تقرير خاص بورقة علمية عنوانها:
“الإسهام المغربي في تأصيل الخطاب البلاغي العربي محمد الصغير الإفراني من خلال كتابه “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل” نموذجا”
شاركت بها في ندوة:
“الخطاب الأدبي والبلاغي في كتابات محمد الصغير الإفراني”
نظم فريق البحث في البلاغة والأدب بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية ندوة وطنية في موضوع: “الخطاب الأدبي والبلاغي في كتابات محمد الصغير الإفراني”، وكان لي شرف المشاركة بورقة علمية موسومة ب: “الإسهام المغربي في تأصيل الخطاب البلاغي العربي محمد الصغير الإفراني من خلال كتابه “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل” نموذجا”، أقدم تقريرا موجزا يتضمن أهم محاورها:
مهدت للموضوع بمقدمة ضمنتها إشكالية الموضوع، وأهدافه، ومنهج البحث فيه، جاء فيها:
يجد الباحث في الأدب المغربي نفسه ملزما بِتَبَيُّنِ حقيقة شبهات واتهامات كثيرة تمس شخصية الأديب المغربي في عمقها وأصالتها، لعل أبرزها وأخطرها في تقديري الخاص، شبهتان اثنتان:
_ أما أولاهما فيذهب أصحابها إلى القول بالغياب التام للبصمة المغربية في ساحة الأدب العربي، وهو الأمر الذي أثار انتباه العلامة عبد الله كنون ودفعه إلى تأليف كتابه “النبوغ المغربي في الأدب العربي”، يقول: “رأيت منذ نشأتي الأولى إهمال هذا الجزء من بلاد العروبة في كتب الأدب وكتب تاريخ الأدب، حتى لقد تذكر تونس والجزائر، وبالْحَرَى القيروان وتلمسان فضلا عن قرطبة واشبيلية، ولا تذكر فاس ومراكش بحال من الأحوال.”(1)
_ وتتمثل الثانية في اتهام إنتاج الأديب المغربي بالتقليد والاجترار والتبعية، فهو مجرد مقلد للأدباء المشارقة، مجتر لما ابتكروه وأبدعوه، متبع لما سَنُّوهُ واستحدثوه، وتبعا لذلك فهو أصغر وأعجز من أن يأتي بجديد مميز.
والواقع أن هذه الاتهامات ليست وليدة التاريخ الحديث، بل إنها كانت حاضرة مند أقدم العصور، خاصة منذ انتصب المغرب منافسا سياسيا قويا يعلن صراحة خروجه من جبة الخلافة العباسية، ويؤكد استقلاله ورفضه أن يبقى في الهامش تابعا دائرا في فلك غيره.
لا يخرج موضوع هذه الورقة عن هذا الإطار، غير أن حديثنا لن يبقى عاما فضفاضا هكذا، بل سنخصص الحديث عن واحد من أهم أبرز خطابات الثقافة العربية، يتعلق الأمر ب”الخطاب البلاغي العربي”، إذ لم ينج بدوره من تهمة غياب المغاربة في عملية تأصيله، وبكونهم مجرد تابعين مقلدين مجترين لما أثله المشارقة، وقد ترددت هذه التهمة عند القدماء والمحدثين على السواء فمن القدماء ابن خلدون الذي يقول: “… وبالجملة فالمشارقة على هذا الفن أقوم من المغاربة، وسببه _ والله أعلم _ أنه كمالي في العلوم اللسانية، والصنائع الكمالية توجد في وفور العمران. والمشرق أوفر عمرانا من المغرب كما ذكرناه… وإنما اختص بأهل المغرب من أصنافه علم البديع خاصة، وجعلوه من جملة علوم الأدب الشعرية وفرعوا له ألقابا وعدَّدوا أبوابا ونوعوا أنواعا. وزعموا أنهم أحصوها من لسان العرب، وإنما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ، وأن علم البديع سهل المأخذ. وصعبت عليهم مآخذ البلاغة والبيان لدقة أنظارها وغموض معانيهما فتجافوا عنهما.”(2)، وقد سار على هذا الدرب الهجومي المقري بقوله: ” …وأما ملكة العلوم النظرية، فهي قاصرة على البلاد المشرقية، ولا عناية لحذاق القرويين والإفريقيين إلا بتحقيق الفقه فقط”(3) ، ومن التهم التي ألصقت بالمغاربة أيضا ضعفهم في صناعة التأليف(4)، ومن المعاصرين الذين انخرطوا في هكذا هجوم الدكتور بدوي طبانة الذي يرى “أن المغاربة كانوا عيالا على المشارقة، وأنهم فقدوا الاستقلال، وفقدوا علم الدراية، وقنعوا بعلم الرواية والنقل عن علماء المشارقة.”(5)
إن أهمية الموضوع قيد الدرس تكمن في أمرين اثنين:
_ كونه يعيد طرح العلاقة بين المشرق والمغرب للنقاش.
_ كونه يسعى لتسليط الأضواء على حقيقة الإسهام المغربي في بناء صرح الثقافة العربية عموما، والخطاب البلاغي على وجه الخصوص.
وتبعا لذلك فإن الهدف الرئيس من هذه الورقة هو الوقوف على حقيقة التهم التي تمس شخصية الأديب المغربي في عمقها وأصالتها، والسعي إلى تفنيدها انطلاقا من كتاب “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل”، وقد تَبَنَّيْتُ من أجل تحقيق هذا الهدف منهجا استقرائيا تتبعت على ضوئه بعض الظواهر البلاغية الحاضرة في الكتاب، كما تبنيت منهجا مقارنا سعيت من خلاله إلى إبراز مشاهد التجديد والابتكار، وكذا مظاهر التقليد والاجترار في شرح الإفراني لموشح ابن سهل.
انطلاقا من ذلك يحق لي أن أتساءل: ما حجم الحضور المغربي في تأصيل الخطاب البلاغي العربي من خلال كتاب “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل” ؟ ما هو منهج الإفراني في شرح موشح ابن سهل؟ ما مظاهر الاجترار والابتكار في ما قدمه الإفراني في شرحه هذا ؟
وقد أجبت على هذه الأسئلة والإشكالات من خلال المحاور الآتية:
1_ العلاقة بين المشرق والمغرب بين التبعية والتحدي :
أ_ التحدي السياسي:
ب_ التحدي الثقافي:
2_ الإسهام المغربي في تأصيل الخطاب البلاغي العربي:
3_ الإطار التاريخي والفني لكتاب “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل”:
4_ “المسلك السهل”: الموقع والغاية ومنهج الشرح
5_ الحضور البلاغي المغربي في “المسلك السهل” وسؤال الاجترار والابتكار:
أ _ مظاهر الجدة والابتكار في شرح الموشح:
ب _ مشاهد التقليد والاجترار في شرح الموشح:
وخرجت بعد هذه المناقشة بجملة من الخلاصات والاستنتاجات، أثبتها كما يلي:
_ لا يمكن فهم العلاقات الرابطة بين المشرق والمغرب إلا باستحضار المحطات السياسية الحاسمة التي أعلن فيها المغرب خروجه العلني من جبة الخلافة العباسية، ووقوفه شامخا مؤكدا تأهله لأن يكون محورا وقطبا بدل أن يبقى مجرد تابع دائر في فلك المشرق رغم مركزيته الروحية وجاذبيته الحضارية وأسبقيتة الثقافية.
_ الأكيد أن الحكم على المغاربة بالغياب التام عن الساحة العلمية، أو بكونهم مجرد مقلدين تابعين للمشارقة حكم جائر بعيد كل البعد عن الحقيقة، ولذلك فإن الباحثين المغاربة مدعوون لبذل قصارى جهودهم في البحث العلمي الرصين في تراثهم العلمي الزاخر لرد هذه التهم الباطلة وإثبات تفاهتها وتهافتها.
_ يتأكد من خلال استقراء تاريخ البلاغة العربية أن إسهام المغاربة كان حاضرا بشكل قوي في تأصيل الخطاب البلاغي العربي وتثبيت أصوله وإرساء قواعده.
_ يعد كتاب “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل” نموذجا للنقد التطبيقي في المغرب الأقصى، بالنظر إلى ما ميزه من تصور منهجي وتذوق بلاغي فني للنص المشروح، كما يعد مرآة تعكس الثقافة الأدبية في عصر الإفراني بمصادرها المشرقية والأندلسية والمغربية.
_ من الملاحظات الجديرة بالتسجيل تداخل مباحث علوم البلاغة عند الإفراني، فهو مثلا يتحدث عن التشبيه والتشبيه المركب في مبحثي البديع والبيان في الوقت نفسه. والسبب في ذلك يكمن في كون اتساع البحث في البديع جعله يبتلع بعض المباحث التي اعتبرت من علم المعاني، ومن ذلك الإطناب والتكرار والتفصيل والاستقصاء والإيجاز والبسط(6). وقد نتج عن تضخم البديع أن أصبح يضم الصور البيانية، وكثيرا من صور علم المعاني(7) .
_ شخصية الشارح كانت حاضرة بشكل قوي وهو يشرح الموشح، ذلك أن إعجابه به لم يمنعه من التزام الموضوعية في نقده، فأشاد بمواطن الجودة والإتقان، ونوه بمقامات ومشاهد التميز والإبداع، دون أن يمنعه ذلك من تبيان نقط الضعف ومواطن الرداءة، ومن ذلك مثلا تقديمه عبارة ابن الخطيب: “جال في النفس” على عبارة ابن سهل: “حل من نفسي”، فقال: “وعندي أن تعبير لسان الدين بن الخطيب في معارضته السالفة بالمجال ألطف من تعبير ابن سهل بالمحل، وإن كان لسان الدين أخذ منه.”(8)، ومن ذلك أيضا مآخذته ابن سهل على بعض تعابيره، فقد رد عليه استعمال الواو في قوله: “وفؤادي” مرجحا عليها الفاء لدلالتها على السببية، قال الإفراني: “المعاني: عبر بالواو في قوله: “وفؤادي”. وقال بعض أصحابنا: إن التعبير بالفاء أحسنُ. وهو ظاهر لما فيها من الترتب على ما قبلها، أي فبسبب سكر جفونه وعربدته لا ينتبه فؤادي من رقدة سكره، وأما الواو فلا تخلص في هذا المحل من قلق.”(9)
_ اتهام المغاربة بأنهم عيال على المشارقة في البحوث البلاغية مسألة تبدو ناقصة إذا نظر إليها بعين التمحيص والإنصاف.
_ خلاصة القول إن موازنة الإفراني بين المعاني والبيان من جهة، والبديع من جهة أخرى، مدعاة لأن توضع نظرية ابن خلدون موضع شبهة وتساؤل، فقد ذهب إلى أن المغاربة أميل إلى البديع لسهولته على حساب البيان والمعاني الدقيقي المطلب والصعبي المأخذ(10)، كما يحط من قدر ما ذهب إليه الدكتور بدوي طبانة الذي اتهم بدوره المغاربة بالعجز عن الابتكار، وبأنهم مجرد مقلدين للمشارقة ناقلين عنهم.
الهوامش:
(1)_ (النبوغ المغربي في الأدب العربي)، عبد الله كنون، الطبعة الثانية، 1380_1960، ص:7.
(2)_(مقدمة ابن خلدون)،ابن خلدون،تحقيق: درويش الجويدي،المكتبة العصرية،صيدا_بيروت،الطبعة الثانية:1416_1996، ص:552 .
(3)_(أزهار الرياض)،المقري،تحقيق المجموعة،طبعة وزارة الأوقاف المغربية،طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،القاهرة،1939،ج:3_ ص:26 .
(4)_ انظر التنبكتي في: (نيل الابتهاج)245_247، (مطبوع بهامش “الديباج المذهب”، ابن فرحون،مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، مصر، 1329، والمقري في: (أزهار الرياض) 3/23 _ 24 .
(5)_ (البيان العربي)، بدوي طبانة، دار العودة، الطبعة الخامسة، بيروت،1972، ص:138 .
(6)_ (البلاغة تطور وتاريخ)، شوقي ضيف، 1976، ص: 359.
(7)_ (البلاغة تطور وتاريخ) 366.
(8)_ (المسلك السهل)303 .
(9)_ (المسلك السهل)333 .
(10) _ (مقدمة ابن خلدون) 552 .
اترك رد