مدخل إلى القرآن الكريم: استكشاف أم تشكيك؟ قراءة في كتاب محمد عابد الجابري

الدكتور محمد إكيـــج – باحث في الفكر الإسلامي المعاصر والدراسات القرآنية

إن محاولة فهم القرآن الكريم والتعريف به ليست وليدة زمن الجابري و غيره من المؤلفين المعاصرين حول القرآن الكريم، بل الأمر قديم قدم النص القرآني، حيث بدأت الأسئلة حوله منذ نزول أول آية على الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾، وكانت أسئلة حارقة من قِبَل من نزل فيهم من عتاة العرب وفطاحلة البيان، تتعلق بمصدر هذا الكلام المنزل، وبكيفية تلقيه، وحول مضامينه الجديدة وأخباره القديمة، وأحاديثه المستقبلية المغيبة…
ولقد حاول علماء الإسلام الأوائل قراءة هذا النص من أجل فهمه والغوص في أسراره والكشف عن مكنوناته، وقد توسلوا في ذلك بعدة أدوات لغوية ومعرفية، كانت تمثل في إبانها أفضل المفاتيح المنهجية المتاحة لتلك القراءة، وقد جمعت تلك الأدوات تحت مسمى “علوم القرآن”؛ وهو مفهوم يحتمل معنيان:
– الأول بمعنى العلوم المستنبطة من القرآن، باعتبار أن القرآن – في نظر علماء الإسلام – هو منبع جميع العلوم اللغوية والشرعية والطبيعية، منه تستمد أصولها وتؤسس مبادئها، وإليه تنتهي نتائجها، يقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: “من أراد العلم فليثَوّر القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين” ، ويذهب جلال الدين السيوطي إلى أن القرآن الكريم هو “مفجر العلوم ومنبعها ودائرة شمسها ومطلعها، أودع فيه سبحانه وتعالى علم كل شيء” ، لأن “كل ذي فن منه يستمد وإليه يعتمد، فالفقيه يستنبط منه الأحكام (…) والنحوي يبني منه قواعد إعرابه، والبياني يهتدي به إلى حسن النظام، ويعتبره سالك البلاغة في صوغ الكلام” .
– والثاني بمعنى العلوم الخادمة للقرآن الكريم، وهي جملة من القواعد والضوابط التي تعارف عليها حذاق كل فن من الفنون الموظفة في قراءة النص الحكيم، وتحليل خطابه .
ولاشك أن هذه العلوم، سواء بالمعنى الأول أو الثاني، تحتاج إلى أن تكون موضع تساؤل دائم، ومحل بحث مستمر، لأنها جزء من إنتاج العقل المسلم في فترة من فتراته التاريخية، التي لابد من إعادة قراءتها وتقويمها ونقدها في إطار عمليات التجديد والاجتهاد التي يمارسها العقل المسلم المعاصر من أجل أن يكون “القرآن معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا” على حد تعبير الجابري .
وقد أفصح الجابري في بداية مؤلفه أنه سيخوض في هذا المنحى، حيث أكد أنه سيحرص على إعادة دراسة الأسئلة القديمة التي طرحت حول علوم القرآن في كتب التراث، وما يتولد عنها من تساؤلات أخرى معاصرة، يقول: “إننا لا نَعِد القارئ بأكثر من إطلاعه على أجوبة غير قطعية ولا نهائية، عن أسئلة تولدت لدينا من خلال اطلاعنا على الأسئلة التي طرحها كثير من القدماء، حول ما نسميه ب”الظاهرة القرآنية”” .
إلا أنه وبدل تعميق النظر في تلك الأدوات المنهجية والمعرفية المجموعة تحت مسمى “علوم القرآن”، جنح به منهجه إلى جعل نص القرآن محل بحث واستفسار، وهنا تثور جملة من الأسئلة المفتاحية لهذه القراءة:
– هل قراءة الجابري للنص القرآني تشكيكية أم استكشافية استشرافية؟
– هل نحن بحاجة إلى البحث من جديد في “التعريف بالقرآن” بعض مضي أزيد من خمسة عشر قرنا على نزوله على النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟
– لماذا اختار الجابري الخوض في مباحث قتلها العلماء بحثا: تأصيلا وتفريعا ومناظرة؟
– ما هو المنهج السليم لقراءة القرآن قراءة معاصرة، هل قراءته من داخل النسق القرآني الإسلامي، أم من خارج النسق الإسلامي؟
– لماذا اتجه الجابري إلى البحث عن أدلة احتمال نَقْص القرآن، ولم يتجه إلى البحث في الأدلة اليقينية الدالة على كماله؟
– ألم يكن حريا بالجابري، بدل البحث في هذه القضايا المستهلكة في الدرس القرآني، أن يبحث في منهجية القرآن المعرفية من أجل التأسيس لمنهجية معرفية بديلة أو – على الأقل منافسة – للمنهجية المعرفية المعاصرة المهيمنة والضاغطة؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، سنقف مع “مدخل الجابري” في هذه القراءة من خلال ثلاث محطات:
– محطة التعريف بالقرآن الكريم،
– محطة أمية النبي صلى الله عليه وسلم،
– محطة قراء القصص القرآني.

للاطلاع على الدراسة


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد