تاريخ النشر: 20 نوفمبر 2015
يتناول كتاب ” الإسلام والدولة المستحيلة “(1) بصراحة ووضوح قضية مهمة جدا، ويغوص بداخلها ، ألا وهي الموقف الإسلامي من الدولة المدنية الحديثة، المؤسسة على المفهوم الغربي ، والتي تم تطبيقهافي أقطار العالم العربي والإسلامي، بعد تفكك دولة الخلافة العثمانية التي كانت تجمع غالبية أقاليم المسلمين في رحابها ، وبعدما رحل المحتل الأجنبي ، وهو ضامن أنه ترك ذيولا لا نهاية لها ، تتمثل في النظم التي شكّلها على طريقته وفق ما أراد .
فظهرت دول ، وطفت على السطح دويلات ، وباتت هناك حدود مرسومة ، ومناطق مقسومة، وارتفعت أعلام وطنية ، معززة بهويات جديدة ، تربط المسلم المعاصر بحدود وطنه المصنوع ، في مسعى إلى صنع هويات مضادة لهوية أخرى تولد معه ، ويحملها في جيناته ، تتصل بالإسلام : دينا وحضارة وثقافة ، وتستبدلها بما أسمته دوائر الانتماء مثل الانتماء إلى العالم الإسلامي ، والعربي ، والقاريّ .
ومع نشوء الدولة الحديثة ؛ تم استيراد كثير من أنماط الحكم والإدارة والمؤسسات وأيضا المفاهيم والمبادئ من النظم الغربية ، إلى أطر الدول الجديدة ، والتي تتابعت عليها العقود ، وباتت واقعا لا مفر منه ، بل إن الكلام عن الوحدة بأشكالها توارى ، وأصبح الحديث يدور – إن دار – عن أوجه من التعاون، وتلاقي السياسات ، وتقارب الشعوب ، والنظر في تسهيل التنقل بين الدول ، بعدما زادت حدة الفروق بين أقطار غنية وأخرى فقيرة ، وثالثة أكثر فقرا ، ودول تتمتع بحريات وتتداول السلطة فيها ، وأخرى تسمح بهامش من الحريات ومع وجود بعض الأحزاب الضعيفة أو الكرتونية ، غير الطامحة للسلطة والتي تكتفيبجريدة ومقر ومتحدثين باسمها ، كما تنوعت في الدول أشكال الحكم نفسها ما بين : ملكية مطلقة ، وملكية دستورية ، وجمهوريات متعددة ، ولتكون المحصلة في النهاية متشابهة : تراجع معدلات التنمية ، البطالة ، سوء استغلال ثروات الوطن ، تزاوج الثروة مع السلطة ، ازدياد الهجرة داخل الوطن من الريف إلى المدينة ، وإلى خارجه إلى الدول الأكثر ثراء وتقدما ، والأسوأ ازدياد اغتراب المواطن ، وانكفائه على ذاته .
ستتمحور قراءتنا في هذا الكتاب على قضاياه المثارة في الكتاب نفسه ، والتي تتوخى الإجابة عن سؤال مهم ألا وهو : هل تصلح الدولة الحديثة ببنائها الغربي لتكون معبرة عن المجتمع المسلم ؟ وهل يمكن أن يقدم المسلمون المعاصرون بنية هيكلية جديدة للدولة المسلمة ، تعبر عن شريعتهم وأخلاقهم ، ضد الهيمنة الغربية بعلمانيتها المفرطة ؟ وتلك أسئلة تتخطى رؤية المفكرين السياسيين المعاصرين الذين رأوا أن الدولة بهيكليتها الغربية مجرد وعاء يمكن أن يحوي ما نشاء من قيم، ولكن المؤلف يرفض هذا ، ويقرأ الدولة الحديثة قراءة ثقافية ، وأخلاقية، وسياسية، وعلمانية ، فلا يعقل أن يتشكل وعاء بمعزل عن جوهره ، فلحاء الشجر وساقها وجذورها أجزاء لا تتجزأ من طبيعة تكوينها وما ستخرجه من أوراق وثمرات .
اترك رد