برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز، جامعة سيدي محمد بن عبد الله- بفاس، تمت مناقشة أطروحة الباحثة العمراني الادريسي ربيعة لنيل الدكتوراه في اللغة العربية، وعنوانها : “الأقنوم في مبادئ العلوم، علوم اللسان: لعبد الرحمان بن عبد القادر الفاسي 1040هـ_1096هـ تقديم وتحقيق، وذلك يوم 24 أبريل 2014.
التقرير:
الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فجعل لغة الضاد وسيلة للفهم والتفهيم، وأوجب بها رتبة البداية والتقديم، وصلى الله على أفصح العرب أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
سعيدة بلقائكم في هذا الحفل الأكاديمي واليوم المبارك والذي أمثل فيه بين يدي لجنة علمية مقتدرة لأحظى منها بشرف مناقشتها لأطروحتي التي أعددتها لنيل الدكتوراه تحت عنوان: الأقنوم في مبادئ العلوم: علوم اللسان، لعبد الرحمان الفاسي: تقديم وتحقيق.
أيها الحضور الكريم، أيتها اللجنة العلمية المقتدرة
اسمحوا لي أولا أن أتوجه بالدعاء الخالص لوالدي أن يتغمده الله بواسع رحمته وأن يجازيه عني خير ما جازى به والدا عن أولاده.كما أستسمحكم ثانيا أن أتقدم بالشكر الجزيل لوالدتي أطال الله بقاءها وبارك في عمرها.
وبعد الاعتراف بجميل الوالدين يأتي الشكر والتقدير لمن قال عنه شوقي:
قم للمعلــــــــــــــم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
اعلمت اشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفسا وعقولا
فتحية إكبار وتبجيل لكل من علمني حرفا ، وأنار دربي بمصابيح العلم والمعرفة انطلاقا من مدرسي مرحلة ما قبل الابتدائي إلى المشرفة على الدكتوراه والساهرين على تقويمها ومناقشتها.
نعم تحية تقدير وإجلال تتزاحم فيها العبارات وتتسابق الكلمات لتنظم عقد شكر بعدد ألوان الزهر وقطرات المطر إلى الدكتورة الجليلة سعيدة العلمي الإنسان أولا ثم الأستاذة ثانيا والتي فتحت لي قلبها وبيتها وشملتني بحبها وتواضعها قبل ان تغمرني بعلمها الرصين، وما أجمل تواضع العلماء، تحية إلى الأم الحنون والمربية الفاضلة التي تجود بلا انقطاع ، إلى السحابة التي تسقي الأرض فتحيا وتخضر، بل إلى الشمعة التي تحترق لتنير طريق الآخرين.تحية إلى عاشقة الشخصية المغربية والأندلسية ورضيعة لبان تراث الغرب الاسلامي التي تفضلت بقبول الإشراف على هذا البحث ورعايته منذ كان فكرة الى ان استوى خلقا أرجو أن يكون في أحسن تقويم حيث تعهدته بكريم العناية وعظيم الاهتمام والتتبع وأملي ان تكون قد وجدت في نتائجه بعضا من ثمار ما غرست.أبقاها الله منارا للعلم والعلماء.
ثم تحية شكر وعرفان إلى النجوم الساطعة التي تنير فضاء الجامعات وتبدد دجى الظلمات، إلى اللجنة العلمية المقتدرة، التي ضحت بجزء من وقتها وجهدها رغم كثرة الالتزامات والمسؤوليات. لقراءة الرسالة وفحصها وتقويمها.
فتحية شكر وتقدير الى الأستاذ الدكتور قاسم الحسيني الذي حظيت منه بشرفين شرف التلمذة وأنا طالبة بوحدة: تحقيق المخطوط العربي بالدراسات العليا المعمقة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. ثم شرف قراءة الرسالة وتقويمها وتنقيحها كما أشكره لتجشمه عناء السفر وأسأل الله أن يبارك في وقته وعمره .ويجعل ترحاله هذا زادا إلى حسن المصير.
ثم تحية تقدير واعتراف بالجميل للأستاذ الدكتور محمد العلمي لتكرمه بالأجوبة على تساؤلاتي المتعلقة بقسم العروض وأنا انجز الرسالة، ثم أبى إلا ان يُكْمِل الجميل ويكون عضوا ضمن اللجنة الساهرة على تمحيصها وتهذيبها معبرا عن وفائه للجامعة واستمرار وشائج القربى معها رغم المغادرة. أسأل الله أن يحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم.
والشكر والامتنان موصولان إلى الأستاذ الفاضل الدكتور محمد الدحماني الذي حضرت عددا من المناقشات العلمية حيث كان عضوا، فعاينت الملاحظاتِ الدقيقةَ والنيرة ورجوت لو أحظى بمثلها ، فكان أن استجاب الله للدعاء حين تكرم الأستاذ بقبول قراءة الرسالة وتقويمها وتمحيصها . عسى الله أن يجزيه الجزاء الأوفى.
ثم تحية احترام وإجلال الى الدكتور الفاضل إدريس الفاسي الفهري الذي اقتطع جزءا من وقته لقراءة الرسالة وفحصها وإثرائها بملاحظاته السديدة، والله أسأل أن يبارك في وقته وصحته وعافيته. وحضور أستاذ أصول الفقه في مناقشة رسالة في شعبة اللغة العربية يؤكد فكرة التكامل بين العلوم في المنظومة العربية الاسلامية. هذه الفكرة التي أصبحت ، في السنوات الأخيرة من أكثر المواضيع اهتماما في الأوساط العلمية. تهدف إلى انفتاح العلوم بعضها على بعض، وذلك من أجل رؤية شمولية وعميقة في البحث العلمي تحقق ازدهارا ونهوضا لهذه الأمة. وأصالة هذه الفكرة نابعة من كون :”القرآن المنطلق الأسمى للشمولية والتكاملية العلمية”. كما أن المسلمين إنما بلغوا العالمية بفضل موسوعية معارفهم وتنوعها وتكاملها، وأبرز مظاهر هذا التكامل مؤلفات موضوعات العلوم وتصنيفها كما هو الشأن مثلا في مقدمة ابن خلدون والأقنوم في مبادئ العلوم لعبد الرحمان الفاسي الذي يشكل تحقيق علوم اللسان منه موضوع هذه الأطروحة.علما أن علاقتي بهذا المخطوط ابتدأت منذ الدراسات العليا المعمقة حيث قمت بتحقيق المقدمة وقسم الأدب منه .
كان ايماني العميقُ بفكرة التكامل بين العلوم إضافة إلى شهرة المؤلف وانتمائه الى التراث المغربي وتضمنه لعلوم اللسان الناظمة لأمهات كتب العربية انطلاقا من “النقاية” للسيوطي أهم دوافع اختياري لهذا الموضوع.
سادتي الأفاضل:
إن قراءة في عنوان المخطوط تستدعي التعريف بالعنوان الأصل : الأقنوم في مبادئ العلوم: ثم العنوان الفرع علوم اللسان، والوقوف على مضامينه وقضاياه ولتقديم هذا الموضوع في إطاره العام رأيت ضرورة تسليط الضوء على عصر المؤلف وحياته وآثاره ، وبذلك خضع البحث للتصميم التالي:
القسم الأول: التقديم وضمنه:
الفصلُ الأول: عصرُ المؤلف وحياته.
الفصل الثاني: “الأقنوم في مبادئ العلوم علوم اللسان: مضامينها وقضاياها.
الفصل الثالث: النسخ المعتمدة ومنهج التحقيق:
القسم الثاني: النص المحقق: ويشمل علوم اللسان من “الأقنوم في مبادئ العلوم”
خصصت الفصل الأول لعصر المؤلف وحياته حيث حاولت الوقوف على الظروف العامة، التي شكلت شخصية عبد الرحمان بن عبد القادر الفاسي العالمة والأديبة والناقدة واللغوية فكان الحديث عن الحياة السياسية: إذ عاش عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي المولود سنة 1040هـ والمتوفى سنة 1096هـ مرحلتين تاريخيتين مختلفتين بالمغرب، تميزت أولاهما بالاضطراب السياسي بسبب صراع أبناء المنصور وحفدته على السلطة وثورات بعض أرباب الزوايا، بينما نعم المغاربة بنوع من الأمن والاستقرار في المرحلة الثانية، مع نشأة الدولة العلوية المجيدة، “وأما الحياة الفكرية والأدبية:فقد وضحها محمد بن الطيب القادري بقوله : “لولا ثلاثة لانقطع العلم من المغرب في القرن الحادي- لكثرة الفتن التي ظهرت فيه – وهم سيدي محمد بن ناصر في درعة، وسيدي محمد بن أبي بكر الدلائي في البربر، وسيدي عبد القادر الفاسي بفاس”.هذا إضافة إلى جامع القرويين حيث درس المؤلف وتعلم .
وفي مبحث حياة المؤلف:تناولت نسبَه الذي يعود إلى عائلة بني الجد بالأندلس، والمنحدرة من قريش العدنانية، ونشأتَه وتعلمه حيث أخذ العلوم الأدبية عن شيوخ مغاربة ومشارقة، في حين كان المغاربة من أصول أندلسية مصدر تكوينه في المواد العلمية هذه الثقافة الواسعة أكسبته مكانة علمية خاصة :فعبد الرحمان الفاسي مشارك في عدد من العلوم ولعل موسوعة الأقنوم في مبادئ العلوم أكبر دليل على ذلك وهو شاعر، و ناقد أيضا. وبعد وفاته دفن بزاوية والده، عبد القادر الفاسي بحي القلقليين.
بعد الحديث عن المؤلِّف في الفصل الأول انتقلت في الفصل الثاني:للتعريف بالمؤلَّف “الأقنوم في مبادئ العلوم”أولا ثم علوم اللسان: مضامينها وقضاياها ثانيا :
ابتدأت بتوثيق اسم الكتاب ونسبته إلى صاحبه ، ثم انتقلت لتوضيح دلالة العنوان : ف”الأقنوم: جمع أقانيم وهي الأصول. قال الجوهري: أحسبها رومية” لسان العرب[قنم].ومبادئ: جمع مبدأ و”مبدأ الشيءِ: أوّله ومادّته التي يتكوَّن منها…ومبادئ العلمِ أو الفن …: قواعدُهُ الأساسيّة التي يقُوم عليها ولا يخرج عنها”: المعجم الوسيط [بدأ].
ومبادئ العلوم اصطلاحا: جملة المعارف التي ينبغي تحصيلها عند الشروع في هذا العلم، وقد جمعها المقري في قوله :
1 مـَـنْ رَامَ فَنًّا فَلْيُقَدِّمْ أَوَّلاَ ا عِلْماً بحَدِّهِ ومَوْضوعٍ تَلاَا
2 وَوَاضِـــعٍ ونِسْـبةٍ ومَا اسْــتَمَدْ ْ مِنْهُ وَفَضْلِهِ وَحُكْمٍ يُعْتَمَـدْْ
3 اِسْـــمٍ وَمَــا أَفَـادَ وَالـمَــسَائلْ فَتِلْكَ عَشْرٌ لِلْـمُـنى وَسَائِلْ
4 وبعضُهُمْ مِنْهَا عَلَى البَعْضِ اقْتَصَر ْ ومَنْ يَكُنْ يَدْرِي جَميعَها انْتَصَرْ
.وورود كلمة “علوم” بصيغة الجمع في العنوان يوحي بطبيعة المؤلف، الذي يندرج ضمن الكتب الموسوعة في نظرية العلم وهو يشمل تسعة وسبعين ومائتي علم مما يتعذر معه الاشتغال بتحقيق المؤلَّف بأكمله؛ لأن ذلك يحتاج إلى تضافر جهود الكثيرين، ولهذا كان لا بد من عملية الانتقاء ،ووقَع اختياري على علوم اللغة او علوم اللسان وهناك من يسميها علوم الأدب لأنها الوسيلة الرئيسة لإنتاج النص الأدبي أو قراءته، وقد اتفق المتأخرون على جعلها اثني عشر علما وهي:[بسيط]
صَرْفٌ بَيَانٌ مَعَانٍ النَّحْوُ قَاِفيَةٌ شِعْرٌ عَرُوضٌ اشْتِقَاقٌ الْخَطُّ إِنْشَاءُ
مُحَاضَرَاتٌ وَثَانِي عُشْرِهَا لُغَة ٌ تِلْكَ الْعُلُومُ لَهَا الآدَابُ أَسْمَاءُ
والأقنوم في مبادئ العلوم منظومة تعليمية:
ونحن نعلم أن التأليف في المنظومات داخل التراث العربي، كان يتم بطريقتين مختلفتين:
1- التأليف المباشر في صورة نظم، أي إعداد منظومات في علم معين ، “بدون اعتماد نص أصلي نثري سابق.
2- نظم المتون النثرية أو ما يسمى بترجيز النصوص: ويمكن اعتبار هذا الفعل نوعا من برمجةِ النصوص وتحويلِها إلى لغة تيسر اختزان المعلومات في ذاكرة الإنسان الداخلية، عن طريق الحفظ. كنظم شرف الدين العمريطي(المتوفى بعد 989هـ) للأجرومية. ونظمِ عبد الرحمان الفاسي ” لعدد من امهات كتب العربية في موسوعته “الأقنوم في مبادئ العلوم انطلاقا من النقاية وتتميما لها: يقول المؤلف في المقدمة التي قمت بتحقيقها في الدراسات العليا المعمقة :
34- شِبْهُ النُّقَايَة وَلَكِنْ أَزْيَدُ عِلْمًا، وَمَنْظُومٌ وَلَكِنْ أَفْيَدُ
35- جِئْتُ بِهِ فِي قَصْدِهَا تَتْمِيمَا كَيْمَا يَكُونَ جَامِعًا عَظِيمَا
36- وَذَاكَ لَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الاِعْتِنَا بِهَا عَلَى مَا قَلَّ مِنْهَا وَدَنَا
و”الأقنوم في مبادئ العلوم”موسوعة أيضا: يقول المؤلف
وَطَالَمَا أَبْدَعْتُ فِي الْمَنْظُومِ
وَالنَّثْرِ أَنْوَاعًا ِمنَ الْعُلُومِ
فَعَنَّ لِي جَمْعُ الَّذِي تَشْتَمِلُ
عَلَيْهِ هَا هُنَا إذَا مَا يَسْهُلُ
جَمَعْتُ مِنْهُ الْمُوجَزَ الْقَرِيبَا
لِكَيْ يُرَى فِي جَمْعِهِ عَجِيبَا
مِنْ كُلِّ مَدْخَلٍ إِلَى عُلُومِ
وَنَظْمُهُ أُسْمِيهِ بِالْأُقْنُومِ
خضعت هذه الموسوعة للترتيب الموضوعي: الذي يقوم على تقسيم المعرفة إلى مجالات في العلوم والفنون، ترتب حسب أهميتها أو العلاقات المتبادلة بينها، سواء في الإطار العام في المجالات أو في الترتيب الداخلي لتفريعاتها.حيث احترم الناظم الترتيب الموضوعي الذي سار عليه السيوطي في النقاية والمستهل بعلم أصول الدين والمنتهي بعلم التصوف:
1) علم أصول الدين،2) علم التفسير،3) علم الحديث) علم أصول الفقه،5) علم الفرائض،6) علم النحو) علم التصريف 8 ) علم الخط9 ) علم المعاني10) علم البيان 11) علم البديع 12) علم التشريح 13 ) علم الطب 14) علم التصوف.
ثم انتقل في العمود الثاني والثالث وغيرهما إلى تفريعات كل علم بشكل تدريجي بديع. حيث يتم التحول من علم إلى فرعه، أو إلى آخر ينتمي معه إلى المجال نفسه، مع احترام أربعة عشر علما في كل عمود، وهو عدد علوم النقاية التي انطلق منها النظم.
فقد تم الانتقال مثلا من االنحو إلى علم الجمل فأصول النحو ونظائره مراعاة لمستوى المتلقي من المبتدئين إلى المتوسطين فالمتخصصين.
سادتي الأفاضل:
لم يفتني في هذا المبحث الإشارة إلى مظاهر التكامل بين علوم اللغة والشريعة من جهة وبين علوم اللغة فيما بينها من جهة ثانية ، فالعلاقة قوية بين علوم العربية والشريعة، مادام القرآن أنزل بلسان عربي مبين. والترابط واضح أيضا بين الصرف والنحو والخط:فبعض المسائل النحوية لا يتم فهمها إلا بدراسة الصرف، كما اعتبر القدامى الإملاء جزءا من علم النحو والصرف ؛ حيث كانت القواعد الإملائية مبثوثة في كتبهما ومن مظاهر ارتباط الإملاء بالنحو مثلا تأثر كتابة الهمزة خاصة المتوسطة بالموقع الاعرابي للكلمة من مثل قولنا: “انتشرت أصداؤُه”، “سمعت أصداءَه”، ثم “لم ألتفت إلى أصدائِه”والعلاقة قوية ايضا بين النحو والبلاغة:وضحها عبد القاهر الجرجاني بقوله “اعلم أن ليس “النّظم” إلا أن تضع كلامك الموضع الذي يقتضيه “علم النحو” وعلاقة النحو بأصوله شبيهة برابطة الفقه وأصوله:وهذا ما أكده ابن الأنباري بقوله “أصول النحو أدلة النحو التي تفرعت عنها فروعه وأصوله، كما أن أصول الفقه أدلة الفقه التي تنوعت عنها جملته وتفصيله”.ومن أهم مسائل هذا العلم: البحث في الأدلة من سماع وإجماع واستصحاب، وهي مصطلحات مقتبسة من علم أصول الفقه، تؤكد سلامة هذا الأسلوب في توثيق اللغة.
وفي المبحث الثاني من الفصل الثاني تناولت العلوم المحققة ومضامينها ومصادرها النثرية: حيث دفعني اختلاف الباحثين في عدد العلوم التي شملتها هذه الموسوعة، إلى العودة إلى المخطوط التام وإحصاء علومه فتأكدت أنها ” تسعةٌ وسبعون ومئتا علم سعيت في هذه الرسالة إلى تحقيق علوم اللسان منها.
فأما النحو الصرف والخط، والمعاني والبيان والبديع، فنظم للعلومِ ذاتِها من كتاب النقاية للسيوطي(ت911ه).وأما علم الجمل والإعراب فنظم لفصول حول الجمل وأنواعها وكيفية الإعراب من “مغني اللبيب عن كتب الأعاريب” لابن هشام(ت761هـ).وعلم اللغة نظم لأبواب متفرقة من “أدب الكاتب” لابن قتيبة(ت276هـ).في حين يشكل علم العروض والقافية معارضة للرامزة للخزرجي(ت626هـ).وأصول النحو: نظم لمعظم فصول كتاب “الاقتراح في أصول النحو”للسيوطي(ت911هـ).ونظائر النحو: نظم لجزء من القسم الأول والمتمحور حول “القواعد والأصول العامة” من “الأشباه والنظائر”، للسيوطي أيضا.
وعلما ميزان الشعر وأصول القافية استنتاجات متفرقة حول العروض والقافية، تعتمد الرامزة وشرحها العيون الغامزة على خبايا الرامزة.
وأصول اللغة: نظم لمسائل من مبحث: “الكتاب ومباحث الأقوال” من كتاب “جمع الجوامع في علم أصول الفقه” لعبد الوهاب بن علي تاج الدين السُّبكي(ت771هـ).
وقوانين اللغة أو قواعدها: عقد للفصل الثامن: في معرفة إخفاء ما في الكتب من السر، من الباب الثاني: في مُصطَلَح المكاتبات الدائرة بين كُتَّاب الإسلام، من المقالة الرابعة: في المكاتبات من “صبح الأعشى في صناعة الإنشا” للقلقشندي(ت821هـ)،.
وأخيرا علم عروض المولدين: وهو نظم لفقرات من “الختام المفضوض عن خلاصة علم العروض” للقللوسي(ت707هـ).
أيها الحضور الكريم ، أيتها اللجنة العلمية المقتدرة؟
قد يعتقد القارئ أن دور المؤلف عبد الرحمن الفاسي في موسوعته “الأقنوم في مبادئ العلوم” يكمن في تحويل نصوص أو كتب نثرية إلى منظومات، وهو ما يعرف بترجيز النصوص أو عقدها، لكن الأمر ليس كذلك، لأن اختيارَ كتاب بعينه وانتقاءَ مادة من هذا المؤلف دون غيرها، عملية نقدية تعبر عن موقف أولي من المادة المنتقاة، ومن هنا مشروعية الحديث عن القضايا اللغوية التي يتناولها المؤلف وربطا لهذه القضايا بالحاضر ركزت على إبداء مواقف المحدثين منها.وكان من أبرزها :إشكالية اللغة بين التوقيف والاصطلاح:حيث عرض الناظم للمواقف الثلاثة وحججها :موقف القائلين بالتوقيف:أي أنها وحي أو إلهام من الله تعالى، ثم موقف القائلين بالاصطلاح:أي أن واضعي اللغة بشر ، ثم موقف القائلين بالوقف:أي لا يُدرى أهي من وضع الله أم من وضع البشر لغياب دليل قاطع على ذلك، يقول الناظم:
فَهْيَ بِوَضْعِ اللَّهِ قَالَ الْأَشْعَرِي
وَهَلْ بِوَحْيٍ أَوبِخَلْقٍ تَعْتَرِي
خُلْفٌ وَقِيلَ إِنَّهَا اصْطِلَاحُ
لِلنَّاسِ وَالْوَقْفُ لَهُ الصَّحَاحُ
كما ناقش الدليل اللغوي بين الأصوليين واللغويين:وتناول ضمنه: العلاقة بين الدال والمدلول:حيث تحدث عن الرأي القائل باعتباطية الدليل اللغوي وعكسِه، سواء عند اللغويين أو الأصوليين إذ يقول:
وَاللَّفْظُ أَنْ يُنَاسِبَ الْمَعْنَى فَلَا
تَشْرِطْ وَعَبَّادٌ بِهِ تَعَلَّلَا
وأشار إلى دلالة اللفظ بين المعنى الخارجي و الذهني؟ حيث يقول:
وَاللَّفْظُ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى خَارِجِي
وَقِيلَ لِلذِّهْنِ عَنِ الْفَخْرِ يَجِي
ويعلل الإمام الرازي مذهبه هذا بقوله: ” لأنا إذا رأينا جسما من بعيد وظنناه صخرة ،سميناه بهذا الاسم، فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان، لكنا ظنناه طيرا سميناه به. فإذا ازداد القرب وعرفنا أنه إنسان، سميناه به. فاختلاف الأسامي عند اختلاف الصور الذهنية، يدل على أن اللفظ لا دلالة له إلا عليها.”
ولعل هذا النص يثبت ريادة الأصوليين في إدراك الدليل اللغوي.بمستوى لا يقل أهمية عن تناوله لدى اللسانيين المعاصرين امثال فردناند دو سوسير الذي تحدث عن اعتباطية الدليل اللغوي والمتكون من الدال والصورة السمعية.
ولم يفت المؤلف الحديث عن ظاهرتي الترادف والاشتراك: اللتين وقف منهما القدامى والمحدثون موقفا موحدا ، فالمانعون يرون أنه كما لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين، فكذلك لا يجوز أن يدل اللفظان على معنى واحد.ومن أهم القضايا النحوية التي عالجها عبد الرحمان الفاسي أقسام الجملة:معتمدا مذهب ابن هشام الذي يرى أنها ثلاثة أقسام:الاسمية: والفعلية: والظرفية:. كما تحدث عن المرفوعات وحصرها في سبعة واعتبر الفاعل أصلها والبواقي تابعة له وبذلك يبدو موافقا لرأي الخليل والكوفيين عكس ما ذهب إليه سيبويه، وتعتبر قضايا أصول النحو من أغنى المواضيع ضمن علوم اللسان من الأقنوم وثمرتها محاولة الوصول إلى منهج لاستنباط الأحكام اللغوية والنحوية، والتمكن من القدرة على الاجتهاد، فقد اشار الناظم إلى مصادر اللغة وهي: :أولا السماع:حيث أجمع علماء العربية على اعتبار القرآن الكريم وكلام العرب الخُلَّص مصدرين رئيسين في إثبات الألفاظ اللغوية والقواعد النحوية والبلاغية، لكنهم اختلفوا حول الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف لرواية عدد منه بالمعنى فلا يعتمد إلا المروي لفظا .يقول عبد الرحمان الفاسي:
وَالسُّنّةُ الَّتِي بِلَفْظٍ ثَبَتَتْ
وَذَاكَ نَادِرٌ فَخُذْهَا إِنْ أَتَتْ
أما المصدر الثاني في إثبات اللغة وقواعدها فهو القياس:ومعناه” حملُ غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه”.فهو “وسيلة تمكن الإنسان من النطق بآلاف من الكلم و الجمل دون أن تقرع سمعه من قبل “.والمصدر الثالث استصحاب الحال:و” هو إبقاء حال اللفظ على ما يستحقه في الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل “.ومعناه أن الأحكام النحوية والصرفية الثابتة بالأدلة تبقى سارية المفعول ولا يجوز العدول عنها، إلا بوجود دليل ينقلها عن الأصل. و في المبحث الرابع من الفصل الثاني أوضحت طريقة المؤلف في عرض المادة وترتيب الأبواب والتعامل مع الشواهد: وانتهيت بوصف المخطوطات ومنهج التحقيق:حيث إنه بعد مرحلة جمع النسخ وترتيبها، اشتغلت بتحقيق النصوص، مقابلة وضبطا وشرحا للمفردات الغامضة، وتخريجا للآيات القرآنية من المصحف الكريم برواية ورش، وللأعلام والأمثال والأشعار المضمنة، وكنت أحيانا أُعَنْوِن بعض الفصول، وأضع ذلك بين معقوفتين باعتباره إجراء منهجيا لتسهيل عملية القراءة.
سادتي الأفاضل :
خلصت في نهاية البحث إلى اعتبار عبد الرحمان الفاسي” نموذجا واضحا لازدهار حركة التأليف في فجر الدولة العلوية المجيدة “. “و موسوعته “الأقنوم في مبادئ العلوم” التي قمت بتحقيق “علوم اللسان” منها ضمن هذه الأطروحة، تؤكد ذلك، وقد استغربت لبقاء هذه المكتبة الغنية حبيسة رفوف الخزانات المغربية،( وعلمت مؤخرا أن الأستاذ الفاضل ادريس الفاسي الفهري يعمل على إخراجها إلى نور الوجود والتداول أعانه الله ووفقه) تؤكد هذه الموسوعة أصالة التكامل المعرفي في ثقافتنا العربية عامة والمغربية الأندلسية خاصة، ، والمؤلف يعكس مساهمة المغرب الأقصى في نظرية المعرفة التي نهلت من مصادر مشرقية. وأخرى مغربية أندلسية. وإذا كان هذا النوع من المؤلفات ، تتضافر لتحرير مواضيعه اليوم جهود ُكثير من الدارسين والباحثين والمختصين، فموسوعة “الأقنوم في مبادئ العلوم” وضعها فرد واحد، صحيح أنه اعتمد كتبا نثرية انطلق منها في النظم والترجيز، لكن عملية التنسيق والترتيب المحكمين،وترجيزها بطريقة تشبه البرمجة لتسهيل حفظها تعد إبداعا ومجهودا يستحق التنويه، كما أنه لم يكتف في كثير من الأحيان بما تضمنته النصوص النثرية، بل كان يستدرك عليها من ثقافته واطلاعه الخاص .
والموسوعة جامعة لعدد من الأراجيز التي أشار الأستاذان خالد بن أحمد الصقلي و حسن جلاب إلى أنها مجهولة، قمنا بالتحقق مثلا من علوم اللغة:ف”ابتهاج الأرواح بنظم الاقتراح” ، يشكل القسم الخاص ب”علم أصول النحو” من الأقنوم في مبادئ العلوم” حيث ينظم عبد الرحمان الفاسي كتاب “الاقتراح في النحو” لجلال الدين السيوطي.وأرجوزة “الباهر في اختصار” الأشباه” والنظائر يشكل “علم نظائر النحو” من “الأقنوم في مبادئ العلوم” الذي نظم جزءا من “الأشباه والنظائر” في النحو للسيوطي أيضا”. وتأليف في صناعة الشعر جزء من “علم الأدب” الذي ينظم ” في صناعة الشعر ووجه تعلمه” لابن خلدون.
والموسوعة اعتمدت عددا من كتب السيوطي(النقاية الاقتراح والأشباه والنظائر) التي تكمن قيمتها المعرفية في احتفاظها بمادة علمية أضاعها الدهر.سواء لكون مصادرها ما تزال مجهولة أو وجدت لكنها مبتورة.
سادتي الأفاضل
قبل الانتهاء أود الاعتذار للجنة العلمية لما وجدته من أخطاء وأنا أعيد قراءة الرسالة كما أجدد لها الشكر والتقدير على تكرمها بقراءة الرسالة ومناقشتها وعلى ما ستقدمه من توجيهات وملاحظات علمية دقيقة لا شك أني سأستفيد منها في تقويم اعوجاج هذا البحث وإصلاحه.
كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر والاعتراف بالجميل لكل من ساعدني في إنجاز هذا البحث بملاحظاته وتوجيهاته وتشجيعاته، وخاصة أفراد عائلتي: إخوتي وزوجي، والشكر والتقدير موصولان للجمهور الذي شرفنا بالحضور.والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه تعالى، وأن يثيبني وجميع من كان سببا في تعليمي وهدايتي وإرشادي.
اترك رد