دلالات التأويل في الفكر العربي المعاصر

د. محمد علواش – المغرب

لقد تسللت نظريات “التأويلية الحديثة” إلى المجال العربي، ووجدت مناصرين لها، ورافعين لشعارها، ولاسيما الفئة التي اقتنعت أو أقنعت بضرورة تجاوز المرجعية الإسلامية، وأقاموا مقامها مرجعيات بديلة شملت مجمل هذه الفلسفات الوضعية¬­التي أشرنا إلى بعضها¬­، والعقائد المادية التي عرفها الغرب منذ عصر النهضة، إذ إن مبدأ الاستقلال الدلالي، والإيمان بحرية التأويل المطلقة ظلت مرتبطة بالنصوص الإنسانية(الأدبية،التاريخية…)، ولم يتجرأ أصحابه ¬­ أي مبدأ الاستقلال الدلالي¬­ على تطبيقه في النص القرآني، إلا أن تراجع المؤسسات الإسلامية، وتخلفها عن واجبها في المجتمع، وقوة الصراع بين الفكر الإسلامي ونظيره العلماني فك كثيرا من الأصوات عن عقالها، وأصبح من السهل الادعاء بأن القرآن”نص لغوي” وحسب، وأن المدخل اللغوي كاف لتفسيره واستخلاص معانيه.
وبعد مناقشة ضافية لدلالات مفهوم التأويل في التداول الثقافي الغربي، نشير إلى آراء بعض المفكرين المعاصرين حول المفهوم.
لكن قبل ذلك نقول بأن أغلب الباحثين يتفقون حول معناه الرئيسي, باعتباره فعلا عقليا، لا يقف عند المعنى المتبادر والظاهر للكلمة (الجملة) أو النص، بل يتعدى ذلك إلى الغوص في المعاني العميقة واستخراجها، ويبقى بعد ذلك اختلاف العبارات والتوجهات المؤطرة للتعريف.
يعرض عبد الفتاح الحموز تصوره للتأويل، وهو تصور لم يخرج عن المعهود و المألوف عند أغلب الباحثين الذين كتبوا في الموضوع، إذ لم يأت بجديد عند تطرقه لتعريف التأويل سوى ذكره لمصطلحات كثيرة قال عنها بأنها مرادفات للتأويل « وهي تدور في فلك حمل النص على غير ظاهره لتصحيح المعنى أو الأصل النحوي ». ويذهب أحمد عبد الغفار إلى أقرب من هذا، عندما يقول باختصاص التأويل بالمعنى الثاني«أو الدلالة المجازية للكلمات »، وعند صاحب “المصطلح الصوفي” نجد تحويرا لعبارة “الدلالة المجازية للكلمات”، بحيث يصبح التأويل عنده هو »العثور عن طريق الظاهر الحرفي إلى الباطن الإشاري (أو الرمزي)، حيث يسمح النص بتحويل المعنى الموضوعي إلى المعنى الروحي »، وهذا لي لعنق العبارة حتى تنسجم مع انتصار الكاتب لنزعته الصوفية. أما عبد الهادي عبد الرحمان, فالتأويل عنده فعل قصدي بعيد عن التلقي العفوي، والمؤول يقوم بإلقاء ظاهر الخطاب لكي يمتلك ما يعتبره باطنه.. ، ويرى عبد القادر الرباعي أن أصل التأويل الرجوع والارتداد« وهو لا يكون إلا بعد وضوح المعنى، أما التفسير والتدبر فقد يعنى به الميل عن مقصده الذاتي، نحو فهم خاص يأتي منسجما مع تقدير ذات المتدبر »، أما محمد الكتاني فقد اعتبر التأويل «منهجا في فهم القرآن، وإدراك معانيه المتشابهة ».

للاطلاع على النسخة الكاملة


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد