بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي – طنجة، تمت مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام : النخبة الدينية في النسق السياسي، العلماء نموذجا 2013- 1999 من إعداد: الباحث عبد الرحمن الشعيري منظور وإشراف: الدكتور عبد العلي حامي الدين، مساء الجمعة 08/05/2013 على الساعة السادسة مساء، وبعد المناقشة قررت اللجنة منح السيد عبد الشعيري منظور لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة وتوصية بالنشر.
– أعضاء لجنة المناقشة:
د.محمد العمراني بوخبزة أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة رئيسا
د.عبد العلي حامي الدين أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط مشرفا
د. المختار بنعدلاوي أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء عضوا
د. محمد غربي أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة عضوا
د. حسن الجماعي أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة عضوا
– تقرير الأطروحة:
تميزت العلاقة بين الدين والسياسة بالمغرب بالتمازج والتداخل منذ دخول الإسلام مجاله الجغرافي وتأسيس الدولة الإدريسية، كغيره من البلدان الإسلامية والعربية، وهي علاقة استمرت مع كل أنظمة الحكم المتعاقبة، والتي استندت على توظيف الدين بشكل كبير لترسيخ سلطتها وإضفاء مشروعية إسلامية على حكمها .
ومن ثم سعى النظام السياسي المغربي بعد تشكل كيان الدولة الوطنية الحديثة إلى مضاعفة توظيف البعد الديني ضمن الفلسفة السياسية لحكم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أولى للمسألة الدينية مكانة مهمة في خضم تدبيره لشؤون الدولة والصراع السياسي مع قوى المعارضة اليسارية ثم الإسلامية فيما بعد، تجلت في استمرار التوظيف السياسي الواسع لمفاهيم البيعة والنسب الشريف وإمارة المؤمنين، باعتبارها مرجعيات تاريخية سامية على الوثيقة الدستورية في عملية ترسيخ سمو المؤسسة الملكية على باقي الفاعلين الدينيين والسياسيين في النسق السياسي المغربي.
وانطلاقا من هذا التوجه السياسي الرسمي المستند على التقليد والرأسمال الديني في تقوية مشروعية الحكم، ظلت النخبة الدينية المغربية عموما والعلماء على وجه الخصوص في قلب التحولات السياسية بالمغرب الراهن، فمباشرة بعد وفاة الملك الحسن الثاني في 23 يوليوز 1999 شهدت قاعة العرش في القصر الملكي بالرباط مراسيم بيعة الملك محمد السادس -على الرغم من وجود الوثيقة الدستورية المنظمة لعملية انتقال الملك- من قبل مختلف النخب الرسمية بالدولة، وكان لحضور العلماء من بينهم وإلقاء وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكريم العلوي المدغري لنص البيعة، بمثابة تأكيد سياسي على استمرار المركز الاعتباري والرمزي للعلماء في دعم المشروعية الدينية للمؤسسة الملكية.
فالعلماء باعتبارهم محتكرين إلى حد كبير للمعرفة الدينية والتأويل الفقهي، ولما لهم من مكانة اعتبارية مركزية في تأطير الحياة الدينية للمجتمع المغربي، ظلوا رغم التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب المعاصر منذ تشكل الدولة الوطنية الحديثة لمابعد الاستقلال هدفا للاستقطاب التنظيمي من قبل مختلف القوى السياسية والدينية، في ظل إكراهات تحييد مؤسساتهم الرسمية عن الشأن العام وإخضاع فعلهم الديني والسوسيوسياسي أكثر من أي وقت مضى لضوابط المأسسة والتقنين من قبل الدولة.
إلا أنهم رغم ضغط هذه الإكراهات، استمروا في نهج سياسة إثبات الذات على المستوى السياسي، وهو نهج تبلور في المغرب الراهن بمبادراتهم المختلفة في الحقل الديني، وبمواقفهم الفكرية والسياسية المتنوعة التي انصب معظمها في تمثل الثنائية التاريخية لنموذجي “العالم الناصح” أو “الموظف الديني” المستشار للحكم في أحسن الأحوال.
وعلى خلاف ذلك اتخذ الفعل الديني للعلماء في المجتمع أنماطا مختلفة، بحسب استراتيجيات فردية تترجم رؤية العالم الديني المغربي للدعوة والسياسة وتحولاتهما في النسق السياسي المغربي منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999.
وقد عرف المركز الاعتباري والسياسي للعلماء المغاربة منذ البدايات الأولى للاستقلال مخاضا لا زالت تداعياته مستمرة في النسق السياسي الراهن، خاصة بعد التحولات المؤسساتية والقانونية التي شهدها الحقل الديني بعد أحداث 16 ماي 2003، والتي اتجهت نحو المزيد من تأميم وضبط الخطاب الديني المسجدي والفتوى والتعليم العتيق، قبل أن كانت هذه المجالات الدينية الإستراتيجية تندرج ضمن الوظائف المستقلة للعلماء في حقل الدعوة طيلة التاريخ الديني والسياسي للبلاد.
ولا شك، أن هاته التطورات المجتمعية والسياسية المرتبطة بمعطيات التحديث المؤسساتي والسياسي لبنى المجتمع والدولة بالمغرب، خيمت بظلالها على الموقف والسلوك السياسيين للعلماء في علاقتهم بتبني الثقافة السياسية الحديثة وبإنجاح مسار التحول الديمقراطي المنشود، الذي يحتاج تعضيده في البيئة العربية والإسلامية عموما ومنها المغرب، إلى الإسهام الإيجابي لنخبة علماء الدين في التأصيل الفقهي لقيم المواطنة الفاعلة، والمشاركة السياسية والمدنية في المجتمع، وإلى انحيازهم المبدئي فكرا وممارسة لأسس الديمقراطية، وشروطها السياسية المتمثلة في التداول السلمي على السلطة، ونزاهة الاستحقاقات الانتخابية، والحق في المعارضة، واستقلالية السلطة القضائية عن دوائر الحكم، وغيرها من المبادئ الضامنة لسيادة الحكم الديمقراطي الراشد في الدولة المدنية.
اترك رد