فتاوَى الإمام القابسي المتوفَّى سنة 403هـ جمع وتوثيق ودراسة

نص التقرير الذي تقدم به الباحث الحسين أكروم لنيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الرحمة المهداة وعلى آله وصحابته الأخيار ما تعاقب الليل والنهار .

حضرة الأستاذ المحترم. الدكتور حميد لحمر رئيس اللجنة.

أستاذي المشرف فضيلة الدكتور عبد السلام الزياني

فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الفاسي الفهري.

فضيلة الأستاذ الدكـتور محمد معصر .

أفراد عائلتي الذين شرفونِي بحضورهم . أيها الطلبة الأعـزاء . أيها الـحضور الكرام .

أحييكم جميعاً بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالَى وبركاته .

يشرفنِي غاية الشرف أن أتقدم من هذا الصرح العلمي ملخصاً عن تقرير أطروحتِي التِي وسمتها بـ: فتاوَى الإمام القابسي المتوفَّى سنة 403هـ جمع وتوثيق ودراسة. أمام لجنة علمية لها من الكفاءة العلمية ما يجعلها في مصاف كبار الخبراء ومشاهير المختصين فِي العلوم الإسلامية في العصر الحديث. وهذا دأبهم حفظهم الله فِي العطاء العلمي والمعرفِي، وما زالوا مستمرين على ذلك في هذه الكلية المباركة فِي وقت وآن، وذلك شأن كل ما أسس على التقوى من الله ورضوان.

هذا وقبل الشروع فِي تلاوة هذا التقرير أتوجه بتشكراتِي الحارة إلَى أستاذي المشرف فضيلة الدكتور عبد السلام الزيانِي الذي منحنِي من وقته الثمين ما أنار لِي سبيل الطريق وساعدني بتوجيهاته القيمة بتخطي كثير من الصعاب العلمية وتجاوز عدد من المشكلات المنهجية، كما أشكر رئيس اللجنة العلمية الأستاذ الفاضل الدكتور حميد لحمر، وحضرة الأستاذ العلامة محمد الفاسي الفهري، والدكتور الجليل محمد معصر على ما سيقدمونه من نصائح علمية ومعرفية. آملاً منهم التماس العذر على ما بذلوه من جهد فِي تقويم هذا العمل المتواضع وكذا ما أنفقوه من وقت ثمين في توجيهه وتصويبه، مع العلم أن الواجبات عندهم أكثر من الأوقات، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في أوقاتهم وأن يجعل جهودهم تلك في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

حضرات الـسادة: لما كان الكلام على فتاوَى العلامة أبي الحسن القابسي ذو شجون، ويتفنن فيه الحديث إلَى فنون، استدعى الأمر أن يُـحصر الكلام على ما تمس به الحاجة، وتتم به الفائدة، لذا سأقتصر على أهم ما جرى به العرف الجامعي بدءاً بمضمون الرسالة، مروراً بالمنهج الذي سلكته فيه، وانتهاء بصعوبات البحث ومشاكله. فلنبدأ أولاً بمضمون البحث فأقول: بدأت بمقدمة ضافية عن فتاوى العلامة أبي الحسن القابسي مشفوعة بأهمية فتاواه ومكانتها، وسياقات ورودها، تلتها الدراسات السابقة حول الموضوع، ثُم بعدها إشكالاتُ البحث وصعوباته، ومن ثَم عرجت على محتوى البحث ثُم منهجه، خاتماً بخطة البحث وفهرسته.

وبعد المقدمة قسمت البحث إلَى شطرين كبيرين: الأول تنظيري، مفصل فِي نحو 250 صفحة والثانِي تطبيقي، فِي نحو 325 صفحة، ولا يضر عدم الموازنة بينهما لأن طبيعتهما تقتضي ذلك. أما القسم النظري فَـقُسِّم إلَى ثلاثة فصول، سميت الأول: أضواء على حياة الإمام القابسي بين أخذه العلوم وتدريسها: حاولت فيه تتبع أهم أخبار القابسي ومراحله العلمية مُقسماً إياه على مبحثين، الأول: غطى تفاصيلَ نشأته العلمية، والثانِي: عطائه العلمي فلامس البحث قصور المترجمين في أخباره وعدم وجود ترجمة مفصلة بل ومختصرة على نحو تُلْقي بعض الضوء على تفاصيل حياته العلمية، مع العلم أن الرجل مجتهد ومجدد ومن كبار متقدمي المالكية، فأسهب البحث كثيراً فِي تبيان أخباره، معتمداً بالكلية على الأصول العلمية المتقدمة فِي صياغة ترجمته، والعدولِ عن كتبِ تراجم المتأخرين . وأستمد منها أشياء نادرة غفلها المتقدمون وإن كان الغالب على نقلي من كتب المتأخرين عادة ما يكون تصويبا لخطأ وما أكثرَها فيها حتى لا تكاد تخلو منها كل مسألة، فضلت تحاشي ذكرها، لكي لا أُثقل مسامعكم بها . وقد انتهيت فِي هذا الفصل بخلاصات أهمها: ضياع أخبار الطبقة الأولَى التِي أخذت عن القابسي وأرجَـعْتُ ذلك إلَى عدم وجود كتب الفهارس عند القيروانيين على طول القرن الرابع، خلافاً للأندلوسيين، فضلا عن كشف هنات علمية عند المحققين فِي كثير من مصنفات القابسي التِي حققوها، ومسائل أخرى يضيق ذكرها هنا عند استعراضها.

أما الفصل الثانِي فسميته: الأصول النظرية لآليات الإفـتاء عند أبِي الحسن القابسي مقسماً مفاصلَه إلَى مبحثين الأول: حول قواعد الإفتاء وآداب المستفتين عند العلامة أبِي الحسن القابسي، والثانِي: درست فيه فـتاوى الإمام الـقابسي دراسة تحليلية مفصلة تتبعت فِي الأول علاقات القابسي بالمستفتين وطرقِ تعامله معهم، وكيفيات توجيههم، مع سرد باقة حسنة من روائع أقواله فِي الفتيا، ومشكلات توقفه فِي الإفتاء ومسوغاتها، مع الإشارة إلى مواطن تورع القابسي فِي الإفتاء وخشيته منه، فتبين من مجموع المبحث الأول فوائد عديدة أهمها: أن القابسي تعدد مستفتوه حتى بدأت الأسئلة تأتيه من العراق عند كبار العلماء يستفتونه كابن الجلاب، و ونظرائه، فضلاً عن مختلف الطبقات الشعبية في المجتمع القيروانِي. كما أن القابسي لَم يفته النظر إلَى نفسيات المستفتين وحيلِهم واختلاف تعامله مع كل صنف فتارة يفصل في الجواب وأخرى يقتضب بل في أحايين أخرى يخصص لبعض الأسئلة كتابا مفردا كالملخص أو رسالة مستقلة للأجوبة ككتابه الرسالة المفصلة في التربية. أما المبحث الثانِي فدرست فيه فـتاوى الإمام الـقابسي دراسة تحليلية مستمداً ذلك من فتاواه المتنوعة التي بلغت 540 فتوى فبدأت بموضوعات فتاواه، ثُم منهجه فِي الإفتاء، فمصادر فتاواه، يليها منهجي فِي جمع فتاواه مع تخصيص كلام مستفيض لمكانة نوازل أبِي الحسن القابسي ومقارنتها ببعض فتاوى معاصريه دون إغفال أسباب ضياع فتاوى القابسي وطرق وجوهها لأجعل مسك ختام المبحث الثاني صعوبات توثيق فتاواه وهو من أطول فروع المبحث المذكور.

وقد حاول البحث فِي كل ما ذُكر أن يكشف عن جملة من الصعوبات المنهجية ويشخص بعض المشكلات العلمية مصحوبة بنماذج عملية تبين مدى صعوبة استخراج تلك الفتاوى من الأصول المطبوعة والمخطوطة حتى يستفيد الباحثون في ذلك لأنه عادة ما يعانون من مشكلات في تخريج الفتاوى والنوازل دون أن يجدوا ذلك مصرحا به ليستفيدوا منه . أما الفصل الثالث فسميته الأصول العلمية المعتمدة في جمع فتاواه مقسما إياه إلى مبحثين الأول يروم بيان صعوبات تحديد فتاوى القابسي في تلك الأصول المخطوطة كأجوبة القابسي المحفوظ بخزانة تمكروت وآخر مصور في خزانة نجيبويه ومختصرات الفصول الثلاثة المصورة في خزانة آل سعود وتمكروت فكل هذه الأصول المخطوطة الخمسة وصفتها وصفا حسنا مبينا عدد فتاوى القابسي في كل واحدة مع ذكر ما انفردت به كل واحدة منهما عن الأخرى دون إغفال ذكر بعض الصعوبات العلمية في تحديد مضامين فتاوى القابسي فيها فقد لاقى البحث فيها مشكلات علمية تكاد لا تنتهي كل هذا مع الخوض في فروع وجزئيات تتعلق بالمخطوطات السابقة كتحديد اسم يعلى ابن مصلين هل هو كنية أو لقب ؟ وهل أجوبة القابسي المحفوظة بخزانة تمكروت هي التي يقصدها فقهاء المالكية كالقاضي عياض والونشريسي عند الإطلاق ؟ وما إذا كانت مختصرات الفصول ألفها شخص واحد واختصرها آخرون أم العكس هو الصحيح ؟ وهل ابن أبي زيد هو من ألف كتاب الفصول ؟ أما المبحث الثاني: فقد خُصص أصالة للكتب المطبوعة التي تحوي فتاوى القابسي كالرسالة المفصلة للقابسي، ومذاهب الحكام في نوازل الأحكام للقاضي عياض ونوازل البرزلي والمعيار للونشريسي ودراستِها دراسة مفصلة مبينا عدد الفتاوى في كل مصدر وانجر الكلام إلى توجيه بعض الطعون لبعض الأغلاط الفاحشة الواقعة فيها مع تصحيح كثير من الألفاظ والكلمات المصحفة في تلك الأصول المطبوعة وتفنيد بعض الدعاوى كاعتماد الونشريسي علىى البزرلي في فتاوى القيروانيين وغير ذلك. وبهذا المبحث تنتهي الدراسة النظرية وقد حاولت جاهداً أن أوازن بين فصولها ومباحثها منهجيا وعدديا فجاءت هيكلتها النهائية في ثلاثة فصول وستة مباحث مشفوعة بخلاصة عامة واستنتاجات خاصة لكل مبحث على حدة.

أما القسم التطبيقي أي جمع الفتاوى فاستحال تقسيمه لكثرة الأبواب المندرجة تحته لذا رُتِّب حسب الأبواب الفقهية جامعا كل الفتاوى المتعلقة بكل باب على طريقة سئل فأجاب بدءاً بنوازل الفتيا والعقائد ومرورا بنوازل العبادات ثُم الأنكحة وانتهاء بالبيوع بشتى أنواعها فضلا عن فتاوى بعض الفنون كاللغة والتصوف والطب والتربية غير أن بعض الفتاوى غير محددة تعذر تصنيفها فجمعتها تحت عنوان سميته فتاوى الجامع . ولما كانت الفتاوى متنوعة ومتكاثرة في كل نوع قُسمت حسب درجتِها تحت كل باب تسهيلاً للوصول إليها ورغبة في تسلسل الفتاوى بشكل منطقي فعلى سبيل المثال كتاب الأنكحة لم يُعقد بطوله بل انتَظمت تحته فتاوى الخطبة ثم الصداق ثم النفقات ثم الرضاع ثم فتاوى الاستبراء فالنزاع بين الزوجين وهكذا إلى الوصايا والموايث فتنوعت أبواب القسم التطبيقي تنوعا جعلها تصل إلى ستة وستين بابا . وبعد نهاية القسم التطبيقي عملت فهارس متنوعة كفهرس الآيات ثم الأحاديث فالأبيات الشعرية وانتهاء بالأمثال العربية مع فهارس فنية مفصلة لمختلف مضامين البحث وجزئياته.

منهجي في الدراسة: بعد النظر والتأمل تعمدت عدم تقديم دراسة تاريخية مفصلة ولا مختصرة عن العصر الذي ترعرع فيه القابسي وكذا دراسة التطورات السياسية التي عاشها رحمه الله لعدة اعتبارات أقواها: أن التاريخ العام للقيروان على طول القرن الرابع الهجري قد كثرت فيه الدراسات النظرية إكثارا جعل الكثير منها يتكرر في عدد من البحوث فضلا عن أن ذلك غالبه يدور على التاريخ العام للصراع بين الشيعة والمالكية فلا يكاد الناظر يجد علاقة القابسي بذلك اللهم إذا أراد أن يعيد تلك الوقائع بأسلوب آخر فخشيت أن أثقل على البحث بما هو خارج عنه فحذفت بموجب ذلك ما ذُكر علاوة على أن القابسي لم تحرر ترجمتُه حسب ما وقفت عليه فناسب أن يقدم ما اشتدت الحاجة إليه لقوة علاقتها بالموضوع . وكذا لم أُعَرِّف الفتوى وشروطها وآداب المستفتي لأنها أُشبعت بحثا بل فيها كتب مستقلة عديدة فاتجهتُ إلى تحليل قواعد الافتاء عند القابسي بدل الخوض فيما هو معلوم عند الباحثين بالضرورة . ومن الطبيعي أن يقدَّم ما لـم يُلْقَ دراسة مسبقة ومتعلق بالبحث على ما هو موجود أصلا وكَـثُرتْ فيه الكتب والمصنفات. أما منهجي في جمع فتاوى القابسي فقد يختلف حسب الأصول المخطوطة والمطبوعة وعادة ما أصادف فتاوى يغلب على الظن أنها ليست له بحكم سياقات خاصة وقرائن محتفة فأستبعدها، وعانى البحث الأمرين في استخراجها سواء في الأصول المخطوطة أو المطبوعة كما بينت ذلك بإسهاب في مبحث صعوبات استخراج فتاواه وعلقت على كل الفتاوى بما يتناسب مع المطلوب ووفق الشروط العلمية المتعارف عليها .

إشكالية البحث: لاجرم أن أي بحث لا يخلو من إشكاليات وصعوبات غير أن هذا البحث تكاد تلكم الإشكالات فيه لا تنتهي بل بعضها ما يزال معلقا إلى الآن دون مرجح لعدم توفر ما يؤكد أو ينفي المراد المقصود سيما ما يتعلق بمسائل عديدة في ترجمته كأصله هل هو من قابس أو من القيروان ؟ ولماذا سمي القابسي ؟ واضطراب في ألقابِه، واختلاف كبار المترجمين له في تاريخ إصابته بالعمى . وقصورهم في تحديد شيوخه وتلاميذه بل نسبوا له كتبا ليست له وشككوا في أخرى فواجه البحث هذه المشكلات بالتتبع والاستقراء لكتب الطبقات والتراجم. فانتزع منها ما يشبه أن يكون ترجيحاتٍ لأغلب الخلافات المشكلَة في ترجمته كما وجه البحث عددا من الأغلاط الفادحة من كل الأنواع في ترجمته ولوحظ أن السبب في استمرار هذه الأخطاء المعرفية في ترجمة القابسي انعدام وجود ترجمة مفصلة ومحررة له، وقصور كبار المترجمين له في أخباره فضلا عن ضياع كتاب مناقب أبي الحسن القابسي لتلميذه أبو عبد الله المالكي . ولا يسعني إلا أن أختم هذا التقرير بما ختم به الشيخ خليل مختصره الفقهي لما قال: ثُمَّ أَعْتَذِرُ لِذَوِي الْأَلْبَابِ، مِنْ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ في هذا الكتاب، وأسألُ بلسان التضرع والخشوع، وخطاب التذلل وَالْخُضُوعِ، أَنْ يُنْظَرَ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمَّلُوهُ وَمِنْ خَطَأٍ أَصْلَحُوهُ فَقَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَـنِّفٌ مِنْ الْهَفَوَاتِ، أَوْ يَنْجُو مؤلِّف من العثرات… انتهى كلام الشيخ خليل.

وأخيرا أجدد تشكراتي الحارة لرئيس اللجنة العلمية ولأستاذي المشرف وللسادة المحترمين أعضاء اللجنة العلمية وكم أنا متشوق إلى ملاحظاتهم القيمة ومتلهف إلى نصائحهم العلمية، وطالما أنتظرها لأغرف من معينهم كل منهم على قدر إنائي، وأسأل الله التوفيق والسداد، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين آمين، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ أناس قدور
    أناس قدور

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    مشايخي وإخوتي
    أطلب منكم مساعدتي للحصول على رسالة بعنوان: فتاوَى الإمام القابسي المتوفَّى سنة 403هـ جمع وتوثيق ودراسة.
    وهي رسالة دكتوراة نوقشت بالمملكة المغربية.
    أود النظر فيها لأني أعد رسالة بعنوان : فتاوَى الإمام السيوري جمعا ودراسة.
    ولم أرد التسجيل بالمجلس من أجل هذا الطلب فقط، لذلك راسلتكم.
    فأرجو أن تجدوا في إسعافي.
    وأحيلكم على الله.

  2. الصورة الرمزية لـ أناس قدور
    أناس قدور

    مالكم؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: