قراءة المدن ثقافيا: المدينة الخليجية نموذجا

هل يمكن أن نقرأ المدن بوصفها نصا مفتوحا ؟ يطرح هذا السؤال رؤية جديدة، نحاول من خلالها قراءة المدينة الحديثة – وكذلك القديمة – قراءة ثقافية، بعيدا عن الوصف التقليدي للمعالم والخطط والشوارع، وعدد السكان وتنوّعاتهم. فقد تقرأ القراءة الثقافية نصا مكتوبا أو مرئيا أو ظواهر اجتماعية أو مشكلات وما شابه، لكن هل يمكن أن تقرأ معمارا يحتوي سكانا، بكل ما فيه من صخب وتفاعلات وعلامات فكرية واجتماعية ونفسية جمعية وأيضا نفسية فردية ؟
تلك هي الإشكالية، وفي هذه الحالة، سننتقل من الرصد الخارجي للمدينة، إلى الغوص في أعماقها بشكل كلي، نبدأ من تأمّل بنيانها، ثم دراسة أحوال سكانها، خاصة أن المدينة بشكل عام فضاء مفتوح، تذوب فيه الروابط والعلاقات الاجتماعية التقليدية على نحو ما لا نجد في الريف أو مضارب البدو أو الأحياء الشعبية.
إذن، القراءة العمرانية الثقافية تعني : النظر إلى المدينة بوصفها عمرانا ماديا حاويا لمكونات ثقافية واجتماعية وفنية وإبداعية كثيرة وعديدة، تتفاعل فيما بينها بالتعايش، الذي وهذا بعد إيجابي لابد من حدوثه بشكل أو بآخر، بحكم التأثير المجتمعي اليومي، كما يمكنها أن تعزز التلاقي بين الثقافات المختلفة وإن كانت أجنبية، كما نرى مع المدن الجديدة في الخليج العربي، إذ قد حوت جاليات مختلفة اللغة والثقافة، عربية كانت أو أجنبية، وهي ظاهرة عالمية، بل هي من ظواهر العولمة، فهناك مدن عالمية استقبلت جاليات أجنبية وعاشت فيها، مثل غالبية المدن الأوروبية، والمدن الرئيسة في الولايات المتحدة ودول شرق آسيا.
وبالتالي تكون الدراسة للمدينة مطبقة لمنظور كلي، يحوي في طياته أبعادا ومحاور كثيرة تساهم في تجلية الواقع المعيش فيها، وفهمه، من أجل دراسة إمكانية التقارب والاندماج بين شرائح سكانها، ضمن أطر العيش المشترك.
فعندما ننظر إلى ” المدينة ” بوصفها موضوعا في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية ،وأيضا معبرة عن واقع ثقافي وفكري ؛ سنجد أنها بناء معقد التركيب، يقدّم لنا أنماطا ثقافية وقيمية متشابكة ومعقدة، فهي نسق من عادات وتقاليد واتجاهات ومواقف منظمة، وأيضا مشاعر متلازمة، تتناقل عبر تلك المنظومة النسقية (1) فمن أهم مميزات المدينة الحديثة اختفاء الروابط العاطفية التقليدية (على نحو ما نرى في القرية أو القبيلة ) وظهور روابط اجتماعية جديدة تعتمد على الفردانية والمصلحة الذاتية، وتتسع المدن وتكبر وتتنامى عبر سلسلة من عمليات الهجرة والنمو الحضري، وفق السير مع قوانين معينة تشبه القوانين البيولوجية على نحو ما تفعله الأسماك والحشرات في وسط أجواء من المزاحمة الى ان تتوزع وتستقر في بيئة حياتية مناسبة وملائمة معهم، فالجماعات البشرية تسلك سلوكا مماثلا حين تنشئ أحياءها السكنية ويبدأ سكانها بالتكيف بعضهم مع بعض لتدبير المعيشة ومن ثم تصبح مراكز هذه التجمعات نقطة استقطاب وتجمع للمصالح الاقتصادية المعيشة و الترفيهية التي تمتلكها وتستخدمها الشرائح المرفهة. (2)

للاطلاع على النسخة الكاملة


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد