يلتقي العلم مع الدين في الاقرار بشيء نجده من الأهمية بمكان في تحقيق النجاح الانساني عبر التاريخ، هذا الامر هو ذلك الدور المحوري الذي يلعبه العقل في تحديد المصير الانساني سواء في هاته الحياة الدنيا و هي من الامور التي بحث فيها الفلاسفة و علماء النفس أو حتى في الحياة الاخرى و هي من الأمور التي نبهت اليها الكتب السماوية و جاء بها الانبياء عبر التاريخ.
نبه أرسطو قبل آلاف السنين الى مبدأ عظيم لا تمثل كل الانجازات العلمية الحاضرة الا حواشي مفسرة و موضحة له 1 ، هذا المبدأ هو ما نسميه اليوم قانون السبب و النتيجة حيث رأى أرسطو أننا نعيش في عالم منتظم و محكوم بقوانين كبرى ثابتة و أن كل شيء يحدث من حولنا له سبب معين سواء علمناه أم جهلناه2.
نفس هذا المبدأ تعلمناه في المدرسة يوم كنا صغارا لما كانت معلمتنا تدرسنا قصة الصرار و النملة تفسيرا للمثل الشائع “من جد وجد و من زرع حصد” و ما تلك القصة الا تعبير قصصي مفسر للمبدأ الديني الخالد في آي القرآن الحكيم “قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها” الشمس 9-10، حيث جاء جواب القسم كقاعدة كونية بعد قسم الحق بثمانية أنواع من آياته الكونية العظيمة قائلا {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} الشمس 1-8، فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية هاته السنة الالهية و الناموس الكوني الذي مفاده أن من ينجح في تزكية نفسه فهو في فلاح وسعادة، أما من أهمل تزكية نفسه فهو في خيبة وخسران وندامة 3.
لا غرو أن هذا المبدأ الديني نفسه ما عبر عنه إسحاق نيوتن “لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار و مضاد له في الاتجاه ” 4 ، و صاغه براين تريسي رائد علم نفس النجاح بقاعدة مفادها “أن لكل فعل عواقبه” و هو متضمن الآية الكريمة “إنا نحن نحيي الموتى و نكتب ما قدموا و آثارهم ” يس12، حيث ذهب صاحب التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب الى أن المقصود بآثار ما قدم ابن آدم هي السنن الحسنة ، كالكتب المصنفة والقناطر المبنية ، والحبائس الدارة ، والسنن السيئة كالظلامات المستمرة التي وضعها ظالم والكتب المضلة ، وآلات الملاهي وأدوات المناهي المعمولة الباقية ، وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجر العامل شيء ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها فما قدموا هو أفعالهم ، وآثارهم أفعال الشاكرين فبشرهم حيث يؤاخذون بها ويؤجرون عليها .5.
إن عقل الإنسان هو سلطان جوارحه فهو الآمر الناهي في مملكة الفعل الانساني و قد عبر براين تريسي الخبير بخبايا النفس الانسانية عن هذا المعنى في فقرة رائعة قائلا:” إن عقلك هو أكثر القوى ذات السلطان في عالمك: و تعد طرقك المعتادة في التفكير هي أصل ما أنت عليه الآن. الى جانب الموقع الذي تشغله تتسم أفكارك بالابداع و هي ما تبدع واقعك من الألف الى الياء” و كما قال إيمرسون “يصبح الانسان على شاكلة ما يفكر به معظم الوقت “6 .
الهوامش:
1، براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك ص 16
2، براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك ص 16
3، موقع الايمان أولا، مدارسة و حفظ سورة الشمس.
4، براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك ص 27
5، فخر الدين الرازي مفاتيح الغيب ص 44 ، دار الكتب العلمية بيروت 2004
6، براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك ص 31
اترك رد