صدر عن مطبعة جودة بالرباط كتاب “المنطق عند الغزالي ومنهجه في التقريب والتشغيل” للدكتور أحمد الفراك، في 187 صفحة من الحجم المتوسط، ويتكون من مدخل تمهيدي، وفصل أول في مقومات المجال التداولي الإسلامي العربي، وفصل ثان في آليات التقريب التداولي للمعرفة الوافدة على الثقافة الإسلامية، وفصل ثالث في منهج التقريب والتشغيل للمنطق الأرسطي والرواقي في المجال التداولي الإسلامي العربي، وتطبيقاته في المادة الفقهية مع التمثيل لذلك. تناول فيه موضوع المنطق في الثقافة الإسلامية العربية من خلال تتبع منهجية الاشتغال بالمنطق عند أبي حاد الغزالي، أي طرائق نقل المنطق الأرسطي إلى المجال التداولي الإسلامي العربي وإعماله في إنتاج المعرفة الفقهية وتبليغها.
جاء في مقدمته: “هذا الموضوع مثلما يجمع بين الدقة والأهمية يجمع أيضا بين الفائدة والجودة، وما دقته إلا بنظره في خصوصية النظر الإسلامي العربي في التراث المنطقي اليوناني، وما أهميته إلا بمحاولته تمييز أسلم وأنفع اتصالٍ تمَّ بين المجالين التداوليين، أما فائدته فتجدها في اقتراح أوضح وأشهر نقلٍ تمَّ من مجال تداولي إلى مجال مخالف، لتأتي جودته من تلك الآليات الدقيقة في مباشرة عمليات هذا النقل والتشغيل. إنه باختصار موضوع تشغيل المنطق في إنشاء العلم في الفكر الإسلامي العربي القديم”.
وقد صرح الكاتب في مقدمة الكتاب بأن “اختيار هذا الموضوع لا يرد إلى الرغبة في مدح التراث الإسلامي العربي، وإبراز مكامن قوته وتفوقه مقارنة مع تراث غيره، ومن ثمة الدفاع عن الغزالي ضد منتقديه، أو نقده والتحامل عليه كما فعل الكثيرون ممن يحاكمون تراثهم إلى حاضر غيرهم، أي أننا لا نقصد إلى مدح منهج الغزالي ولا إلى نقضه، وإنما لالتماس المنهجية التي اشتغل بها آنذاك واستنتج من خلال إعمالها أحكاما تميز بها عن غيره من علماء ومتفلسفة المسلمين”.
وقد عمل المؤلف على رد دعوى التناقض التي رمي بها الغزالي، معتبرا أنها “ليست شناعة في النسق الفكري عموما والمنطقي على وجه الخصوص، إنما هو خصوبة وقوة تعكس انفتاح متن الغزالي مبكرا، ومروره من انفراجات متفاوتة بعضها فوق بعض، أي بعضها أوسع من بعض، لذلك لا ينبغي “تنسيق” الغزالي، أي لا يستحسن أن ننظر إليه كنسق مغلق لم يتطور تعقله، خاصة ونحن نعلم أن تاريخ الفلسفة حافل بالظواهر الخطابية القائمة على التناقض، مثلما أن هناك حقلا من حقول المنطق يقر بالتناقض ويختص في النظر الفلسفي في مسائله، يدعى “المنطق غير الاتساقي” دون أن يفيد ذلك ترذيل التناقض أو تهميشه”.
وفي الخاتمة قدم الكاتب الخلاصات الآتية:
- مقومات المجال التداولي الإسلامي العربي تتسع لا للمنطق الأرسطي وحده، بل لجميع ما ظهر ليومنا هذا من تشعبات المادة العلمية المنطقية (المنطق غير الصوري بكل فروعه) وغير المنطقية.
- ما كان يعترض به (الأدلة) على مشروعية المنطق قديما، لا يملك ألا يتهاوى أمام السلامة الانتمائية لهذا العلم من كل مذهب أو فلسفة. كما تتهاوى الاعتراضات الحديثة عندما تتصلب على التقليد المميت لكل إبداع.
- تقريب المنطق إلى العلوم الإسلامية زاده ثراء وخصوبة، لانفلاته من قبضة الإلهيات اليونانية، وكذلك يكون المنطق المعاصر إن تم تقريبه خدمة لمقومات المجال التداولي، اختصارا للقول بدل تطويله، وتشغيلا للاعتقاد بدل تعطيله، وتهوينا للفكر بدل تهويله.
- لما كان المنطق يبحث في التدليل، بل إن الحديث عن المنطق ينتقل إلى الحديث عن التدليل، فإنه لا مندوحة للمفكر والعالم والفيلسوف، بله الطالب والمتعلم والمسترشد، عن طلب هذا العلم، والتمكن منه قبل مباشرة أية عملية تقويمية أو تحقيقية.
- المنطق اليوناني مبني على “الصورنة” والتجريد النظري، وأن إخراجه إلى المجال التداولي الإسلامي يتطلب أن يسلك به مسلك التسديد العملي، حتى يُسمع ويَنفع.
- التقريب التشغيلي الذي قام به أبو حامد الغزالي –وإن كان مبالغا في تأصيله- جعل من المنطق علما نافعا وعملا عباديا يجري عليه ما يجري على باقي الأعمال العبادية من جزاء.
- يعتبر الغزالي المنطق حكمة عقلية بشرية لا تخص قوما دون قوم أو زمان سوى زمان أو مجال غير مجال، لذلك أرجع أصله إلى ما قبل اليونان، واستخرج مقاييسه وأمثلته من القرآن، وعمم العمل به على كل ميدان.
اترك رد