مسار علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالعالم العربي

بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط تقدم الطالب علاء الدين بنهادي لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع: “مسار علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالعالم العربي: قراءة في تداعيات أحداث مفصلية 1991-2011”. وقد تألفت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:

الدكتور محمد الصوفي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط…………………………….رئيسا

الدكتور أحمد بوجداد، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط…………………..عضوا

الدكتور عبد الرحيم المصلوحي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال- الرباط…………….عضوا

الدكتور عبد العلي حامي الدين، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال- الرباط……………………………………………..مشرفا

الدكتور محمد غربي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة…………………………………………….عضوا

وبناء على محضر لجنة المناقشة بتاريخ 16 مارس 2015، فقد حصل الطالب علاء الدين بنهادي، على شهادة الدكتوراه في الحقوق، تخصص علم السياسة والقانون الدستوري بميزة مشرف جدا.

تقرير الأطروحة:

باسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة سيدنا ونبينا محمد خاتم الأنبياء وإمام المرسلين،

السيد الكريم رئيس اللجنة الموقرة،

السادة الأجلاء أعضاء اللجنة الموقرة،

أساتذتي الفضلاء بالسلك العالي بجامعاتنا العريقة، أشكركم على أن شرفتموني بموافقتكم على تقديم هذا البحث المتواضع بين أيديكم، وتفضلكم بقبول رئاسة وعضوية لجنة المناقشة الموقرة، الدكاترة المحترمين، السيد محمد الصوفي والسيد أحمد بوجداد والسيد عبد الرحيم المصلوحي والسيد عبد العلي حامي الدين والسيد محمد غربي، لكم جميعا أقف إجلالا وتقديرا واحتراما، وقوف التلميذ لمعلمه والطالب لأستاذه، كما تعلمنا من تراثنا العلمي الإسلامي،

سيدات وسادتي،

أيها الحضور الكريم،

يشرفني بأن أقدم بين يدي لجنتكم الموقرة تقريرا وجيزا لهذا البحث المتواضع تحت عنوان “مسار علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالعالم العربي، قراءة في تداعيات أحداث مفصلية: 1991-2011″، وذلك من خلال ستة عناوين، وهي كالتالي:

  • أهمية موضوع البحث.
  • إشكالية البحث.
  • الدراسات السابقة.
  • المنهج المتبع.
  • الخطة البحثية:
  • استنتاجات البحث:
  1. أهمية البحث:

تتجلى أهمية موضوع هذا البحث في كونه رصد، بالنظر والتحليل، لأبرز الأحداث التي طبعت ولازالت تطبع علاقة الغرب، أمريكا وأوروبا، بالعالم العربي، منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، حقبة تاريخية تميزت بهيمنة شبه مطلقة للغرب على الوضع العربي سياسيا وأمنيا وثقافيا وعسكريا وحضاريا، وزادت قبضتها غداة سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية القطبية الثنائية ومحاولة تفرده، بقيادة أمريكا، بالشأن الدولي ابتداء من عام 1991، علاقة تراوحت بين التحالف، خاصة مع أنظمة عربية موالية له، والتوتر خاصة مع أنظمة سياسية حاولت، على الأقل في الظاهر، أن تأخذ مسافة من سياساته وإستراتيجياته التوسعية، وأيضا المواجهة المسلحة مع تنظيمات جهادية هي الأعنف من نوعها منذ سنوات الاستقلال منتصف القرن الماضي.

وقد تعمقت حالة التحالف والتوتر والمواجهة بين جميع الأطراف على إثر الثورات والتغيرات التي رافقتها في المنطقة العربية من سقوط أنظمة حليفة لأمريكا ودول أوروبية، فرنسا وبريطانيا من جهة، وروسيا الصين وإيران كلاعبين جدد في الساحة العربية، مما جعل هذه المواجهة أكثر وضوحا وتحديدا بين هذه الدول الأوروأمريكية وحلفائها من الأنظمة التي تأثرت مباشرة بالثورات والتغيرات، مثل دول الخليج والمغرب العربي والأردن، في مواجهة مباشرة مع نخبة سياسية جديدة وصلت إلى سدة الحكم، غداة هذه الثورات، عبر تحالف اضطراري مع مختلف ألوان الطيف الفكري والإيديولوجي، ثم تم الانقضاض عليها، مثل حالة مصر وتونس وليبيا واليمن، وتنظيمات جهادية ترفض قطعا الدخول، على الأقل في هذه المرحلة، في اللعبة السياسية، تنظيمات غيرت بتوجهاتها الجهادية المتشددة مجرى الأحداث وعقدت الوضع عربيا ودوليا، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنظيم القاعدة وحلفائهما من التنظيمات السلفية الجهادية في المشرق والمغرب العربيين، مواجهة وثورات مضادة غربية عربية حاول البحث استشراف آفاقها ومستقبلها وآثارها على العلاقات الدولية وفهم مآل صراع الغرب مع الإسلام على نطاق أوسع.

  1. إشكالية البحث:

تتجلى إشكالية البحث في محاولة شرح وفهم المدى الذي ستأخذه هذه الأحداث الجارية في الساحة العربية وسبر مستقبل العلاقة بين العرب وأمريكا وحلفائها في أوروبا وإسرائيل. هل سيعيد الغرب تمكنه مرة أخرى من رسم مستقبل العرب السياسي وفق مصالحه الإستراتيجية، كما فعل مطلع القرن العشرين مع بداية مرحلة الاستعمار عقب سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، ويخضعهم لاستعمار جديد بأشكاله القديمة والجديدة عبر إستراتيجية “الدولة الفاشلة” و”خريطة حدود الدم” Blood Borders Map، حسب تعبير الضابط الأمريكي المتقاعد والباحث رالف بيترز، أم سيحقق العرب والمسلمون انعتاقهم وتحررهم من قبضة الغرب وينالون استقلال دولهم الحقيقي؟ وما هو شكل النظام السياسي العربي الذي سيكون بعد هذا الانعتاق، هل استمرار الدولة القومية أم قيام نظام فيدرالي أم وحدة كاملة أم خلافة إسلامية ثانية؟ هذا ما حاول البحث الخوض فيه تفكيكا وفهما وتحليلا عبر محطات مفصلية في التاريخ العربي المعاصر، انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وأحداث نيويورك وواشنطن عام 2001، والثورات العربية عام 2011 وما تلاها من تطورات لازالت حتى الآن مفتوحة على كل الاحتمالات.

  • الدراسات السابقة:

لقد تناولت العديد من الدراسات والبحوث، عربية وغربية، سياسات وإستراتيجيات أمريكا وأوروبا تجاه العالم العربي منذ قرن ونيف، خاصة مع ظهور حركات الإصلاح الديني والنهضة أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع أمثال جمال الدين الأفغاني وسعيد النورسي وأبو الأعلى المودودي ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب والبشير الإبراهيمي والأمير عبد القادر الجزائري والشيخ عبد الحميد ابن باديس وعلال الفاسي والمختار السوسي، كما اندلعت مبكرا ثورات وحركات جهادية واكبت الحركة الفكرية الإصلاحية من جهة، وواجهت جهاديا مطامع الغرب من جهة أخرى مع أمثال محمد بن عبد الكريم الخطابي وعز الدين القسام وعمر المختار. إلا أن التطورات التي شهدها العالم والأحداث الكبرى التي ميزت العقود الثلاثة الأخيرة، انهيار الاتحاد السوفييتي وأحداث نيويورك وواشنطن والثورات العربية، كشفت حيزا إيديولوجيا لدى العديد من هذه الدراسات والبحوث، عربية وغربية على حد سواء، وفشلها، لأسباب إيديولوجية وسياسية وفكرية، في توقع الذي جرى ويجري الآن في العالم العربي والإسلامي، بل وفي العالم، من سقوط أنظمة كانت بالأمس القريب ترتب انتقال السلطة من الآباء إلى الأبناء، في تحول دراماتيكي للجمهوريات العربية إلى ملكيات مقنعة، واستمرار الملكيات العربية في رفض الانتقال الديمقراطي الذي يؤسس لملكيات دستورية حقيقية.

وتعمل البحوث والدراسات في أمريكا وأوروبا اليوم على إعادة النظر في الكثير من المقولات الإيديولوجية التي دونت في العديد من الكتب والتقارير غداة انهيار الاتحاد السوفييتي، مثل نهاية التاريخ وانتصار النظام الليبرالي والحضارة الغربية على باقي الأنظمة والحضارات وصدام الحضارات والمحافظون الجدد بمشروعهم “أمريكا والقرن الجديد”، والتي بشر بها أمثال برنارد لويس وفرانسيس فوكوياما وصامويل هانتنجتون وريتشار هاس وغيرهم، ويتابعون عن كثب ما يجري في العالم العربي والإسلامي من تحولات متسارعة ومفاجئة وعميقة، كما يراقبون محاولة أمريكا وحلفائها في أوروبا والخليج والمغرب العربي إجهاض هذه التحولات لصالحهم وإحكام قبضتهم من جديد على الوضع، خاصة في بلدان عربية مثل مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن لما تمثله من خطورة على استقرار الأنظمة في الخليج والأردن والمغرب ومستقبل إسرائيل.

  1. المنهج المعتمد:

نظرا لطبيعة موضوعه التاريخية، بالمعنى الواقعي التطوري وليس بالمعنى المثالي الجامد، فإن البحث قد جمع بين أدوات الرصد والتحليل في المنهج التاريخي لفهم الجذور التاريخية للأحداث السياسية الراهنة ونسقها ومسارها ومستقبلها، على الأقل خلال الثلاث عقود الأخيرة، والوقوف عند بعض الاستنتاجات لما يجري الآن في العالم العربي من تغيرات كبرى وآفاقها، وبين المنهج القياسي الذي سمح للبحث أن يقارن بين الأحداث التي عرفتها أوروبا وأمريكا خلال محطتين تاريخيتين وسياسيتين كبيرتين، هما انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وأحداث نيويورك وواشنطن عام 2001، وبين الثوروات التي زلزلت نظاما عربيا رسميا أقيم في خمسينيات القرن الماضي عقب سنوات الاستقلال، ولعبت أوروبا وأمريكا دورا حيويا في تأسيسه وحمايته واستدامته.

كما تعامل البحث أيضا مع بعض أدبيات وأدوات التحليل لدى المنهج الاجتماعي (السوسيولوجي) بحكم أن المجتمع وعاء للسياسة، وذلك لفهم علاقات التفاعل والانسجام وعلاقات الصراع التي امتدت على مدى عقود بين نخب وقوى اجتماعية وأنظمة سياسية حاكمة احتكرت السلطة والمال وتسببت في احتقان اجتماعي وأزمات سياسية أوصلت الوضع العربي إلى الانفجار عام 2011 وفتحته على المجهول.

وقد أعانت آليات عمل منهج البحث العلمي التجريبي هذا البحث على تحديد وفهم العلاقة بين الوضع العربي الداخلي وتطوراته المتسارعة وبين العوامل والقوى الخارجية الإقليمية والدولية وتفاعلاتها وصراعاتها ضمانا لمصالحها الإستراتيجية، في فترة تجدد النخب السياسية وسقوط أنظمة وأزمة نظمها ومشروعها السلطوي الفاشل.

ويتضح جليا في هذا البحث أنه غلب عليه المنهج الواقعي النسقي في فهم العلاقات بين الدول القائمة على أساس القوة والمصلحة، كمحرك للتاريخ، مبينا بأن تحركات الدول تجاه بعضها البعض، سلما أو حربا، لا تكون إلا على أساس المصالح الحيوية، وهو ما يؤجج الصراع بينها ويدفعها للتحرك بقوة وبسرعة لضمان استمرار تدفق وديمومة هذه المصالح.

كما يقوم هذا المنهج على تحليل النظام السياسي الدولي الهش والمضطرب ومكوناته للوقوف على القوانين والنماذج المتكررة في كيفية عمل هذه النظم السياسية الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الأنساق والنظم المحلية، خاصة في ظل الأزمات المتتالية والخطيرة والثورات التي تشهدها المجتمعات العربية وفي سياق الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية وما تخبئه من تحولات جوهرية تخص علاقات الدول ومستقبل الإنسانية .

لا أخفي على اللجنة الموقرة بأن فترة عملي في السلك الدبلوماسي لما يناهز العقدين من الزمن بمقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وبعواصم عربية وغربية، ومشاركتي في العديد من القمم والمؤتمرات الإقليمية والدولية، واطلاعي على ملفات حساسة ومشاركتي في مفاوضات ومباحثات عربية وإسلامية وأورومتوسطية وأمريكية ودولية مغلقة، قد ألقت بظلالها على أسلوب الكتابة في هذا البحث وعلى منهجيته وأيضا على التحليل والمقاربة الواقعية للأحداث والسياسات وتفسير سلوك الدول وسياساتها وأهدافها.

  1. الخطة البحثية:

لقد تناول هذا البحث موضوع، “مسار علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالعالم العربي: قراءة في تداعيات أحداث مفصلية: 1991-2011″، من خلال توطئة منهجية ومدخل للبحث، ثم البحث بين ثلاث مراحل: 1991-2001–2011، وأربعة أبواب، لكل باب ثلاثة أقسام، ولكل قسم ثلاثة فصول، يعرضها البحث بتتبع الأحداث وتحليلها واستشراف اتجاهاتها العامة على النحو التالي: الباب الأول: العلاقات المغاربية الغربية، مصالح وصراعات، والباب الثاني: العرب والغرب بعد 11 سبتمبر، والباب الثالث: المشهد العربي ما قبل وبعد الثورات، والباب الرابع: الثورات العربية، أفول نظام وميلاد نظام عالمي جديد. كما يحتوي البحث على خلاصات موضوع البحث وملاحق ومـراجـع.

ونظرا لأهميتها المعرفية والمرجعية وما تحتوي عليه من توثيق تاريخي، فإن ملاحق هذا البحث تعتبر جزءا لا يتجزأ منه، تفصل ما تطرق له البحث على وجه العموم، وتوسع تحليلا وبيانات ما ضاق مجاله في البحث لاعتبارات منهجية وموضوعية، كما حاول البحث أن يعتمد مراجع ودراسات وتقارير متنوعة، عربية وأمريكية وأوروبية، لتعكس مختلف وجهات النظر لما يجري من أحداث كبيرة في عالمنا العربي والإسلامي، بل وعلى الصعيد العالمي، ولمستقبل العالم والإنسانية.

  1. استنتاجات البحث:

ليس من السهل البحث في قضايا وأحداث لم تحسم بعد ولازال المؤرخون لم يقولوا كلمتهم الفصل بشأنها لأنها لازالت تشغل السياسيين والباحثين وصناع القرار على حد سواء، كما لا يمكن اعتبار الفصل الأول من هذا البحث، انهيار المعسكر السوفييتي ونظامه السياسي والأمني والدفاعي عام 1991، بأنه انتهى وطويت صفحاته لتصبح مادة للمؤرخين، لأن هذا الفصل لازال يلقي بظلاله على مجريات الأحداث أوروبيا وأمريكيا وشرق أوسطيا، متمثلا في الملفات السورية والأوكرانية والأفغانية والإيرانية والفلسطينية والمصرية واليمنية، وهي ملفات أعادت العلاقات الغربية-الشرقية إلى عهد الحرب الباردة، لكن هذه المرة باردة سياسيا وساخنة في ساحات القتال، حروب بالوكالة، بل تتخذ في بعض الأزمات الإقليمية مواجهة مباشرة بين قطبي العالم السابقين، أمريكا وروسيا.

جاء هذا التعبير ليشخص حالة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومحاولة استفراد الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة الشؤون الدولية، خاصة خلال عهدي الرئيسين جورج بوش الأب والإبن، بعد أن هيأ لها منظروها من المحافظين الجدد وآخرون عبر كتابات ومقالات متخصصة وتقارير بحثية، خاصة فرانسيس فوكوياما وصامويل هانتجنتون، الرؤية الإيديولوجية والمشروع السياسي والعسكري القائمين على فكرة الانتصار والخلاص. يوجد في العقيدة السياسية والفكرية والعسكرية الأمريكية توجها تبشيريا وطهرانيا لتخليص العالم والبشرية من “الشر”، وهو توجه يجد جذوره الفكرية والدينية في الحقبة الصليبية التي قادتها أوروبا، فرنسا وبريطانيا تحديدا، في الشرق الأوسط والعالم العربي عموما، وفي فلسطين على وجه التحديد.

تحد آخر واجهه البحث، هو ضرورة تحديد مرحلة زمنية ليتوقف عندها ويخرج بخلاصات لما جرى ويجري من أحداث مفصلية مترابطة في تاريخ البشرية المعاصر. كان هذا أمرا صعبا من ناحية تداخل الأحداث وتفاعل أنساقها ومن ناحية تطوراتها الميدانية. يدل هذا على حالة من الارتباك والتخبط وفقدان القيادة التي عليها الدول اليوم، حيث وقعت الثورة أو الثورة الماضدة. لم تعد هناك القدرة لدى أي دولة، بما فيها القوى العظمى التي أتت بها نتائج الحرب العالمية الثانية، على التنبؤ واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة هذه التطورات الخطيرة في الساحتين العربية والعالمية.

في الوقت الذي كان الغرب، أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمعسكر الآخر روسيا والصين وإيران، بالتعاون والتشاور مع حلفائهم من الأنظمة العربية المحاربة للثورات، كانوا يعملون بقوة وسرعة على إيقاف المد الثوري حتى لا ينتقل إلى دول الخليج والأردن والمغرب العربي، الجزائر والمغرب تحديدا، أخذت الأحداث منحى آخر وتطورا خطيرا، بروز فاعل جديد وقوي على الساحة العراقية والسورية ومناطق أخرى مثل مصر وليبيا ونيجيريا، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش سابقا، ثم تحرك تنظيم القاعدة بنفس جديد، خاصة على الساحة السورية واليمنية واللبنانية والمغاربية، مما زاد من تعقيد الوضع وفرض على البحث متابعة هذه التطورات كفصل من فصول المشهد بشكل عام.

ما بين عام 1991، عقب اجتياح القوات العراقية الكويت في الثاني من غشت 1990، حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب وقتئذ ميلاد “النظام العالمي الجديد”، وعام 2014، غداة تشكيل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وما سبقه من ثورات عمت جل الدول العربية ابتداء من تونس عام 2011 ومصر وليبيا واليمن وسوريا، أقر الغرب في مؤتمر ميونيخ للأمن، بمشاركة دول عربية، يوم 6 فبراير 2015 بـ “انهيار النظام العالمي”.

توضح الأحداث والتطورات الأخيرة في الساحات السورية والعراقية واليمنية والمصرية والليبية، أنها ستتحول إلى حالة استقطاب لكل التنظيمات الجهادية العالمية، التي كانت، بالأمس القريب، تبارز أمريكا وأوروبا وتصارعها في ساحات أخرى كالشيشان وأفغانستان والبوسنة والهرسك والصومال، واليوم قد نجحت في استدراجها إلى ميادين صراع شرس وأشد داخل ساحاتها العربية.

سيبقى الوضع العربي مفتوحا على خيارات وتطورات عدة، وتبقى الحالات العراقية والسورية والليبية والمصرية واليمنية المثال الأخطر لما يمكن أن يؤول إليه الوضع. فكل أطراف هذا الصراع يعتبرونه حاسما لما سيأتي بعده. فالغرب، أمريكا وأوروبا، يصارعون من أجل البقاء كقوى مهيمنة على العالم وعلى العالم العربي تحديدا كمنطقة جيوسياسية حيوية ومركز حضاري وديني متوتر دائما، لأسباب اقتصادية وحضارية وأمنية إستراتيجية، والأنظمة العربية الحليفة له تصارع لأسباب تتعلق ببقائها في السلطة والتحكم في الثروات الوطنية، والتنظيمات السلفية الجهادية تصارع لأسباب تتعلق بطموحات عقدية وسياسية تاريخية، أبرز عناوينها إقامة الخلافة الإسلامية أو العالمية الإسلامية الثانية.

إن ما يجري الإعداد له اليوم، من تحالف دولي وإقليمي أمريكي-أوروبي-عربي، ومن حرب مفتوحة ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة في الشام وتنظيمات جهادية أخرى في المغربي العربي ودول الساحل والصحراء، خاصة بعد قمة الحلف الأطلسي بمنطقة ويلز بريطانيا مطلع سبتمبر 2014، واجتماع وفود أمريكية وخليجية وعربية بمدينة جدة السعودية يوم 7 سبتمبر 2014، إضافة إلى موقف الأمم المتحدة والجامعة العربية الداعم لهذا التحالف، قد فتح المنطقة العربية والعالم على أحداث عظيمة وصراع مرير وطويل الأمد وفارق بالنسبة لمستقبل الإنسانية، صراع ومعركة عالمية بين من يدعي تمثيل الجهاد الإسلامي ومشروع الخلافة الإسلامية بزعامة تنظيم الدولة الإسلامية والتنظيمات الجهادية الحليفة لها ومن يدعي حماية قيم الديمقراطية والإنسانية والسلم والأمن الدوليين بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ودعم حلفائها أوروبين وعرب وإسرائيليين.

لقد كانت أمريكا قبل الثورات العربية، بدعم من حلفائها الأوروبيين، خاصة بريطانيا وفرنسا، تحمي الأنظمة السياسية في الشرق والغرب العربي لأسباب إستراتجية ثلاثة:

  1. ضمان حماية إسرائيل عبر اتفاقيات سلام وتطبيع سياسي.
  2. ضمان تدفق النفط بما يحفظ دوام رفاهيتها وقوة اقتصادها.
  3. ضمان بقاء التنظيمات الإسلامية السياسية والجهادية المناهضة للغرب وإسرائيل والأنظمة العربية الحليفة للغرب في السجون أو المنافي أو في ساحات الإعدام.

إلا أنه، وبعد أحداث الثورات واحتدام الصراع بين الغرب والتنظيمات السلفية الجهادية في الساحات العربية، خاصة تنظيم الدولة الإسلام في العراق والشام وتنظيم القاعدة:

  1. لم تعد إسرائيل اليوم تتمتع بهذه الضمانات الاستثنائية بعد سقوط أنظمة عربية حليفة لأمريكا وأوروبا كانت على طول حدوده وتهديد أنظمة أخرى مثل الأردن.
  2. لم يعد النفط في مأمن من تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنظيم القاعدة.
  3. عادت التنظيمات الجهادية للساحات العربية بعد ثلاثة عقود من المواجهة مع القطبين الأمريكي والسوفييتي في ساحات أوروبية وآسيوية وإفريقية، مما يرشح اتساع رقعة وأطراف الصراع.

الآراء

اترك رد