قراءة في التصنيف العالمي للجامعات (QS) لعام 2015م

بروفيسور عبد الرحيم محمد خبير - جامعة أكسفورد Khabirjuba@hotmail.com
بروفيسور عبد الرحيم محمد خبير – جامعة أكسفورد
[email protected]

صدر من موقع القارديان the guardian)) خلال الشهر الجاري تصنيف التايمز البريطاني العالمي للجامعات كيو أس QS)) الذي يعتمدعلى عدة معايير(جودة البحث، تقويم البرامج الأكاديمية عن طريق نظراء من جامعات أخرى، توظيف الخريجين،نسبة عدد الطلاب إلى عدد الأساتذة،نسبة عدد أعضاء هيئة التدريس الأجانب للعدد الكلي،نسبة الطلاب الأجانب للمجموع الكلي للطلاب والنظرة العالمية للجامعة).ويشير هذا التصنيف إلى أن الريادة للجامعات المرموقة في العالم ماتزال للولايات المتحدة الأمريكية بجامعاتها الشهيرة يتقدمها معهد ماسوشيتس للتكنلوجيا( (IMT،تليه على التوالي: جامعات هارفارد(الولايات المتحدة) كمبردج(بريطانيا)،ستانفورد،فمعهد كاليفورنيا للتكنلوجيا(الولايات المتحدة )،أكسفورد،كلية لندن الجامعيةUCLA))، الإمبريال كوليدج”لندن”(بريطانيا)،فمعهد سويسرا الفيدرالي التقني(سويسرا)،وتختم شيكاغو (الولايات المتحدة) قائمة العشرة جامعات الأولى في العالم.ويلحظ أن خمس منها أمريكية وأربع بريطانية، فضلاً عن معهد سويسري واحد.ويلزم التنويه إلى أن (23,5%)من أل (200)جامعة الأولى عالمياً من الولايات المتحدة،(73,5%) من القارة الأروبية،في حين أن جامعات دول العام الثالث التي إرتقت إلى مجموعة أل (200)الأولى عالمياً لم تتعد أل (3%) .

ومما يستلفت الإنتباه أن قائمة التفوق للجامعات ألـ (200) الأولى في العالم تكاد تخلو من الجامعات العربية والأفريقية عدا جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران (المملكة العربية السعودية) والتي إحتلت المركز ألـ (198 عالمياً) محدثة تقدماً لافتاً ، إذ كانت ترتقي المركز ألـ (225عالمياً) عام (2014م).ومما يسترعى التنويه التراجع النسبي لجامعة الملك سعود(الرياض)،إذ كانت أل (200 عالمياً) للعام 2011م وأل (197عالمياً) للعام 2012م حسب تصنيف (QS) وتراجعت إلى المركز أل(237عالمياً) للعام الحالي. ونجد أن جامعة أفريقية واحدة فقط لحقت بمجموعة أل(200) جامعة الأولى في العالم وهي جامعة كيب تاون بدولة جنوب أفريقيا(171 عالمياً) متراجعة عن مستواها للعام الماضي إذ كانت تحتل المركز أل(141 عالمياً). وجدير بالإشارة أن جامعات عريقة عربية وأفريقية يطال عمر التأسيس لبعضها عدة قرون أبرزها (الأزهر، القاهرة،الإسكندرية،عين شمس، الزيتونة، الخرطوم، ، بيروت بغداد، ، تونس ،الرباط ،ماكريري،نيروبي دار السلام،فأبادان) لم تدخل قائمة الجامعات أل(200) الأولى عالمياً حتى الآن مما يدعو للتساؤل عن أسباب إخفاق هذه الجامعات ذات التاريخ التليد في مواصلة تميزها العلمي لتتبوأ قائمة أل (200) جامعة العالمية الممتازة، سيما وأننا نستشرف فواتيح الألفية الثالثة التي تشهد بلا شك تقدماً متسارعاً في كافة المجالات (التقنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) بحيث يصعب على أكثر الناس إيغالاً في الخيال التنبؤ بإفرازاته المستقبلية.

وبقراءة فاحصة لنتائج التصنيف العالمي للجامعات( (QS يتضح لنا أن ثمة صعوبات جمة تواجه التعليم العالي في الجامعات العربية والأفريقية أفضت بهذه المؤسسات إلى التدهور الأكاديمي الذي لا تخطئه العين. ولعل أبرز هذه المشاكل عدم وجود إستراتيجية وخطط واضحة للتعليم بشكل عام ونظيره العالي على وجه التخصيص. ولا يزال الدور الذي تقوم به الجامعات العربية والأفريقية في تطوير المعرفة والإسهام في التنمية يوصف بـ “الدور الناعم” . ورغم أن الجامعات العربية والأفريقية لا تتيح – كما هو معلوم – الطائرات والسيارات ولا الأجهزة الإلكترونية ، إلا أنها تقوم بتهيئة “من يقوم بذلك” من ناحية ، كما وأنها تقدم الغطاء المعرفي النظري والتطبيقي والذي يسهم في “تمكين ذلك” من ناحية أخرى.

وتشير دراسات حديثة إلى أن التقدم العلمي وتوطين التكنولوجيا ليس من أولويات الأقطار العربية والأفريقية حيث توظف معظم ميزانياتها للجوانب الأمنية والعسكرية. وفي هذا السياق نشير بأن ما يصرف على البحث العلمي في أفريقيا والعالم العربي لا تزيد نسبته عن 0,2% من إجمالي الإنفاق السنوي العام مقارنة بدولة إسرائيل (4,7 %) . وبالتأمل في الوضع العلمي بين العالم العربي وإسرائيل نلمح مقارنة غير مبررة . فعدد الكتب والدوريات العلمية التي تصدر سنوياً في الأخيرة يبلغ (6866) إصدارة في حين أن العالم العربي ينتج (10,000) مؤلفاً وكتاباً(أنظرمقال:البحث العلمي في إسرائيل والعالم العربي:مقارنة صادمة،للدكتورعمر صادق إسماعيل،منشورة المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية الإلكترونيةACPSS:27ديسمبر2014م ) رغم الإمكانيات المادية المهولة للعرب وبخاصة دول الخليج البترولية. ومن التحديات التي تجابه المؤسسات الجامعية العربية عدم مواكبتها لمستجدات العصرنة. ويذكر الدكتور كلوفيس مقصود (أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية في واشنطون) أن 75% من هذه الجامعات نشأت في العقود الأخيرة وهي غير مرتبطة بالقطاعات الإنتاجية، علاوة على أن معظم الوقت في هذه الجامعات مخصص للتدريس وليس للبحث العلمي الذي يتطلب إنفاقاً غير قليل. فالتقديرات الأولية لحجم الإنفاق في مجال التعليم في العالم العربي حتى العام الجاري (2015م) تصل إلى 154 مليار دولار. وهذا الرقم – رغم إرتفاعه النسبي مقارنة بالأوضاع المالية السائدة في معظم البلدان العربية – إلا أنه لا يفي بالطبع بالحد الأدنى مما هو مطلوب للتواصل مع ثورة المعلوماتية وتوطين العلم في المجتمعات العربية.

وتأسيساً على ما تقدم ذكره، فإن صورة الوضع العلمي والتكنولوجي في العالمين العربي والأفريقي تبدو حالكة القتامة ، إذ لا تزال معاهدنا وجامعاتنا تعاني الأمرّين من نقص في التجهيزات والبنى التحتية ناهيك عن تخلف المناهج والقوانين الإدارية المنظمة للعملية التعليمية والإنفصال شبه التام بين التعليم وسوق العمل، عدم تكافؤ فرص التعليم وتعدد مساراته (إزدواجية بين تعليم النخبة والعامة) ، عزوف المدرسين بوجه عام عن المساهمة في حركة الإصلاح والتجديد التربوي ، عدم فاعلية البحث العلمي ، تخصص المبعوثين للدراسة في الخارج في مجالات علمية لا صلة لها بالحاجات الضرورية لمجتمعاتنا ، تدني مستوى الخريجين (تحصيل ومهارات) ، الفاقد التربوي…الخ. والحال كذلك ، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا: إلامَ نعيش عالة على الغرب؟. فكل ما هو موجود لدينا من تكنولوجيا ومعلوماتية نقل نسخي من أوربا وأمريكاالشمالية (الولايات المتحدة وكندا) يتجاوز الأطر والبنى التحتية التي يعمل النسق الإنتاجي التكنولوجي في مدارها.

ولكيما نستطيع اللحاق بركب العلم والتكنولوجيا والمنافسة في التقدم الحضاري العالمي يجب زيادة الإنفاق في مجال التعليم والبحوث وتوطين العلم في معاهدنا وجامعاتنا . وأهم من كل ذلك لابد أن تتغير مفاهيمنا التقليدية نحو العلم ودوره في الحياة. وقد أدى غياب المفهوم التاريخي لنظام العلم أن إنزلقت المؤسسات التعليمية العربية والإسلامية والأفريقية إلى إتجاه المحاكاة والتقليد والقفز إلى نهايات العلوم دون وجود أرضية يرتكز عليها للإستفادة من هذه النهايات ودون أن يكون لذلك صلة بالواقع الإقتصادي والإجتماعي. وأسميت هذه النزعة بـ “العلموية” وأصبحت تشكل جزءً من عقلية النخبة المتعلمة والمتخصصة في العالمين العربي والأفريقي. وإذا ما أضفنا إليها نزعة تطوير المجتمع من خلال إستيراد أحدث ما أنتجته أسواق التكنولوجيا من أجهزة ومعدات وأنظمة مع التجاهل التام للأسس الفكرية – الفلسفية التي إستندت عليها هذه الإنجازات العلمية والتي كانت – في كثير من جوانبها – حلولاً لمشكلات مجتمعات غربية ذات تطور تاريخي مغاير وواقع حضاري يباين واقعنا، فإننا نعمل – دون وعي – على تغييب الرؤية التاريخية لسيرورة التطور التقني والمعلوماتي مما يفضى بنا إلى العجز عن توظيف الفكر في إستقصاء المضامين العلمية للظواهر الإنتاجية وظواهر تقدم المجتمع من خلال آليات العلم والتكنولوجيا.

ومهما يكن من شأن ، فلابد من الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا أياً كانت مظانها مع الحفاظ على ثوابتنا العقدية والتمسك بموروثاتنا الثقافية التي تتواءم وروح العصر. ولا ريب أن تجارب بعض البلدان التي كانت حتى القرنين الماضيين تشابهنا واقعاً حضارياً وإرتقت إلى مصاف الدول المتقدمة (اليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة) لجديرة بالإحتذاء والتقبيس. فهلا شمرنا عن ساعد الجد لإستعادة أمجاد أسلافنا الذين كانوا حداة ريادة فكرية وعلمية للإنسانية جمعاء؟. نأمل ذلك والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.

المصدر


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

9 ردود على “قراءة في التصنيف العالمي للجامعات (QS) لعام 2015م”

  1. الصورة الرمزية لـ محمد عبد الحميد المالكي
    محمد عبد الحميد المالكي

    لان “الفساد الاداري و السياسي” بنيويا ايضا..!
    رغم اهمية التوصيف الاستدلالي، ولكن ما غاب عن بال كاتب تقرير المتابعة، ذلك لان التعليم هو جزء من “مؤسسة الخطاب”، او هو احد اهم “التقنيات المعرفية” التي تدعم السلطة، اضافة الى “التقنيات القانونية”؛ وهما الشرط الضروري لكل سلطة من اجل استمرار فاعليتها و دعم هيمنتها(م. فوكو).. ولان السلطة العربية و الافريقية على راس قائمة اعلى المعدلات في الفساد الاداري والسياسي(منظمة الشفافية الدولية)، تكون الاجابة على سؤاله الاخير اكثر من فادحة.. و بالتالي فأن الامر لا يكمن في مطالبة السلطة العربية بدعم التعليم و البحث العلمي..بل الامر له ابعاد اخرى “بنيوية” تخص منظومات الفساد وقمع الحريات..!
    لا مستقبل.. الا بالتعليم والبحث العلمي، و لا مستقبل للعلم الا بالجامعات..!

  2. الصورة الرمزية لـ محمد عبد الحميد المالكي
    محمد عبد الحميد المالكي

    “لان “الفساد الاداري و السياسي” بنيويا ايضا..!”
    ولكن ما غاب عن بال كاتب تقرير المتابعة، رغم اهمية توصيفه الاستدلالي طبعا، ذلك لان التعليم هو جزء من “مؤسسة الخطاب”، او هو احد اهم “التقنيات المعرفية” التي تدعم السلطة، اضافة الى “التقنيات القانونية”؛ وهما الشرط الضروري لكل سلطة من اجل استمرار فاعليتها و دعم هيمنتها(م. فوكو).. ولان السلطة العربية و الافريقية على راس قائمة اعلى المعدلات في الفساد الاداري والسياسي(منظمة الشفافية الدولية)، تكون الاجابة على سؤاله الاخير اكثر من فادحة.. و بالتالي فأن الامر لا يكمن في مطالبة السلطة العربية بدعم التعليم و البحث العلمي..بل الامر له ابعاد اخرى “بنيوية” تخص منظومات الفساد وقمع الحريات..!

  3. الصورة الرمزية لـ أبو هارون
    أبو هارون

    علي من يكتب تعليقاً أن ينظر هل هو مساهم في هذا التأخر أم مساهم في معالجته؟ ومن ثم يحاول أن يتهم؟
    ولعل من أسباب ذلك أننا نخطئ بعضنا بعضاً دون النظر أننا جزء من الخطأ

  4. الصورة الرمزية لـ بدر أشرف
    بدر أشرف

    نعتقد انه لا يمكن فعل شيئ نحو الارتقاء المنشود الا بتأصيل القيم بفخر في الذات و رأسها تبييض المعرفة والعلم و أنسنته ثم يكون الأخذ بأسباب التقدم و الرقي هناك ونحوه .

  5. الصورة الرمزية لـ امال
    امال

    المشكلة تكمن في كل فرد منا …..فالكل يرى انه بريء ولا دخل له ….و لكن لو تاملنا في الاسباب لوجدنا ان هذا التخاذل مرده الي عدم الثقة بالنفس …..لو ان كل فرد منا من مكانه يؤمن انه قادر على تغيير العالم و قبله تغيير نفسه الى الافضل فسوف يحقق الافضل
    ثقوا في قدراتكم ….ثقوا في انفسكم ……شجعوا بعضكم و سوف نتغير
    العالم من حولك سوف يتغير عندما يراك تغيرت وغيرت في اسلوب عملك

    1. الصورة الرمزية لـ ENG.MOHAMED WASFI
      ENG.MOHAMED WASFI

      احيكى علي تلك النظره الواقعيه والايجابيه

  6. الصورة الرمزية لـ الصادق عبدالله ابراهيم
    الصادق عبدالله ابراهيم

    في البدء شكرا علي المعلومات الثرة والضافية التي اماطة اللثام بجلاء عن واقع التعليم في الوطن العربي والافريقي ومستوي الاهمال غير المبرر من قبل الحكومات لان المسؤولية في الحقيقة هي مسوؤلية دولة لانها متي ما هيات المناخ المناسب للبحث العلمي ووفرت له احتياجاته الكاملة وكانت هنالك حرية اكاديمية بمعناها الحقيقي حينها سينطلق الباحثين من ارضيات ثابته ويعملون فكرهم الحر الخلاق وتتفجر معارف وافكار راسخة مبنية علي العلم وتنهال البحوث والمؤلفات والمقترحات ومن ثم نكون في مصاف الاقطار التي تصدر المعرفة وليس المستهلكة لها والمستوردة اليها فالاشكالات معقدة جدا وتختلف من دولة الي اخري ومن حكومة الي اخري حسب بنياتها الثقافية والاقتصادية والسياسية

  7. الصورة الرمزية لـ هشام
    هشام

    السبب في هذا التقهقر الى الحظيظ هو سياسات هذه البلدان في التعامل مع نخبة الأمة،واهمال عامل الجودة في التعليم العالي و الذي أصبح عامل مهم جدا للنهوظ بمستوى التدريس و تطوير المشاريع العلمية الحديثة.كما أن ظروف الباحث العربي و الافريقي ليست جيدة و تستدعي اعادة النظر في هذه النقطة لتوفير كل الظروف الملائمة للباحث لتفجير كل طاقاته.

  8. الصورة الرمزية لـ انعام محمود بندارى
    انعام محمود بندارى

    لابد من تأصيل العلوم وترجمتها للغة الأم أى اللغة العربية ، كما هو الحال فى فلسطين المحتلة ، واليابان والصين والمانيا وفرنسا ، واذا كانت هناك صفوة متميزة تستطيع صنع ثقب فى منظومة التخلف الذى صنعته سياسات العسكر من الحكام فى الدول .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: