بمشاركة عدد كبير من المختصين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، انطلقت مساء الجمعة 2014/05/02 في العاصمة الإماراتية أعمال مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة في دورته الثالثة تحت شعار (الهوية والتواصل الثقافي)، والذي يؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه الترجمة في بناء الجسور بين الحضارات والشعوب.
والمؤتمر الذي ينظمه مشروع (كلمة) للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة يُقام بالتزامن مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وسيقوم خلال أربعة أيام بتسليط الضوء على واقع حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها، وإيجاد السبل لتشجيع المختصين على النهوض بحركة الترجمة في ظل التحديات التي تواجهها، كما يناقش نصوصاً متخصصة من الإنجليزية والإسبانية والإيطالية، تتناول مواضيع تتعلق بالهوية والتواصل الثقافي، في مجموعة من ورش العمل الموجهة للمتخصصين من الشباب العرب.
وفي حفل افتتاح هذه الاحتفالية، رحّب جمعة عبد الله القبيسي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب الوطنية بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ومدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب بصناع الكتاب والترجمة والأدب والفكر والمعرفة من مختلف أنحاء العالم والذين يشكلون عماد هذا المؤتمر.
وأكد القبيسي على المكانة الهامة التي باتت تتبوأها إمارة أبوظبي على الصعيد الثقافي الإقليمي والعربي، وقال: “لقد شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة تطوراً كبيراً في مجال العمل الثقافي وانطلقت من العاصمة أبوظبي العديد من المشاريع الثقافية العالمية تجسيداً لاستراتيجية ثقافية شاملة تطمح إلى تشجيع الشباب من أبناء الإمارات للمساهمة في رسم الثقافة العربية جنباً إلى جنب مع الثقافات المعاصرة الأخرى، وغرس مبادئ الفكر العلمي المنهجي وروح الابتكار في عقول الناشئة شباب الغد ورجال المستقبل”.
وأشار إلى أن الغاية الأساس من المؤتمر هي “تحقيق جودة وأسلوب الكتاب المترجم من الثقافات الأخرى، كهدف قيم وقيمة سامية واستراتيجية مُعلنة، تساهم في تطوير التبادل الثقافي والتسامح وحوار الحضارات”، وختاماً، أشاد بدور حركة الترجمة في نهضة الشعوب وتفاعلها مع الآخر، وفي توفير نقاط التماس المشتركة وردم الهوة الفاصلة بين الثقافات، ونشر التقارب الحضاري بين الذات والآخر.
من جهته أوضح د. أحمد السقاف، مدير مشروع (كلمة) للترجمة، الدور الحيوي الذي يلعبه المشروع في تقوية وتعزيز التفاعل والتواصل بين الثقافة المحلية والعربية وثقافات الأمم الأخرى، وقال في افتتاح المؤتمر “إن التحولات المتتابعة والمتسارعة في وسائل التواصل بكافة أنواعها تقتضي أن نكون مستعدين وقادرين على تطويع واستيعاب ظاهرة الحداثة بمعناها الواسع الكبير دون أن ينال ذلك من هويتنا الوطنية وخصوصيتنا الثقافية كي نمضي قدماً في مسيرة التقدم والرقي غير آبهين بدعوات تحنيط الثقافة ونداءات الإنحباس في قفص الذات”.
وأضاف “إن هذا التواصل الحتمي يستوجب منا الاهتمام بالترجمة، فهي أداة التواصل بين البشر على اختلاف ألسنتهم ومصدر المعلومات عن الثقافات الأخرى، فمن خلالها نتعرف على إنجازات الثقافات المختلفة وتجارب المعاناة الفكرية النابضة والحية وأعمق جوانب الحضارة لدى الأمم الأخرى”، وشدد على أن مشروع كلمة للترجمة “يمضي بخطى واثقة باذلاً أقصى الجهود من أجل النهوض بحركة الترجمة في العالم العربي وإعلاء مكانة المترجم وتحفيز الشباب على الانخراط في هذا الحقل التخصصي الهام” تعزيزاً لاستراتيجية إمارة أبوظبي الثقافية للوصول إلى مجتمع المعرفة.
من جهته أوضح علي الشعالي، مقرر اللجنة الاستشارية للمؤتمر، أن ورش العمل التدريبية المتوازية التي تستمر يومين “سيتولى قيادتها أكاديميون ومحترفون أكفاء في مجال الترجمة، لديهم سابقة أعمال وخبرات تؤهلهم للقيام بهذا الدور على أكمل وجه، وتهدف إلى تدريب المترجمين على التعامل مع تحديات الترجمة وإشكالياتها؛ من خلال العمل على ترجمة عدد من النصوص المنتقاة لاستخلاص وغرس مهارات فنية معينة تتعلق بنقل النص إلى اللغة المستهدفة”.
وأثنى على الجهود التي تبذلها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة من أجل ضمان نجاح المؤتمر، وقال “نشهد أن العمل مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة لَباعث على التفاؤل ومحفز على الإنتاج، يتمثل هذا في استعداد المسؤولين دوماً للاستماع بسعة صدر ومبادرتهم لتقديم الدعم اللازم من خلال توفير المعلومات والإشراك في القرار وتبني مقترحاتنا”، وأضاف “بعد هذا الزخم العلمي والمهاري، يأتي المؤتمر لاستعادة ما تم إنجازه ودراسته بشكل متعمق وبكل شفافية”.
وتُعقد خلال المؤتمر أربع ورش عمل تدريبية متوازية حول الترجمة الأدبية من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية إلى اللغة العربية، وتهدف إلى تدريب المترجمين على التعامل مع تحديات ترجمة الأعمال الأدبية وإشكالياتها من خلال تطبيقات عملية لترجمة عدد من القصص القصيرة والقصائد، ويتولى قيادة ورش العمل مجموعة من المترجمين ذوي الخبرة والكفاءة والأكاديميين المتخصصين في المجال، منهم سعيد الشياب ومحمد عصفور (الإنجليزية) وعز الدين عناية (الإيطالية) و زينب بنياية (الإسبانية).
ويشارك في الورش 20 مترجماً شاباً من مختلف الدول العربية، جميعهم بين 28 و45 عاماً، ومن خريجي كليات الآداب أو الترجمة أو اللغات، ويتمتعون بخبرة في الترجمة لا تقل عن 5 سنوات، كما يحضر ورش العمل الإنجليزية 40 طالباً وطالبة من الإمارات كمستمعين في خطوة لخلق كوادر مواطنة في هذا المجال.
وقد شارك الفنانان الموسيقيان مروان عبادو وبول جولدا في إحياء حفل الافتتاح بمقطوعة موسيقية عذبة حملت اسم “من باخ إلى أبوظبي”.
ويشار في هذا السياق إلى أن مشروع (كلمة) للترجمة نشر أكثر من 800 كتاباً من مختلف أصناف المعارض والعلوم والآداب عن 13 لغة.
ويسعى المؤتمر الذي ستنتهي أعماله الاثنين المقبل من خلال جلسات وورشات العمل لرصد الواقع الراهن لحركة الترجمة من العربية وإليها في العصر الحديث، وتشجيع المؤسسات الثقافية في المنطقة على تفعيل حركة الترجمة والنقل، والوصول إلى النماذج الحيوية لترجمة العلوم والتكنولوجيا وبناء معاجم علمية متخصصة، بالإضافة إلى السعي لتطوير المناهج الجامعية في حقول الترجمة وإنشاء معاهد ترجمة محترفة، لتخريج مترجمين مؤهلين وأكفاء.
اترك رد