نظمت الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم مؤتمرها الثاني بمدينة الدار البيضاء يومي 28-29 أكتوبر 2015 بالتعاون مع جامعة الحسن الثاني، وعرف المؤتمر حضور شخصيات علمية وفكرية ودعوية من أزيد من ثلاثين دولة، واختار المنظمون ” تدبر القرآن الكريم أعلام ومناهج ” عنوانا للمؤتمر.
وكان من أهداف المؤتمر:
إبراز الأسس المعرفية لتدبر كتاب الله تعالى من خلال المنهجية التي سار عليها أعلام المتدبرين خلال القرون الماضية.
رصد أبرز الإصدارات والكتب العلمية التي كتبت في التدبر.
قراءة المناهج المعاصرة التي اختطت منهجية جديدة في أصول التدبر وتقويمه.
إشراك فئات المجتمع كافة في خدمة مشروع تدبر القرآن الكريم من خلال طرح الجوائز العلمية والإعلامية.
تعزيز التواصل والتعارف بين أهل القرآن والمهتمين بتدبره.
والمؤتمر كغيره من المحطات العلمية والفكرية عرف نجاحا في مجالات عدة، في حين عرف بعض الإخفاق في أخرى. وأثناء مشاركتي – والشكر موصول للهيئة العالمية للتدبر على الدعوة – سجلت بعض الملاحظات العلمية، أكتفي ببسط إحداها وهي ترتبط بمصطلح التدبر، أصوغها على شكل أسئلة. ما معنى التدبر؟ هل معناه الاصطلاحي هو نفس معناه اللغوي؟ ما علاقة التدبر بالتأمل والتذكر والتفكر والاستنباط؟ هل التدبر هو الإفادات والنكت والاعتبار والفوائد؟ هل التدبر مرحلة بعد الفهم أم مستقلة عنها؟ هل التدبر وسيلة أم غاية؟ هل التدبر عمل أم نتيجة، وما مقدماته؟ هل التدبر يخاطب به العامة أم هو مقتصر على الخاصة؟ هل التدبر عملية قلبية أم عقلية أم هما معا؟ هل التدبر علم يتعلم ومهارات تكتسب أم هبة وعطاء؟ كيف نحقق التدبر، وإلى ما يهدف التدبر؟
فمن خلال إصغائي للمداخلات وقد تجاوزت العشرين، وبعد كلام المعقبين على المداخلات وهم بالعشرات، وأثناء عمل الورشات المنظمة على هامش المؤتمر لاحظت تداخلا واضطرابا في تحديد معنى التدبر ومفهومه، فالكلام عنه عرف اختلافا وتضاربا كبيرا. وقد أثار ذلك نقاشا قويا طيلة مدة المؤتمر. فقد عبر عدد من الباحثين عن التدبر بالنظر في الآيات ومآلاتها، وبعضهم اعتبره تفكرا أو قريبا من التفكر، وذهب البعض إلى أنه بحث في أدبار المعاني ونكات الدلالات، وأوجد له عدد من الباحثين مرادفات مثل: التأمل، التذكر، التفكر، التأويل، الاستنباط، الاعتبار، إعمال الذهن…. وقد اعتبره بعضهم تفسيرا وإن لم يصرح بذلك أو صرح بخلافه، ودليل ذلك أن بعض الباحثين عنون مداخلته بـ ” منهجية فلان في التدبر ” بينما هي في حقيقتها “منهجية فلان في التفسير”. وإن التضارب في فهم التدبر قد استفز الحاضرين بدليل أنه لم تخل جلسة من الجلسات الخمس أو ورشة من الورشات من تنبيه أو إشارة إلى الاضطراب في تحديد المراد من المصطلح ومفهومه. وقد دعا كثير من المشاركين الهيئة العالمية إلى تحديد مفهوم واضح لمصطلح التدبر يعرفه ويتفق عليه الجميع، وهذا ييسر ولا شك إنجاز البحوث والدراسات التي تشرف عليها الهيئة أو تتبناها، كما يسهل عملية التقويم والتقييم والتعقيب والتحكيم. ولقد استجابت اللجنة العلمية لهذه الدعوات فكانت أولى توصيات المؤتمر ” تحديد مفهوم التدبر”.
لم يكن قصد هذه الورقة الإجابة عن الأسئلة المطروحة آنفا ولا الحسم في المراد بمصطلح التدبر وضمائمه، بل إثارة القضية وبيان اختلاف الدارسين في المراد من التدبر، ولأن ذلك ينعكس بجلاء كبير على المراد بـ ” منهجية السلف والخلف في تدبر كلام الله تعالى ” وهو من صميم عمل المؤتمر. وختاما أشير إلى أن هذا الاختلاف في فهم معنى التدبر لم يؤثر على نجاح المؤتمر وتحقيق عدد من أهدافه، وقد أرجع إلى ملاحظات أخرى في مقال لاحق بإذن الله.
اترك رد