الأسرى المسيحيون في المجتمع المغاربي خلال القرنين 17-18

هشام مرزوق:

ماستر التاريخ المغاربي المقارن الحديث والمعاصر بجامعة ابن طفيل القنيطرة

إن الحديث عن قضية الأسرى في المغارب خلال القرن 17 و 18 هو سفر في رحاب الزمان والمكان عبر تسليط الضوء على مكون هام من مكونات مجتمع المغارب. مكون أهملته الدراسات التاريخية الكلاسيكية التي اهتمت بالحدث السياسي والعسكري وأحوال الملوك و العلماء والأدباء ورجال الدين، وبذلك أسدل الستار عن فئات عريضة من المجتمع التي أريد لها أن تقبع في زاوية النسيان، رغم الأدوار الكبيرة التي قامت بها داخل المجتمع، فجاءت المصادر التاريخية التقليدية شحيحة ولم تف بالمطلوب، إذ غابت الرؤية الواقعية لمسار حركة التاريخ، والعوامل الأساسية التي تحدد صيرورته، وتوجه اهتمامه نحو ضبط إيقاع السياسة، عبر رعاية الحدث والاقتصار على النخب الصانعة للقرار دون محاولة الربط الجدلي بين السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي لتفسير ظواهر مختلفة داخل المجتمع.

ويندرج موضوع مقالة الأسرى المسيحيين في المغارب خلال القرن 17 و18- ضمن حقل التاريخ الاجتماعي، على أساس انه يدرس فئة اجتماعية في إطار علاقتها بمحيطها وبمكونات المجتمع وتعاطيها مع مجتمع غريب عن بيئتها، مع استحضار البعد التاريخي الذي يروم دراسة تطور الظاهرة في الزمان والمكان. إن قضية الأسرى ليست بالأمر الجديد، أو المستحدث، بل إن جذورها ضاربة في عمق التاريخ، حيث تحدد الإحصائيات نسبتهم بأكثر من 20% بالمغرب بين الاسرى المسيحيين والعبيد القادمين من إفريقيا، وان غلب على تلك الإحصائيات الافتراض و التخمين فهي تعطي صورة عن حجم الأسرى في تلك الفترة، وقد اشتغل هؤلاء الأسرى في مجالات مختلفة كالفلاحة والأشغال الشاقة، ومنهم من اشتغل خادما داخل البيوت في المدن والإدارات وبلاطات القصور عند السلاطين، وفي هذا الصدد يمكن أن تبرز ملامح الإشكالية العامة لهذا المساهمة حول أهمية إستغرافية الرحلات والمذكرات في تاريخ المغارب، والسلطة والمجتمع والاقتصاد في المغارب من خلال مذكرات الأسير مويط وكاثكارت. سؤال يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات والقراءات في ظل غياب من يوضح أن القرصنة البحرية كانت هي المصدر الوحيد، مع العلم أنها لم تكن لها أهمية كبرى في تلك المرحلة خصوصا من قبل السلطة والمخزن بالقدر التي حظيت به من طرف الدول الأوربية والتي عادت لها بأرباح وفيرة، ذلك أن البحر إلى حدود القرون الحديثة ، كان يشكل حاجزا في الذهنية المغربية، وحدا فاصلا بين المغارب والدول الأوربية، واستمر الوضع على ما هو عليه إلى حدود ظهور الاكتشافات الجغرافية ، حيث زال ذلك الحصار وتحول البحر إلى فضاء للتجارة و التبادل.

من هنا يتضح أن قضية الأسرى المسيحيين بالمغارب، قضية مهمة في تاريخ الدول المغاربية حيث سنحاول أن نتناول بالدراسة والتحليل الفترة المتعلقة بالقرن السابع عشر والثامن عشر،من خلال التطرق لأسيرين أجنبيين، الأسير جرمان مويط بالمغرب، والأسير كاثكارت بالجزائر خلال الحكم العثماني . إذ رغم محدوديتها في الزمان، إلا أنها ستمكننا من رسم صورة عن مؤسسة الأسرى التي انتشرت رغم الإدانة الواسعة من طرف الحكومات الأوربية والجمعيات المناهضة للقرصنة البحرية ونشاطاتها، وعقدت لها مؤتمرات من أجل القضاء على نشاطها خصوصا في الحوض المتوسطي. وقد انصبت هذه المقالة حول هذا الموضوع في محاولة متواضعة لمقارنة الظاهرة عبر استحضار منهجية المقارنة، بغرض التفسير والوقوف على نقاط التشابه والتقاطع والاختلاف والتباين في كل من المغرب والجزائر، انطلاقا من نظرتي كل من الأسير مويط والاسير كاثكارت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.

للاطلاع على النسخة الكاملة


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد