لا يتوقّف ضمير عن حركة، ولا عقل عن تدبير، ولا مشاعر عن ازدياد ونقصان، ولا جسم عن سير وتوقّف. إنّما المؤثّر في كلّ ذلك هو الحافز. لماذا هذه الحركة؟ ولما التنقّل؟ ولماذا وُلد ذلك الاحساس أو الشّعور؟ إنّ قوّة التفكير مستمدّة من قوّة المفكّر فيه، وتنقّل الجسم راجع إلى الحاجة، وولادة الشّعورسببها وجود من يناسب وقوع ذلك الشّعور عليه واقعا. فإذا كان من الصّعوبة بما كان السيطرة على ما ينتاب الانسان من أفكار وأحاسيس وحركات، كان له سبيل إلى ذلك باختياره للمفكّر فيه، والمتحرّك من أجله، والمناسب لتوجيه الشّعور نحوه ولو بفقد القدرة على ضبطه أحيانا.
واعلم أنّ عقلا بلا هموم لا مكان فيه للأفكار والحلول، وقلب بلا مكاره لا مكان فيه للشّعور والأحاسيس. فلا تجعل الهموم والعراقيل سبيلا إلى العجز والملل والكآبة. فالهموم والعراقيل دليل وجود تجارب، والحلول تُصاغ في أفكار مستنبطة من تلك التجارب وهي قويّة بسبب قوّة الحافز. أمّا المكاره فهي دليل على حياة القلوب لأنّ الشّعور متقلّب، فهو بين حبّ وكره وسعادة وتعاسة. وما التقلّب إلاّ دليل على انتقال القلب من حال إلى حال وبالتّالي فإنّه متحرّك فهو في حياة. إنّ هموم العقول ومشاكلها، ومكاره القلوب مع يأسها أحيانا، لم توجد حتىّ تعدمها أو تحاول إيقافها. إنّها سنّة الله في خلقه وحكمته في عباده فلا مجال لمحاولة إيقاف تدفّقها ولا تمنع من جريانها وإنّما الأصل فيها هو اخضاعها والتعلّم منها، وجعلها مصدر قوّة بعد أن تكون مصدر ضعف، وتوابع بعد أن كنت أنت لها خاضع. ولا يحدث ذلك إلاّ عندما نتعلّم اختيار الحوافز.
ولهذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يعرف اختيار الحافز والباعث على العمل. فقد كان يعجبه الفآل الحسن، ونهى عن التطيّر، ودعى إلى حسن الظنّ بالله، وإلى السّعي فيما فيه صلاح وخير. فهي كلّها توجيه إلى الايجاب وصرف عن السّالب. ولا يمكنك التوقّف عن التفكير والشعور بالسّالب إلاّ إذا جعلت الحافز والمفكّر فيه موجبا. لا تفكّر في صعوبة البحث بل فكّر في حلاوة ما تبحث فيه، لا تفكّر في عجزك على اكمال قراءة كتاب، بل فكّر بقدرتك التي منحك الله على اتمامه في أقرب وقت، لا تخف من شماتة النّاس وتنكيلهم وتقلّبهم، بل فكّر فيما تنفع أنت به النّاس فتكون عند الله أحبّ النّاس. لا تشعر بالخوف من المستقبل، وإنّما عليك أن تستشعر نعمة ما أنت فيه اليوم وماذا يمكنك أن تفعل غدا فيما هو ممكن. فالحافز هو ذاته ما يبعثك على السّعي في تحقيق أسمى الأهداف وأرقاها.
وحتىّ لو قُدّر لك التفكير في السّالب، فهل حاولت أن تبحث داخل الهموم والمشاكل ومحّصت في زواياها؟ فقد تكون الحلول مختبئة هناك تنتظر منك أن تكتشفها وليس أن تكره المشكل فتكره معه الحل الكامن فيه أحيانا وأنت لا تدري. حاول أن تُسيطر على الكره واليأس. وبدل أن يكون مجرى الكره عندك يصبّ على الأشخاص والأحوال، وبدل أن تكره كل يوم شخص حاول أن تكره كل يوم معصية. فهذا كره يحبّبك لخالقك. وحاول أن تكره كلّ يوم عائقا فتستميت في ايجاد الحل. وبدل أن تيأس من الدنيا حوّل مجرى اليأس من الحياة إلى اليأس من الفشل في الحياة. إنّها سنّة اخضاع الهموم والمكاره. فإن استطعت تحويل مجاريها عن الذي أرادته لك من يأس وقنوط، حصلت أنت على ماتريد من حلول وسعادة.
فالحافز إذا، هو جرأتك بأن تبحث عن نقطة ضعف في السلبيات من الأفعال والأحاسيس حتّى تستغلّها ضدّها، وفي نفس الوقت تجد ما يجعلك ايجابيّا وبذلك تسعد وأنت متّجه نحو ما تريد وتسعد بأحاسيسك وشعورك بمن حولك مثلا ليس لأنّك فاقد لمن تحب وتُحسن إليهم بل لأنّك أنت من تختار من تحب ومن تحسن إليهم فيحصل لك الرّضا.
إنّ الحافز ليس منفصل عن الطّريق المؤدّية إلى الهدف وإنّما هو ذاته الطّريق التي وجب سلوكها لتحقيق ما تريد. ولذلك كان اختيارك لما يحفّزك ويبعتك على الاستزادة والعمل، ملازما لاختيارك للأهداف. وإذا ماواجهتك مشاكل وعراقيل، فاعلم بأنّك مطالب بالسيطرة عليها من خلال تجديد الحوافز وليس ايقافها. لأنّ توقفّ حدوث المشاكل لا يكون إلاّ بالموت والحقيقة هي أنّك في حياة.
اترك رد