الحرية الأكاديمية بين حرية القانون واعتداء المطبقين

تبدو الحرية الأكاديمية بمثابة قانون يضبط سلوكيات الأكاديميين ويردعهم من غير قانون في مهَّمة نبيلة وراقية جداً، حينما يحقق في الأكاديمي إحساسا بالأمان والطمأنينة ، دونما حاجة ماسة إلى قواعد يمليها القانون، في نوع من الحرية المعرفية المسبقة والشمولية والفهم الواسع لها ولمضمونها ومرتكزاتها.
فالحرية الأكاديمية هي الفعل الوعي والمدرك في التمتع الكامل لأعضاء المجتمع الأكاديمي سواء بصورة فردية أم جماعية بالحرية اللازمة من أجل ” متابعة وتطوير ونقل المعارف والأفكار من خلال الأبحاث أو التعليم أو الدراسة أو المساءلة أو التنقيط أو المناقشة أو التوثيق أو الإنتاج أو الخلق والابتكار “، من غير مساءلة إلا لضمير أو إنتاج معرفي تطوري .
غير الواقع أنتج فهمًا جديدًا للحرية الأكاديمية من خلال إخضاعها للقيود وأي قيود إنه الخضوع للسلطة السلمية للمدراء والرؤساء الإداريون، فيما يتعرض له الأكاديميون والطلاب في التعليم العالي من الضغوط السياسية والاجتماعية وغيرها من جراء تحكم الرؤساء والمدراء والمسئولين أدعياء السلطة والنفوذ والمكانة، وضعتهم في مناصبهم اعتبارات غير أكاديمية على الإطلاق تأتي في مقدمتها حماية المصالح الشخصية لهؤلاء الرؤساء والمدراء والممالأة للأنظمة السياسية والاجتماعية والثقافية والقرب من الأجهزة والمؤسسات، وبذلك كثرت الضغوط التي تقوض من الحرية الأكاديمية وتجعل من العمل الأكاديمي برمته عبثًا وعبئًا على الأساتذة والملتحقين فيه .
فالأكاديميون عوض التعبير عن آرائهم بحرية ووجدان وضمير واستقلالية في المؤسسة أو النظام الذي يعملون به وتحديداً في أداء وظائفهم البيداغوجية والتعليمية والمنهجية دون تمييز أو وجل من قمع الدولة أو أي قطاع آخر، أضحى الأكاديميون عرضة للاتهامات والتهديدات والأحكام العرفية المبتذلة لمن يحاول ممارسة الحرية الأكاديمية بدعوى التشكيك في مصداقية الأكاديمي والتخويف منه وآرائه واتهامه بالتعصب والموالاة والتزوير، كما أضحى الأكاديميون لا يستطيعون التعبير عن آرائهم العلمية والفكرية بحرية وبذلك تحولت الجامعات من الناحية العملية من مؤسسات لإنتاج العلم والمعرفة إلى مؤسسات تعيد إنتاج قيم السيطرة والولاء داخل المجتمع المعرفي وتفتقد لأبجديات الحرية الأكاديمية.
فواقع الحريات الأكاديمية في جامعاتنا العربية هو واقع رث، لا يستجيب مطلقاً لنص المادة (41) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 2004 في فقرتها الثانية من احترام حرية البحث العلمي والنشاط المبدع . ممَّا لا يستوجب العناية والاهتمام فقط، بل يستوجب استئصال داء اسمه :”التدخل في الشأن الأكاديمي ” وتحت أي مسمى ولو باسم حماية الحرية الأكاديمية، فقد جرت العادة بأن المنادين بحماية الحرية الأكاديمية هم أول المعتدين عليها. فالشأن الأكاديمي شأن حرَّ لا يجوز إخضاعه لأي قيود، بل يستوجب أن تكفل الدولة للأكاديميين حرية المشاركة في الهيئات الأكاديمية المهنية أو التمثيلية، والتمتع الكامل بحقوق الإنسان جميعها المعترف بها دوليا والمطبقة على أقرانهم الآخرين في الاختصاص ذاته.
لا أن تتبع سياسية التجميد والتوقيف والعقاب وهو إجراء يخل حقيقة بالحريات الأكاديمية وبمجمل حقوق الإنسان المعترف بها في هذا المجال. وإذا كان الدكتور:” عبد العزيز بن علي المقوشي” أثار مسألة الوعي الأكاديمي في الجامعات السعودية من خلال نشره في قلم حرَّ بشبكة ضياء وسؤاله الجوهري هل الصيت هو ” الغنى” الأكاديمي العلمي البحثي والمخرج النهائي للجامعة، نعيد سؤالنا هنا في مسألة الحرية الأكاديمية هل التصفيق للرؤساء والمدراء هو الغنى الأكاديمي العلمي البحثي والمخرج النهائي لجامعاتنا أم التعبير بالحقيقة العلمية المعرفية الصادقة.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ الاستاذ الدكتور/ غضبان مبروك
    الاستاذ الدكتور/ غضبان مبروك

    بعد بسم الله، نشكر اصحاب المبادرة على طرحهم لموضوع “الحرية الاكاديمية” بين حرية القانون واعتداء المطبقين. حقا، تعتبر الحرية الاكاديمية بمفهومها الواسع الركيزة الاساسية للتطور الفكري والبحث العلمي.والحرية الاكاديمية ، مثل حرية المعتقد ،لا تخضع فقط لظوابط قانونية ولكن كذلك -بل واهم من ذلك- تخضع للضمير المهني للاستاذ. هذا الضمير نجده في سلوك الاستاذ تجاه الطلبة وفي التحضير الجيد للمحاضرات والطرح العميق للأسئلة والتصحيح العادل لاوراق الامتحان وتشجيع مشاركة الطلبة في المناقشة لا سيما على مستوى الدراسات العليا ثم الاشراف الجيد والمسؤؤل على مذكرات الماجستير واطروحات الدكتوراه.
    فقانون الحرية الاكاديمية هو الاخلاص والتفاني للعمل الاكاديمي واحترامه وعدم التعرض لاية ضغوط بخصوص الاعلامات والنجاح والرسوب او بخصوص التاييد لخطاب ما او مذهب ما. ان هذا لن يتاتى بدون وجود “ضمير مهني قوي” و قناعة لدى الاستاذ بما يقدمه للطالب من معارف تتماشى مع مطاله وقدراته وواقعه. لقد وصل الامر في امريكا الى درجة ان كليات الحقوق لا تدرس ما تريده الادارة او هئية التدريس ولكن ما يحتاجه الطلبة في حياتهم المهنية . فاين نحن من هذا واين هي جامعاتنا التي تكابد من اجل ان ترتقي في سلم الجامعات ولكن دون جدوى.
    فالحرية الاكاديمية مرتبطة بالتطور ومرتبطة بالواقع ومرتبطة بالمستقبل المهني والبحثي للطالب اكثر من ارتباطها باجندة النظام او بقاء المسؤؤلين على راس الجامعات او الكليات. ان الحرية الاكاديمية لا تعني الفوضى ولاغياب القوانين ولا انعدام المعايير ولكن هي كل هذه العناصر وعناصر اخرى ذات الصلة وخاصة عدم اعتداء المطبقين على قيم الحرية او اخضاع هذه القيم لنوازع ونزوات بعيدة عن الحقائق العلمية التي وان كانت نسبية فهي حقائق لا يرق لها الشك.

اترك رد