من وجهة نظري؛ إن القاعدة القانونية الدولية (قواعد القانون الدولي): هي خطاب موجه إلى أشخاص القانون الدولي العام؛ بهدف تنظيم علاقاتهم وترشيد تصرّفاتهم الدولية على وجه ملزم (الجزاء الدّولي)، ومجموع هذه القواعد يُؤسّس للقانون الدولي العام كفرع من فروع القانون العام.
وأعني بأشخاص القانون الدولي العام: وأعني بهم المجتمع الدولي المعاصر أو الجماعة الدولية في مفهومها القانوني المعاصر الذي يتضمن نوعين من الأشخاص الدولية: الدول كوحدات سياسية إقليمية مستقلة؛ وهي أقدم صورة (نوع) من صور (أنواع) الأشخاص ذات الصفة الدولية.
أما المنظمات الدولية (التنظيمات/ الهيئات الدولية): وهي أحدث صور (أنواع) الأشخاص الدولية مقارنة بالدول، وتأتي في مقدمتها منظمة الأمم المتحدة سليلة عصبة الأمم المتحدة أو بالأحرى قامت على أنقاضها ولم تكن امتدادا لها على وجه الدّقة. إن منظمة الأمم المتحدة اليوم هي راعية القانون الدولي والسّلام العالمي، وهي من أهم صنّاع القرار الدولي ومصادره.
هذا عن تعريف القاعدة القانونية الدولية، أما بالنسبة إلى القرار الدولي؛ فقد بحثه فقهاء القانون الدولي من عدّة جوانب أهمّها: تعريفه، أقسامه وصناعته. وبخصوص تعريف القرار الدولي نرى أن الفقه يكاد يكون مُستقرا على تعريفه من حيث أنه تعبيرٌ عن إرادةٍ ملزمةٍ صادرةٍ عن جهازٍ (تنظيم) دولي؛ وهذا التعريف وشبهه يُركز في تعريف القرار الدولي على مصدره أو الجهة المُصدرة له؛ أن تكون تنظيما دوليا.
إن تعريف القرار الدولي كنت قد بحثته مُفصّلا في أطروحتي للدكتوراه الموسومة بعنوان: “آليات الإلزام في القرار الدولي ودورها في تكريس الشرعية – دراسة مقارنة بين القانون الدولي العام والفقه الإسلامي الدولي”، وقد طرحت رؤية أحسبها جديدة في بيان حدّ القرار الدولي استنادا إلى عدّة معايير اجتهدت في وضع أغلبها منها: معيار المصدر (مصدر القرار الدولي)، إضافة إلى طرح فكرة التجديد في مصادر القرار الدولي، وضرورة عدم حصرها في المنظمات الدولية فقط على خلاف الإتجاه الفقهي السّائد الذي يرى ذلك.
هذا وتلتقي القاعدة القانونية والقرار الدولي في نقاط عديدة أذكر منها:
1- إن كليهما من موضوعات القانون الدولي العام.
2- إن الغاية واحدة من وراء إصدار القاعدة القانونية الدولية وصنع القرار الدولي وهي: تكريس السّلم الدولي وتعزيز الأمن العالمي، ورعاية الشرعية الدولية كما تتطلّبها أحكام القانون الدولي العام.
3- صحيح أنّ المنظمات الدولية هي مصدر أصيلٌ للقرار الدولي؛ غير أنها قد تُساهم أيضا أو تكون سببا في وضع قواعد قانونية دولية على شاكلة المواثيق الدولية أو الأنظمة الأساسية للمنظمات الدولية أو ما يُعرف بالمعاهدات المُنشئة للمنظمات الدولية مثل: ميثاق منظمة الأمم المتحدة وهو نظامها الأساسي، فتُصبح المنظمات الدولية مصدرا للقرار الدولي كذا للقاعدة القانونية الدولية، هذا إضافة إلى المعاهدات الدولية التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة وتنعقد تحت إشرافها.
وبالنسبة لهذه المواثيق أو الأنظمة هي عبارة عن اتفاقات جماعية (مُتعدّدة الأطراف) تتضمن العديد من القواعد القانونية الدولية، فالإتفاقات الدولية الجماعية فضلا عن الثُنائية هي أحد مصادر قواعد القانون الدولي وأحكامها كما يُفهم من نص المادة 38/ فقرة 1/ أ من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدّولية بقولها:
“1- وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن:
أ- الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة…”.
4- يرى جانب من الفقه القانوني الدولي المُعاصر أن القرار الدولي ذو خاصية تشريعية؛ إذ يسمح بإنشاء قواعد قانونية، ومن ثمّ تلتقي القاعدة القانونية مع القرار الدولي من حيث أن هذا الأخير يُمكن أن يكون مصدرا من مصادر القاعدة القانونية الدولية، وبالفعل هذا هو الإتّجاه الفقهي الذي ذهب إليه أكثر فقهاء القانون الدولي المعاصر.
وممّا تقدّم، يُمكنني القول بأن المنظمة الدولية وإن كانت مصدرا أصيلا للقرار الدولي غير أنها قد تكون أيضا مصدرا للقاعدة القانونية الدولية.
هذا ما يحضرني ذكره بخصوص أهم نقاط تلاقي القاعدة القانونية الدولية مع القرار الدولي. أما عن أهمّ نقاط الاختلاف والافتراق هي:
1- على غرار القاعدة القانونية الداخلية (قواعد القانون الداخلي/ الوطني) تتمتّع القاعدة القانونية الدولية بخاصيّتي العموم والتجريد؛ إذْ لا تُصاغ مضامينها ولا تُطبّق على دولٍ بعينها أو على وقائع دولية محدّدة بل تسري عموما على جميع أشخاص الجماعة الدولية وعلى سائر تصرفاتها، إلا ما استثنته أحكام القانون الدولي بمقتضى قواعد قانونية ترد على سبيل الإستثناء. فخاصية التجريد عند صياغة قواعد القانون الدولي، وخاصية العموم عند تطبيقها.
بالنسبة للقرار الدولي الأمر يختلف؛ إذ لا تنطبق عليه غالبا خاصيتي العموم والتجريد؛ فهو يُخاطب أشخاصا مُحدّدين بأعيانهم وبأوصافهم، كما أنه عند صياغة القرار الدولي تُراعى وقائع مُحدّدة وأشخاص دولية مُعيّنة، بل إن الواقع يُؤكد أن صناعة القرار الدولي مُرتبطة أساسا بمشاهد الواقع الدولي المُتغيّر، وهذه المشاهد في الغالب هي ما يقف وراء صناعة القرار الدولي، بل وتُحدّد مضامينه، وتُعيّن الجهة المعنية بتنفيذه والتزام العمل به.
2- يختلف القرار الدولي عن القاعدة القانونية من حيث الإلزام؛ فالأصل في القرار الدولي أن يكون مُلزما، بل إن القرار الدولي من الناحية الإصطلاحية إنما يصدق على القرار الدولي المُلزم دون غيره؛ وهو مفهوم القرار الدولي بمعناه الضّيّق الذي يصدر تعبيرا عن الإرادة الملزمة للمنظمة الدولية. لكن في مقابل ذلك كلّه يُمكن أن يكون القرار غير مُلزمٍ إذا صدر في صورة توصية (وقد تكون مُلزمة في حالات أخرى) أو تصريح (إعلان) أو مُقترح…
بالنسبة للقاعدة القانونية لا يُمكن أن تكون إلا مُلزمة استنادا إلى مصادرها الرسمية، ولا يُتصوّر أن تكون قواعد القانون الدولي غير مُلزمة؛ لأن من خصائصها الإلزام الذي يأخذ صورة الجزاء المادي (عسكري أو غير عسكري)، كما هو مُقرّر مثلا في ميثاق منظمة الأمم المتحدة طبقا لأحكام فصله السّابع في حالات تهديد السّلم والإخلال به ووقوع العُدوان…والأمثلة كثيرة في هذا الباب، وحتى إن لم تقترن بجزاء كالعرف مثلا فإنها مُلزمة أدبيا على الأقل، ومن هذه الزاوية تحديدا تقترب القاعدة القانونية من القرار الدولي؛ فهذا الأخير قد يكون ملزما إلزاما أدبيا في بعض صوره كبعض أشكال التوصية…
3- تختلف صناعة القرار الدولي عن إصدار القاعدة القانونية؛ فالقرار الدولي يمرّ بمراحل مفصلية غاية في الأهمية بداية من اقتراح مشروع القرار الدولي وانتهاء بالتصويت عليه، وهي في الغالب الأعمّ نفس المراحل التي يمرّ بها أيّ قرار دولي.
أما بالنسبة إلى القاعدة القانونية الدولية؛ فهي من الناحية الإجرائية تختلف إجراءات اقتراحها وإصدارها في صورتها النّهائية باختلاف مصدرها.
4- يختلف القرار الدولي عن القاعدة القانونية الدولية من حيث المصادر؛ فالذي عليه أغلب فقهاء القانون الدولي العام أن القرار الدولي تُصدره منظمات دولية تعبيرا عن إرادتها الملزمة، وهي المصدر الوحيد وفقا للاتّجاه الفقهي القانوني المعمول به، وإنْ كنت في أطروحتي المُشار إليها أعلاه قد اقترحت تنويع وتوسيع مصادر القرار الدولي، وكذا اقترحت إعادة النظر في مدلول القرار الدولي وعدم حصره فيما يصدر عن المنظمات الدولية فحسب.
أما عن مصادر القاعدة القانونية الدولية فهي مُتنوعة كما نبّهت المادة 38/ فقرة 1/ أ المُشار إليها آنفا؛ حيث نصت على ما يلي:
“1- وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن:
أ- الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
- العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دلّ عليه تواتر الاستعمال.
ج- مبادئ القانون العامة التي أقرّتها الأمم المتمدينة.
د- أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون في مختلف الأمم.
ويُعتبر هذا أو ذاك مصدرا احتياطيا لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59([1]).1
2- لا يترتب على النص المتقدم ذكره أيُّ إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقا لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك”.
وعلى ضوء هذا النص القانوني؛ فإن مصادر القاعدة القانونية الدولية (قواعد القانون الدولي العام) هي:
1- المعاهدات والاتفاقات الدولية.
2- العُرف الدولي.
3- مبادئ القانون العامة.
4- القضاء الدولي (أحكام المحاكم الدولية).
5- الفقه الدولي (مذاهب وآراء كبار الفقهاء والمؤلفين في القانون العام).
5- إن صناعة القرار الدولي قد تتمّ في نطاق أو ضمن مصادر القاعدة القانونية الدولية؛ من حيث أن المنظمة الدولية وهي مصدر القرار الدولي تتولى صناعة القرار الدولي وإصداره والإشراف على متابعة عملية تنفيذه. وهي أيضا تُشرف على إبرام الاتفاقات الدولية كما أنها تنشأ بموجب اتفاقات جماعية (مُتعدّدة الأطراف)، ومعلوم أن الاتفاقات الدولية من مصادر قواعد القانون الدولي (القاعدة القانونية الدّولية) كما قرّرت ذلك المادة 38 المذكورة.
الهوامش:
[1] – نصت المادة 59 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على ما يلي: “لا يكون للحكم قوة الإلزام إلا بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع فُصل فيه”.
اترك رد