شهداء غزة يبددون وهم الصهيونية

إنَّ الدفاع عن فلسطين فرضٌ مقدس على كلِّ مسلم ، بل على كل حر أبىّ في هذا العالم ، ونحن المصريينَ أحق الناس بالدفاع عن أهل فلسطين ، انطلاقاً من التزامنا التاريخى ، ومسئوليتنا القومية ، وحفاظاً على أمننا القومى ؛ ولو لم يكن بيننا وبين إخواننا في غزة إلا الإخاء الإنسانىّ العام الذى تشترك فيه الشعوب رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة والظروف لكفى ؛ فإن الأحداث التى ألمَّت بهم لتذيب القلوب أسى وحزناً ، وتملأ النفوسَ حسرةً ولوعةً .
بيد أننا لا نُخفى الإعجاب بهم ، والرغبة الصَّادقة في أن يهيئ الله لهم نصراً يردَّ إليهم الحق ويحفظ عليهم الكرامة والعزة ويضمن لهم الظفر والفَوز .

إننا نريد أن يشعر إخواننا من أهل غزة أنا شركاؤهم فيما يحسُّون من ألمٍ وحزنٍ ، وفيما يضمرون من حسراتٍ ، وما يظهرون من ظفرات وما يعلنون من سخطٍ وإنكارٍ على هذا الظلم الواقع عليهم ، لا شيء سوى أنهم يريدون العيش بهدوء في كنف الحرية ، والتخلُّص من الاحتلال الصهيونى البغيض الجاثمِ على صدورهم والمغتصب لمقدساتِهم .
كم نحبّ أن يستيقن إخواننا من أهل غزة إننا نجد ما يجدون ، ونتألم ممَّا يتألمون ، ومن الذى يستطيع أن يشاهد هذه المشاهد المؤلمة ولا يتأثَّر ، ثم لا يتألَّم ، ويتلقى هذه الأنباء المحزنة ثم لا يحزن ، وهو يرى شعباً بأسرهِ يُقتل ويُجاهد ليعيش فيحال بينه وبين العيش ، ويُكرهُ إكراهاً بالحديدِ والنارِ على الخضوع والذلّة والاستكانة ، والذين لا تثور عواطفهم ولا تضطرب نفوسهم لهذا العطف الإنسانى على أهلنا المظلومين في غزّة ليسوا من الناس الذين يستحقون هذا الاسم ،، وإنما هم قوم قست قلوبهم فهى كالحجارة أو أشد قسوة .
يجبُ أن يعلمَ أهل غزة أننا نحن المصريين نودُّ لو استطعنا أن نردَّ عنهم بعض ما يلقون من الشرِّ ونكشف عنهم بعض ما يصيبهم من الضّر ، كم نودُّ أن يعلموا أن ما بيننا وبينهم من الصلات أمتن وأصدق بسبب صلة الجوار في الدار ، والاشتراك في اللغة والدين ، وما نحتمل جميعاً من الضيم المخزىّ الذى لا نرضى به ، ولا ينبغى أن يرضى به كرام الناس .
وأننا لا ينبغى لنا أن نقف فاترينَ أمام هذهِ المحن المنكرة التى تسلّط عليهم في غير رعايةٍ لحرمة ، ولن نقبل أبداً أن يزجَّ بنا في هذه المحن ويشاع أننا نساعد عليها ، يجبُ أن يعلم أهل غزة أن قضيتنا الأولى هى فلسطين ، ولا مزايدة على دورنا التاريخى وشعورنا الإنسانى ، وأننا لم ولن نتاجر بالدمِ الفلسطينى ” قيادةً وشعباً ” ، ولن نقفَ أبداً مع الذين لا يحترمُون الحقّ ، ولا يتأثرونَ بالدين أو الأخلاق .

لقد استطاع شهداء غزة أن يبرهنُوا للعالم أنَّ الصهيونية العالمية تعشق الدماء ، وأنَّ إرادة الإنسان أقوى من التكنولوجيا ، وأنَّ فكرة الصهيونية العالمية والتى قامت أساساً من طرف الدول الاستعمارية الغربية على زرع عدو لأهل المنطقة صديق لهم ليمنع نهضة ووحدة العالم العربى والإسلامىّ تتبدّد يوماً بعد يومٍ على يد المقاومة ؛ ولعلّ فى موقع فلسطين المتوسط أو القلب كان سيساعد على تحقيق أهدافهم المسمومة ، ولا بدّ وأن نعترف أن الغرب – أيضاً – أراد أن يتخلص من اليهود ” كزبالة بشرية ” غير مرغوب فيها فى أوربا بسبب العزلة التى فرضوها على أنفسهم فى هذه المجتمعات المنفتحة ، وفكرتهم فى الانعزال ” جيتو ” ، وأنَّ اليهود عانوا الاضطهاد طويلا فى أوربا – وهى حقيقة يجب الاعتراف بها رغم كراهيتنا للصهيونية العالمية – ، بيد أننا نرفض أن يكون حلّ المشكلة على حسابِ العرب والمسلمين .

فليس من الحضارة أو الرقى أن يُعتدى على الناس وهم آمنون ، وأن يُكره الناس على ما لا يُريدون ، وليس من السّلم والأمن أن تُغتصب الحقوق ، وتراق الدماء ، وتنتهك الحرمات ، ويجوع قوم ليشبع آخرون ، ويُهجّر قوم ليسكن آخرون .

إنّ شهداء غزة قد بدّدوا فكرة الأمان بعد معاناة الخوف والاضطهاد الطويل الذى أراد ” هرتزل ” ومن معه أن يحققوها عن طريق إيجاد وطن قومىّ لهم فى فلسطين للعب على العاطفة الدينية لدى اليهود . لقد جرّبت إسرائيل كل شئ للقضاء على المقاومة من قتل واغتيال وقصف واقتحام واعتقال ووقيعة بين الفلسطينين … إلخ دون جدوى ، ووصلت الصواريخ إلى تل أبيب ل ولم ينجح نظام الصواريخ المضادة للصواريخ ، والذى بنته إسرائيل بتكاليف باهظة لم ينجح فى صد صواريخ المقاومة ” نظام صواريخ باتريوت وحيتس ” ، حوائط صد تكاد تكون واهية ، وهذا يعنى أنّه لا يمكن القضاء على المقاومة ،وأنّ هذه الأدوات البسيطة قادرة على إلغاء فكرة الأمان لدى الإسرائيلىّ ، وأنه مهما حاولت القيادة الصهيونية التماسك والظهور بمظهر القوة أمام شعبها ، فإن الحقائق على الأرض قد تقول ببساطة : إنّ فكرة الأمان لدى الإسرائيلى قد انتهت ، وأنّ هذا العالم سيحدث تفاعلاته على المدى القصير والمتوسط والطويل ، وأنّ الإسرائيللى الذى يبحث عن الأمان باتت إسرائيل بالنسبة له أقل الأماكن أماناً فى العالم ، وأنَّ هذا الجيل عندهم لن يضحّى بنعمةِ الأمن من أجل بقاءِ الصهيونية فى هذا المكان كما ضحَّى جيلهم الأول الذى قَبِل التضحية ناظراً إلى المستقبل فالمسألة باتت بلا نهاية ، ولم يستطع أحد حلّها إلى الآن ، فلم تكن القوة والعدوان فى يومٍ من الأيَّام مصدر حبٍّ وطمأنينة ، وإنما كانت القوة والعدوان دائماً مصدر خوف وخشية أوّل الأمر ، ثم مصدر ردّ الفعل الذى يديل للمظلومين من الظالمين ؛ إذن لا بد من الركون إلى السّلم دون شروط ، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف بعد إراقة كل هذه الدماء ، ففى ذمة الله شهداء غزة وفى ذمة الله آلامنا فى فلسطين ، فليس شيء مهما يكن ، وليس ألمٌ مهما يعظم بكثير فى سبيل الوطن ، والعزة والكرامة ، والدفاع عن المقدسات .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ العقيلى

    كلمات يا دكتور تعبر بصدق عن مشاعر الجماهير الساحقه من العالم العربى ولكن شتان بين ارادة ومشاعر الشعوب والانظمه الحاكمه التى دائما هى فى واد والشعوب فى واد آخر ولما بدأت تتحدد الشعوب مع حاكمها المخلص لازم يمشى ويرحل ويعزل لا لانه لا يلبى مطالب معظم شعبه بل لانه لا يلبى مطالب الغرب ومصالحه من الآخر يا دكتره احنا لسه دول مستعمره بطريق غير مباشر ولله الامر من قبل ومن بعد

    1. الصورة الرمزية لـ د محمد مبارك البندارى
      د محمد مبارك البندارى

      أخى الحبيب الأستاذ العقيلى دورنا إيقاظ الهمم ، والتعبير عن مشاعر إخواننا بأسلوب مثير وجذاب ، فهذا ما نملكه ، وأظن لو قام كل شخص بأداء ما عليه من دور لنهضت الأمة ، وما تكالبت عليها الأمم .
      خالص تقديرى واحترامى لرأيك .
      والله المستعان

  2. الصورة الرمزية لـ يوسف اسماعيل البنداري
    يوسف اسماعيل البنداري

    في الواقع انة مقال اكثر من رائع لقد تناول المقال اكثر من جوانب كانت تغيب علينا بسبب التعتيم الاعلامي علي ما تقوم به المقاومة فانا عن نفسي انا اري ان المقال اكثر من رائع بارك الله فيك يا دكتور محمد

اترك رد