صورة الآخر في رحلات عربية

يقع كتاب “صورة الآخر في رحلات عربية : من القرن العاشر الميلادي إلى القرن الواحد والعشرين لصاحبه الأستاذ بوشعيب الساوري في 240 صفحة من الحجم المتوسط”
بدأ الكاتب مؤلف بمقدمة تطرق فيها إلى محاولة تعريف الرحلة بأنها مجموع الكتابات التي لها علاقة بفعل الإنسانية وصورة الآخر التي تحيل على مبحث يسمى “علم الصور””Imagologie” التي تبنى على ثنائية الحاضر والغائب أو الواقعي والذهني/ الخيالي.
وبالتالي الإشتغال على العلاقة بين الأنا والآخر وذلك بالاعتماد على مرجعيات نصية ونماذج مأخوذة من الثقافة المنظورة/المصدر. والحديث على الصورة يستحضر- حسب الكاتب – ثنائية الهوية والغيرية،انتقل بعد ذلك الكاتب إلى محاولة تلخيص ما تناوله الكتاب (15 رحلة) امتدت من ق10م إلى ق 21م تناول خصوصا رحلات مدروسة.
صورة المرأة بين الإندهاش إلى الإقرار بالإختلاف الثقافي:
تعد رحلة ابن فضلان (ق10 م) إلى بلاد الصقالبة من أكثر الرحلات التي ركزت على المرأة حيث وجد الكاتب أن ابن فضلان قد تفاعل مع الصورة الملتقطة للمرأة وذلك بالإشارة إلى هذه الظاهرة دون التعليق عليها أو مع التعليق أو مع استنكارها أحيانا أخرى .
كما أن ابن فضلان لم يهتم في وصفه للمرأة على المظهر الخارجي بل ركز اهتمامه على وضعها وفعلها وحتى في أثناء تطرقه لمظهرها الخارجي فإنما كان ذلك من أجل الإشارة إلى الاختلاف الثقافي ليس إلا.
وخلص ابن فضلان إلى أن المرأة في بلاد الصقالبة كانت تابعة وخاضعة (مثلا: تعدد الزوجات – الرق) وتقديمها كقربان – المرأة المغتصبة-
صورة الآخر: من الاختلاف الثقافي إلى الإثنوغرافيا العفوية: حاول الكاتب بداية وضع تعريف دقيق لمفهوم الثقافة و الإثنوغرافيا فالرحالة لا ينسلخ أبدا عن الثقافة رغم ما قد يعيشه من ثقافات جديدة والثاني يعني دراسة وصفية لأسلوب الحياة ليعتبر الكاتب أن نص الرحلة من الإرهاصات الأولى لعلم الإثنوغرافيا وكنموذج هنا رحلة أبا دلف الموسومة (بالرسالة الأولى) التي تميزت بخصائص عدة قدمها أبو دلف عن الأتراك تميزت بالثقة والضبط خصوصا فيما تعلق بالأكل واللباس وفي كل مرة كانت تحضر الأنا أو الهوية العربية الإسلامية كأدة للمقارنة بين الأنا(المسلمة والآخر(الأتراك) إضافة إلى تركيزه على جوانب أخرى في المقارنة كالسياسة والتعليم.
الآخر بين الاستقباح و الاستحسان : يعتبر ابن بطوطة من أشهر الرحالين العرب الذين كتبوا عن افريقيا الغربية قبل الإستعمار حيث حفلت بصور عديدة للآخر الإفريقي المسلم صور تمازجت بين الاستحسان والاستقباح .كاستحسان المعاملات والعبارات واستقباح بعض العادات والتقاليد التي محاها الإسلام (دخول الجواري والخدم والبنات عاريات…)
وتقف وراء هذا الإستحسان أو الإستقباح خلفية ابن بطوطة الفقيه والقاضي، لكن في أحيان كثيرة كنا نجده يخرج إلى موقف ثالث هو السخرية والازدراء “وطال تعجبي من ضعف عقولهم وتعظيمهم للشيء الحقير”.
– الوعي التاريخي وتشكيل صورة الغير:
– ينطلق الساوري في هذا الموضوع من جدلية التاريخ/الماضي والغيروتأتير الأول على الثاني .فالرحالة- دائم الاستحضار لتاريخه ومنه يكون صورة جديدة عن الآخر.وكنموذج رحلة الوزيرفي افتكاك الأسير(1690-1691م)لمحمد بن عبد الوهاب الغساني.لقد كان دائم الإسترجاع واستدعاء التاريخ حيث تتحول الكنسية عنده إلى مسجد، كذلك استحضار أمجاد المسلمين في الأندلس، وبالتالي تكوين صورة ايجابية وصراع الماضي والمشاهد لنحصل في النهاية على تكوين صورة سلبية عن الغير تحكمت فيها العقيدة ووصلت لدرجة الإتهام، اتهام النصارى بتشويه معالم وثرات المسلمين في الأندلس،وكهروب من هذا المأزق سيحاول الغساني بعث صورة الأنا التاريخية واستحضارها من جديد من أجل استرحال الأندلس إلى المسلمين.
صورة الآخر وتوجيه الذهني للمرئي:
اعتبرالنصف الثاني من القرن 18م (عهد السلطان العلوي محمد بن عبد الله) عصرا ازدهرت فترة الدبلوماسيات المغربية وبالتالي رحلات كثير نحو الغرب (الآخر) لكن أهم رحلة في هذا العصر تبقى الرحلة السفارية لابن عثمان المكناسي المسماة:”البدر الساخر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر”الرحلة الثانية إلى نابولي وسلطة 1781 م .حيث اعتبر الكاتب أن هناك منطلقات تحكمت في ابن عثمان منها التاريخ والدين وتسجيل ما يراه.والمهم في هذه الرحلة أن هناك أكثر من آخر وأكثر من صورة فنجد صورة المالطي العدو الكافر المخالف لدين الأنا والنابولي الطاغي والجماعة البوغية والصقلي الكريم.وإن كان قد استقبح بعض أفعالهم (دار القمارمثلا).
وحضرت صورة المرأة أيضا في الرحلة في ثلاث مناسبات: مراسيم الإستقبال، وحفلات الرقص والراهبات إلا أن ابن عثمان يصف المرأة ويفصل الحديث عنها مركزا على ما تثيره من فتنة جسدية وإن كانت الرحلة في الأصل من أجل إفتداءالأسرى المسلمين فكان لابد من الأنا القوية التي أظهرها ابن عثمان طيلة رحلته أمام الآخر العدو.
جدل الذاتية والموضوعية في تشييد صورة الغير:
تناول الكاتب في هذا المحور الرحلة الصيامية لسليمان بن صيام الجزائري من أجل حضور تنصيب الملك نابليون الثالث بأمر من الحاكم العام للجزائر ومن ثمة اعتبرت رحلته هذه- حسب الكاتب-رحلة أمرية بامتياز وتوزعت الأحكام فيها إلى أحكام ذاتية وبعض المشاهدات كذكاء العقل وغياب التقليد وغياب الأمية ثم العدل وأخرى موضوعية كغياب التسول والمتحف والهاتف وحديقه الحيوان والمسرح والسكة الحديدية.
صورة الفرنسي بين جدل إدراك الوعي ومقاومة اللاوعي الثقافي :
بدأ الكاتب أولا الحديث عن الرحلة وتعدد الأنساق حيث اعتبر بداية النص الرحلي ملتقى “لتفاعل عدة أنساق تساهم في إنتاجه”.ورحلة “تحفة الملك عبد العزيز بمملكة باريز لادريس العمراوي تتأسس بدورها على ثلاثة أنساق : السياسي والديني والأوبي.
1) السياسي: تمثل في ضعف المغرب السياسي والعسكري بعد هزيمة إيسلي 1844 م
2) الأوبي : أثناء التعبير عن انفعالات ووجدان الرحالة تجاه بعض مواقف ومنجزات الغير.
3) الديني الفقهي:حاضر بقوة كضرورة معرفة الغير الكافر ونقط قوته لدرء خطره المحدق بالأنا.
هذه الأنساق الثلاثة أدت إلى ظاهرة تمزيق صورة أو تمثلات الأنا عن الغير، وصدمة اللقاء توزعت بين الإعجاب والإنبهار أو رفض الآخر المختلف ثقافيا لتتكون صورة جديدة هي صورة قوة الغير الدنيوية المتقدم في كل المجالات (القطار- حب العمل- حسن المعاملة) وفي المقابل نجد صورة أخرى هي صورة التدني القيمي للغير منطلقا في ذلك من ثقافته الذاتية التي يجعلها دائما ميزان المقارنة فيظهر حسب ادريس العمراوي- تفوق الأنا القيمي على الآخر(حانات الرقص و الغناءوالخمر).
صورة الغير بين قوة المرئي وتشويش الذهني:
حاول ذ.الساوري بداية تحديد سياق رحلة أبي الجمال محمد الطاهرين عبد الرحمن الفاسي الموسومة “بالرحلة الإبريزية إلى الديار الإنجليزية” التي كانت محاولة ترتيب الأوراق وتنظيم الصفوف وذلك عن طريق بعث مجموعة من السفراء إلى أوروبا لوضع أسس جديدة للعلاقات الاقتصادية والعسكرية نتيجة الهزائم المتتالية للقوات المغربية ومع وصول أبي الجمال إلى انجلترا تكونت مفارقة مع الغير تلك الثنائية التقليدية – حسب الكاتب – منها ماهو صورة إيجابية تمثلت في تميز الغير أدى إلى الإنبهاروالإعجاب بمنجزاته والإنبهار بسلوكه ليحاول الرحالة هناك ايجاد تفسير لهذا الشرخ بين الثقافتين بدأ أولا بالإقرار بعجزالأنا لكن سرعان ما تتدخل بعدها المرجعية الدينية التي ترجع تفوقهم إلى القدرة الإلهية.
صورة الآخر وصورة الأنا بين الواقع المرئي والإنشداد إلى الماضي :
تعتبر الرحلة الأندلسية لعلي بن سالم الوزاني من الرحلات السفارية نحو فرنسا وانجلترا واسبانيا قصد الإطلاع على الآثار العربية والكتب الإسلامية النفيسة هناك.
والملاحظ أن الورداني في هذه الرحلة قام برحلتين: رحلة فعلية في الحاضرأدى فيها مهمة رسمية وأخرى رمزية شخصية حاول فيها تقصى الأنا الاسلامية بالأندلس نتج عن ذلك رحلتان أيضا :رحلة نحوالآخر ورحلة نحو الأنا .
وخلال هذه الرحلة كان الانشداد الى الماضي واضحا جدا فكان دائم العودة الى الماضي العربي في الاندلس وذلك من خلال المكان الكائن مادي وتأسفه على ضياع هذه الأمكنة والآثار الخالدة تم نتيجة الانبهار بمنجزات الآخر العلمي والصناعي .
كما نجد في الطرف النقيض صراع الآخر بين القبول والرفض فالآخر المقبول المبهر للأنا هوالفرنسي المتقدم بعلومه ومعارفه وعمرانه أما الآخر المرفوض فهو المستعمر سواء كان فرنسيا أو اسبانيا أو انجلزيا باشتم الآخر الكسول والآخر المتعصب دينيا والآخر المتوحش والنتيجة النهائية هي صدام بين الأنا والآخر.صراع نفسي عند الرحالة خصوصا عند عرضه للمآثرالأندلسية ثم صراع العادات والتقاليد كمصارعة الثيران تلك العادة التي ازدراها والتي تعبرعن همجية الآخر وفي المقابل محاولة الرحالة تزيين عادات الأنا الذات وحتى ما هو جميل من عادات عن الإسبان يرجعه إلى أصل عربي. وعموما فقد تكونت عند الورداني أنا حالية قوية ظهرت كإشارات في القوة العسكرية للدولة العثمانية والأنا الماضية ظهرت في الآثار الاسلامية بالأندلس.
نحو الانفتاح على الآخر :
سيحاول الرحالة المغربي والمبعوت المخزني التاجر والفقه محمد الحجوي انطلاقا من رحلة نحو أوربا (الرحلة الأوربية في قرن 20)إبرازالهوية المغربية في تصادمه مع الآخر.
فكان الدافع الشخصي الأول عنده هو إرادة المعرفة باعتباره رجلا ينتمي إلى الخطاب الإصلاحي فكان اهتمامه الجانب المعرفي أكثر.خصوصا أن رحلته هذه كانت رحلة شخصية وليس بإيعازمن أي أمرأو سلطان عكس من سبقوه من الرحالين.
وبالتالي فقد هيمنت تيمتان أساسيتان هما العلم والأخلاق وبدوره سيقف عند أسباب تقدم وتفوق الآخر فليجد الجواب النظام والأخلاق وتبقى العين المجردة هي الموجه للرحالة هنا، ليحرص على تقل كل ما تراه عينه إلى القارئ وان كان في بعض الأحيان الأخرى يعتمد إضافة إلى العيان على السماع والذاكرة.
والملاحظ في رحلة الحجوي أن الصورة التي كونها عن الآخر لم تكن صورة نمطية أو قبلية وجاهزة وإنما تأسست نتيجة الاحتكاك معه ومعرفته عن قرب،وخلاصة هذه النظرة هي دعوة الحجوي إلى الإقتداء بالآخر سواء في الإقبال على العلم أو الأخلاق الحسنة،مما يعني نوعا من المرونة وتقبل هذا الآخر المختلف.
ولم يبتعد الحجوي في رحلته عمن سبقوه فنجده يضع مقارنة بين الأنا(المختلف) والآخر(المتقدم)، وإن كانت نتيجة المقارنة تختلف وتخلص إلى دور العلم والنظام وحسن الأدب في تفوق الغير مقابل تختلف الأنا.
صورة الآخرالأوربي بين الوحدة والتعدد:
تختلف رحلة شفيق جبري :”رحلة إلى أوربا على صخور صقلية (1934)عن سابق الرحلات حيث ركزت هذه الرحلة على تدوين الإنفعلات لاغير عكس سابقاتها التي ركزت على النزعة الدينية أو فنون أوربا أو الدهشة من حضارة الغرب.وقد تخلصت هذه الانفعالات بين ما هو عام وما هو خاص.فالصور العامة تمثلت في صورة المستعمر الناهب لخيرات الأنا وغاصب حريتها والمتحكم فيها، الآخر النفعي المادي المركز علاقته مع الأنا على الاعزاء ، أو صورة الغرب كمقابل للشرق سواء من حيث التشابه أو الاختلاف :”سعة حياة الغرب في مقابل ضيقها لدى الشرق، هذا الغرب الذي يأخذ والشرق التي تعطي”.ومن جانب آخر فصورة الآخر عند شفيق جبري تعددت لخصها الكاتب في خداع الفرنسي (احتلال فرنسا لسوريا ) وذلك باستعمال الأدب تمهيد الاحتلالها ، أو العنف الايطالي الحامل للسكاكين والشحاذين الجائعين ،أو الأدب السويسري أو غرابة الانجليز هذه الغرابة التي لم يعهدها في الغرب بصفة عامة كالكرم وسمو الأخلاق وهدوء الأعصاب والسلوك الحسن وكما هي العادة سيقيم جبري مقارنة لكن هذه المرة ليس بين الأنا/ الشرق والآخر/ الغرب بل بين الآخر والآخر. مثلا بين الإنجليز مع غيره من الأوربين ليخلص إلى فوض الايطالين مقابل نظام الإنجليز وميل الفرنسيين إلى القراءة والنظرية مقابل ميل الإنجليز إلى القرءة العملية ونظافة الإنجليز مقابل عدم نظافة الايطاليين وشهامة الإنجليز مقابل عدمها لدى الايطاليين ثم فيما بعد بين الأنا والآخر ليخلع إلى جدية الآخر ورتابة الأنا وكسله ونظامه الأخر وأدبه في مقابل فوضى الأنا.
من كل ذلك أمكن ذ.الساوري استخلاص انفعالات الرحالة تجاه الآخر: الارتياح تجاه السويسري و الإنجليزي و النفور من الفرنسي والخوف من الايطالي والانبهاري بإنجليزي أيضا.
صورة الآخر من الانبهار إلى المعرفة
الإنبهار طبيعي بمجرد اتصالنا لأول مرة بالآخر لكن هذا الانبهار قد تخف حدته أو يزول مع الاقتراب أكثر منه وهذا ما حصل مع ليلى أبوزيد في رحلتها ” سبع سنبلات خضر” وهي عبارة في رحلته قلمت بها إلى لندن سنة 1968م.ولعل أول انبهار بالآخر عند الكاتبة في انتظام الانجليز ودقتهم في كل الأمور،ثم انبهارها بالنظام السياسي البريطاني البرلماني. كل هذا ولْد لدى الكاتبة نوعا من الفضول لمعرفة الآخر متسلحة بما قرأته في الكتب عنه والخوض في دقائق الأمور، فوقفت عند أمور عدة لم تكتف بوصفها فقط وإنما حاولت تحليلها كانزواء الانجليز وانطوائهم وعدم تدخلهم في شؤون الغير وعنصريتهم وحرية لباسهم مرجعة بعض ذلك إلى مناخ وطبيعة بريطانيا(الخضرة والثلج) الذي يساعد على هدوء الأعصاب إلا أن اندهاشها لم يمنعها من انتقادهم في مواضع أخرى كانتقادها للعنصرية عندهم وعدم معرفتهم بالجفرافيا كاعتقادهم أن المغرب يوجد بأمريكا.
نقد الذات وتمجيد الأخر.
انطلق محمد أمين دوغان في رحلته ” أيام في أرض السلام” التي قام بها نحو الاتحاد السوفياتي أواسط الثمانينات من ق20 من عدة منطلقات منها علاقة العرب مع الاتحاد السوفياتي و الحرب الداخلية في لبنان وعلاقة العرب مع أمريكا وإسرائيل، هي رحلة قصيرة لم تتجاوز اثناعشر يوما هدفها سياحي بالدرجة الأولى – حسب الرحالة نفسه- إلا أن السياحي داخله ظل حاضرا طيلة الرحلة.
لذلك فقد حملت هذه الرحلة في طياتها هموم عصرها كالصراع العراقي الكويتي وموفقة من الحركات الاسلامية والاحتلال السوفياتي لأفغانستان. إلا أن ظروف الحرب التي عاشتها لتبان أثرت على نفسية الرحالة لتظهر لنا موقف جديد من الغير حيث عمل دوغان على تزيين الآخر في مقابل تقبيح الأنا عكسي مارأينا في رحلات سابقة هذا النقذ للذات تجلى في الوعي بالخطاء والأوهام التي ظل العرب ينشدها بعد حرب 67، وانتقاد بعض السياح العرب وتصرفاتهم لتظهر في الرحلة مجموعة ثنائيات، حيث ظل الرحالة يربط مشاهداته بوطنه لبنان، فلبنان ظل حاضرا طيلة الرحلة بل اعتبره مرجعا يعود إليه دائما لوضع مقارنة، ومن التنائيات التي وجدت مثلا ثنائية الداخل والخارج: مفارقات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية بين بلده لبنان والبلد المرتحل إليه: الأمن واللا أمن في بلده لبنان الحرب وويلاتها وعند الآخر السلم وامتن، ثم ثنائية التفاهم والخلاف، وذلك من خلال الحط من مكانة الأنا مقابل الاعلاء من قيمة وممنجزات الآخر. لكن كرجل سياسي سيحاول دوغان تقديم بديل أو حل لكل ما يشهده العالم العربي عامة ولبنان خاصة من شتات وحروب وقدم حلولا منها تمجيد الثورة والايمان بها واتحاد الطوائف اللبنانية المتنافرة وإلتفافها حول رجل واحد كان هو جمال عبد الناصر.
الآخر ومعرفة الذات:
جرت العادة في الرحلات السابقة أن ينطلق الرحالة من تصورات خارجية في رحلاته، لكن مع خليل النيمي السوري القيم بفرنسا في كتابه “كتاب الهند: الحج إلى هاري- دوار” كان المنطلق ذاتيا محضا، حيث يصرح بأن يحاول معرفة ذاته انطلاقا من معرفته بالآخر. معتمدا على الرؤية المباشرة ورافضا في الوقت نفسه تصورات مسبقة عن هذا الآخر.
وبالتالي التركيز على العيان بدل السماع، متسلحا بالشك والنسبية والخلاصة تقديم الرحالة هنا صورا عن الآخر تزاوجت بين ما هو سلبي وما هو إيجابي.
السلبي مثلا:الاحتيال وبؤس الأخر، ثم صورة ايجابية كالتسامح الديني البعيد ولطف السلوك ودمانة الأخلاق من هنا حاول النعيمي معرفة ذاته انطلاقا من معرفة الأخر ليضع بدوره مقارنة منها حرية الأخر في مقابل قمع الأنا واختلاف الهندي وتغيره مقابل نمطية العربي ولطف الهندي مقابل لزم العربي وبساطته مقابل تبجح الأنا ثم حين سلوك الهندي مقابل فوضى الأنا.ليكون في النهاية صورة مجملة عن الأنا منها اعتمادها على الأحكام المسبقة والخمول وادعاء المعرفة والقمع وغياب القوانين وسلبية وسائل الاعلام والمواطن العربي عموما والزيف والكذب.
الآخر من المقروء إلى المرئي:
– ينتقل صبري حافظ في رحلته ” استطرادات يابانية “بين مرحلتين : ما هو مكتوب وما هو مرئي.
إن أول ملاحظة سجلها المؤلف في” استطرادات يابانية” على تلك الصورة الإيجابية التي كونها حافظ عن الآخر،صورة الانبهاربفعل الاخرالياباني ودوره في تنمية البلاد وفعله الأخلاقي،حيث يحاول تلخيص سرالتميز الياباني في التفكير الاستباقي بمعنى تلك الرؤية المستقبلية والقدرة على الفعل ورد الفعل، ثم الالتزام والمسؤولية و الانضباط والتفاني في العمل والدقة.وفي المقابل هناك صورة الأنا التي تتسم بعيوب كثيرة كالشعور بالهزيمة والأنانية واللا انضباط.من هنا كوَن صبري حافظ صورة عامة مفادها أن الأنا نقيض الأخر وذلك من خلال قناعة الأخر مقابل جشع المصري ( مثلا في اليابان لا يوجد بقشيش)، أدب الياباني ودماثته مقابل قلة أدب المصري (أسلوب ساق الطاكسي المتسم بالأدب البالغ) ونظافة الآخر في مقابل قذارة الأنا (نظام الطاكسي التي ركبها).
– وأخيرا المسؤولية لدى الآخر وانعدامها لدى الأنا. ومن أجل تكوين هذه الصورة تسلح صبرى حافظ بآليات عدة منها الذاكرة القرئية كقراءته للأدب الياباني ثم الاحتكاك المباشر بالآخر و الاستطرادلت والمقارنة والصور الفوتوغرفية.
تركيب عام
ابن فضلان: قدم عدة صور للمرأة :تابعة – خاضعة
– أبودلف: قدم ارهاصات أولية للاثنوغرافية العفوية
– ابن بطوطة: التركيز على أفكار الغير
– الغساني: التصادم بين الأنا والغير
– ابن عثمان المكناسي: عدم التخلص من السياق الحضاري المشحون بالتصادم بين الثقافتين المغربية والأوربية
– ابن صيام : تباين موافقة: موقف المحاباة(فرضية السياق) وموقف العاجز المنبهر( فرضية الموضوعية)
– العمراوي: تحكم النسقين الديني والسياسي في الرحلة.
– أبو الجمال بن عبد الرحمن الفاسي: صراع بين صوتين: الأولى نمطية والثانية واقعية مستقاة من الالتجربة.
– الورداني: صور الذات الازدواجية :قوة الآخر- ضعف الآنا
– الحجوي: تشخيص الأنا وإبراز عوامل ضعفها مقارنة مع الغير
– ستفيق جبري: صدام الأنا مع الآخر الأوربي
– ليلى أبوزيد: الاندهاش والانبهار من منجزات الآخر
– دوغان هواجس وتطلعات مثقف عايش الحرب وبأمر السلم الموجود في الغرب
– النعيمي: الرغبة في معرفة سر تفوق الآخر.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد