السياسات العامة والثقافة السياسية التقليدية

أي دور للمعتقد في صناعة القرار السياسي؟

ظهر التداول المكثف لمفهوم الثقافة السياسية (culture politique )، في إطار الأبحاث الخاصة بمجال علم السياسة المقارن، خاصة الدراسات التي قام بها العديد من الباحثين المرموقين امثال G.Almond و S.Vebra و J.S.Coleman و G.B.Powell ثم L.W.Pye؛ حول الثقافة المجتمعية السائدة وعلاقتها بالتنمية السياسية (développement politique ) خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن XX [1]. كشرط اساسي اما اصبح يعرف لاحقا بظاهرة «الانتقال الديموقراطي» (transition démocratique)؛ التي عرفتها دول أوربا الشرقية بعد انهيار جدار برلين، وأمريكا اللاتينية بعد سقوط العديد من الأنظمة العسكرية.

أما في فرنسا، فقد ظهر هذا المفهوم بشكل متأخر نسبيا، من خلال بعض الأبحاث التي اهتمت بالأنظمة السياسية التي تأسست ضمن مناطق النفوذ الفرانكفوني في إفريقيا والمغرب العربي والمشرق العربي، وهي أعمال ركزت بالخصوص على «الأسس الثقافية للدولة» (B.Badie- 1978)، و القضايا المتعلقة بـ «المخيال الاجتماعي» و «التنشآت السياسية» (C.Nicolet-1982) [2].

لكن الخاصية المشتركة لمختلف هذه المجهودات العلمية ، حول موضوع الثقافة السياسية هو عدم وجود تعريف يحظى بالقبول العام. لذلك وأمام هذه الإشكالية الابستمولوجية، اتجه هؤلاء الدارسين إلى محاولة بناء نماذج عامة (modèles généraux )، بنيوية ووظيفية، تمحورت جلها حول الميكانيزمات والقنوات الكفيلة بتحقيق «قدرة المواطنين على التأثير في القرار العام»[3]، سواء تعلق الأمر بقنوات حديثة مثل الأحزاب السياسية، ومختلف التنظيمات السوسيو-سياسية المستوردة [4] ؛ أو قنوات محلية / تقليدية، والتي تمت تعبئتها من قبل الدول حديثة الاستقلال بهدف حشد المجموع الاجتماعي والإمكانيات المادية والرمزية للدولة لفائدة فكرة معينة أو شخصية محددة، انطلاقا من أنساق القيم والمعايير السائدة اجتماعيا[5].

وفي كلا الحالتين، فإن هذا النمط من الثقافة السياسية سيشكل الأرضية المناسبة جدا للانتشار الواسع والسريع الذي عرفته بعض الظواهر السياسية مثل شخصنة السلطة وضعف المأسسة السياسية الخ. من خلال مكوناتها المزدوجة المتمحورة خصوصا حول البعدين الأسطوري و الديني (مطلب أول )، وكذا من خلال الوظائف التي أنيطت بهذه المكونات في إطار “الدولة الجديدة”، والمتمثلة أساسا في وظيفة شرعنة السلطة الأبوية للزعيم، ثم وظيفة الإجماع حول قرارات الزعيم (مطلب ثاني) .

المطلب الأول : مكونات الثقافة السياسية التقليدية

تشكل الثقافة السياسية مجالا خصبا لكل التمثلات الاجتماعية، والرموز والمعتقدات الجماعية؛ التي تقوم عليها المواقف والمشاعر التي تنشط وتحكم السلوك السياسي[6]؛ كأنماط متماسكة ومنسجمة داخليا، يعزز بعضها البعض، لتحدد بشكل مسبق البنى السياسية والعلاقات التي تسودها كما يعبر عن ذلك Lucian Pye [7].

فإذا كانت الحداثة السياسية قد ارتبطت بتأسيس وترسيخ مجموعة من الضوابط القانونية والمؤسساتية، التي تؤطر الممارسة السياسية الحديثة، من خلال تراجع دور القيم الدينية والأخلاق الشخصية / الفردية داخل المجال السياسي، لفائدة تأسيس «أخلاقية موضوعية»[8] تقوم على المسؤولية؛ فإن الخطاب والممارسات السياسيين التي تبلورت داخل المجتمعات حديثة الاستقلال والأنظمة السياسية التي انبثقت من خلالها -وأمام صعوبة مأسسة علاقة السلطة السياسية من جهة و المشاكل المرتبطة بتحقيق التنمية – وجدت نفسها مضطرة إلى التخلي عن جزء كبير من الواقعية، والاعتماد أساسا على المتخيل السياسي ومكوناته، في مجال شرعنة ظهور و استمرارية “الأبطال الوطنيين/ أو القوميين”، وكذا اعتماد هؤلاء الأبطال الذين ارتبطوا بصفة خاصة، بمراحل الكفاح من أجل الاستقلال وبناء الدولة الحديثة، بشكل واسع على هذا المخيال الجماعي قصد تبرير القرارات والسياسات التي تبنوها طيلة عدة عقود.

لذلك وأمام استحالة الإحاطة بكل مكونات الثقافة السياسية التي سادت المجتمعات حديثة الاستقلال، وشكلت الدعامة الأساسية لانتشار وتبرير ظاهرة شخصنة السلطة مثلا التي ميزت أنظمتها السياسية، فإن هذه الثقافة تشترك، عموما، في: المكون الأسطوري (فقرة أولى )، ثم المكون الديني (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : المكون الأسطوري

لم تعد الأسطورة شيئا عابرا في ميدان السلطة السياسية[9]، فحسب Raoul Girardet، تتخذ الأسطورة السياسية (mythe politique ) في ارتباطها مع المتخيل الجماعي أربعة نماذج كبرى أساسية :

أ- أسطورة المؤامرة : (mythe de la conspiration )، والتي تحاول أن تقدم المحيط كشيء معادي ومقلق للجماعة باستمرار.

ب- أسطورة المنقذ (mythe de sauveur)، أي الشخص/ المفتاح لتحقيق الأماني الكبيرة للجماعة.

ج- أسطورة العصر الذهبي (mythe d’âge d’or)، والتي تقوم على مرجعية حنينية لزمن مضى يتخذ طابع الكمال في المتخيل الجماعي للجماعة.

د- أسطورة الوحدة (mythe d’unité )، والتي تحاول جمع وحشد الإرادات في إطار وحدوي حامل للمستقبل الأفضل لهذه الجماعة [10].

لذلك فليس هناك مجتمع أو نظام سياسي، لم يكون أسطورة عن نفسه، وعن الآخرين؛ عن واقعه وماضيه ومستقبله[11]؛ بل إن الأسطورة، وبالضبط الأسطورة السياسية، المتمثلة في طغيان معتقد جماعي أضفيت عليه كل سمات القداسة، بغية إلهاب وحشد مشاعر الناس، ولحم نسيج المجتمع، تكاد تلعب اليوم دور الفاعل التاريخي الرئيسي في مجال تشكل وتفاعل الثقافة السياسية[12].

لذلك فالسلطة السياسية والظواهر المرتبطة بها، خاصة بالنسبة للدول حديثة الاستقلال؛ لا يمكن دراستها انطلاقا من نظمها السياسية والمؤسساتية والقوانين المنظمة للفعل السياسي والنشاط القراري بها، دون الانفتاح على قارات معرفية شاسعة، تؤثر بشكل مباشر، شعوري أو لا شعوري في هذا البناء السياسي ومحيطه السوسيو-سياسي والنفسي بشكل عميق؛ وهو ما يتجلى بالخصوص في مختلف التمثلات والرموز السياسية التي واكبت بزوغ زعماء التحرير الوطني، وشكلت مرجعية أساسية لنشاطهم السياسي.

فالسمات “الأسطورية” لـ “الزعيم التاريخي”، تتضح في هدا السياق ، من خلال طبيعة وظروف وصول رئيس الدولة إلى السلطة انطلاقا من سحر الجماهير بشخصه وأفكاره، ثم من خلال المعنى الذي يضفيه المخيال الجماعي على هذا الشخص وهذه الأفكار؛ انطلاقا من هالة القداسة الأسطورية التي أصبحت تلف شخص “القائد”. فالرئيس لا يعتبر منتخبا (ديمقراطيا) وحسب؛ بل هو “المنتظر” و “المصطفى”، الذي تحمله “العناية الإلهية” إلى قمة السلطة كبطل “منقذ” [13].

لكن مسيرة القائد لا تتوقف هنا عند الحصول على السلطة، كمكافأة لتضحياته التاريخية، بل إن هذا الحدث “المجيد” لا يشكل سوى بداية تأديته لدوره الخارق في نظر مريديه، أي دور المرشد الملهم؛ فدور الزعيم ينبع هنا مما لديه من قدرات خارقة، أو ما ينسب إليه من صفات فوق-طبيعية، مثل “الإرادة الحديدية تجاه سياسة المستعمر ومؤامراته “، أو “تحمل ويلات النفي والتعذيب”، أو سداد الرأي الناجم عن “سعة المعارف وتنوعها” الخ.

لكن الطابع الأسطوري لعلاقة السلطة السياسية لا يرتبط بالضرورة بمرحلة إحراز الاستقلال وعودة أبطال التحرير؛ بل يشكل مكونا أصيلا في التركيبة النفسية والثقافية للمجتمعات التقليدية، كما يلاحظ ذلك M. P. Roy؛ باعتبارها مجتمعات تتميز بخاصيتين متلازمتين : «مركزة السلطة في شخص واحد» بالرغم من وجود “مؤسسات” للرقابة تم إنشاؤها بكيفية تتماشى مع هذا النمط من علاقة السلطة؛ ثم «تقديس السلطة» (sacralisation du pouvoir ) [14]؛ مما يجعل القاعدة ( la masse) تنظر للشخص المتواجد على رأس النظام السياسي – لاحقا- باعتباره شخص له كامل الحق في الطاعة والخضوع. لذلك فإن “القوى المؤسساتية” التي تشكلت – افتراضيا – للحد من الجموح الشخصاني للسلطة السياسية المركزية، خاصة “الأحزاب السياسية” و “النقابات القطاعية”، قد اتهمت إما بالتمرد والعصيان، أو الخروج عن المقدس؛ أما البنيات الاجتماعية الماقبل- دولتية، كالقبيلة مثلا، فقد نعتت بـ “التخلف وعرقلة التنمية والوحدة الوطنية”. لذلك فلا البنيات السائدة، ولا الآليات المستوردة، استطاعت أن تمنح تصورا عقلانيا لعلاقة السلطة السياسية، كأساس لمأسسة الدولة[15].

من هنا فإن جزء مهم من الانحرافات التي ستعرفها اقتباسات الدستورانية الغربية بالنسبة لأنظمة الدول حديثة الاستقلال، والضعف والفراغ المؤسساتي الذي ظل يميز بنياتها السياسية، يرتبط بذلك الطابع الأسطوري الذي ميز حقلها السياسي، خاصة على مستوى علاقة السلطة السياسية من خلال جل مظاهر «عبادة الشخصية»، وهو ما يتجلى من خلال ما ظل يحظى به رئيس الدولة من هالة القداسة والتبجيل مثل: “المجاهد الأكبر” أو أبو الثورة” أو “أب الأمة” أو “قائد الثورة العربية والقومية الخ[16]، بحيث يصبح هذا الرئيس، وفي جميع الأحوال، شخصا مقدسا بالمعنى القوي للكلمة لأنه شخص لا يخطئ في قراراته و سياساته، وسلطته لا يمكن إلا أن تكون مطلقة[17].

الفقرة الثانية: المكون الديني

كما هو الشأن بالنسبة للمكون الأسطوري، لا تكاد تخلو أية علاقة للسلطة السياسية من مسحة دينية[18]، بشكل أو بآخر؛ فلكي تحقق السلطة السياسية فاعليتها، فإنها تظل في حاجة ماسة إلى «عناصر توحيدية»[19]، لذلك وجت السلطة في البعد الديني، أهم مكون لها إلى جانب البعد الأسطوري، خاصة بالنسبة لقادة الدول حديثة الاستقلال.

وبالفعل فقد حتم هاجس التوحيد والإدماج، على السلطة السياسية، تبني لبوسا دينية مختلفة؛ فالحاكم السياسي هو، بشكل أو بأخر حاكما بأمر الدين أو باسم الدين. فبالرغم من كل مجهودات “العلمنة” التي اعتمدتها إيديولوجية بعض هذه الأنظمة (الحبيب بورقيبة، هواري بومدين جمال ,عبد الناصر…) على المستوى السياسي، فإن المكون الديني ظل يبرهن عن فاعليته السياسية والتعبوية، خاصة حينما يتعلق الأمر بمجتمعات تجتاز صعوبات تتعلق بهويتها أو انسجامها الداخلي[20]. وهي وضعية ستتخذ أبعادا جذرية وعميقة ، حيث سيشكل الدين والتقاليد أهم مصادر ومرجعيات السلطة[21].

فالتوظيف السياسي للمكون الديني، كأحد أهم عناصر الثقافة السياسية السائدة في المجتمعات حديثة الاستقلال، يتضح بشكل جلي للغاية داخل الأنظمة السياسية العربية خلال هذه المرحلة الدقيقة من حياتها السياسية المعاصرة. فإذا كان القرآن الكريم يستعمل غالبا كلمة «سلطان»، والتي يمكن ترجمتها (مع كثير من التحفظ) إلى «سلطة»، كما يستعمل كلمة «أمر» والتي هي أقرب إلى السلطة التنفيذية، ثم صيغة «حكم» والتي ترتبط حسب السياق إما بالسلطة السياسية، أو بعملية اتخاذ القرار[22]؛ فإن الملاحظ هو أن النص القرآني غالبا ما يربط ممارسة السلطة واتخاذ القرار بالأمة، كإطار وكمصدر للشرعية؛ لذلك فإن المبدأ الأساسي الذي يحكم تنظيم السلطة السياسية –نظريا- هو “الشورى” التي تتم بين “أعضاء الجماعة؛ كضمانة ضد النزعة التحكمية والممارسة اللامحدودة للسلطة من طرف شخص واحد. لكن وفي المقابل، وللحيلولة دون وقوع الفوضى والتشتت في عملية اتخاد القرارات، فإن الحاجة إلى رئيس واحد تصبح ضرورية[23]. فمهمة الرئيس الأساسية هنا هي “تقويم” الاعوجاجات والانحرافات ،و “إرشاد ” الأمة، ودفع الفتنة؛ لذلك كانت طاعة الجماعة له وسماع كلمته واجب ديني.

ذلك أن وجود قواعد دستورية، أو إطارات مؤسساتية، لا يعني بالضرورة وجود «حكومة» محددة دستوريا. ففي المجتمع العربي الإسلامي، فإن الخليفة، ظل مطالبا، كغيره من أعضاء «جماعة المؤمنين»، بالخضوع «للقانون المقدس»؛ لكنه ما يلبث أن يعلن سلطته الشخصية، كلما تبين له، هو شخصيا، ضرورة لذلك[24]، من هنا فالشرعية الدينية تكاد تعفي من النقاش أو البحث في شكل السلطة؛ أو قنوات، ومرجعيات القرار للدولة.

ففي الفكر السياسي الإسلامي، الدولة، تحظى بأولوية مطلقة على الفرد؛ كما أن هذه الدولة، لا وجود لها كمؤسسة، تسعى إلى الرقي بالرخاء الفردي؛ ولكن على العكس من ذلك، فالفرد هو الذي يحصل على حقه في الوجود، سياسيا، عن طريق «المشاركة في المهمة التاريخية للأمة الإسلامية»، فالتنظيمات السياسية والسوسيو-سياسية من قبيل الأحزاب السياسية، والطبقات الاجتماعية، والجمعيات المهنية أو الطائفية؛ تبقى ضعيفة الشرعية والفعالية أمام سلطة الدولة، ولا تحظى بأية استقلالية تذكر اتجاهها[25]. فالتعددية السياسية، والتمايزات الاجتماعية، تبقى وفق التصور العربي الإسلامي، منتقدة ومتهمة أمام فكرة وحدة السلطة؛ لذلك فمقولات من قبيل: استقلالية القضاء، ووجود برلمان منتخب بطريقة حرة يعمل على مراقبة حكومة أغلبية… تبقى أمورا غائبة عمليا لفائدة سلطة مطلقة، ترفض وتلغي كل مراقبة أو تحديد (limitation) للسلطة الشخصية للحاكم[26].

فاليوم، كما بالأمس، لا نكاد نلمس داخل بنية الثقافة السياسية العربية الإسلامية السائدة أي تحول يذكر في مكانة الزعيم أو الإمام داخل الجماعة، كما وصفها “الطرطوشي” حين قال : «اعلموا أن منزلة السلطان من الرعية، بنزلة الروح من الجسد، فإذا صفت الروح من الكدر، سرت في الجوارح سليمة، وجرت في جميع أجزاء الجسد، فأمن الجسد من الغَيَرِ، واستقامت الجوارح والحواس، وانتظم أمر الجسد؛ وإن تكدرت الروح، أو فسد مزاجها، فيا ويح الجسد»[27] إن السلطة السياسية تفقد هنا طابعها الأساسي كسلطة ممأسسة (institutionnalisé) دنيوية، وتتخذ صفات من صميم المنطق الديني من قبيل “الفوقية” و “القدسية”[28] .

ففي جل الأنظمة السياسية العربية الإسلامية المعاصرة، شكل “الإسلام” أحد أهم مصادر السلطة السياسية، تماشيا مع بنية ومكونات الثقافة السياسية السائدة اجتماعيا ونفسيا، من خلال تركيز الشعور الديني العارم الذي ميز لحظات الاستقلال؛ مقابل إبداء كثير من التحفظ والصرامة اتجاه الإيديولوجيات «المادية»[29] بل ذهبت بعض هذه الأنظمة إلى احتكار المكون الديني للشريعة السياسية كأداة تعبوية جد فعالة، كما هو الحال بالنسبة لشعار «خادم الحرمين الشريفين» أو «أمير المؤمنين»[30]. كما أن الرغبة التي أبداها بعض “زعماء التحرير ” في عزل الإيديولوجية الدينية عن مجال السلطة السياسية، كتعبير عن تبني “حداثة سياسية واجتماعية” ودولة عصرية،( نفكر هنا في الإيديولوجية السياسية “للحبيب بورقيبة”، الذي سعى جاهدا إلى تحييد “جامعة الزيتونة” سياسيا، وإصلاح قانون الأحوال الشخصية وفق فلسفة غربية الخ) كانت في الواقع خطوات جوهرية لبناء عقيدة دينية جديدة هي عقيدة الدولة – الحزب[31] .

فحسب “عياض بن عاشور”، تفضي سوسيولوجيا الإمامة إلى نتيجتين متلازمتين: حضور “الحاكم” وغياب “المحكوم”، بحيث تصبح العلاقة بين الطرفين أحادية الجانب [32]. فجدلية الحضور والغياب هنا، أفضت إلى جعل “الطاعة” هي القانون الذي يحمي به الحاكم وحدة سلطته، ويشرعن به إطلاقية قراراته وقدسية سياساته. فعوض أن ينظر إلى عدم الطاعة على أنها رفض سياسي لجور الحاكم وتعدد في الرؤى حول البرامج والسياسات، فإنها تصبح مرادفا لـ “الفتنة” و “ضياع الدين” و “العودة إلى الجاهلية”.

وفي المقابل، لا يتحمل الحاكم أية مسؤولية جراء ما يمارسه من مهام سياسية، فمنذ تعيينه وإلى لحظة وفاته، لا يجوز خلع الحاكم أو قتله، ولو لم يتقيد بأحكام الشرع ومبادئه. ذلك أن السلطة في الإسلام ليست وليدة “الجماعة”، فالأمة حين “تختار” الإمام عن طريق “البيعة”، لا يشكل عملها هذا حدثا منشئا (constitutif)، بل هو مجرد حدث تقريري (déclaratoire )[33]. إن الأسطورة والدين كمكونين أساسيين للثقافة السياسية للمجتمعات حديثة الإستقلال، تشكل إذن أهم جانب من عيوب السلطة التي ميزت أنظمتها السياسية، خاصة منذ إحراز الاستقلال ثم مع الرهانات التي ارتبطت ببناء الدولة الحديثة بها؛ وهو ما تؤكده الوظائف التي ستؤديها هذه العينة من الثقافة السياسية.

المطلب الثاني : وظائف الثقافة السياسية التقليدية

كان لبنية الثقافة السياسية التي سادت البلدان حديثة الاستقلال، والمشكلة أساسا من التمثلات الأسطورية والدينية، المكونة للمخيال الجماعي لهذه المجتمعات؛ أدوارا جوهرية وحيوية في تبلور وتكريس، مظاهر شخصنة و ضعف مأسسة علاقة السلطة التي ميزت أنظمتها السياسية. فإذا كانت الطقوس الدينية والمرجعيات الأسطورية، تظل حاضرة في عمق علاقة السلطة السياسية[34] وتتعايش معها بشكل حميمي؛ فإن هذه المكونات ستتخذ أبعادا مباشرة وعميقة خلال لحظات إحراز الاستقلال وبناء الدولة، والبحث عن شرعية السلطة الجديدة بالنسبة للأنظمة السياسية حديثة الاستقلال.

فـ ” الارتباط الشعبي” الذي أبدته المجموعات الاجتماعية، اتجاه “زعماء التحرير الوطني”، و الحماس العميق الذي ميز هذه العلاقة السوسيو-سياسية، والاعتقاد التام الذي وجهت به الصيغ السياسية التي تبناها هؤلاء القادة، سواء حول شكل الدولة أو علاقة السلطة، أو الاختيارات “التنموية” المرتبطة بكل تجربة؛ شكلت مناسبة ذهبية بالنسبة للقادة الجدد في استثمار القيم والمعتقدات المشتركة السائدة، في سبيل ترسيخ سلطة الزعيم كتعبير أوحد عن المصالح الكبرى المشتركة للجماعة السياسية[35] .

فالبنية الخاصة للثقافة السياسية التي سادت المجتمعات حديثة الاستقلال، جعلت الزعيم الجديد سيد الحقل السياسي (فقرة أولى) بامتياز، وقراراته محط إجماع تام (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: وظيفة تكريس سلطة الزعيم

لقد شكل ظهور الزعيم الجديد بالنسبة للمجتمعات حديثة الاستقلال، خلال اللحظات الحرجة لبناء الدولة وتوحيد السلطة، معطى مصيريا، باعتباره المبشر بـ “عقيدة سياسية جديدة”، تعكس الذهنية الجماعية السائدة، لكنها في نفس الوقت، تحد من التخوف اتجاه المستقبل، من خلال ارتكازها على شعارات: ” الوحدة الوطنية ” و “التنمية الشاملة”؛ مما يبرز في النهاية تضخم دور القائد الوطني أو القومي داخل هرم السلطة[36] السياسية لهذه الدول.

فاستنادا إلى الثقافة السياسية السائدة، برزت سلطة رئيس الدولة حديثة الاستقلال كزعيم كارزماتي، بحكم “رسالته التاريخية”؛ لكنها ما لبتت أن تحولت إلى سلطة أبوية، بفعل التعلق “الحميمي” الوهمي أو الحقيقي الذي أبدته الجماعة اتجاه شخص قائده:

أ- الكارزمية كأساس لشرعنة سلطة الزعيم: قامت الشرعية الكارزمية التي ميزت سلطة العديد من قادة الدول حديثة الاستقلال على عنصرين أساسيين: وجود “فرد استثنائي”؛ ثم وجود “جماعة من الأوفياء” (les fidèles). فالرئيس الكارزماتي، هو هنا، في نظر الجماعة شخص غير عادي، تنبع سلطته من الرسالة أو المهمة التاريخية (la mission historique ) التي جاء من أجلها[37]؛ لذلك فأهمية السلطة الكارزمية التي استند إليها العديد من القادة الجدد، هي في العمق، قدرتها على حشد التأييد الكلي لسياسات الزعيم وتقوية الوفاء اتجاه شخصه[38].

وعليه فالهيمنة التي قام بها هؤلاء القادة خلال هذه المرحلة الحساسة من الحياة السياسية انبثقت أساسا من “الإشعاع الخاص” الذي مثلوه بالنسبة لمجتمعاتهم، حيث أصبح الزعيم بمثابة «الأنا الأعلى» للجميع[39]. فالكارزمية التي انبنت عليها سلطة هؤلاء القادة الجدد، تستند على القيمة (la valeur) المضافة التي أصبح يجسدها شخص محدد في نظر الجماعة السياسية، نظرا لكون الثقافة السياسية التي سادت خلال هذه المرحلة، تعبر عن مجتمعات في حالة أزمة أو في حالة انتقالية[40]؛ حيث الرئيس ينتابه شعور عميق بموهبة حقيقية؛ بينما ينقاد مناصريه بسبب اعتقادهم في هذه الموهبة[41].

فالكارزمية هنا تشكل تعبيرا عن مزيج من المشاعر السوسيولوجية والسيكولوجية المتداخلة من الاحترام والحب والإعجاب، لذلك فهي ترتبط أكثر من غيرها بالتمظهرات الشخصانية للسلطة على حساب مدى ملاءمة التوجهات القرارات[42]؛ حيث تصبح السلطة السياسية أكثر ارتباط بالأفكار والتصورات التي تحكم وتحرك الأفراد و “المؤسسات” على السواء[43]؛ من خلال تلك القدرة، الحقيقة أو المفترضة، التي يمتلكها فرد معين، ويحتل بمقتضاها وضعية تراتبية عليا داخل التنظيم، والحصول من لدن معاونيه أو التابعين له على الخضوع، والالتزام بالمعايير المفروضة[44]، دونما حاجة إلى العنف[45].

ب- الأبوية كضمانة لاستمرارية سلطة الزعيم : فالتجربة السوسيو-سياسية للدول حديثة الاستقلال، على مستوى علاقة السلطة السياسية، توضح بجلاء أنه بقدر ما تكون هذه السلطة ضعيفة المأسسة، بقدر ما يتبلور منطق النظام السياسي برمته حول الزعيم؛ حيث تبدو الدولة أقرب ما تكون إلى “الأسرة”، فالزعيم يختار هنا بشكل شخصي أعوانه وموظفيه ( الحكومة)، ويقرر التوجهات والاختيارات الكبرى للبلاد بشكل تقديري[46]، تماما كما يدبر الأب شؤون أسرته.

لذلك شكل قيام سلطة «الأبوية الجديدة»[47]، سمة رئيسية في المجتمعات النامية وأنظمتها السياسية التي تبلورت بعد حدث الاستقلال؛ وهي ظاهرة تسهل ملاحظتها سواء في المجتمعات الافريقية، وفي مجتمعات جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط؛ إذ ترتكز استراتيجية ‘العاهل” على تملك المساحة السياسية، ومنها إلى حيازة الموارد الاقتصادية والاجتماعية الأساسية[48] وذلك، من خلال امتلاك السلطة السياسية لجميع الشبكات والرموز[49] المتاحة.

فخطورة الثقافة السياسية “الأبوية”، في مجال تكريس ظاهرة شخصانية السلطة، تكمن في قدرتها على استيعاب هذا الطابع الأبوي للسلطة السياسية العابر للتاريخ، والمليئ بالمعاني الدينية والدلالات الأسطورية. فتجربة السلطة في «العائلة»، هي بدون شك التجربة الأعمق تأثيرا على المستوى النفسي والاجتماعي؛ ففي تجربة العائلة تتجلى “الطبيعة” كمصدر للسلطة ولشرعيتها[50].

فصورة الأب تلعب هنا أدوارا متعددة، داخل علاقة السلطة السياسية؛ فبقدر ما يعتبر الزعيم السياسي رمزا للأب، بقدر ما يتم التماهي معه بسهولة وبشكل كلي، وذلك بتحويل الجماعة السوسيو-سياسية إلى مجرد ” عائلة”، تقوم على علاقات قرابة دموية بدل هوية سياسية مؤسساتية؛ مادامت صفة الأب هنا تحمل العديد الصفات والدلالات الاشتقاقية التي تعزز طاعة الشعب وانقياده: كالقوة، والهيبة، والحماية والعطف، والعناية…فهذه المشاعر الأبوية، توحي في العمق إلى أن سلطة الحاكم/الأب “سلطة طبيعية”، تجد مصدرها في «القصور الطبيعي عند المحكومين/ الأبناء» مقابل «الكمال الطبيعي عند الحاكم / الأب». فالأبوية هنا تلعب في مجال السلطة السياسية دورا تمويهيا لصورة وطبيعة الحاكم[51]، ومضمون وشرعية وعلاقة سلطته.

فالخطاب والسلوك السياسي للعديد من القادة الجدد لما بعد الاستقلال مليئ بعبارات ودلالات «الراعي» و «الأب»، مما يجعل منه تأكيدا لذلك التمايز “الطبيعي” بين طرفي علاقة السلطة السياسية. فكما تقتضي الطبيعة بأن يقود الراعي قطيعة، ويتصرف فيه، وبأن يستجيب القطيع لراعيه؛ فإنه بمقتضى الطبيعة نفسها، يقود الحاكم شعبه، ويطيع الشعب قائده ويمتثل له.

فرئيس الدولة، يصبح هنا بالتأكيد، الوريث المباشر للسلطة المطلقة للأب البدائي؛ فهو الذي يعمم القواعد القانونية ويهندس المؤسسات، ويتدخل بعنف شديد، إذا ما تعرض مشروعه هذا للهجوم. فالسلطة الأبوية تتحول في المجال السياسي، تدريجيا، إلى صنم مقدس، وإلى شيء جدير بالخوف والحب والتبجيل[52] .

الفقرة الثانية: وظيفة الاجماع حول قرارات الزعيم

لقد تميزت الممارسة السياسية التي تبلورت خلال العقود التي تلت حدث الاستقلال، واستنادا إلى طبيعة وبنية الثقافة السياسية السائدة في جل هذه البلدان، إلى جعل السلطة السياسية تتخذ وتتجسد في الشخص الذي يقرر باسم الجماعة، أو بالأحرى الشخص الذي أصبحت له، في نظر الجموع، الصلاحيات المطلقة في اتخاذ الاجراءات والقرارات، وفي كل ميادين الحياة العامة.

فالدول حديثة الاستقلال، وبحكم الحاجة الماسة لعمليات التأسيس السياسي وإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي، وجدت نفسها في حاجة ملحة لـ «أب مؤسس» (père fondateur )؛ ولأنها مجتمعات مزقها الاستعمار، وأصبحت سيئة التهيئ، على مستوى المسؤوليات الدولتية، وعلى مستوى الحدود المصطنعة؛ ولأن ثقافاتها قد أقبرت ولمدة طويلة، ولأن هويتها، أصبحت محط سؤال عميق؛ فإن هذه الدول قد اتجهت إلى البحث عن ارث حقيقي، وعن انطلاقة جديدة، لذلك صارت تبدي رغبة شديدة في “أب وطني” يعيد لها حياتها السياسية المفقودة، ويبدد مخاوفها من “استعمارية جديدة” نتيجة علاقات القوة التي خلفها المستعمر، وما ترتب عنها من فكرة “المؤامرة المستمرة”؛ لذلك اعتقدت هذه المجتمعات، وبشكل أعمى في “الرئيس الوطني القادر على تحمل المهمة والرسالة التاريخية، وتمثيل الجماعة المتخوفة تجاه محيطها الجديد”[53].

فرئيس الدولة، قد ظهر في هذه المرحلة “كأب مخلص” من التبعية الاستعمارية، وفي نفس الوقت كمدافع عن مستقبل ومصالح هذه ” الأسرة التائهة”، فبالنسبة للمجتمعات النامية، لم تكن مهمة (mission) الرئيس، وغاية قراراته وسياساته، تنحصر في خلق البيانات السياسية الضرورية، وتجميع الناس في أمة، وإعطاء دفعة للإنتاج فقط؛ ولكن كذلك، وهذا هو المهم، “اكتشاف المبادئ” التي على أساسها سيحيى الشعب. فسلطة الرئيس وقراراته هي هنا معيارية (normatifs). «فالرئيس يبني المذهب في خطاباته وكتاباته وقراراته، بينما يتولى رفاقه شرح، وتأويل، ونشر وبث هذه النصوص “المقدسة” والسلوكات “النموذجية” بين الجماهير [54]، عبر الحزب الوحيد ووسائل الدعاية الدوليتة أو هما معا.

لائحة المراجع:

– D. Cefaï ( et autres) / les cultures politiques / éd. Seuil, Paris , (1999).

– Y. Mény et Y. Surel / par le peuple , pour le peuple populisme et les démocraties/ éd. Fayard , collec. “L’espace du politique ” Paris (2000)

– M. Gauchet / croyances religieuses , croyances politiques / in Revue «le débat histoire , politique , société»; édition Gallimard. Paris ( Mai – Juin 2002 ).

-G. Balandier / anthropologie politique / Ed. PUF. Paris ( 1984)

-F. Rangeon ( et autres) / la communication politique /.

– M. Pierre Roy / Les régime politiques du tiers monde/ éd. L.G.D.J. Paris (1977)

– E. Sivan / mythes politiques arabes / éd. Fayard, Collec. “L’esprit de la Cité”, Paris (1998).

– A.Mahiou (et autres) / l’Etat de droit dans le monde arabe / éd. C.N.R.S. Paris (1997)

-J. Lacouture / Quatre hommes et leurs peuples: sur – pouvoir et sous – développement / éd. Seuil. Paris (1969)

– M. Sarbouti / Mohamed Sarbouti / Les facteurs , les conditions et les limites de la mobilisation politique au Maroc/ Thèse pour le Doctorat de 3ème cycle en sociologie, Université de Bordeaux II (1985).

– K. Wittfogel / le despotisme oriental / les éditions de minuit. Paris (1959).

-J. H. Wolff / La pensée politique dans l’Islam, la légitimation du pouvoir et la démocratie moderne : le cas du Maroc / in A.A.N éd. CNRS. Paris (1993)

-E. Gellner et J.C Vatin (et autres)/ Islam et politique au Maghreb / éd. C.N.R.S Paris (1981)

– W.Zartman / Pouvoir et Etat dans l’Islam / in Revue ” Pouvoir” n° 12. éd. PUF. Paris (1980)

– B. Asso / Le chef d’Etat africain: L’expérience des Etats Africains de Succession français / éd. Albatos, Paris (1976)

– D. Eason / Analyse du système politique / (traduit par P.Rocheron ) éd. Armond Colin. Paris (1994)

– M. Berdouzi / destinées démocratique : analyse et prospective du Maroc politique / Pub. Renouveau. Rabat (2000)

O. Reboul / la philosophie du l’éducation / éd. PUF. Paris (1989)

– M. Reuchlim ( et autres) / grand dictionnaire de la psychologie / éd. Larousse. Paris (1991),.

-M. Camau ( et autres ) /changements politiques au Maghreb/ éd. CNRS, Paris (1991)

محمد بنعلي / مفهوم السلطة في الكتب المدرسية (مقاربة نفسية – اجتماعية)/ أطروحة في علوم التربية. الرباط (1994)

خلدون حسن النقيب / الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر: دراسة بنائية مقارنة/ ط I، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت (1991)

– برتران بادي / الدولة المستوردة: تغريب النظام السياسي / (ترجمة لطيف فرج ). سلسلة كتاب العالم الثالث، ط I القاهرة (1996).

– أوجين إنركيز / الدولة ومستقبل السياسة / (ترجمة نجوي حسن) مجلة “الثقافة العالمية”. ع 98 الكويت ( يناير –فبراير 2000).

– لاري ديموند / مصادر الديموقراطية، ثقافة الجموع أم دور النخبة/ (ترجمة سمية عبود ) دار الساقي. ط I. بيروت (1994).

-عبد الله حمودي /الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة/، (ترجمة عبد المجيد جحفة)، طI، دار تبقال للنشر، الدارالبيضاء، (2000)

– محمد ضريف / النسق السياسي المغربي المعاصر : مقاربة سوسيو- سياسية / منشورات “المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي”، الدار البيضاء ( أبريل 1993).

– عياض بن عاشور / بنية الفكر السياسي الإسلامي/ مجلة “الفكر العربي المعاصر” ع 22، بيروت ( 1985)

– محمد ابن الوليد الطرطوشي / سراج الملوك/ (تحقيق جعفر البياتي )، رياض الريس للكتب والنشر. ط I، لندن (1990(

– ناصف نصار / منطق السلطة: مدخل إلى فلسفة الأمر/ دار أمواج للطباعة للنشر والتوزيع. ط 1. بيروت (1995) – خليل أحمد خليل / العرب والقيادة : بحث اجتماعي في معنى السلطة ودور القائد/ دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع. ط III بيروت (1985)


[1] – Daniel Cefaï / cultures politiques / éd. Seuil, Paris (1999). (sous dir) p 5.

[2] – Ibid p 6-7.

[3] -(Serge Derstein / Nature et fonction des cultures politiques / in «les cultures politiques en France», (sous dir) éd. Seuil, Paris , (1999); P 9.

[4] – Yves Mény et Yves Surel / par le peuple , pour le peuple populisme et les démocraties/ éd. Fayard , collec. “L’espace du politique ” Paris (2000) (in troduction)

[5] – Clifford Geertz / L’idéologie comme système culturel / in «cultures politiques » op cit p 35 et suit.

[6] – يقترح J.F. Sirinelli اعتبار الثقافة السياسية بمثابة «نوع من الشفرة (code) و… مجموع المرجعيات المشكلة داخل مجموع التمثلات (l’ensemble des représentations) الحاملة لمعايير وقيم: والتي تشكل هوية العائلات السياسية الكبرى».

(Cité par : Serge Derstein / Nature et fonction des cultures politiques / in « cultures politiques», op cit; P 9).

[7] – لاري ديموند / مصادر الديموقراطية، ثقافة الجموع أم دور النخبة/ (ترجمة سمية عبود ) دار الساقي. ط I. بيروت (1994).

[8] – Marcel Gauchet / croyances religieuses , croyances politiques / in Revue «le débat histoire , politique , société»; édition Gallimard. Paris ( Mai – Juin 2002 ) p 3 et 8.

[9] – ظلت البحوث العلمية، في المجال الإنساني، تتفادى الحديث عن الأسطورة، باعتبارها شيء من الماضي، يحيل على اللامعقول، خاصة أمام التأثير الابستمولوجي للمدرسة الوضعية مع E. Durkheim، ولم يتوقف هذا التقليد العلمي إلا مع النتائج الهامة التي حققتها الأبحاث الميدانية التي أنجزها العديد من الأنتروبولوجيين، من خلال رد الاعتبار للأسطورة كمكون جوهري في السلوك الإجتماعي والسياسي الحديث. انظر بهذا الصدد :

( Georges Balandier / anthropologie politique / Ed. PUF. Paris ( 1984) p 135 et suit).

[10] – François Rangeon ( et autres) / la communication politique / op cit p 73.

[11] – فالثقافة السياسية الأمريكية مثلا، لا يمكن فصلها عن أرضية الأساطير السياسية التي نشأت خلال القرن XVIII، كأسطورة “الأمة الكونية”، وأسطورة “الأرض الملجأ”، وأسطورة ” أورشليم الجديدة “، وأسطورة “الوفرة الخالدة” والنجاح الفردي للجميع الخ.

كما أن الحياة السياسية والمجتمعية طيلة القرن XX، لا يمكن فهمها بمعزل عن أسطورتها المرجعية المتمثلة في الحدث المؤسس الأول، الثورة الروسية لسنة 1917، وقبلها الثورة الفرنسية لسنة 1789، حيث يتم إضفاء طابعا قدسيا وسحريا على كل الأحداث والأشخاص والرموز المرتبطة بهذه اللحظات التاريخية المصيرية.

(Clifford Geertz / L’idéologie comme système culturel / op cit p 41.)

[12] – إذا كانت الأسطورة في مضمونها وأدائها الأنتروبولوجي كانت تقدم تفسيرا ميتولوجيا للعالم، بالنسبة للمجتمعات البدائية، من حيث أنها تتحدث دائما عن العصور الأولى، عصور التأسيس والتدشين؛ فإن الأسطورة السياسية المعاصرة، لا تماثل فقط في بنياتها ووظيفتها مثيلتها البدائية، بل تتجاوزها بكثير من خلال إضفاء معنى إضافيا (فائض معنى) على الأحداث والوقائع والرموز.

[13] – خليل أحمد خليل / العرب والقيادة : بحث اجتماعي في معنى السلطة ودور القائد/ دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع. ط III بيروت (1985) ص 22.

[14] – Maurice – Pierre Roy / Les régime politiques du tiers monde/ éd. L.G.D.J. Paris (1977) p 564.

[15] -. Ibid p 565.

[16] – Emmanuel Sivan / mythes politiques arabes / éd. Fayard, Collec. “L’esprit de la Cité”, Paris (1998). p 119-120.

[17] – A.Mahiou / l’Etat de droit dans le monde arabe : rapport introductif / in «l’Etat de droit dans le monde arabe » (dir. A.Mahiou) éd. C.N.R.S. Paris (1997) p 15.

[18] – فمجال السلطة السياسية لازال يحاول جاهدا أن يستحود على الاعتقاد الذي كان يحوزه المعتقد الديني داخل المجتمعات التقليدية… فحتى بالنسبة للمجتمعات الديموقراطية الحديثة، بالرغم من كون روح التعددية الناجمة عن النقاش العمومي والاقتراع السياسي قد عوضت كثيرا القدرة الرمزية التي كان يحوزها المعتقد الديني في مجال الضبط السياسي.

(Marciel Gauchet / croyances religieuses , croyances politiques/ op cit p 3 et 8).

[19] – ناصف نصار / منطق السلطة: مدخل إلى فلسفة الأمر/ دار أمواج للطباعة للنشر والتوزيع. ط 1. بيروت (1995) ص 146.

[20] – نفس المرجع ص 147.

[21]– Jean Lacouture / Quatre hommes et leurs peuples: sur – pouvoir et sous – développement / éd. Seuil. Paris (1969) p 45.

[22] – Mohamed Sarbouti / Les facteurs , les conditions et les limites de la mobilisation politiques au Maroc / Thèse pour le Doctorat de 3ème cycle en sociologie, Université de Bordeaux II (1985). p 22.

[23] – Ibid p 23.

[24] – Karl Wittfogel / le desptisme oriental / les éditions de minuit. Paris (1959) p 128-129.

[25] – Jürgen. H. Wolff / La pensée politique dans l’Islam, la légitimation du pouvoir et la démocratie moderne : le cas du Maroc / in A.A.N éd. CNRS. Paris (1993) p 362.

[26] – Ibid p 363.

[27] – محمد ابن الوليد الطرطوشي / سراج الملوك/ (تحقيق جعفر البياتي )، رياض الريس للكتب والنشر. ط I، لندن (1990) ص 162.

[28] – نفس المرجع ص 149.

[29]– Rémy Leveau / Islam et contrôle politique au Maroc/ in «Islam et politique au Maghreb ( dir. E Gellner et J.C Vatin) éd. C.N.R.S Paris (1981) p 273.

[30] – Ibid p 275.

[31] – Michel Camau / Religion politique et religion d’Etat en Tunisie / in «Islam et politique au Maghreb» op cit p 223

[32] – عياض بن عاشور / بنية الفكر السياسي الإسلامي/ مجلة “الفكر العربي المعاصر” ع 22، بيروت ( 1985) ص 25 وما بعدها.

[33] – William Zartman / Pouvoir et Etat dans l’Islam / in Revue ” Pouvoir” n° 12. éd. PUF. Paris (1980) p 6 et suit.

[34] – Georges Balandier / antropologie politique / op cit p 135-136.

[35] – Bernard Asso / Le chef d’Etat africain : l’expérience des Etats Africains de succession France/ op cit p 24.

[36] – Ibid p 81.

[37] – Mohamed Sarbouti / Les facteurs , les conditions et les limites de la mobilisation politique au Maroc / op cit p 298-299.

[38] – Maurice- Pierre Roy / les régimes politiques du tiers monde / op cit p 580.

[39] – بالفعل فقد كان العديد من هؤلاء القادة واعيا بهذا الفراغ الذي خلقه غياب زعيم قوي، حتى قبل وصوله إلى السلطة، فقد عتب جمال عبد الناصر رسالة وهو لا يزال تلميذا في التعليم الثانوي، جاء فيها: «… من هو الرجل الذي سيعيد خلق البلاد كي تتمكن مصر الضعيفة والمهانة من النهوض ثانية وتعيش حرة مستقلة […] نحتاج إلى قائد يقود المعركة من أجل بلاده…».

(عبد الله حمودي/ الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة/م.س. ص 217).

[40] – محمد ضريف / النسق السياسي المغربي المعاصر : مقاربة سوسيو- سياسية / منشورات “المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي”، الدار البيضاء ( أبريل 1993) ص 173.

[41] – David Eason / Analyse du système politique / (traduit par P.Rocheron ) éd. Armond Colin. Paris (1994) p 285.

[42] – Mohamed Berdouzi / destinées démocratique : analyse et prospective du Maroc politique / Pub. Renouveau. Rabat (2000) p 75.

[43] – Mohamed Sarbouti / Les facteurs , les conditions et les limites de la mobilisation politique au Maroc / op cit p 15-21.

[44] – ففي إطار جماعة منظمة يمكن القول أن بعض الأشخاص، يتمتعون بسلطة كارزمية، عندما يتبعهم الآخرون ويضعون أنفسهم رهن إشارتهم… وهي قدرة تتخذ صبغة نفوذ ((autorité، يرجع أساسا إلى مكانة هذا الشخص الاجتماعية أو إلى قدراته ” غير العادية”، وكفاءته وتساميه.

(Olivier Reboul / la philosophie du l’éducation / éd. PUF. Paris (1989) p 69.)

[45] – M. Reuchlim ( et autres) / grand dictionnaire de la psychologie / éd. Larousse. Paris (1991), p 91.

[46] – Abdallah Saâf / Vers la description de l’Etat néo-patrimonial : limites du néo-patrimonial comme concept et phénomène observable / in «changements politiques au Maghreb» (sous dir. M. Camau), éd. CNRS, Paris (1991), p 73.

[47] – بحيث السلطة الأبوية في صيغتها الحديثة على مستوى علاقة السلطة السياسية والقرار العام، لا يمكن فصلها عن تلك التجربة البدائية للسلطة، حيث تكون هذه الأخيرة محددة في نوعية العلاقة التي تربط “الطفل” بشخصية “الأب”، لأن هذا الأخير هو الذي يملك القدرة والصلاحية على تحديد الأشياء الصالحة والأشياء القبيحة، وبالتالي الأشياء المسموح بها والأشياء الممنوعة، وهو الذي يعاقب ويعفو. إن “الأب” وحده من يجسد “القانون”، وهو الذي يضع الحدود لكل شيء.

(محمد بنعلي / مفهوم السلطة في الكتب المدرسية (مقاربة نفسية – اجتماعية)/ أطروحة في علوم التربية. الرباط (1994) ص 62.

انظر كذلك : خلدون حسن النقيب / الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر: دراسة بنائية مقارنة/ ط I، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت (1991) ص 18.

[48] – برتران بادي / الدولة المستوردة: تغريب النظام السياسي / (ترجمة لطيف فرج ). سلسلة كتاب العالم الثالث، ط I القاهرة (1996) ص 19.

[49] – نفس المرجع ص 20.

[50] – ناصف نصار / منطق السلطة : مدخل لدراسة منطق الأمر / م. س. ص 24.

[51] – نفس المرجع ص 36-37.

[52] – أوجين إنركيز / الدولة ومستقبل السياسة / (ترجمة نجوي حسن) مجلة “الثقافة العالمية”. ع 98 الكويت ( يناير –فبراير 2000) ص 32-36.

[53] – Jean Lacouture / Quatre hommes et leurs peuples: sur pouvoir et sous développement / op cit p 21.

[54] – Ibid p 587.

* أستاذ باحث ( جامعة القاضي عياض-مراكش-)

الآراء

اترك رد