من الفينة إلى الأخرى يدخل الصهاينة المسجد الأقصى ، ويقومون بالاعتقال والامتهان للمصلين والركّع السجود ، عقب زيارة لمتطرف دينى أو جماعة دينية متطرفة لساحة الأقصى ، بدعوى أن المسجد الأقصى تحته هيكل سليمان !
واقتحام باحات المسجد لم تتوقف منذ احتلال القدس الشرقية 1967م ، فقد بدأت الاعتداءات على المسجد الأقصى فى عام 1967م عندما اقتحم الجنرال موردخاى غور ورفع العلم الإسرائيلى على المسجد ، وصادر مفاتيح المسجد ، وأغلقه لمدة أسبوع كامل ، وفى عام 1969م تعرّض الجناح الشرقى لحريق مفتعل ، وفى عام 2000 م سبتمبر اقتحم أرييل شارون وجمع من المتطرفين باحات المسجد الأقصى لتندلع شرارة مواجهة دموية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لفترات طويلة على إثر هذا الاقتحام ، وفى عام 2007 م اقتحم المستوطنون ساحات الحرم ، وردّدوا هتافات ضد العرب ، وفى عام 2013 م اعتدى ضابط إسرائيلى على فلسطينية وركل القرآن الكريم بقدمه ، وفى مطلع مارس أصيب حوالى 60 فلسطينيًا بالاختناق جرَّاء إلقاء القنابل على المصلّين ، واقتحم الإسرائيليون باحات المسجد بأكثر من 20جنديًّا ، ومثلهم من المحتلين في عام 2014 م ، ومنذ أيام بدأت المواجهات مرة أخرى ، إثر اقتحام الجنود للمسجد الأقصى .
وهذه الاعتداءات المتكررة – والتى لم تتوقف – سببها اعتقاد اليهود أنّهم أحقّ بالمسجد الأقصى على الأقل من الناحية التّاريخيّة ، فقد بُنى على ” الهيكل ” – كما يزعمون – ، وهذا النقاش المحموم بيننا واليهود حول صاحب الحقّ التاريخىّ في هذه البقعة المباركة ” بيت المقدس ” منذ أمدٍ بعيد ، ورغم أنّ اليهود يعلمون علم اليقين أنّ العرب العماليق سكنوا هذه المنطقة قبل اليهود ، إلا أنهم يحاولون بشتَّى الطُّرق أن يثبتوا أحقيَّتهم التَّاريخية في هذه الأرض المباركة .
فمذ فتح عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – بيت المقدس ، وبنى المسجد ، واليهود يزعمون أن المسجد بُنى على هيكل سليمان ، ويقومون منذ احتلالهم لفلسطين في العصر الحديث بالحفر تحتَ المسجد الأقصى لعلَّهم يجدون أحجارًا تعود إلى عصر نبىّ الله سليمان – عليه السلام – ، والغريب أنهم مذ أكثر من نصفِ قرن لم يجدوا شيئا يقوّى زعمهم الباطل .
والمسجد الأقصى بُنى مسجدًا منذ القدم فقد سئل – صلى الله عليه وسلم – : أىُّ المساجد بُنى أولًا ؟ فقال : ” المسجد الحرام ” ، قيل : ثم أىّ ؟ قال : ” المسجد الأقصى ” ، قيل : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون” .
وسُمّى بالأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام ، وكلمة الأقصى أى الأبعد ، وكان أبعد مسجد عن أهل مكّة في الأرض يعظَّم بالزِّيارة ، ويبدو أنّ الأربعين عامًا بعد رفع الخليل وإسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، وبناه يعقوب – عليه السلام – لبنى إسرائيل يصلّون فيه لله ، ويوحّدون فيه الله ، وإسرائيل هو يعقوب – عليه السلام – ، ومع اختلاف المُسمَّى والإشارة إلى المكان فلا ضَير أن يكون المسجد في عُرفهم مؤخرًا اسمه ” هيكلا ” لكن كما بيّن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه كان مسجدًا ، وسيظلُّ بإذن الله مسجدًا إلى يوم الدين .
والمسجد الأقصى أحقّ الناس بإدارته وعبادة الله فيه ” المسلمُون ” عبر كلّ زمان ، فإذا ضَلّوا نُزعت منهم قيادته ، كما فُعل مع بنى إسرائيل ، فالمسلمُون الآن هم أولى النّاس به .
لأَنَّ المسلمين هم ورثة جميع الأنبياء قال – صلى الله عليه وسلم – : ” أنا أولى بأخى موسى منهم ” ، وقال : ” أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ” .
وفى الصحيحين : ” الأنبياء إخوة لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ” .
وأمَّا مسألة الحقّ التاريخى فإنّ المسلمين لا يقرّون أحدًا على أرضٍ كان عليها يومًا من الأيام بعد فتحهم لها ، من منطلق ” إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء ” ( الأعراف / 128 ) ، ويضمَنون كل حقوق المواطنة لمن يعيش معهم ، كما فعل النبى- صلى الله عليه وسلم – في المدينة مع اليهود .
والممعن النظر في تاريخ بنى إسرائيل يجد أنهم تعرَّضوا لأزماتٍ معروفة ؛ بسبب شخصيَّتهم التى جُبلت على نقضِ العهود ، وادّعاء الأفضليّة المطلقة ، وعدم حبّ الخير للناس أجمعين ؛ لذا لن تجد يهوديًّا يدعوك للدخول في ديانته ، وهذه الأزمات كانت تنتهى بإخراجهم من الشام عندما يضلُّوا عن الطَّريق الحقّ ، والأعداء يدنسون المسجد الأقصى وربما يهدمونه ، ولما يتبدل الجيل ، ويأتى من يستحق الدخول إلى بيت المقدس يعودون إلى الجهاد فينصرهم الله ويعزّهم ، ولعل من أزهر عصور ملكهم عصر نبى الله داود – عليه السلام – ومن هنا بدأت عنايتهم بالمسجد الأقصى وتم تجديده في عهد داود وسليمان عليهما السلام ، من هنا ادّعوا أحقيتهم في المسجد أو كما يسمّونه ” هيكل سليمان ” ، والعجب العجاب أنَّهم آذوا نبىّ الله سليمان وادّعوا أنّه عَبَد الأصنام في آخر حياته – حاشاه عليه السلام – ، وقد أبطل القرآن هذه الفرية قال تعالى : ” وما كفر سليمانُ ولكن الشياطين كفروا ” ( البقرة / 102 ) .
إذن من أحقّ الناس بوراثة سليمان ، من افترى عليه أم من برّأه من الشِّرك ؟
وقد علا اليهود مرة ثانية فقتلوا يحيى وزكريا – عليهما السلام – ، وهمّوا بقتل المسيح عيسى بن مريم – عليه السلام – ورفعه الله إليه ، فسلّط الله – عز وجل – الرّومان عليهم بعد حوالى 40 سنة من رفع المسيح عيسى بن مريم ، تقريبا سنة 70 ميلادية – على أصحّ الأقوال أن المسيح رفع في بداية الثلاثين من عمره – ، فحوّلوا المسجد الأقصى إلى اسطبل للخيول ، وظلّ تحت أيدى الرّومان حتى فتحه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – وتسلّم بنفسه مفاتيح المدينة في حدثٍ تاريخىٍّ معروف .
فأعاد – رضى الله عنه – بناء المسجد ، وأمر بتنظيفه وظلَّ تحت أيدى المسلمين منذ ذلك الوقت ، ورغم كلّ ما مرّ ويمرُّ به المسجد الأقصى من بعد وقرب عن حَظيرة المسلمين إلا أنَّ قيادته كانتْ للمسلمين فهم أولى النَّاس به بعدما قاموا بتنظيفهِ وتعظيمهِ ، بخلاف اليهودِ الذين تركوه وهربوا منذ آلاف السنين .
وبهذا يبطلُ زعمهم بأنّ المسجد الأقصى الحالى بناه عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – ولا علاقة له بالمسجد الأقصى الذى كان في زمن أنبياء بنى إسرائيل ، وهم بذلك يريدون الاستيلاء على المسجد الأقصى ، وشغل النّاس بمكانٍ آخر .
والأحداث الأخيرة تُظهر أنَّ اليهود عندما يجدون الفرصة سانحة ينقضّون على المسجد الأقصى يحرقون ويقتلون ويهدمون لأنّهم متيقّنون لن يردعهم أحد ؛ بسبب انشغالنا بالظروف الحالية ، وهم يروّجون لأحقيتهم التَّاريخية في الهيكلِ المزعوم ، نسأل الله – عز وجل – أن يرزق المرابطين حول الأقصى الإيمان والثبات وأن يُلقى في قلوب أعدائنا الرعب فلا يجترئون على حرماتنا .
هل بُنِى المسجد الأقصى مكان هيكل سليمان؟
من طرف
الكلمات المفاتيح:
الآراء
ردان على “هل بُنِى المسجد الأقصى مكان هيكل سليمان؟”
-
جزاك الله خيرًا دكتور محمد على هذه الكلمة الطيبة حول المسجد الأقصى.
وللعلم رغن أن اليهود لم ولن يثبتوا أي دليل لهم في المسجد الأقصى إلا أنهم يأتون بالأحجار القديمة التابعة لهم ويضعونها تحت المسجد، لكن سرعان ما يتبين كذبهم وافتراؤهم … ولهم مزاعم وأمور كثيرة حول المسجد الأقصى ..
.لكن لن يقسم بإذن الله عز وجل.
والسلام -
شكرا لك دكتور على ما أجدت به وأفدت؛ لكن هل هذه الحقيقة غيّرت من الواقع شيئا ؟..نتمنى أن يستفيق العالم الإسلامي والعربي الرسمي (الحكومات الإسلامية والعربية) من غفلته، وينهض من كبوته..مرة أخرى شكرا على الإفادة وعلى قلمك الرائع.
اترك رد