آسيا جبار هو اسم مستعار لفاطمة الزهراء إمالاين التي ولدت في إحدى المناطق الساحلية من شرشال في الجزائر عام 1936. بعد إكمالها للتعليم الثانوي في الجزائر العاصمة، انتقلت إلى باريس لإتمام دراستها حيث أصبحت أول امرأة جزائرية مقبولة في المدرسة العليا للأساتذة. وفي سنة 2005، انتخبت كأول امرأة مغاربية وعربية لعضوية أكاديمية اللغة الفرنسية. تتمتع جبار بسمعة ذائعة الصيت في العالمين العربي والغربي على حد السواء، ولها إرث أدبي غزير وحضور وازن في مجال الرواية، والشعر، والمسرح، والسينما.
فمشروعها الفكري المتجذر في نظرية ما بعد الاستعمار postcolonial theory، والمختوم بطابع الحركة النسائية الملتزمة بالقضايا المصيرية للشعوب اتضحت معالمه من خلال كتاباتها الروائية التي تبدأ برواية العطش التي نشرت في عام 1957، مرورا برواية نافذة الصبر، وأطفال العالم الجديد، والحب والفنتازيا، وما أوسع السجن، وأخت شهرزاد، ونساء الجزائر في شقتهن، والجزائرالبيضاء، وامرأة بلا دفن، وبعيدا عن المدينة، وليالي ستراسبورغ، واختفاء اللغة الفرنسية، وطيور القنبر الساذجة، وهذه الأصوات التي تحاصرني، ودم اللسان لا يجف، وغيرها. علاوة على ديوانها الشعري “قصائد للجزائرالسعيدة”، فإن تجربتها الإبداعية قد امتدت إلى صناعة الأفلام من خلال إنتاجها لفلمين اثنين أحدهما يدور حول نساء جبل شنوة، والآخر يحمل عنوان الزردة وأغاني النسيان.
ففي مواجهة خطابات الهيمنة الكولونيالية، وسلطة نظام المجتمع الذكوري التي تميل إلى إسكات الفاعل النسوي، فإن مقاربة جبار تؤسس للجغرافيا السياسية لقوة الحركة النسائية من خلال مساهماتها البطولية في الكفاح الجزائري المسلح ضد الإستعمار الفرنسي، ورصد المواقع المتعددة الأبعاد للمرأة لا بوصفها ضحية صامتة في الظل، بل بكونها فاعلة نشيطة مكتسبة للوعي التاريخي والسياسي، ومتمردة باستمرار على الممارسات والخطابات المهيمنة التي تميل إلى الإحتفاظ بها في حالة الإقصاء، والقهر، والحرمان، والدونية. من هذا المنطلق، فإن جوهر مشروعها الفكري يمكن اختزاله في ثلاث انشغالات مركزية كبرى متشابكة ومتداخلة فيما بينها:
(أ) تأثيث فضاءات الهوية الأنثوية المُقاوِمَة من خلال التركيز على الحضور البارز والمتجذر للمرأة في فكر وتاريخ التحررالوطني، والمشاركة البطولية للجزائريات في سياسات المقاومة ضد الإحتلال الفرنسي، وانخراطهن في ثقافة النضال من أجل التغيير الإجتماعي والتحول السياسي في المجتمعات المغاربية. هذا التأثيث يتأتى من خلال سرد تجارب النساء المجاهدات اللواتي شاركن في حرب التحرير، والتركيز على أن النساء هن المحرك الفعلي لدينامية التحول والمتحكمين فيها على أرض الواقع، وذلك بقدرتهن على تحدي سلطة الهيمنة، وتعطيل مفعولها، وإزاحة أثارها، سواء فرضت عليهم من طرف دولة الإستعمار، أو دولة مابعد الإستعمار.
(ب) السعي الحثيث لتمكين العنصر النسوي من تطوير أنماط جديدة للتحرر من خلال رسم الخريطة المتعددة الأوجه لقوة النساء، والتأكيد بأنهن يتمتعن بفهم ثوري وسياسي وثقافي يحفزهن ليس فقط على الإحتجاج وتحدي ديناميات وبنيات الهيمنة، بل أيضا على استكشاف تجليات واستراتجيات المقاومة عند الفاعلات النسائيات في الرواية الكولونيالية، ورواية ما بعد الاستعمار.
(ت) الإلتزام الأكاديمي والفكري النشيط بإعادة بناء الذات الواعية للفاعل النسويagency of the feminist subject the، والسعي بقوة لصياغة الصحوة النفسية للمرأة الجزائرية، عبر تسليط الضوء على المأزق المزدوج لخطابات الهيمنة سواء تعلق الأمر بالأرشيف الاستعماري أوالكتابات الأبوية التي تحاول إلغاء المرأة، ومحو ذاتيتها، وطمس معالمها. والهدف من ذلك كله هو إعادة كتابة التاريخ من أجل إدراج صوت النساء، ورؤيتهن، ومثابرتهن، ووطنيتهن، وحريتهن، والتزامهن بقضية الإستقلال الوطني.
ومن الزاوية النقدية، فإن الكتابة الأدبية بالنسبة لآسيا جبار ليست ترفا فكريا مجردا، بل هي ممارسة نضالية واعية وفعل بطولي مقاوم يكمل النضال السياسي والعسكري المنظم ضد الإستعمار، ويشتبك بعمق مع المتطلبات الأساسية اللازمة لتحقيق الحرية. كما أن الكتابة الإبداعية بالنسبة لجبار هي نوع من العنف الرمزي الهادف إلى غرس الوعي الثوري، وتكريس روح التمرد، وشيوع ثقافة الرفض عبر عملية النبش في التاريخ الاستعماري لاسترداد المواقع التي تم إخضاعها، والتقاط الأصوات التي تم إسكاتها، وإعادة نقش التجارب التي تم حذفها. علاوة على ذلك، فإن جبار ومن خلال أدبها الثوري تهدف إلى نقض وتفكيك دعائم الخطابات المؤسسة للإيديولوجية الإستعمارية، وتقويم التحريفات التاريخانية للرؤية الكولونيالية، والتحريض على القطيعة مع التاريخ الإستعماري برمته والذي امتد من 1830 إلى عام 1962، تاريخ استقلال الجزائر.
باختصار، واستكمالا للكفاح المسلح الذي يعتبر العمود الفقري لثقافة المقاومة والتحرير، فإن منظور جبار يعزز التدخل الإستراتيجي للفاعل النسوي على الساحة السياسية، ويفتح مساحات شاسعة لاستعادة الذاتية النسائية في الجزائر، ويتغيا إعادة صياغة المفاهيم عن الهوية، والثقافة، والوعي، والحرية والتحرر، ومعنى التغيير الإجتماعي، وإمكانيات التحول والإنتقال من هياكل الظلم والقهر إلى مواقع التمكين والقوة في جزائر ما بعد الإستعمار. من هذه الزاوية، فإن جبار تتبوء مكانة مرموقة بين رواد ومنظري الخطاب الكولونيالي ودراسات ما بعد الكولونيالية أمثال إدوارد سعيد، وغياتري سبيفاك، وهومي بابا، وتشينوا أتشيبي، وغيرهم.
مدخل لخطاب المقاومة في المشروع الأدبي لآسيا جبار
من طرف
الكلمات المفاتيح:
الآراء
-
مقال وازن، يعيد الاعتبار لهامة فكرية عربية كانت مرشحة باستمرار للفوز بجائزة نوبل للآداب، انرأة رهنت قلمها و قلبها للمستضعفين، و وثقت مشاعرها و أحزان جيل من الجزائريين في منجزات خالدة، على الرغم من الصمت الذي صم أذاننا و هي ترحل عنا قبل أيام قلائل.
-
صراحة ما تفضل به السيد الدكتور في مقاله هدا.يبين مدى الدور الهام الدي تقوم به المراة في مجتمعنا في شتى المجاﻻت وهدا يعكس بصراحة القيمة المتلى لهدا العنصر البشرى داخل المنطومة المجتمعية.ولعل اسيا الجبار الدي تحدت عنها صاحب المقال متاﻻ بارزا وحاضرا داخل الرقعة الجغرافية العربية بصفة خاصة وايضا بالعالمية تارة اخرى.كما نهيب بالدكتور الدي خص هده السيدة النمودجية العربية باسطر دهبية كشهادة في حقها.
اترك رد