افتتح صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، ووكيل جامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن سالم الرويس، وسفير جمهورية اليونان لدى المملكة العربية السعودية الدكتور ديميتريوس ليتسيوس؛ الندوة العالمية لعلاقات الجزيرة العربية بالعالمين اليوناني والبيزنطي، القرن الخامس قبل الميلاد إلى القرن العاشر الميلادي، بقاعة الشيخ حمد الجاسر بالجامعة مساء الثلاثاء.
هذا وتقدم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بالشكر لجامعة الملك سعود، فقال: “أود في البداية أن أشكر لجامعة الملك سعود جهودها في تنظيم هذه الندوة التي تنعقد في رحابها، والشكر موصول إلى المؤسسات والجهات المشاركة في عقدها، وأخص هنا الهيئة العامة للآثار والسياحة والسفارة اليونانية في المملكة”.
وأضاف سموه: “إن المعروف تاريخياً أن الجزيرة العربية قد ارتبطت –بحكم المصلحة والضرورة- بعلاقاتٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ واقتصاديةٍ مع الدول والإمبراطوريات والحضارات التي سادت في التاريخ البشرية؛ لأهمية موقعها الجغرافي المتميز وسط الكرة الأرضية، وسجلت لنا المصادر التاريخية الكثير من الأحداث والوقائع والتفاعلات التي تمت بين عالم الجزيرة العربية والعوالم الأخرى، وطبيعة تأثر وتأثير حضارات هذه العوالم في بعضها بعضاً. وإذا ما عدنا إلى هذه المصادر التاريخية فسنجد أن الجزيرة العربية قد ارتبطت مع العالمين اليوناني والبيزنطي بعلاقاتٍ تجاريةٍ مباشرةٍ وغير مباشرةٍ منذ القدم، كما سجلت لنا هذه المصادر تاريخ مراحل الوفاق والخلاف بين العرب والروم وغيرهم. لقد كان القرب الجغرافي محتماً لوجود مثل هذه العلاقات. وفي هذا السياق أتطلع أن تسهم هذه الندوة في سبر أغوار طبيعة هذه العلاقات التاريخية وحدوها، بما يكشف لنا عن خبايا هذه العلاقة للفائدة العلمية وللاستفادة من دروسها. وأثق بأن ذلك ما سوف نسمعه خلال اليومين القادمين”.
وقال سموه أيضاً: “إن استحضار العلاقات التاريخية بين الدول والحضارات السائدة والبائدة ودراستها في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البشرية أمرٌ مهمٌ وضروريٌ لما تواجهه العلاقات بين الحضارات والأديان والثقافات السائدة من ضغوطٍ متنوعةٍ ومتعددة الأبعاد. فإذا كانت الاتصالات وعلاقات التعاون والحوار هي وسائل تجاوز الصراعات بين الأمم في الماضي، فهي نفسها وسيلتنا اليوم للتعامل مع هذه التحديات. والمملكة العربية السعودية، الوارثة، هي وشقيقاتها دول الجزيرة العربية؛ لإرث الجزيرة العربية التاريخي والحضاري في إقامة العلاقات مع الدول والشعوب الأخرى، لا تزال وفيةً لهذا الإرث بدفعها مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين الثقافات والأديان والفلسفات السائدة في العالم. وإن السير نحو سبيلٍ أفضل للعلاقات مع كل شعوب العالم ودوله، والبحث فيما يجمعنا من قواسم تاريخية مشتركة مع الآخرين يساعد في ذلك. وفي هذا السياق ينبغي لنا أن نستذكر ما خلّفته الحضارة الإغريقية من إرثٍ حضاري لا يزال العقل البشري ينهل من أفكاره حتى يومنا هذا، ولن نجد أحداً في هذا العالم يتحدث عن فكرة الدولة والفلسفة والحكم والأخلاق دون أن يستشهد بمفكرٍ أو فيلسوف يوناني.
كما ينبغي لنا أيضاً أن نستذكر أن التلاقح الثقافي بين حضارتنا وثقافتنا وحضارة اليونان وثقافتهم، قد أسهم في وضع أسس الحضارة الغربية الحديثة وقواعدها في الفكر وفي العلوم”.
واختتم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية كلمته بالقول: “إن هذه الحقائق التاريخية توفر الأساس الراسخ لعلاقات وثيقة تربط بين ورثة العالمين اليوناني والبيزنطي ودول الجزيرة العربية. ونتحمل نحن –في المملكة العربية السعودية واليونان- مسئولية البناء على هذا الإرث التاريخي، أرجو لهذه الندوة كل النجاح، متمنياً أن تكون نواة لأنشطة أخرى تسعى لتوثيق العلاقات بين بلداننا”.
هذا وقد قال رئيس اللجنة المنظمة للندوة، الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العبدالجبار، في الكلمة الافتتاحية: “امتداداً لمؤتمراتنا الدولية الرامية إلى الكشف عن الجوانب المجهولة والمهجورة من تاريخ الجزيرة العربية، والتي تمثلت في سلسلةٍ من الندوات المتخصصة في دراسات تاريخ الجزيرة العربية، عقد منها حتى الآن سبع ندوات عالمية، يأتي انعقاد هذا المؤتمر على نسق ما سبقه من مؤتمراتٍ مع التركيز على علاقات الجزيرة العربية مع إحدى الحضارات المهمة في العالم، هادفاً إلى الكشف عن جوانب مهمة من تاريخ الجزيرة العربية القديم والإسلامي، وعلى وجه الخصوص علاقاته بالعالمين اليوناني والبينزنطي”.
وأضاف العبدالجبار: “تتميز هذه الندوة بمشاركة مراكز عالمية داخلية وخارجية في التنظيم، حيث يشارك داخلياً مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية والهيئة العامة للسياحة والآثار، ومن خارج المملكة يشارك معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بأثينا، إضافةً إلى التعاون مع سفارة اليونان بالرياض”.
وشارك في الندوة التي انطلقت جلساتها صباحاً الثلاثاء (64) عالماً وباحثاً متخصصاً في التاريخ القديم والآثار والتاريخ الوسيط والإسلامي، يمثلون تجمعاً علمياً ضخماً مما يزيد عن ست دول عربية وتسع دول أجنبية.
وينظم الندوة قسم التاريخ بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، لتحقيق عددٍ من الأهداف في مقدمتها: تحقيق اللقاء العلمي والبحثي بين العلماء والباحثين العرب والأجانب في تخصصاتٍ تجمعها الأصول الحضارية للمنطقة، مناقشة قضايا التفاعل العلمي والتبادل الأكاديمي النشط بين هذه التخصصات، تحقيق التواصل بين العلماء والباحثين في الجامعات والهيئات العلمية العربية والأجنبية وتفعيل الحوار بينها، عقد أكبر تآخي علمي بين العلماء في مجالات التاريخ القديم والوسيط والإسلامي والآثار بعلومها المختلفة، تسليط الضوء على منطقة الجزيرة العربية كمعبر للتأثيرات والمؤثرات المختلفة المتبادلة بينها وبين الحضارات اليونانية والرومانية والبيزنطية.
وتدور أعمال الندوة حول أربعة محاور رئيسية وهي: الجزيرة العربية واليونان، الجزيرة العربية والعالم البيزنطي، الجزيرة العربية والتجارة الإغريقية البيزنطية، التأثيرات الحضارية بين الجزيرة العربية واليونان وبيزنطة.
إلى ذلك أكد سفير جمهورية اليونان لدى المملكة، الدكتور ديميتريوس ليتسيوس، في معرض كلمته أن “هذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها ندوة عن التاريخ تتمحور عن العلاقات ما بين العالم اليوناني وشبه الجزيرة العربية في المملكة العربية السعودية، وإنه لشرف كبير استضافة مثل هذا الحدث الذي يضم أكثر من (60) خبيراً من مختلف أنحاء العالم، وفي نفس الوقت هو تحدي. ويكمن الجزء الأهم في هذا التحدي في التوصل إلى مستوياتٍ عالميةٍ عالية، بينما نحاول أن نحاور المواضيع المدرجة مع إشراك أكبر عدد من الحضور في النقاش في نفس الوقت”.
وأضاف: “كان من المستحيل عقد هذه الندوة من غير العثور على الشركاء المناسبين من الجانب السعودي وقد ثبت أن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وجامعة الملك سعود والهيئة العامة للسياحة والآثار، هم الشركاء الأمثل لهذه المهمة، إني مدين لهم بالشكر العميق لتعاونهم واستعدادهم للقيام بالمهام التي شكلت التحدي الأكبر لتنظيم هذا الحدث”.
المصدر: جامعة الملك سعود
اترك رد