مقدمة:
القواعد الفقهية المبنية على نص شرعي كثيرة، لكثرة جوامع الكَلِم في النصوص، التي تتضمّن أحكاما شرعية كلية. وهي أكثر عددا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال كثيرا من القواعد التشريعية، المنطوية على كليات مستمدة من كلام الله ورسالته التامة. فكانت نماذجها كثيرة، إلا أنها ليست في درجة واحدة.
وفي الحقيقة، الاستدلال بها هو استدلال بالنصوص التي تحملها، لأنها صيغت فقط في قواعد ذات أحكام كلية جاهزة للتطبيق على جزئياتها. لذلك، يتعامل الظاهرية معها، مثل تعاملهم مع النصوص الشرعية.
ومن نماذجها المختارة:
+ حلية كل الطيبات وحرمة كل الخبائث.
+ العفو عن الخطإ والنسيان والإكراه.
+ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
+ الشروع في العبادة يوجب إتمامها.
+ الرخص لا تناط بالمعاصي.
+ البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
ثم بما أنها قواعد فقهية تكون إما عامة أو خاصة، فبالإمكان تقسيمها وفق مبحثين:
المبحث 1: قواعد عامة.
المبحث 2: قواعد خاصة.
المبحث 1: قواعد عامة.
من أهم القواعد الفقهية العامة المبنية على النص، التي ترِد في جل الأبواب الفقهية المفصلة في كتب الفقه وتضبط أيضا كليات المذهب الظاهري، القواعد التالية:
المطلب 1: قاعدة حلية كل الطيبات وحرمة كل الخبائث.
المطلب 2: قاعدة العفو عن الخطإ والنسيان والإكراه.
المطلب 3: قاعدة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
المطلب 1: قاعدة حلية كل الطيبات وحرمة كل الخبائث.
قال ربنا عز وجل: &(اَلذِينَ يَتَّبعونَ الرَّسولَ النَّبِيءَ الاُمِّيَّ الذِي يَجِدُونَهُ مَكتوبا عندهمْ في التَّوْرَيـةِ َوالاِنجيل يامُرهُم بالمعروفِ َويَنهيـهُمْ عنِ المُنكر َويُحِلُّ لهمُ الطَّيِّبـتِ َويُحَرِّمُ عليهِمُ الخبَـئِث)& .1
وقيلَ إن الطيبات هي الحلال الذي أحله الله، والخبائث هي الحرام الذي حرّمه الله. فكان في هذا التفسير تكرار بلا فائدة، ودوْر في القول بتحليل الحلال وتحريم الحرام. والراجح أن المقصود بالطيبات مع الخبائث، عام لكل المستلذات مع كافة المستقذَرات سواء ورد فيها حُكم شرعي أو لم يرد، إلا ما استثناه الشرع منها بحكم خاص مختلف. 2
فتكون هذه القاعدة، عامة لكل المآكل والمشارب والملابس، من ناحية الحلية أو الحرمة أو الطهارة أو النجاسة. وعمومها مؤكَّد بضبطه لحكم كل طيب وخبيث، ولحكم كل ما يلحق بهما أيضا. لذلك تهم جميع عادات الناس، وأيضا سائر عباداتهم ومعاملاتهم المتعلقة بحكمها الكلي. فاعتُبرت دليلا، على أصل الإباحة في المنافع والحرمة في المضار.
وعلى الأسس المذكورة، فحِلية كل الطيبات وحُرمة كل الخبائث، قاعدة فقهية عامة أُخذت من نص قرآني. وانبنت عليها، إحدى قواعد الاستصحاب الفقهية العامة. فكانت تطبيقاتها كثيرة، لأنها تعم حكم كل طيب وكل خبيث، مع ضبط الأحكام الشرعية المتعلقة بهما.
والآية القرآنية المستمدة منها، هي التي تدعم حجيتها بالذات. ثم تُعضدها أيضا، عدة كليات واردة في نصوص شرعية. فكانت قاعدة فقهية عامة، باعتبارها حكما شرعيا كليا عاما ومبنيا على نص تشريعي محدد، إلا أنها قد تصل إلى مستوى قاعدة شرعية بالنظر إلى توافقها مع نصوص الشريعة كلها. 3
لذا يتعامل المذهب الظاهري مع تطبيقات هذه القاعدة، تعاملا يساير منهجه في النصوص الشرعية. فلا ينظر إلى علة أو مقاصد الحُكم المنصوص عليه، بل يركز على تطبيق دليل القاعدة النصي. كما أنه لا يَستثني منها، إلا ما نُص على حُكمه الخاص المخالف لها. فكان المنهج الظاهري مغايرا تماما لمنهج الجمهور، الذي يستند أيضا إلى أدلة أخرى غير نصية.
وبناء على القاعدة المذكورة، وافق الظاهرية في طهارة كل ما يؤكل لحمه. فصاغ ابن حزم بشأنه تفريعا كليا عاما، حين قال: “كل حلال هو طيب، والطيب لا يكون نجسا بل هو طاهر” .4 فلو افتُرض نجسا لكان محرَّما، لأن كل خبيث حرام، فكان بالخُلف طيبا. ثم بما أن ما يؤكل لحمه حلال، فهو أيضا طيب طاهر.
وفي الاتجاه نفسه، صاغ ابن حزم شطر القاعدة الخاص بتحريم الخبائث، في قوله: “كل أخبث وخبيث فهو حرام” .5 فبنى عليه مَثَلا نجاسة كل الأبوال بلا استثناء، مستدلا بظاهر عموم النصوص المحرِّمة للبول دون تخصيص. لكنه خالف أصحابه الظاهرية ـ خصوصا داود ـ الذين استثنوا بول الحيوان من التحريم، متمسكين بالخصوصية البَشرية لبول الإنسان المنصوص على تحريمه وبالطهارة الأصلية حيث لا نص على التنجيس.
المطلب 2: قاعدة العفو عن الخطإ والنسيان والإكراه.
ليس هناك مجال من المجالات الفقهية، إلا وترِد فيه أحكام تفصيلية لحالات الخطإ والنسيان والإكراه. فكان المقصود هنا، الحكم الشرعي الكلي العام لهؤلاء الثلاثة. وهو العفو المنصوص عليه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: << رُفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه >> .6
ومقتضى هذا الحديث النبوي، أن المرفوع حقيقة هو الحُكم. لكن الحكم الأخروي، مقصود أكثر من الحكم الدنيوي. فكان من رحمة الله بعباده، عدم محاسبتهم على أخطائهم غير المتعمَّدة. ونص سبحانه على العفو عن الخطإ، لأن الخطأ لا عمْد فيه، في قوله تعالى: &(وليسَ عليكمْ جُناحُ فيما أَخطأْتم بِهِ َولَكن ما تعمّدَتْ قلوبُكم)& .7
وكذلك الشأن في كل من النسيان والإكراه، لاشتراك كل من المخطئ والناسي والمُكرَه في انعدام النية، وإنما الأعمال بالنيات. فرُفع الإثم عن هؤلاء الثلاثة جميعا، فيما يَخُص علاقتهم مع الله، لأن كل عمل بلا نية لا يُعتد به شرعا. وفيما يَخُص العلاقات البشرية، فقد تؤَدي إلى بعض المقتضيات كالضمان .8
فكانت قاعدة العفو فقهية عامة، لأنها تتضمن حُكما كليا عاما. لكنه حكم شرعي مطرد من الناحية الدينية المتعلقة بالحساب الأخروي، لا من الناحية الدنيوية التي قد تُراعى فيها أدلة أخرى تؤَدي إلى مستثنيات، مثل متطلبات الالتزامات في الحقوق أو الواجبات.
وفي كل من تطبيقات القاعدة ومستثنياتها، فتعامُل الظاهرية نصي محض، لأنهم لا يحتكمون إلا إلى نصوص يتقيدون بظواهرها. فقال ابن حزم الظاهري:”لا حُكم للخطإ، ولا النسيان، ولا للإكراه، إلا حيث أوجب له النص حُكما” .9 ومن ثَم، كان المنهج الظاهري مخالفا لمناهج جمهور الأصوليين في قاعدة موضوع الحديث.
1) العفو عن الخطأ.
طبّق الظاهرية هذا المبدأ المنصوص عليه، فوظّفوه أكثر من غيرهم. ولا يَخرجون عنه إلا بأدلة نصية، لعدم تَمسُّكهم إلا بالنصوص. 10
وتَجسد ذلك مثلا، في مخالفتهم لجمهور الفقهاء، بشأن حُكم المُحرِم الذي يقتل الصيد خطأ أو نسيانا. فتقيدوا بظاهر نص العفو عن الخطإ والنسيان، بناء على أصل أن لا جزاء في حق المخطئ والناسي، لأنه غير عامد للمعصية ولا قاصد إليها. لكن الجمهور قدّم القياس، بناء على قاعدة “ما يُضمن بالعمد يُضمن بالخطأ”. فكان سبب الخلاف بينه وبينهم، احتجاجه بالقياس الذي يرفضونه جملة وتفصيلا. 11
ثم من فروع قاعدة العفو عن الخطإ، التي يُمكن إيرادها لِما فيها من فوائد فقهية رغم تعَلُّقها بأحكام العتق المنقرض في عصرنا الحديث، أن مَن أعتق بلسانه خطأ لا يَجوز عِتقه. فوافق الظاهرية هذا العفو عن فلَتة اللسان في العتق، الذي يفتقر إلى النية مثلما في حالة الإكراه عليه، إلا أنهم طبّقوا حُكم المخطئ فقط فيما بينه وبين ربه ديانة. أما قضاء، فقد استثنوا من العفو حالة قيام البينة على العتق. وسبب الاستثناء عندهم، أن القضاء يَحكم حسب الظاهر، تاركا السرائر لخالقها ومتقيدا بقاعدة “الأصل في الكلام الحقيقة ما لم يثبت خلافها”. 12
إن الاستثناء عند الظاهرية، لا يكون إلا نصيا. فلا يستثنون من شمول العفو عن الخطإ، إلا ما تَم النص على حكمه المغاير، كدية القتل الخطإ المسلّمة إلى أهل المقتول. وكذلك الشأن في سائر التعويضات أو الغرامات المالية، لأن “الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرَّمة فصحّ من هذا أن لا يوجب على أحد حكم في جناية خطإ إلا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فهو معفو عنه، وصحّ بذلك أنه لا يجب على أحد غرامة في عمْد ولا في خطإ إلا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن، وإلا فالأموال مُحرمَة والغرامة ساقطة” .13
ومع ذلك، فالظاهرية يُوجهون الحالات الاستثنائية، توجيها يلائم العفو عن كل الأخطاء لأنها غير مقصودة. فلم يُحَمِّلوا هم أيضا دية القتل الخطإ للقاتل المخطئ، بل حَمّلوها لعاقلته ـ أي عصبته الذين يرثونه بالتعصيب ـ لكي تتحمل معه تبِعات الخطإ المعفو عنه أصلا. وأوجبوا تلك الدية، بالنسبة إلى مَن لا عاقلة له، في بيت مال المسلمين. 14
2) العفو عن النسيان.
النسيان من الآفات البشرية، التي تُجسد ضعْف البشر. فتَحقق العفو عنه، لخروجه عن نطاق التكليف الشرعي. وبما أنه عفو منصوص عليه، تَمسك الظاهرية به لأقصى حد، أكثر من غيرهم في عدة حالات. فطبّقوه في مواضع متعددة، متميزين بنصيتهم الدائمة. 15
وابن حزم عالج مسائل النسيان، في كل من الطهارة والصلاة، خاصة بالنسبة إلى الفرائض. ففرّق بينه وبين العمد، لأنه لا إثم فيه ولا يُعتد بالزيادة به، قائلا: “مَن نسي عملا مفترضا من الصلاة والطهارة، فعليه أن يأتي به، لأنه لم يأت بالصلاة كما أُمر، إلا أن يأتي نص بسقوط ذلك عنه. وإنما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين: أحدهما سقوط الإثم جملة هنا وفي كل مكان، والثاني مَن زاد عملا لا يجوز له ناسيا وكان قد أوفى جميع عمله الذي أُمر به، فإن هذا قد عمل ما أُمر، وكان ما زاد لغوا لا حكم له” .16
فلا حُكم للنسيان غير المؤثر، في حين أن هناك حلولا شرعية لكل نسيان مؤثر على العبادة وجوابر له، كسجود السهو مثلا. ومع اختلاف المذاهب في التفاصيل، فالمذهب الظاهري يتميز دائما بنصيته، التي بالغ فيها أحيانا إلى درجة الشذوذ. 17
لقد عدّ الظاهرية مَن كان لديه ماء، فنسيه وتَيمم للصلاة، تُجزؤه صلاته رغم تَبيُّن نسيانه. فلم يُطالبوه بإعادة الصلاة، مثلما طالبه غيرهم. 18
كما أنهم لم يُبطلوا صلاة مَن تكلم في صلاته سهوا، حتى لو كان كلامه كثيرا، تمسُّكا منهم بعموم العفو عن النسيان كله وتعميما لجبره بالسجود كيفما كان السهو. 19 وهذا العموم هو الذي نَص عليه ابن حزم في قوله: “كل ما فعله المرء ناسيا في صلاته مما لم يُبح له فعله فصلاته تامة، وليس عليه إلا سجود السهو فقط، قَل ذلك العمل أو كَثر” .20
وفيما يَخص التطبيقات المتعلقة بشهر رمضان والصيام، فموقف الظاهرية من حُكم النسيان ثابت، حتى أدى بهم إلى مخالفات مستغربة. فكان لا قضاء عندهم، على مَن نسي أن ينوي الصوم من الليل، بالرغم من أكْله أو شربه أو وطئه نهارا. وإنما المطلوب عندهم، أن ينوي الصيام حين يذكره. ثم يصوم، حتى لو لم يبق من النهار سوى مقدار تلك النية فقط. 21
وتفسير موقفهم يرتكز على تَمسُّكهم ببراءة الذمة من كل قضاء، إذ لا تكليف عندهم إلا بنص. فلم يوجبوا أيضا القضاء على مَن غلبه ماء المضمضة أو الاستنشاق، حتى لو بالغ فيهما، بشرْط دخول الماء حلْقَه بلا عمْد سواء كان ذاكرا لصومه أو ناسيا. والسبب أن عندهم لا ينقض الصومَ أكْل ولا شُرب مع النسيان، مادام معفوا عنه شرعا. 22
كما أنهم في مجال أحكام الحج، لم يُبطلوا حج من نكح زوجته ناسيا. 23 وما هذا وتلك سوى نماذج، لأن أحكام النسيان نوقشت عندهم كثيرا مثلما وقع عند غيرهم من الفقهاء، إلا أن منهجهم فيها كان مطابقا لنصيتهم.
وفي مقابل تطبيقات قاعدة العفو عن النسيان، توجد حالات استثنائية، لأن لهذه القاعدة متطلبات شرعية أو منهجية أحيانا. فكان من المستثنيات عند الظاهرية إلزامُهم مَن جامع زوجته أو أيَّ امرأة تَحِل له ناسيا لصومه، لا بالقضاء كالمالكية لأن لا نص عليه، بل بالكفارة دون قضاء خلافا للحنابلة، لأنهم تَمسّكوا حسب منهجهم بظاهر عموم النص الوارد في ذلك دون تفريق بين عامد وناسٍ. 24
ثم من المستثنيات عندهم، عدم إجازتهم أكل مَا لم يُسمَّ الله عليه نسيانا. وسبب استثنائهم هذا، تَمسُّكهم بوجوب التسمية على الإطلاق، لعموم النص الإلهي: &(ولا تاكُلوا مِمّا لَم يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيه)& .25
فبادر ابن حزم إلى تسويغ هذا الاستثناء، قائلا: “أما سقوط الجُناح في الخطإ وسقوط المؤاخذة بالنسيان والخطإ ورفعهما عنا فنَعم وهو قولنا، وهكذا نقول: إنه ههنا مرفوع عنه الإثم والحرج إذا نسي التسمية، لكنا نقول: إنه لم يُذَك لكنْ ظن أنه ذكّى ولم يذك كَمَن نسي الصلاة وظن أنه صلى وهو لم يُصَل، فلما لم يُذك كان ميتة لا يَحل أكله لأن الله تعالى نهانا أن نأكل ما لم يُذكر اسم الله عليه فكانت هذه الصفة متى وُجدت في مذبوح أو منحور أو تَصيُّد لم يَحل أكله” 26. ثم أضاف: “أن العمل المأمور به مَن نسي أن يعمله… فلم يعمله، إلا أن الناسي غير حرِج في نسيانه والعامِد في حرَج، وكل عمل عمله المرء مما أُمر به فزاد فيه ما لم يؤمر به ناسيا فلا حرج عليه فيما عمل ناسيا وعمَلُه لِما عَمل مما أُمر به صحيح جائز جازٍ، فهذا هو حكم القرآن والسنن إلا ما جاء نص بإخراجه عن هذا الحكم فيوقَف عنده” .27
لكنه استثناء عند الظاهرية، نَتج عنه أن مَن ذبح ما لغيره ناسيا التسمية، يَضمن الذبيحة لمالِكها. فوافقوا بنصيتهم حُكم قاعدة، هي أن “ما يُضمن بالعمد يُضمن بالنسيان”. وكذلك يكون الحُكم لَديهم حتى لو سَمّى عليها، إذا ذبحها بدون إذْن المالك أو مُسوَّغ شرعي. فيضمنها في هذه الحالة أيضا، لأنها تحرم عندهم بسبب عدم تَناولها في ظروف مشروعة. وبالتحريم الذي ذهبوا إليه، خالفوا جمهور الفقهاء. 28
وبذلك كله يَظهر أن العفو عن النسيان، عند الظاهرية مثل غيرهم، لا يُغني عن تَحمُّل آثاره الشرعية والقيام بالمأمور به. فكان مما أبطلوه أيضا، صلاة مَن نسي فيها ما افتُرض عليه، إلا إذا صحّحها. وما ماثل هذا، في الفقه الإسلامي كثير. 29
3) العفو عن الإكراه.
المقصود هو المُكرَه بدون حق شرعي، الذي لا مسؤولية ولا ذنْب له فيما أُكره عليه. فكان كذلك حينما يُكرَه من طرف آخر، على القيام بتصرف قد يكون فيه أذى للغير أو تنتج عنه آثار شرعية. وهو يضطر للامتثال للمكرَه، لدفع ضرر عن نفسه أو غيره. فيدخل عمليا، في قاعدة “الإكراه يُسقط التصرف فعلا كان أو قولا” .30
إن الإكراه ينقسم إلى قسمين: إكراه على قول وإكراه على فعل. وحدد ابن حزم تفريعا عن قاعدة العفو، يضبط حكم الإكراه القولي في المذهب الظاهري، المتمسك بالعفو الإلهي كليا. فقال: “الإكراه على الكلام لا يجب به شيء وإن قاله المكرَه… لأنه في قوله ما أُكرِه عليه إنما هو حاك للفظ الذي أُمر أن يقوله ولا شيء على الحاكي بلا خلاف” .31
إذن المكرَه على قول، غير ملزَم به شرعا مادام ليس مختارا ولا نية له، لأنما الأعمال بالنيات. فوافق الظاهرية الجمهور غير الحنفية، في قاعدة “الإكراه يُبطل العقد”، التي تُعد من أهم تفريعات حكم الإكراه القولي لأنها تَخص المعاملات والعقود بالذات. 32
ويلحق بقاعدة الجمهور هاته، أن الإكراه يُبطل فسخ العقود، مثل طلاق المكَره. كما أنه يُبطل العهود والأيْمان، وما يلحق بالصنفين. ورغم التوافق هنا مع مدرسة الجمهور الأصولية، فالمنهج الظاهري يبقى متميزا، من منطلق نصيته وظاهريته بالخصوص. 33
وقد وقع النهج نفسه في الإكراه الفعلي، الذي ينقسم كذلك إلى قسمين. أحدهما محدَّد بقاعدة “كل ما تبيحه الضرورة يبيحه الإكراه” 34، لأن الإكراه أيضا فيه اضطرار، والضرورات تبيح المحظورات. فكان بناءً على حالات الضرورة المنصوص عليها، ألا إثم شرعا على مَن أُكرِه على أكل الخنزير أو شرب الخمر أو غيرهما من المحرَّمات، لأن المكرَه له حُكم المضطر.
ثم القسم الثاني من الإكراه الفعلي، محدّد في المقابل بمفهوم القاعدة السالفة الذكر، لأن ما لا تبيحه الضرورة لا يبيحه الإكراه. فلا يباح مثلا، القتل والجرح والضرب وإفساد مال الغير بسبب الإكراه، لأن الظلم محرَّم بنصوص لدرجة عدم جواز رفع ظلم بظلم آخر. وعلى مَن أُرغم على الظلم، عدم الامتثال لكي لا يتحمل العقاب وضمان حقوق المظلوم. فيتضح بهذا، استمداد الموقف الظاهري من النصوص الشرعية دائما، لأنه يتقيد بالظاهر منها حتما. 35
وفيما يخص الإكراه الفعلي الذي ليس من قبيل ما تبيحه الضرورة، لا خلاف في حكم مَن أُكره على إتلاف مال غيره، إذ لا يَحل له إتلاف ما ليس في ملكه، وإن أتلفه كان آثما بفعله. وإنما الخلاف الذي حصل، هو في الضمان على مَن يجب ؟.
لقد وقع تردُّد بين المكرِه المتسبب في الإتلاف والمكرَه المباشر له، بسبب الاختلاف في قاعدة الترجيح إذا اجتمعت المباشرة والتسبب.36 فقدّم الظاهرية المباشرة، 37 دون أن يتمسكوا بنص العفو عن الإكراه، لاعتبار ضوابط الضرورة. وألزموا المتلِف مكرَها بالضمان، لعدم وجود ضرورة لإفساد مال الغير، ظُلما محرما بنصوص شرعية. فلا تُستثنى عندهم سوى حالات الضرورة الحقيقية، المنصوص عليها كذلك، ليقع الجمع بين سائر النصوص.
وتلك الأحكام الكلية العامة التي تَهم الإكراه بقسميه، لا تُغني عن ضبط تفاصيل جزئياتها، لأن بعض الفروع قد تكون لها خصوصيات، إلا أنها تعزز كلياتها في جَميع الأحوال. وهي أحكام تُبرز تَشبث المذهب الظاهري بالنصوص، ووقوفه عند ظواهرها دائما، وإن أدى به نهجُه إلى انفراد مواقفه أحيانا. ويكفي إيراد بعض الأمثلة، لملامسة هذه الحقائق.
إن الظاهرية طبّقوا العفو عن الإكراه، إلى أقصى حد مخالفين غيرهم. فأجازوا لمَن أُكره على السجود لغير الله، أن يسجد معتبِرا سجوده لله، ولو كان موجَّها إلى غير القبلة.38
كما أن مَن أصاب بدنَه أو ثيابه أو مُصَلاه ما يجب اجتنابه، بعد أن كبّر ودخل في الصلاة سالما من كل ذلك، إلا أنه أُكره على متابعة صلاته بحاله تلك الطارئة، فصلاته صحيحة. وإذا زال الإكراه أثناء صلاته، أتَمها مُعتَدا بما سبق له القيام به، لأن ما كان في حالة الإكراه معفو عنه.
ومثل هذا الموقف الظاهري، ورد في حال مَن نسي ما كان يجب عليه أن يَجتنبه، بإزالته أو الزوال عنه. فلو عمل عملا من فرائض الصلاة على تلك الحالة، يُلغيه عند تَذَكُّره في صلاته لِما نسيه. ويُتمها، ثم يأتي بما ألغى، ويسجد للسهو بسبب الزيادة. فتتحقق هنا عدم مسايرة المذهب الظاهري للتفصيلات الواردة في المذاهب الأخرى، والمتعلقة بإعادة الصلاة بسبب نجاسة، مع التقيد بوقت الفريضة أو دونه عند بعضهم.39
ثم فيما يخص مبطلات الاعتكاف كذلك، فالواقع فيها مكرَها أو ناسيا، لا يبطل اعتكافه تطبيقا للعفو الإلهي عن الإكراه والنسيان.40
وبناء على قاعدة العفو دائما، تمسك الظاهرية بمقتضياتها، في حُكم مَن أُكره على الفطر أثناء صومه. فاعتبروا صيامه صحيحا، بل لم يُلزموه بالقضاء لِما أفطر. والضابط عندهم، أن لا يُنقض صوم مَن أُكره على ما يَنقض صومه.41
كما أنهم تمسكوا بتمام حج وإحرام، مَن وقع في منهياتهما مكرَها أو ناسيا. فلم يُلزموه بدم أو فدية، مثلما ألزمه بذلك غيرهم.42
وفي سياق عدم الإلزام عندهم إلا بنص، فمَن حلَف ألا يقوم بفعل، ثم فعله مكرَها أو ناسيا، فلا كفارة عليه عندهم. وعَدّوا حنثه من لغو اليمين دون وقوع إثم عليه، مادام الذي اعتراه هو إكراه أو نسيان، وكل منهما معفو عنه. ثم لهذا أيضا، فمَن حلف مُكرها وحنث، فلا كفارة عليه لأنها عندهم إنما تكون على المختار.43
ومن أهم الأمثلة هنا، مسألة الرشوة التي تفشّت في عصرنا الحالي. فلم يُختلف في أنها من المحرّمات، وكذلك في أن كلا من المُعطي والآخذ آثم، لأن حُكم الرشوة والراشي والمرتشي، بل والرائش الذي يتوسط بينهما، منصوص عليه بوضوح. لكن المشكل يقع، بالنسبة إلى بعض حالات الحاجة المُلِحّة.
والظاهرية مع نصّيتهم، استثنوا هم أيضا حالة مَن مُنع من حقه، فأعطى رشوة ليدفع عن نفسه الظلم. وعدّوا ذلك مباحا للمُعطي دون الآخذ، بل اعتبروا المال المُعطى باقيا على ملك صاحبه الذي أعطاه مكرَها، بِعدِّه مالا مأخوذا غصبا. فظهروا مقاصديين كغيرهم، إلا أن مُسوَّغهم الأساس نصي باعتبار المُعطي في ضرورة دفْع الظلم ليس راشيا، بل مكرَهاً على إعطاء الرشوة والإكراه معفو عنه.44
والخلاصة أن قاعدة العفو عن الخطإ والنسيان والإكراه، واردة أيضا في المذهب الظاهري بتطبيقاتها وتفريعاتها ومستثنياتها، للتفريق بين العمْد ونقيضه. لكنه مذهب كان فيها متميزا عن غيره كثيرا، لأنه نصي في كل المواضع.
المطلب 3: قاعدة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
إنها قاعدة فقهية عامة للشروط في سائر العقود، ومنتزعة من بنية نص حديثي. ومضمونها يَهُم العقد، لأنه ربْط بين كلامين أو ما يقوم مقامهما بكيفية تُنتج آثاره الشرعية، وقد تقترن به بعض الشروط من أحد العاقدين أو منهما معا. فقَصَرت هذه القاعدة بمفهومها الشروطَ المؤثِّرة في العقود، على المقبولة شرعا لا غير.
أما غير المقبولة والباطلة، فلا تَمنع آثار العقد، لأنها شروط لا تُلزِم أحدا بسبب مُنافاتها للمطلوب شرعا. ومن ثم قُعِّدت قاعدة “الشرط الباطل لا يؤثر في العقد”45 ، التي تعبِّر أيضا عن قاعدة الشروط في العقود، واستُنبطت من الحديث النبوي نفسه.
فكان سببُ ورود الحديث الذي أُخذت منه القاعدة، موضِّحا لمضمونها، إذ أرادت عائشة رضي الله عنها أن تُعتق أمَة اسمها بَريرة وتشتري لها حريتها من أسيادها. وهذا شريطة أن تؤَدي عنها ثمن عتقها في مقابل وَلائِها 46 ، إلا أن أهل بريرة اشترطوا بقاء الولاء لهم.
لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أخبرته أمُّنا عائشة: <<خُديها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق>>، ففعلت ما أُمرت به. ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: <<ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحَق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق>>47 .
فالمسلمون مطالبون بالْتزام شروطهم، التي الْتزموا بها أو ألزمهم بها الشرع. وفي المقابل، فهم غير ملزَمين بالشروط التي لم تَرِد في كتاب الله. لكن المقصود بكتاب الله، في المنظور الظاهري المساير للنصوص فقط، القرآن الذي يلحق به الحديث أيضا. فلا تُعتبر عند المذهب الظاهري، سوى الشروط المنصوص على اعتبارها.
أما عند الجمهور، فالمراد بكتاب الله شرعُه، مما يوسع معنى الكتاب ليشمل الأدلة غير النصية كذلك. فاتسعت للجمهور، لائحة المشروطات المعتبرة شرعا، في حين تَمسك المذهب الظاهري بالمنصوص عليه منها لا غير.
ثم إن حديث بريرة، عام للشروط في العقود. فلا يختص بالبيع أو نحوه فقط، لأن العمومات الواردة على أسباب لا تختص بأسبابها دائما، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولهذا، كان حُكم هذه القاعدة للشروط عاما لا خاصا.
وقد وقع خلاف فقهي مقبول، يرجع إلى نص الحديث نفسه، وينعكس أيضا على الخلاف حول الأصل في العقود والشروط فيها. فحمَل فريق هذا الحديث، على مَن اشترط شرطا لم يرِد فيه شرع ولم تَثبت مخالفته للشرع، ليكون الشرط مع ذلك باطلا. وهو قول يوازي اعتبار الأصل في العقود والشروط الحظر والبطلان، الذي تمسك به الظاهرية مع قولهم بالإباحة الأصلية، لأنهم لا يعُدّون إلزاما كيفما كان إلا بنص شرعي ولا يحملون نصوصا حيثما كانت إلا على ظواهرها.
أما جمهور الفقهاء، فحملوا الحديث على الشرط الذي ثبتت مخالفته للشرع أو لمقتضى العقد المرتبط به، لأن الباطل عندهم ما عُلمت مخالفته للمطلوب شرعا، في حين أن غيره مباح إباحة أصلية. فيكون محل النزاع، الشروط التي لم يرِد فيها شرع، ولم تَثبت مخالفتها للشرع أو لمقتضيات العقود.
وإذا كان الظاهرية قد ضيّقوا مجال الشروط المباحة، أخذا بأصالة الحَظر والبطلان فيها لدرجة إبطال عدة عقود ومعاملات، فالحنابلة على النقيض قد وسعوا مجالها أكثر من غيرهم، لأنهم يعتدّون بكل الشروط غير المَنهي عنها، امتدادا لأصالة الإباحة والصحة فيها. والجمهور من غير المذهبين، قد توسّط بينهما، بضبط حرية التعاقد وعدم الانسياق للأصل غالبا دون استثناءات. فلم يتوسع، لا في التصحيح ولا في الإبطال.48
هكذا وقع خلاف منهجي، بين المذاهب الفقهية حول قاعدة الشروط، نتَجت عنه خلافات فقهية كثيرة تَجسّدت في عدة فروع. ومن أهم وأشهر ثمرات هذا الخلاف، الاختلاف حول حكم الشروط المتداولة بين الناس، في عقد النكاح بالخصوص.
فمثلا إذا اشترطت المرأة على زوجها ألا ينقلها بعد الزواج من بلدها، أو ألا يتزوج عليها أخرى إلا برضاها، فتطبيقا للقاعدة يكون النكاح صحيحا والشرط باطلا. لكن جمهور الفقهاء غير الظاهرية، استثنوا هذا البطلان، اعتبارا لآصرة الزواج والاتفاق وفق مقاصده. فأُلزم الزوج بالوفاء بالمشروط عليه، تبعا لمنهج الجمهور.49
أما الظاهرية، فوافقوا عدم قبول شروط في عقد الزواج، لأن الأصل عندهم فيها البطلان. ولأن اشتراط شرط أو الْتزامه، دون أن ينص عليه نص شرعي، عمل باطل عندهم. لكنهم تشددوا أكثر من غيرهم، لأنهم ذهبوا إلى حد إبطال عقد النكاح نفسه، في حالة ما إذا اقترنت به الشروط الباطلة عندهم أصلا لانعدام النص عليها. فإذا لم تقترن به، تكون باطلة، والزواج يبقى صحيحا.
ومما يُبين منهجهم العام في إبطال كل شرط غير منصوص عليه، مع إبراز مدى تأثيره في العقد المرتبط به، نَص لابن حزم بشأن الشروط بين المتبايعَين، حيث قال: “كل شرط وقع في بيع منهما أو من أحدهما برضى الآخر فإنهما إن عقداه قبل عقد البيع أو بعد تمام البيع بالتفرق بالأبدان أو بالتخيير أو في أحد الوقتين ـ يعني قبل العقد أو بعده ـ ولم يذكراه في حين عقد البيع فالبيع صحيح تام والشرط باطل لا يلزم، فإن ذكرا ذلك الشرط في حال عقد البيع فالبيع باطل مفسوخ والشرط باطل أي شرط كان” .50
فلا يستثنون من هذه القاعدة التي بُنيت على نص، إلا الشروط المقبولة بدليل نصي معتبر لَديهم. وهذا لدرجة أنهم قد يُبطلون عقودا، خصوصا إذا اقترنت بوقت العقد شروط غير مقبولة. لكنهم في كل الأحوال، لا يَحيدون أبدا عن ظواهر النصوص، على الرغم من المواقف الشاذة التي قد يؤَدي إليها منهجهم. فكانوا مُتميزين عن غيرهم تماما بسبب نصيتهم، حتى لو ظهر التوافق أحيانا. 51
المبحث 2: قواعد خاصة.
القواعد الفقهية الخاصة ببعض الفقهيات فقط، أقل سَعة من القواعد العامة، إلا أنها أكثر عددا. ومن بينها، مما يهم المذهب الظاهري، القواعد التالية:
المطلب 1: قاعدة الشروع في العبادة يوجب إتمامها.
المطلب 2: قاعدة الرخص لا تناط بالمعاصي.
المطلب 3: قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
المطلب 1: قاعدة الشروع في العبادة يوجب إتمامها.
طبّق الظاهرية هذه القاعدة، صراحة أو ضمنيا، في مواضع متعددة. فتَمّت تطبيقاتهم لها، بناء على الآية القرآنية التي استُنبطت منها، مُحدِّدين منهجهم فيها التفصيلي الذي لا يوجب إلا بنص. 52
إنها قاعدة تَخُص العبادات، لتَهُم بالضبط مسألة مواصلة العبادة بعد الشروع فيها إلى نهايتها. فيكون المقصود، عبادات مُمتدة لا تكتمل إلا بإتمامها دون تقطيع لاتصالها. وتنتقض بقطْعها، الذي يستوجب شروطا أو مقتضيات تشريعية. فحدّدت القاعدة حُكما شرعيا كليا، ينُص على وجوب إتمام كل عبادة، ما لم توجد حالات الاستثناء، كالرخص الشرعية أو موانع الإتمام.
أما الآية القرآنية التي تُعد أصلا لها، فهي قوله سبحانه: &(يَأيُّها الذينَ ءامَنوا أَطيعوا اللهَ َوأَطيعوا الرسولَ َولا تُبطلوا أَعمَلَكُم)& .53 لكنها آية تَحتمل مَعاني عِدة، أرجحُها ما يؤكده سياق الكلام الإلهي الذي وردت فيه. فدلّت على وجوب عدم إبطال الأعمال، بالكفر بعد الإيمان، مثلما أبطل الكفار والمنافقون أعمالهم. ثم استنبط بعض الفقهاء منها، معنى آخر تبعا لاختصاصهم الفقهي، إذ أوجبوا عدم قطع طاعات بعد الابتداء فيها. 54
وإذا كان هذا الحُكم متفقا عليه بالنسبة إلى الفرائض وكل الواجبات الشرعية، فقد وقع خلاف بالنسبة إلى النوافل وكل الطاعات غير الواجبة. فعدّ الشافعية حكم القاعدة خاصا بالفرائض فقط، ليكون نصها عندهم “الشروع في الفرائض يوجب إتمامها”، في حين أن النص المتداول عند الجمهور عام للعبادات ليشمل النوافل أيضا. 55
ثم النهي الوارد في تلك الآية المؤصِّلة للقاعدة، يلائم منهج الظاهرية كثيرا لاستنباط الحُكم الموجب لإتمام كل عبادة بعد الشروع فيها، خاصة إذا وُجدت موجبات نَصية لوجوب الإتمام. وبما أن لا وجوب شرعيا عندهم بدون نصوص، قصروا القاعدة على الفرائض المستوجبة بطبيعتها الإتمام، بخلاف النوافل التي لا يوجد نص ظاهر في إيجاب إتمامها. فوافقوا الموقف الشافعي، موافقة يؤكدها منطوق ومفهوم كلامهم، في عدة مسائل فقهية.
إنهم استثنوا مِن عدم جواز التكبير قبل الإمام في الصلاة، حالة مَن شرع في صلاته المفروضة منفردا لسبب مقبول شرعا فأُقيمت صلاة جماعة، إذ يدخل فيها عندهم بانِيا على ما صلى من قبل بانفراد. ومُسوَّغ حُكمهم، تَمسُّكهم بوجوب إتمام صلاته مثلما في القاعدة. فلا يُبطِلون عمله، ولا عمل غيره الواجب، إلا بنص أو دليل مُعتبَر في مذهبهم. 56
كما أنهم في مسألة صوْم يومٍ للنذر، لا يُجيزون عدم إتمامه بعد الشروع فيه وجوبا عندهم. فلم يعارضوا سوى إلزام المُفطر فيه بالقضاء، مادام إلزاما بدون نص أو الْتزام شخصي. ويبقى الإثم على المتعمِّد عدم الامتثال لِما نَذر، زيادة على كراهة النذر، المَنْهي عنه أصلا مادام فيه الْتزام بما لم يَلزم شرعا. فكانت المسألة، مسألة قضاء اليوم، لا مسألة مخالَفة أو استثناء في القاعدة. 57
وابن حزم أجمل مواقف الظاهرية التفصيلية بالنسبة إلى هذه القاعدة، للتفريق بين الفرض والتطوع، في قوله: “للمرء أن يُفطر في صوم التطوع إن شاء لا يُكره له ذلك، إلا أن عليه إن أفطر عامدا قضاء يوم مكانه. برهان ذلك أن الشريعة كلها فرض وتطوع. هذا معلوم بنصوص القرآن، والسنن، والإجماع، وضرورة العقل إذ لا يمكن قسم ثالث أصلا، فالفرض هو الذي يعصى مَن تركه، والتطوع هو الذي لا يعصى من تركه ولو عصى لكان فرضا، والمفَرِّط في التطوع تارك ما لا يجب عليه فرضا فلا حرج عليه في ذلك” .58
ثم بعد سَرْد قصة الأعرابي، الذي ورد فيه تقرير نبوي لكفاية اقتصاره على صيام الفرض كصوم رمضان دون تطوعات أخرى، أضاف: “فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم في ترْك التطوع كراهة أصلا، وهكذا نقول فيمن قطع صلاة تطوع، أو بَدا له في صدقة تطوع أو فسخ عمدا حج تطوع، أو اعتكاف تطوع، ولا فرق لِما ذكرنا وماعدا ذلك فدعوى لا برهان عليها وإيجاب ما لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا قضاء عليه في شيء مما ذكرنا إلا في فطر التطوع فقط” .59
وإنما استثنى ابن حزم حالة قطْع صيام التطوع من عدم القضاء، لصحة الرواية عنده التي أمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم زوجتيه عائشة وحفصة رضي الله عنهما بقضاء يوم صوم غير مفروض، كانتا قد أفطرتا فيه بعد أن شرَعتا في صيامه. 60
وفي الصيام دائما، كان الشأن كذلك في مسألة المُقيم الذي أصبح صائما وجوبا، ثم سافر أثناء صيامه. فأوجب الظاهرية عليه وعلى كل مسافر الإفطار، بناء على قوله تعالى: &(ومَن كان مَريضاً اَو على سَفَرٍ فعِدّةُ مِّنَ ايّامٍ اَخَر)& .61 وأبطلوا صومه ليُلزِموه بقضاء يوم سفره، لأنهم حملوا الأمر برخصة الفطر على وجوبها. 62
لكن هذا الحُكم يَخُص عندهم صوم رمضان، إذ للمسافر أن يصوم في يوم سفره على غير ذلك كصوم التطوع. فينتقل صومه من مجال العزائم، إلى مجال الرخص حيث لا يُطبقون قاعدة الشروع في العبادة إلا بناء على نص.
وهكذا كان الاستثناء من القاعدة واردا عندهم، لأنهم يتقيدون بالمقتضيات النصية. ولأنهم في المقابل، لا يُلزمون أحدا إلا بها. فظهر استقرار نَهجهم النصي، في مواضع متعددة.
كما أن من دَواعي الاستثناء عندهم هنا، أنهم ليسوا متفقين دائما على تطبيق القاعدة. فخالف ابن حزم داود في بعض المواضع، مثلما خالفه ومَن وافقه في أحد تطبيقاتها، قائلا: “كل حَدث ينقض الطهارة ـ بعَمد أو نسيان ـ فإنه متى وُجد بغَلبة أو بإكراه أو بنسيان في الصلاة ما بين التكبير للإحرام لها إلى أن يتم سلامه منها: فهو ينقض الطهارة والصلاة معا، ويلزمه ابتداؤها، ولا يجوز له البناء فيها، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، في فرض كان أو في تطوع، إلا أنه لا تلزمه الإعادة في التطوع خاصة، وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو سليمان 63وأبو حنيفة وأصحابهما: يَبني بعد أن يتوضأ” .64
ثم بعد سَرْد ابن حزم لأدلة مُخالفيه، رَد على أصحابه الذين طبّقوا قاعدة الشروع في العبادة المفروضة لإيجاب إتمامها بعد عدم إبطال ما مضى منها، قائلا: “هذا احتجاج صحيح، ولولا النص الوارد بإبطال ما مضى منها ما أبطلناه” .65
وبِغض النظر عن التفريق بين الفرائض والتطوعات حيث يُوافق الظاهرية كافة، فابن حزم إنما خالف البناء على قاعدة مُخالفيه هنا، لأنه قدّم نصوصا رجّحت ما استثناه. فكان الاستثناء عندهم، سواء ذهب إليه كلهم أو بعضهم، لا يقع إلا تَبعا لموجبات نصية.
المطلب 2: قاعدة الرخص لا تناط بالمعاصي.
هذه قاعدة فقهية تَخُص الرخص الشرعية، باعتبار العصيان ينافي الترخيص. وهذا لأن الرخص تَخفيفات عن عباد الله المكلفين، تُراعي أحوالهم وعوارضهم لتصل أحيانا إلى حد إسقاط تكاليف شرعية عنهم. ولأن من رحمة الله بعباده، حُبه أن تؤتى رُخَصه كما تؤتى عزائمه. فكانت الرخص لا تناط بالمعاصي، مثلما لا تناط بالشك، حسب ما يرِد في قاعدة “اليقين لا يزول بالشك”.
إن العصاة لا يستفيدون من الرخص، إذا تنافت معصيتهم مع حكم الترخيص. والمقصودون هم الذين يكون سبب رخصتهم في حد ذاته معصية، كالعاصين بسفرهم، لا مَن ارتكبوا فيه مَعاصياً. فلم يَكن حَق لهؤلاء بالذات، في الرخصة التي يتنافى معها عصيانهم، خاصة بعد انطباق وصْف المعصية على سبب الترخيص.
والدليل قوله تعالى بشأن حالة الضرورة الموجبة للترخيص: &(إِنَّما حَرَّمَ علَيكمُ المَيتةَ َوالدَّمَ َولحمَ الخنزيرِ َوما أُهلَّ بهِ لغَيرِ اللهِ، فمَنُ اضطُرَّ غيرَ باغٍ َولا عادٍ فلا إِثمَ عليه)& . 66 فاستثنت هذه الآية من الترخيص، العصاة بالبغي والعدوان، كالمسافر من أجل قتل غيره لأنه مسافر عاصٍ بسفره.
لكنْ بسبب الإجمال، الناتج في الآية عن الاشتراك اللغوي الجُملي الموجود فيها، اختلف المفسرون والفقهاء في حكمها. ففيها لفظ غير واضح، هو الجملة المشكلة التي لا يزول إشكالها إلا بالاجتهاد، لأنها تحتمل معنيين مختلفين. أحدهما مُؤوَّل، هو عدم البغي والعدوان في تناول المحرمات المضطر إليها، بعدم تجاوز حد الضرورة أو تعدّي رخصة الإباحة. والآخر ظاهر، هو عدم البغي والعدوان على أحد. فيكون السفر بهذا المعنى سفر معصية أو إثم، ولا يستحق العاصي بسفره رخصة الاضطرار.
وعليه، كانت قاعدة “الرخص لا تناط بالمعاصي”. لكنها مختلف في الأخذ بها، بسبب الاختلاف المذكور واستنباطها من آية مختلف فيها. 67
وفيما يَخُص الظاهرية، فيذهبون كعادتهم إلى المعنى الظاهر. فيأخذون بالقاعدة حيثما وافقت منهجهم، لأن المعتبر عندهم دليلُها النصي ذاتُه أو نصوص أخرى. ولا يَحيدون أبدا عن ظواهر النصوص، إلى أدلة أو مستنبطات غير نصية كباقي المذاهب. فخالفوا بمنهجهم المتميز، غيرهم كثيرا في الآثار الشرعية التي تَنتج عن قاعدة الرخص. واستثنوا حالات منها، بناء على عموم نصوص مغايرة.
إنهم طبّقوا هذه القاعدة، في حكم أكْل المضطر لإحدى المحَرَّمات أثناء سَفَر معصية. فلا يُعطى عندهم رخصة الاضطرار، إلا إذا تاب.
وابن حزم قال في شأنه: “مَن كان في سبيل معصية، كسفر لا يحل أو قتال لا يَحل، فلم يجد شيئا يأكله إلا الميتة، أو الدم، أو خنزيرا، أو لحم سبع، أو بعض ما حُرم عليه، لم يَحل له أكله إلا حتى يتوب” .68
وفي المقابل، لم يطبقوا القاعدة نفسها، في حكم المسح على الخُفين وقَصر الصلاة والفطر في رمضان، بالنسبة إلى المسافر عاصيا. وسبب هذا الاستثناء عندهم، هو تَمسُّكهم بظاهر وعموم النصوص، الواردة في تلك الرخص ومثيلاتها دون تخصيص. فتقيدوا بمنهجهم، بحمْل ما ورد فيها من أوامر على الوجوب، ومن جَوازات على الإباحة للجميع.
لذلك قال ابن حزم: “فإن قالوا: المسح رخصة ورحمة، قلنا: ما حجرَ على الله الترخيصَ للعاصي في بعض أعمال طاعته ولا رحمةَ الله تعالى له، إلا جاهل بالله تعالى” .69 ثم قال بشأن قَصر الصلاة، في الظهر والعصر، والعشاء أيضا: “في السفر ركعتين فرض، سواء كان سفر طاعة أو معصية، أو لا طاعة ولا معصية” 70. فلم يَستثن سفر المعصية من رخصة القصر، كما لم يستثنه من رخصة الفطر، في قوله: “مَن سافر في رمضان سفر طاعة أو سفر معصية، أو لا طاعة ولا معصية، ففرض عليه الفطر” .71
المطلب 3: قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر. 72
إنها قاعدة فقهية قضائية، للفصل بين المدعي والمدعى عليه. فكانت خاصة بالقضاء، باعتبارها مبدأً أساسيا فيه لفض النزاعات بين المتخاصمين. واستُخلصت صيغتها التقعيدية، من عدة نصوص حديثية. فكان حكمها الكلي، مستفادا من مجموعة أحاديث نبوية متضافرة فيما بينها، لتَدل على المعنى القضائي نفسه. ومن أصحها الحديث المتفق عليه، الذي يُستدل به أيضا على قاعدة أصل براءة الذمة، التي لها علاقة وطيدة بهذه القاعدة. 73
والمراد أن كل مَن ادعى على آخر دعوى بلا دليل، يطالَب بالبينة والحجة كالشهادة أو الإقرار أو القرائن أو أي أدلة أخرى كافية للإثبات، لأن المدعى عليه بريء ما لم تثبت إدانته. فيَكفيه حلِف اليمين، لدفع الدعوى عن نفسه. وإذا حلف كذبا، يحاسَب ديانة ولو أفلت من إحقاق الحق أو العقاب قضاء. لذلك لا يَحكم القضاء إلا حسب الظاهر فقط، لتكون الأحكام القضائية منضبطة، في حين أن الله سبحانه هو الذي يتولى نوايا الأشخاص وسرائرهم.
وبما أن هذه القاعدة القضائية، بُنيت عامة مثل عموم الأدلة التي نصت عليها، فقد اختلفت المذاهب الفقهية في تطبيقاتها بسبب الاختلاف في احتمالات التخصيص. لكن المناسب للمذهب الظاهري، هو حمل النص على ظاهره، والتمسك بالعموم ما لم يثبت الخصوص ثبوتا نصيا. فكانت عنده البينة على كل مُدّعٍ واليمين على كل مَن أنكر، إلا ما استثنته نصوص شرعية بحكم آخر. وجموده على النصوص دون مراعاة ملابسات الدعاوى، هو الذي أدى إلى التقيد بالوضعيات المنصوص عليها، سواء وافقت عِللا للنصوص أو لم توافقها.
فتَمسّك الظاهرية بأثر البينة في إثبات حق المدعي، دون المدعى عليه المطالَب عندهم باليمين لا غير. ولا يقضون لصالح المدعى عليه، إذا تعارضت بينته مع بينة المدعي. ولو أقام كل منهما بينة بشأن شيء في يد المدعى عليه، فلا يُحكم عندهم إذا تكافأت بينتاهما، إلا ببينة المدعي. ولا يقضون أبدا، عند تعارض البينتين، بظاهر اليد لصالح المدعى عليه. فلم يوافقوا القول بتساقطهما حينئذ، لأنهم تقيدوا بما ورد في الحديث النبوي.
وفي هذا، يقول ابن حزم: “مَن ادعى شيئا في يد غيره، فإن أقام فيه البينة أو أقام كلاهما البينة، قضي به للذي ليس الشيء في يده، إلا أن يكون في بينة مَن الشيء في يده بيان زائد، بانتقال ذلك الشيء إليه أو يلوح بتكذيب بينة الآخر، وهو قول سفيان وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي سليمان. وقال مالك والشافعي: يقضى به للذي هو في يده. وحجتهم أنه قد تكاذبت البينتان، فوجب سقوطهما” .74
ثم في مقابل اعتبارهم لبينة المدعي، فلَهم الاعتبار نفسه ليمين المدعى عليه، لدرجة أنهم عدّوا حلِف المنكِر مُسقِطا للدعوى ولكل بينة يُدلى بها بعد الحلف. فيكون عندهم على المدعي الذي لا بينة له في الحين، ألا يطالِب بيمين المدعى عليه المنكِر، لكي لا يُسقِط حقه في الإدلاء ببينة فيما بعد. والسبب أنهم اعتبروا الحلف يُسنِد الحق المتخاصَم بشأنه لصالح المدعى عليه، ما لم يَثبت كذبه ببينة قوية أو يُقر بحق المدعي. فخالفوا بذلك الجمهور الذي لم يتقيد بظاهر النص، بل اعتبر الحُكم للبينة دائما، لا لليمين الذي يُبقي الوضع على ما هو عليه عند عدم إقامة بينة.
وفي هذا، يقول ابن حزم: “كل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه، فكُلف المدعي البينة، فقال: لي بينة غائبة، أو قال: لا أعرف لنفسي بينة، أو قال: لا بينة لي، قيل له: إن شئت فدَع تَحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة، وإن شئت حلّفته وقد سقط حُكم بينتك الغائبة جملة، فلا يُقضى لك بها أبدا، وسقط حكم كل بينة تأتي بها بعد هذا عليه، ليس لك إلا هذا فقط. فأي الأمرين اختار قضي له به ولم يلتفت له إلى بينة في تلك الدعوى بعدها، إلا أن يكون تواتر يوجب صحة العلم ويقينه أنه حلف كاذبا، فيقضى عليه بالحق، أو يقر بعد أن يكون حلف، فيلزمه ما أقر به” .75
وتَميزوا كذلك في حالة النكول، حيث يرفض المدعى عليه أداء اليمين الموجهَة له، بعد عدم وجود بينة للمدعي. فذهبوا إلى إجبار المنكِر على الحلف، بتأديبه على امتناعه، إلى أن يستجيب للمطلوب منه شرعا أو تزول الدعوى. وبسبب تقيُّدهم بظاهر النص الموجِّه لليمين لمن أنكر، لم يقضوا أبدا بالنكول عن اليمين لصالح المدعي، لأن النص عندهم مقدَّم على ظاهر الحال ولا يرُدون اليمين إلى المدعي إلا في الحالات المنصوص عليها دون غيرها. 76
فوافقوا الجمهور غير الحنفية، في عدم القضاء بالنكول، موافقة تساير تطبيق قاعدة البراءة الأصلية التي تفصِّل حُكم النكول. لكن موافقتهم جزئية، لأن منطلقاتهم نصية. فلا يرُدون كالجمهور اليمينَ على المدعي، ولا يقضون كالحنفية بالنكول.
الهوماش:
- جزء من الآية 157 في سورة الأعراف.
- التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:ص245.
- نظرية التقعيد الفقهي لمحمد الروكٌي:ص49-91.
- المحلى:1/129. ومَثيل هذا، في:1/168-169-177.
- نفسه:1/179. ومَثيل هذا، في:7/398-430.
- ورد هذا الحديث بألفاظ متقاربة، تؤكد المعنى نفسه. فيُنظر: سنن ابن ماجة(كتاب الطلاق-باب طلاق المكره والناسي)، ونصب الراية للزيلعي:2/64و ما بعد.
- جزء من الآية 5 في سورة الأحزاب.
- المحلى:8/134-135.
- النبذ في أصول الفقه الظاهري لابن حزم:ص78. ويُنظر: المحلى:1/68.
- مثَلا في: المحلى:10/435-436.
- نفسه:7/214إلى218، ونظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص383-384-458.
- المحلى:9/205-206.
- نفسه:10/404.
- نفسه:10/359-401-402-505-507-11/44و ما بعد.
- مثَلا في: المحلى:7/186. والملاحَظ أن تطبيقاته وردت في العبادات كثيرا، نظرا لطبيعتها الخاصة. كما أن بعضها ورد موازيا لأحكام الإكراه، لأنه معفو عنه مع النسيان بالنص الحديثي ذاته.
- نفسه:3/199.
- نفسه:3/203-205-209-222-223-225-226-232-4/2-20-50-51-159-160-163.
- نفسه:2/122-133.
- نفسه:4/3إلى7.
- المحلى:3/73.
- نفسه:6/164-165.
- نفسه:6/203-204-215.
- نفسه:7/189.
- المحلى:6/180-181-185-196، وبداية المجتهد:1/302إلى304. فلم يوجبوا كالجمهور بالقياس أو بغيره، الكفارة على مَن تَعمّد الإفطار آكلا أو شاربا أثناء صومه.
- جزء من الآية 122 في سورة الأنعام.
- المحلى:7/413.
- نفسه:7/413. ويُنظر: بداية المجتهد:1/448.
- المحلى:7/412-414-415-457-8/131.
- نفسه:3/210-228.
- الأشباه والنظائر للسبكي:1/150.
- المحلى:8/329.
- المحلى:8/331و ما بعد-9/21-22، ونظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص347إلى349. لكن ابن حزم صرح بموافقة الحنفية للجمهور في بعض الحالات المحددة، مثلما في إبطال بيع المكره وشرائه، وكذلك إقراراته وتبرعاته. ثم في غير ما وافقوا فيه، يلتزمون بقاعدتهم “الإكراه لا يبطل العقد”، أو بما يلحق بها.
- مثَلا في: المحلى:7/308-10/202إلى205.
- نفسه:8/329-330-11/371-372.
- المحلى:8/330، وبداية المجتهد:2/396، ونظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص569إلى572. فقد نُسب إلى داود، إلزام القاتل مكرَها بالعقاب دون القصاص منه بحد القتل، خلافا لما صرح به ابن حزم، لإلزامه بالقوَد في هذه الحالة.
- نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء:ص575-576. لكن الأستاذ محمد الروكٌي، نسب إلى ابن حزم القول بالضمان على المكرَه إن كان له مال حاضر، وإن لم يكن له فلا شيء عليه. والحقيقة أن قول ابن حزم يخص مَن اضطر مكرَها لأكل مال غيره، لا مَن أتلف مال الغير. والضرورة تبيح الأكل، لا الإتلاف. فكان في المذهب الظاهري، على مَن أتلف مال غيره الضمان مطلقا، لا كما يقع في حالة الضرورة.
- المحلى:8/330.
- نفسه:4/176-8/335.
- نفسه:3/203و ما بعد.
- نفسه:5/192-193.
- المحلى:6/204-224-225.
- نفسه:7/255-256، وبداية المجتهد:1/365-366.
- المحلى:8/35-336، ورسالة في حكم من قال إن أرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم الدين(رسائل ابن حزم):3/224-225.
- المحلى:9/9-157-158.
- نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص101.
- المحلى:9/300، إذ يُحقق ولاؤُها انتسابَها إلى مُعتِقتها، في مقابل حق الإرث، لأن الولاء يتسبب في إرث المعتِق من المعتَق بالتعصيب.
- منفق عليه. فقد رواه البخاري بصيغ مختلفة في عدة مواضع، ككتاب العتق في باب بيع الولاء وهبته، وكتاب المكاتب في باب ما يجوز من شروط المكاتب. والنص المختار هنا، من كتاب الشروط في باب الشروط في الولاء. كما يُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي(كتاب العتق-باب بيان أن الولاء لمن أعتق):10/139و ما بعد.
- مثَلا في: المحلى:8/77-83-84-118-119-122-125إلى127-133-162-164إلى166-186-197-232-358-359-375-378-427إلى429-518-9/14-19-47-110-118إلى120-170-176-183-185-241-243-244-342-466-515-517-10/184-215-315-11/160-249. ويُنظر: فتاوى ابن تيمية:29/127-346-347-31/28-29، وابن حنبل لأبي زهرة:ص213-214-302-303-345و ما بعد، والملكية ونظرية العقد لأبي زهرة:ص232إلى246، والمدخل في الفقه الإسلامي لمصطفى شلبي:ص475و ما بعد.
- الإحكام لابن حزم:م2/15-16، والمحلى:9/491إلى494-516إلى519، ومجموع فتاوى ابن تيمية:29/176.
- المحلى:8/412.
- مثَلا في: المحلى:8/87-88-413-424و ما بعد.
- مثَلا في: المحلى:4/158-7/202-9/134، وغيرها مما تَم إدراجه أو لم يُدرَج.
- الآية 34 في سورة محمد.
- التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:ص640.
- نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص349إلى351.
- المحلى:4/64.
- نفسه:7/9-10-8/2.
- المحلى:6/268.
- نفسه:6/268.
- نفسه:6/270.
- جزء من الآية 184 في سورة البقرة.
- المحلى:6/243-259.
- هذا اللقب، يُطلَق على داود الظاهري.
- المحلى:4/153.
- نفسه:4/155.
- جزء من الآية 172 في سورة البقرة.
- نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص248-249-343و ما بعد.
- المحلى:8/331. ومَثيل هذا، في:7/427-428.
- المحلى:2/99. وكذلك الشأن بالنسبة إلى رخصة التيمم، في:2/116.
- نفسه:4/264.
- نفسه:6/243.
- مجلة الأحكام العدلية:المادة76. ويُنظر: نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء لمحمد الروكٌي:ص338-339.
- تُنظر أيضا قاعدة “الأصل براءة الذمة”.
- المحلى:9/436.
- نفسه:9/371.
- نفسه:9/372و ما بعد.
اترك رد