ندوة الهامش التّأويليّ

ينظم مخبر البحث في المناهج التّأويليّة كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة جامعة صفاقس ندوة علميّة دوليّة في موضوع:الهامش التّأويليّ أيّام 22- 23- 24 أفريل 2015.

الإشكالية:

يُمثّل التأويل ارتحالا معرفيّا من اللغة إلى الأدب إلى الفلسفة وإلى الفكر عموما، وحركة استرسال مطَّرد بينها جميعا، هو ارتحال لا تُخوم له، يُشكّله تعدّد الدّلالات وترسم ملامحه هندسة التّقاطع بين حقول معرفيّة وبنى إدراكيّة مختلفة ومتنوّعة. هي هندسة على درجة راقية من التّجريد والشّكلنة، مجالاتها متعدّدة ومستوياتها متقاطعة متعامدة: فمن تقاطع بين النّظريّ والإجرائيّ على مستوى المناهج إلى تقاطع في الرّوافد بين القديم والحديث. أمّا طبيعتها فجامعة صاهرة للجزئيّ المنفلت والمختلف المتباعد، فيما تبدو حركتها مسترسلة مستدركة عائدة على بدء أحيانا. إنّها هندسة ذات طرافة واقعة بين الكامن والممكن، قائمة بين الطّبيعة والثّقافة وهما يتجادلان الموقع ضمن نظريّة التّواصل. وهي أخيرا، هندسة ملتقَطَة من الهوامش، مُقْتفيَة لأثرها، ناظِمة لشذراتها، مَحُوزَةٌ من الحواشي وما دون ذلك ممّا لا يُعتدّ به عادة في المرجع.
إنّ للهامش منزلة قائمة في سيرورة العمليّة التأويليّة، إذ يتّخذ إحداثيّات مختلفة في عمليّة التأويل يتراوح حيّزها النّظريّ إخبارا وإفادة من المُخْبِر به إلى المُخْبَر عنه. وإذا رمنا رصد موقعه ضمن تلك السّيرورة، فإنّ الاحتمالات الرّياضيّة المتاحة تقدّم لنا ثلاثة افتراضات مجرّدة، هي تلك الوجوه التي يتنزّل فيها الهامش في المسار التأويليّ. فقد يكون الهامش في وجهه الأوّل منطلَقا للعمليّة التأويليّة، إذ هو الابتداء في رسم ملامح التّأويل من أجل كشف أغواره وسبر أسراره. وقد يكون الهامش في وجهه الثاني محايثا للعمليّة التأويليّة ذاتها مصاحبا لها، وكأنّه التّوكيد لما بدا مؤكّدا بَعْدُ في متن النصّ أو المضاف إليه إضافة سيميائيّة دالّة، لا هي بالمعنويّة ولا باللّفظيّة. وقد يكون هذا الهامش في وجهه الثّالث المنتهَى في عمليّة التّأويل ذاتها، فيتماهى بالمركز في هذا السّياق، وكأنّنا إزاء علاقة بدليّة نحويّة، من قِبَل أنّ الهامش سيرورة إلى صيرورة وحركة استرسال من المنطلَق إلى المُحايِِث إلى المنتهَى. تِلْكُم هي أقطاب الجذب الثّلاثة الّتي عليها مدار توظيف المتخيّل سيّان أن يكون ذلك على صعيد وجوديّ أو ثقافيّ. ورغم تخطّي الهامش لتلك الوجوه الثّلاثة فإنّه ليس ببالغ أمده أبدا.
يتجاوز التّأويل -والحال تلك- مقاربة الكلّيّ إلى تمحيص الجزئيّ وغيره في إطار ما يصطلح عليه بـ‹‹الدّائرة الهرمينيطيقيّة››(Le cercle herméneutique)، وتُضحي الهوامش التأويليّة شبكة لامتناهية من الدّلالات تولّد الكامن من العلامات وتستنطقها مُفجّرة طاقاتها الإيحائيّة الإيجابيّة ومنزّلة إيّاها ضمن محيطها الثقافيّ. ساعتئذ تنصهر الهوامش متجانسة في حيّز علاميّ لغويّ ممتدّ لامتناه. ذلك أنّ التّأويل لا يهدف أبدا إلى الوقوع المباشر على المعنى، إنّما هو يرمي إلى فهم الماهيّة واستكناه رمزيّتها ضمن الفعل التّواصليّ، وهو يسعى إلى الظّفر بمجموع الدّلالات الممكنة وفكّ طلاسمها. وبذلك يُنائي التّأويل المعنى المباشرَ الذي تُحيل عليه العلامة في الأصل، فيغادر بَوْتقة المُبَاشَرَة ليسمو في مستوى قصيّ من التّجريد، مُتعال على التّفسير، إلى محاولة رصد لإمكان دلالة العلامة على معانيها. إنّ الهامش، بما هو عدول عن العقل الأداتيّ (La raison instrumentale)يقترب ـ بوصفه حدث انفلات ـ من التّأويل، قدر تباعده عن التّفسير السّببيّ.
من أجل ذلك يتحوّل التّأويل من عمليّة تفحّص للعلامة إلى عمليّة تقصٍّ لعالمها وإشاراتها وأشراطها عن طريق هوامشها وجزئيّاتها و‹‹الأدنَويِّ›› منها بمصطلح تشومسكي، ويكون ذلك باستيعاب تناقضاتها حتى الظَّفَرِ بدلالاتها المتعدّدة في نطاق رؤية كلّيّة كونيّة، رؤيةٍ تخترق العتبات المفتعَلة بين الفضاءات المعرفيّة تكريسا لكونيّة الإنتاج الفكريّ وأدوات التّفكير الإنسانيّ، فينفتح الهامش التّأويليّ ذو الصّلة بمختلف الأنظمة العلاميّة –ولاسيّما اللّغويّة منها- على مجالات معرفيّة متنوّعة من أدب وفلسفة ولسان وغيرها. وإذا بنا نستعيض–إبستيميّا- عن تلك القطيعة المفترَضة بين الفضاءات الفكريّة المتباعدة قصْد تأسيس مسالك في البحث كلّيّة تدور في فلك نظم معرفيّة مختلفة وشاملة قَيْدَ نظَرٍ متعدّد الرّؤى والزّوايا إلى الكون برمّته.
لقد بات الهامش التأويليّ بهذا التصوّر استقصاء لممكنات الوجود الرّمزيّة التّواصليّة واستنطاقا للعلامات ونُظُم الإشارات، وإبحارا في دوائر علاميّة تحرّر أفق التفكير فتجنح به صوب دلالات متعدّدة هي أيضا متجدّدة، بل لعلّ تلك الدّلالات تتجاوز ذاتها توقا إلى إدراك القائم بالتّأويل للقيم الكونيّة المطلقة المجرّدة ومعانقته البعد الكيانيّ للإنسان، وتلك هي وظيفة التّأويل الأصليّة بهامشه ومركزه. وكأنّ هذا الهامش يغدو سفَرا غير مجذوذ من الجزئيّ إلى الكلّيّ، ومن الفرعيّ إلى الأصليّ، ومن الأدنى إلى الأقصى، ومن التصريحيّ إلى التلميحيّ، ومن الإرساء إلى الإيـــحاء، ومن المَظْهَرِ (Le paraître) إلى المَخْبَرِ(L’être) ، ومن المُظْهَرِ إلى المُضْمَرِ، ومن المُحايث (L’immanent) إلى المتعالي (Le transcendant) ، ومن الحاشية إلى المتن وإذن من الهامش إلى المركز. إنّه رحلة الإنسان من العلامات إلى الملَكات، ومن المكان إلى الزّمان، ومن البيان إلى الكيان، ومن اللّسان إلى العرفان، أو قلْ من الكون إلى الإمكان، فالهامش يعاند الحدّ ويُصبح بذلك من جنس التّأويل الّذي يرفض بدوره المنتهى.
أفليست عبارة محمود درويش الشّهيرة “لا عرش لي إلاّ الهوامش” اعترافا حصريّا بأنّ الهامش ولا شيء سِواه هو المُخوَّل الوحيد لفهم ذواتنا وما يحيط بنا من طفرة العلامات الكونيّة؟
ذلك ما ندعو إليه أهل العلم والمعرفة للتّباحُث في شأنه.

المحاور:
1- مداخل إلى الهامش التأويلي
– الهامش ابستيمولوجيّا: حدوده وقضاياه
– الهامش في المسار التّأويليّ: مُنطَلَقا ومُحايثَة ومُنتهًى
– الهامش بناء معرفيّا: ذاتا وكيانا ووُجودا
2- الهامش التّأويليّ في الخطاب
– الهامش التّأويليّ في الخطاب السّيميائيّ: طبيعة ودوائر ونفاذا
– الهامش التّأويليّ في الخطاب الإنشائيّ: أدبا وفنّا وإنسانيّات
– الهامش التّأويليّ في الخطاب اللّغويّ: نحوا ولسانا وعرفانا
– الهامش التّأويليّ في الخطاب النّقديّ: تاريخا واجتماعا وثقافة
– الهامش التّأويليّ في الخطاب الفلسفيّ: رؤية ومنوالا ومنهجا

مواعيد مهمة:

إرسال الملخصات: قبل يوم 30 مارس 2015

إرسال البحوث: قبل 07 أفريل 2015 .

تحميل الاستمارة

الاتصال:

توجّه المراسلات إلى العنوان الإلكتروني بإرسال مطبوعة مشاركة مرفقة بالملخّص وسيرة ذاتيّة وجيزة للمشارك.

د. خالد السويح: [email protected]

لمزيد الاسترشاد يمكن الاتّصال بالهاتف الجوّال
خالد الغريبي 00216.98.667.543
نورد الخزري 00216.25.655.128

تتولى الجهة المنظمة تغطية نفقات إقامة الأجانب في تونس طيلة أيام الندوة.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد