الرجاء

المطلب الأول ـ مفهوم الرجاء
الرجاء: ظن يقتضى حصول ما فيه مسرة، وهو يضاد الخوف ويلازمه، كقوله تعالى:  أُوْلئِكَ الذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمْ الوَسِيلةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ  [الإسراء/57]، وقوله:  وَتَرْجُونَ مِنْ اللهِ مَا لا يَرْجُونَ  [النساء/104]
وسبب الرجاء معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد.
والرجاء فى جميع الأدلة الواردة فى الكتاب والسنة، يدور حول معنى الرغبة والتمنى والطلب، وكثرة الإلحاح فى الدعاء، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: ” لما أنزلت هذه الآية:  لنْ تَنَالوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ  [آل عمران/92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها، وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله “1 ، وعن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: “يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة، قال: ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي2 “.
ومن حديث أبى هريرة قال: “مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ كُل خَزَنَةِ بَابٍ أَيْ فُل هَلمَّ، قال أبو بكر: يا رسول الله ذاك الذي لا تَوَى عَليْهِ فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنهُمْ “3 .
وعن سهل بن سعد ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: ” لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه، فقاموا يرجون لذلك، أيهم يعطى؟ فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: أين علي؟”، ومن حديث عائشة رضي الله عنها قال ملك الجبال للنبي صلى الله عليه وسلم : “إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم، من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا “.
واليأس من رحمة الله عكس الرجاء، ويُسمى “القنوط”، قال علي رضي الله عنه لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه يا هذا يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك، وقال سفيان من أذنب ذنبا فعلم أن الله تعالى قدره عليه ورجا غفرانه غفر الله له ذنبه، قال لأن الله عز وجل عير قوما فقال “وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم” وقال تعالى “وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا”، وفي الخبر أن رجلا من بني إسرائيل كان يقنّط الناس ويشدد عليهم قال فيقل له الله تعالى يوم القيامة اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها4 ، وقال علي كرم الله وجهه إنما العالِم الذي لا يقنط الناس من رحمة الله تعالى ولا يؤمنهم من مكر الله
المطلب الثاني ـ فضيلة الرجاء
وحال الرجاء يورث طول المجاهدة بالأعمال والمواظبة على الطاعات كيفما تقلبت الأحوال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى”5 وقال: “يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي”6 ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في النزع فقال كيف تجدك فقال أجدني أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي فقال صلى الله عليه وسلم ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا وأمنه مما يخاف7
وفي الخبر الصحيح أن رجلا كان يداين الناس فيسامح الغنى ويتجاوز عن المعسر فلقي الله ولم يعمل خيرا قط فقال الله عز وجل من أحق بذلك منا تجاوزوا عنه8 ، فعفا عنه لحسن ظنه ورجائه أن يعفو عنه مع إفلاسه عن الطاعات
قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53)، وفي تفسير قوله تعالى “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)” قال لا يرضى محمد وواحد من أمته في النار؛ وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول أنتم أهل العراق تقولون أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) الآية ونحن أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله تعالى “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى”
وروى في تفسير قوله تعالى “يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ” (سورة التحريم:8) أن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم إني أجعل حساب أمتك إليك قال لا يارب أنت أرحم بهم مني فقال إذن لا نخزيك فيهم9 .
وفي الخبر “إذا أذنب العبد ذنبا فاستغفر الله يقول الله عز وجل لملائكته انظروا إلى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنوب ؛ أشهدكم أني قد غفرت له”10 . وفي الخبر المشهور “إن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي تغلب غضبي11 . وعن معاذ بن جبل وأنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله دخل الجنة12
وفي خبر آخر لو علم الكافر سعة رحمة الله ما آيس من جنته أحد.13 ، وفي الخبر لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم14 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها15
وفي الخبر (إن لله تعالى مائة رحمة ادخر منها عنده تسعا وتسعين رحمة وأظهر منها في الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الخلق فتحن الوالدة على ولدها وتعطف البهيمة على ولدها فإذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة إلى التسع والتسعين ثم بسطها على جميع خلقه وكل رحمة منها طباق السموات والأرض قال فلا يهلك على الله يومئذ إلا هالك)16 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أترونها للمطيعين المتقين بل هي للمتلوثين المخلطين17
قال علي كرم الله وجهه من أذنب ذنبا فستره الله عليه في الدنيا فالله أكرم من أن يكشف ستره في الآخرة ومن أذنب ذنبا فعوقب عليه في الدنيا فالله تعالى أعدل من أن يثنّى عقوبته على عبده في الآخرة، وقال بعض السلف المؤمن إذا عصى الله تعالى ستره عن أبصار الملائكة كيلا تراه فتشهد عليه. وقال إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه خلا لي الطواف ليلة وكانت ليلة مطيرة مظلمة فوقفت في الملتزم عند الباب فقلت يا رب اعصمني حتى لا أعصيك أبدا فهتف بي هاتف من البيت يا إبراهيم أنت تسألني العصمة وكل عبادي المؤمنين يطلبون مني ذلك فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر. وقال الجنيد رحمه الله تعالى إن بدت عين من الكرم ألحقت المسيئين بالمحسنين.
روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت على المشركين ويلعنهم في صلاته فنزل عليه قوله تعالى “لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (سورة آل عمران: 128) فترك الدعاء عليهم وهدى الله تعالى عامة أولئك للإسلام18 .
المطلب الثالث ـ مواضع الرجاء
الرجاء محمود في موضعين أحدهما في حق العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة فقال له الشيطان وأنى تقبل توبتك فيقنطه من رحمة الله تعالى فيجب عند هذا أن يقمع القنوط بالرجاء ويتذكر إن الله يغفر الذنوب جميعا وأن الله كريم يقبل التوبة عن عباده وأن التوبة طاعة تكفر الذنوب، فإذا توقع المغفرة مع التوبة فهو راج؛ وإن توقع المغفرة مع الإصرار فهو مغرور.
الثاني أن تفتر نفسه عن فضائل الأعمال ويقتصر على الفرائض فيرجى نفسه نعيم الله تعالى وما وعد به الصالحين حتى ينبعث من الرجاء نشاط العبادة فيقبل على الفضائل ويتذكر قوله تعالى “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ” إلى قوله “أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (سورة المؤمنون: 1ـ11)
فالرجاء الأول يقمع القنوط المانع من التوبة والرجاء الثاني يقمع الفتور المانع من النشاط والتشمر فكل توقع حث على توبة أو على تشمر في العبادة فهو رجاء وكل رجاء أوجب فتورا في العبادة وركونا إلى البطالة فهو غرة
كما إذا خطر له أن يترك الذنب ويشتغل بالعمل فيقول له الشيطان مالك ولإيذاء نفسك وتعذيبها ولك رب كريم غفور رحيم؛ فيفتر بذلك عن التوبة والعبادة؛ وعند هذا واجب على العبد أن يستعمل الخوف فيخوف نفسه بغضب الله وعظيم عقابه ويقول إنه مع أنه غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وإنه مع أنه كريم خلد الكفار في النار أبد الآباد مع أنه لم يضره كفرهم بل سلط العذاب والمحن والأمراض والعلل والفقر والجوع على جملة من عباده في الدنيا وهو قادر على إزالتها فمن هذه سنته في عباده وقد خوفني عقابه فكيف لا أخافه وكيف أغتر به
كان الناس في الأعصار الأول يواظبون على العبادات ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون يخافون على أنفسهم وهم طول الليل والنهار في طاعة الله يبالغون في التقوى والحذر من الشبهات والشهوات ويبكون على أنفسهم في الخلوات وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين مع إكبابهم على المعاصي وانهماكهم في الدنيا وإعراضهم عن الله تعالى زاعمين أنهم واثقون بكرم الله تعالى وفضله راجون لعفوه ومغفرته كأنهم يزعمون أنهم عرفوا من فضله وكرمه ما لم يعرفه الأنبياء والصحابة والسلف الصالحون فإن كان هذا الأمر يدرك بالمنى وينال بالهوينى فعلام إذن كان بكاء أولئك وخوفهم وحزنهم
وأخبر عن النصارى إذ قال تعالى “فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا” (سورة الأعراف:169) ومعناه أنهم ورثوا الكتاب أي هم علماء ويأخذون عرض هذا الأدنى أي شهواتهم من الدنيا حراما كان أو حلالا
ورأى بعضهم أبا سهل الصعلوكي في المنام على هيئة حسنة لا توصف فقال له يا أستاذ بما نلت هذا فقال بحسن ظني بربي
قال أبو حامد الغزالى “هذه هي الأسباب التي بها يجلب روح الرجاء إلى قلوب الخائفين والآيسين فأما الحمقى المغرورون فلا ينبغي أن يسمعوا شيئا من ذلك بل يسمعون أسباب الخوف فإن أكثر الناس لا يصلح إلى على الخوف كالعبد السوء والصبى العرم لا يستقيم إلا بالسوط والعصا وإظهار الخشونة في الكلام”.
المطلب الرابع ـ العلاقة بين الرجاء والعمل
قد شرح الله الرجاء فقال “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)” يعني أن الرجاء بهم أليق وهذا لأنه ذكر أن ثواب الآخرة أجر وجزاء على الأعمال قال الله تعالى جزاء بما كانوا يعملون وقال تعالى وإنما توفون أجوركم يوم القيامة أفترى أن من استؤجر على إصلاح أوان وشرط له أجرة عليها وكان الشارط كريما يفي بالوعد مهما وعد ولا يخلف بل يزيد فجاء الأجير وكسر الأواني وأفسد جميعها ثم جلس ينتظر الأجر ويزعم أن المستأجر كريم أفيراه العقلاء في انتظاره متمنيا مغرورا أو راجيا وهذا للجهل بالفرق بين الرجاء والغرة.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
قيل للحسن قوم يقولون نرجو الله ويضيعون العمل فقال: هيهات هيهات تلك أمانيهم يترجحون فيها… من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه، والأماني بلا عمل وإيمان حماقة؛ قال تعالى “وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ” (سورة البقرة:111)، وقال تعالى “لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ” (سورة النساء:123)، والأماني نهايتها الخسران؛ قال تعالى “وَغَرَّتْكُمْ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (سورة الحديد:14)
وكما أن الذي يرجو في الدنيا ولدا وهو بعد لم ينكح فهو معتوه فكذلك من رجا رحمة الله وهو لم يؤمن أو آمن ولم يعمل صالحا أو عمل ولم يترك المعاصي فهو مغرور؛ فكما أنه إذا نكح ووطئ وأنزل بقي مترددا في الولد يخاف ويرجو فضل الله في خلق الولد ودفع الآفات عن الرحم وعن الأم إلى أن يتم فهو كيس؛ فكذلك إذا آمن وعمل الصالحات وترك السيئات وبقي مترددا بين الخوف والرجاء يخاف أن لا يقبل منه وأن لا يدوم عليه وأن يختم له بالسوء ويرجو من الله تعالى أن يثبته بالقول الثابت ويحفظ دينه من صواعق سكرات الموت حتى يموت على التوحيد ويحرس قلبه عن الميل إلى الشهوات بقية عمره حتى لا يميل إلى المعاصي فهو كيس ومن عدا هؤلاء فهم المغرورون بالله وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا
وعند ذلك يقولون كما أخبر الله عنهم “رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ” (سورة السجدة:12) أي علمنا أنه كما لا يولد إلا بوقاع ونكاح ولا ينبت زرع إلا بحراثة وبث بذر فكذلك لا يحصل في الآخرة ثواب وأجر إلا بعمل صالح فارجعنا نعمل صالحا فقد علمنا الآن صدقك في قولك وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير أي ألم نسمعكم سنة الله في عباده وأنه توفى كل نفس ما كسبت وأن كل نفس بما كسبت رهينة فما الذي غركم بالله بعد أن سمعتم وعقلتم “وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ” (سورة الملك:10ـ11).
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ): (والفرق بين الرجاء وبين التمنى، أن التمنى يورث صاحبه الكسل، ولا يسلك طريق الجهد والجد وبعكسه صاحب الرجاء فالرجاء محمود والتمن معلول).
المطلب الخامس ـ الرجاء وأحوال العارفين
والرجاء من أعمال القلوب التى تتعلق بحصول محبوب فى المستقبل، وسكون القلب بحسن الوعد، والثقة بالجود من الكريم الودود فهو قوت الخائفين، وفاكهة المحرومين. فالرجاء استبشار بوجود فضل الله تعالى).
روى عن الحارث المحاسبى (ت:243هـ)، وقد سئل عن الرجاء؟، فقال: ( الطمع فى فضل الله تعالى ورحمته، وصدق حسن الظن عند نزول الموت )، وحكى عن ذى النون المصرى (ت:248هـ) أنه كان يدعو، ويقول: ” اللهم إن سعة رحمتك أرجأ لنا من أعمالنا عندنا، واعتمادنا على عفوك أرجأ عندنا من عقابك لنا “.
والرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود، والخوف والرجاء إذا استويا استوى الطير، وتم طيرانه، وإذا نقض أحدهما وقع فيه النقض، وإذا ذهبا صار الطائر فى حد الموت.
ومن دعاء أحد العارفين الراجين: إلهي أخرست المعاصي لساني فما لي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل…إلهي إني أعلم أن ذنوبي لم تبق لي عندك جاها ولا للاعتذار وجها ولكنك أكرم الأكرمين … إلهي إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء… إلهي إن ذنوبي وإن كانت عظاما ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا كريم… إلهي أنت أنت، وأنا أنا، أنا العواد إلى الذنوب وأنت العواد إلى المغفرة… إلهي إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون… إلهي تجنبت عن طاعتك عمدا وتوجهت إلى معصيتك قصدا فسبحانك ما أعظم حجتك علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، بحرمة الإسلام وبذمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبي واصرفني مقضي الحوائج، وهب لي ما سألت وحقق رجائي فيما تمنيت… إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه… إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه متضرع إليك من عمله تائب إليك من اقترافه مستغفر لك من ظلمه مبتهل إليك في العفو عنه طالب إليك نجاح حوائجه راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه فيا ملجأ كل حي، وولي كل مؤمن، من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك… يا من ليس معه رب يُدعى، ويا من ليس فوقه خالق يُخشى، ويا من ليس له وزير يُؤتى، ولا حاجب يُرشى… يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جودا وكرما، وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلا وإحسانا.
إلهنا إنك قلت في كتابك المبين لمحمد خاتم النبيين قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف فأرضاك عنهم بالإقرار بكلمة التوحيد بعد الجحود وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا بهذه الشهادة سوالف الإجرام، ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في الإسلام… إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبيدك وأنت أولى بالتفضل فاعتقنا، وإنك أمرتنا أن نتصدق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتطول فتصدق علينا، ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا.
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

الهوامش:

  1. أخرجه البخارى فى كتاب الهبة برقم (2631).
  2. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3231).
  3. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد برقم (2841).
  4. رواه البيهقي في الشعب عن زيد بن أسلم مقطوعا
  5. حديث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أخرجه مسلم من حديث جابر
  6. أخرجه ابن حيان من حديث وائلة بن الأسقع وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة
  7. الحديث رواه الترمذي وقال غريب والنسائي في الكبرى وابن ماجه من حديث أنس وقال النووي إسناده جيد
  8. متفق عليه من حديث حذيفة وأبي هريرة بنحوه
  9. الحديث في تفسير قوله تعالى يوم لا يخزى الله النبي أخرجه ابن ابي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله
  10. الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة
  11. متفق عليه من حديث أبي هريرة
  12. أخرجه مسلم فى الإيمان والطبراني في الدعاء
  13. متفق عليه من حديث أبي هريرة
  14. وفي لفظ لذهب بكم الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب واللفظ الثاني من حديث أبي هريرة قريبا منه وفي لفظ آخر لذهب بكم وجاء بخلق يذنبون فيغفر لهم إنه هو الغفور الرحيم
  15. متفق عليه من حديث عمر بنحوه
  16. الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة
  17. أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة
  18. أخرجه البخاري من حديث ابن عمر،، ورواه الترمذي وسماهم أبا سفيان والحارث بن هشام وصفوان بن أمية، وزاد فتاب عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم

نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد