، لوجود اختلاف بين أصوله وأصول غيره. فلابد أن يقع اختلاف كذلك في الفروع، التي تُعتبر القواعد الفقهية صورة كلية منها. وإذا كان لكل مذهب قواعده، فلِمذهب الظاهرية منهجه الخاص فيها قطعيا. فلم يتقيد إلا بِما يوافق خصوصياته، مِما أثمر فقها تقعيديا متميزا عن غيره غالبا. وصارت في الواقع، عدة مسائل محسومة فيه تماما.
7) في الغالب يكون متميزا عن باقي المذاهب، رغم موافقته أحيانا لقاعدة أو لفروعها، بسبب منظومته الفقهية المغايرة تَماما. ومرتكزاته المختلفة أدت إلى مواقف فريدة، تكون إما صائبة أو فيها انحراف. فوجب التعامل مع حصيلته الفقهية بِموضوعية تامة، من أجل استثمار الصائب فيه وتقويم الخطأ.
إن هذه بعض نتائج البحث العلمية، وبعضها الآخر مبسوط فيه. وكل ما أصبت فيه، فمن عنده سبحانه وفضله علي، فليُدعم. وكل ما أخطأت فيه، فمن عندي، فليُصَوب.
فأرجو من الله عز وجل، أن يكون الصواب أكثر من الخطأ. وآخر دعوانا بعد الصلاة والسلام على سيد المرسلين، أن الحمد لله رب العالمين، الذي يُوفق لطلب العلم عبادَه المخلصين.
اترك رد