مع الإطلالة البهية لشهر الربيع النبوي الأغر، لا يمل محبو الجناب النبوي، أن يجعلوا الشهر كله احتفالا واحتفاء بمولده الهني، تعبيرا منهم عن فرحهم وسرورهم ببزوغ نوره الأسنى، إلا أن بعض الناس ممن لا يحتفلون بالمولد النبوي الشريف، لا يتورعون عن إطلاق بعض الأحكام الرعناء حول هذا الاحتفال، مثل القول بتحريمه، وتبديع المنخرطين فيه والقائمين عليه، ويوردون على ذلك شبها وأقاويل، كلها لا تصلح للاستدلال، وقد فندها وبيّن بطلانها غير واحد من أهل الضلاعة والرسوخ في العلوم الشرعية على مر العصور، وكل ذلك مبين في محله، إلا أن شبهة واحدة لم أر من نبه إلى زيفها، ولا من عرج عليها، وهي ادعاء المحرّمين عدم جواز الاحتفال، لأنه يوافق يوم وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال د. مهران ماهر عثمان : “وعلى فرض أنه صلى الله عليه وسلم وُلد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، فهذا يوم وفاته كذلك . وليس الفرح في هذا اليوم بأولى من الحزن فيه”.
وهذه “الحجة” لا يمكن إيرادها إلا في خانة التشغيب على المحتفلين، وهي من باب الدفع بالصدر المعروف في علم الجدل، ولم ألتفت إليها إلا لرواجها في السنوات الأخيرة وكثرة تردادها على ألسنة خطباء الجمعة غير المحصنين من الفيروسات الفكرية الوافدة من الشرق العربي.
وأول ما يلاحظ على هذه “الحجة”، هو أن المحبين للجناب النبوي لا يقتصرون في الاحتفال على يوم المولد، بل يعممون الاحتفال على أيام الشهر كله، ولا يضيرهم إن كان ذلك الشهر هو شهر الوفاة أيضا، “ولكل وجهة هو موليها”.
ثانيا : نصَّ القرآن على الفرح والسرور وأمَر به، فقال : “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا”، وتحدث عن الفرحين بالنعم الإلهية فقال : “فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ”، ولم يدع الإسلام إلى الحزن ولم يرشد إليه، بل نهى عنه، فقال الله تعالى : “ولا تهنوا ولا تحزنوا”، واستعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن”، لذلك لم يلتفت محبو الجناب النبوي إلى ذكرى التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بربه، ولم يخلدوا ذكراها، ولم يحيوا مواجعها كل عام، لما في ذلك من تجدد الحزن، وهو مخالف لشريعة الإسلام وهديه، لذلك قال العلامة ابن القيم : “ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا”، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مركزا على ما يحزن القلب ويعكر صفو الحياة، بل “كان دائم البشر، ضحوك السن” كما قال ابن القيم.
ثالثا : التركيز على الفرح وإعلان مظاهره وإشاعتها بين الناس من المصالح المعتبرة التي نص عليها علماء المقاصد، كما أن الحزن والتركيز على مظاهره وأشكاله لا يتجاوز كونه مفسدة عندهم، قال العلامة العز بن عبد السلام : “وكل مَا غم وآلم فَهِيَ مفْسدَة، وكل مَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى غم أَو إِلَى ألم دُنْيَوِيّ أَو أخروي فَهُوَ مفْسدَة، لكَونه سَببا للمفسدة، سَوَاء كَانَ فِي عينه مصلحَة أَو مفْسدَة، وكل الدَّوَاء فَرَحٌ، فَهُوَ مصلحَة، وكل مَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى فَرح أَو لَذَّة عاجلة أَو آجلة فَهُوَ مصلحَة، وكل مَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى فَرح أَو لَذَّة عاجلة أَو آجلة فَهُوَ مصلحَة، وَإِن اقترنت بِهِ مفْسدَة”.
تأسيسا على ما سبق، يتبين أن المسلمين لما شرعوا الاحتفال بالمولد النبوي المنيف، وأعرضوا عن إحياء ذكرى الوفاة، كانوا أعرف الناس بأحكام الدين، وأكثرهم إدراكا لمقاصد التشريع.
وعلى فرض وجاهة “حجة” المحرمين وقوتها في ميدان الاستدلال، وهي ليست كذلك، فإن الاحتفال بالتحاق النبي صلى الله عليه وسلم بربه ليس ممنوعا ولا محظورا، وبيان ذلك من وجهين :
الوجه الأول : استعمل القرآن والسنة أسلوبي القصر والحصر في وصف الرحمة الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهما النفي المقرون بالاستثناء في قوله تعالى : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وأداة “إنما” في قوله صلى الله عليه وسلم : “إنما أنا رحمة مهداة”، والأسلوبان يدلان بوضوح وجلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم رحمةٌ خالصة غير مشوبة بما يكدرها.
وإذا تقرر هذا، فهو صلى الله عليه وسلم رحمة في كل أحواله، رحمة في مولده، ورحمة في بعثته، ورحمة في حياته، ورحمة في قبره الشريف، ورحمة يوم القيامة، وكذلك كانت وفاته تجليا من تجليات الرحمة، ونحن مأمورون بالفرح بالرحمة، “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا”، لذلك يجوز الاحتفال بالمولد ولو اقترن بالوفاة.
الوجه الثاني : ورد في حديث صحيح أن وفاة النبي خير للأمة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : “حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم”، هذا الحديث وإن ضعفه بعض المتسرعين، فقد صححه غير واحد من الأعلام، وأفرده بالتأليف المحدث المحقق السيد عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله، وبيّن أنه صحيح على شرط مسلم، وتحدى من يقول بوضعه أن يأتي بما يقتضي ذلك من القواعد الحديثية أو الأصولية. وموضع الشاهد في الحديث، قوله : “ووفاتي خير لكم”، وبما أنها خير، فإنها لا يمكن أن تكون حائلا بين الإنسان المسلم والفرح والسرور، خصوصا إذا كان الفرح بمولده صلى الله عليه وآله وسلم.
ونحن لا نقول بالفرح بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ندعو إليه، ولم يخطر ببالنا، وأنى لنا أن نلتفت لذلك، لكننا جارينا القوم، ونزلنا إلى ساحتهم، فأُصِبْنا بلوثة من لوثاتهم، غفر الله لنا ولهم.
ليلةٌ فتَّقَتْ لنا غصن مَجْدٍ//عَبَقٍ مُعْبِقٍ لِغَوْرٍ ونَجْدِ
**حركتْ في الكونين ساكنَ وَجْدِ**
ليلة المولد الذي كان للديـــ//ــن سرور بيومه وازدهاء
ليلة أشرفت بها الحور تَشهد//طلعةً في مرآتها الحُسن يُشهَد
**وأفاضوا : نجم النبي توَقّد**
وتوالت بشرى الهواتف أن قد//ولد المصطفى وحق الهناء.
الاحتفال بالمولد النبوي وإشكال الوفاة.. د. عبدالله الجباري
من طرف
الكلمات المفاتيح:
الآراء
-
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة ة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد سلم قلمك سيدي الكريم وسدد الله فكرك وألهمك الرشد
حب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام واجب كوجوب أركان الإسلام والاحتفال بيوم مولده من باب شكر النعمة وهو النعمة التي لا تضاهيها نعمة وهو الشفيع المشفع فنحن نزهو ونفرح بيوم مولده تأسيا به صلى الله عليه وسلم فهو القائل : ذلك يوم ولدت فيه ونحن إذ نحتفل بذكرى مولده عليه الصلاة والسلام فإن ذلك يندرج في إطار قول تعالى : ” وذكرهم بأيام الله”.
الابتهاج به مشروع ، بعيدا عن كل محرم : وذلك بتعداد شمائله وصفاته والصلاة والسلام عليه ، وبكل وسيلة تقربنا إلى الله.
فالقاعدة الأصولية والفقهية تقول : ترك المصطفى صلى الله عليه وسلم لفعل من الأفعال ليس دليلا على حرمته.
والله أعلم -
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
أساتذي الكريم بارك الله فيكم وفي قلمكم الذي عودنا دائما على الجاد والجيد والجديد من المقالات…
لفت نظري قولكم :” إلا أن شبهة واحدة لم أر من نبه إلى زيفها، ولا من عرج عليها، وهي ادعاء المحرّمين عدم جواز الاحتفال، لأنه يوافق يوم وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم”
واقول: هذه الشبهة اثارها تاج الدين اللخمي المعروف بالفاكهاني في معرض إنكاره الاحتفال بالمولد النبوي في كتاب ألفه لهذا الغرض وقد تعقبه الجلال السيوطي في كتابه حسن المقصد ص54-55.
وفقكم الله. -
في اعتقادي أنا أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أفضل الناس بعد الرسل الكرام,وأن أبابكر أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم,كما أننا جميعا نعلم ان الصحابة هم أحرص الناس بعد النبي على عبادة الله تعالى,وأنهم أكثر حبا للنبي من كل واحد, ولذا بغض النظر عن نشأة الاحتفال بالمولد النبوي,يكفينا دليلا موقف هؤلاء الأصحاب منه وهو عدم الاحتفال به…فالخير كل الخير هو الاقتداء بهؤلاء السلف وعدم الابتداع في الدين بما قد يجرنا إلى أمور لا يحمد عقباها, فالاحتفال بالمولد في دولنا الغرب إفريقية, قد استشرى بطريقة كشف لنا أن حب النبي المعلن مجرد حبر على ورق أو ذر رماد في الأعين,فكثير ممن يحتفلون به اتخذوه موسما لطلب البركة من الشيخ المتزعم لهذا الحفل..وأمور كثير تحدث بسبب هذا الاحتفال لا تدخل تحت الحصر.نسأل الله السلامة دينا ودنيا
-
بسم الله والحمد لله، مذهبنا المالكي قائم على سد الذرائع، ومعلوم ما يقع في الاحتفاليات من منكرات وشنائع، وهذا وحده كاف للقول بعدم جوازه عند العلماء الفطاحل، خاصة أن النظر للأمور يكون أيضا من باب ما تؤول إليه وليس فقط من باب المصالح وهذا ما قرره العلماء الأكابر، والاحتفال بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه يكون في كل لحظة وفي كل المحافل، وذلك باتخاذه أسوة وقدوة في الاعتقاد والقول والفعل كما فعل الصحب الكرام الأوائل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الأفاضل
-
سﻻم شكرا
-
-
سؤالي للكاتب الكريم .. لماذا لم يحتفل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بالمولد النبوي؟
والاحتفال بالمولد النبوي “عيد” لأنه يعود كل عام في نفس الزمان .. والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن ليس للمسلمين إلا عيدان “عيد الفطر” “وعيد الأضحى”. فلماذا الزيادة في الدين؟ -
بعد الصلاة و السلام على خير البرية و خاتم الأنبياء و المرسلين،أود أن أحي الأستاذ الفاضل،عبد الفاضل الجابري على ما تقدم به من توضيحات و براهين فيما يخص إحياء و الإحتفال بليلة المولد النبوي الشريف. وأود أن أضيف على ما جاء به أننا في الجزائر و بلدان المغرب العربي عامة ننتظر هذه المناسبة العظبمة بفارغ الصبر و نستعد لها كلا حسب مقدرته المادية ليس لأنها بدعة أو عادة دخيلة علينا كما يتوهم الكثير ممن جرفتهم فتاوى الكثير من الجهال الذين يأخذوم الأمور على ظواهرها،ويحرمون كل من يريد أن يعيش و يستذكر عظمة هاته الليلة التي أهدت للبشرية أعظم رجل في تاريخ البشرية بشهادة العدبد من رجال الفكر و الدين المسيحيين و لا تزال الإعترافات تتوالى تباعا معترفة بعظمة الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم.فنحن نجتمع مع اسرنا و أقاربنا و نشعل الشموع في رمزية للنور الذي أتى ليزيح ظلام الجاهلية،ونصنع الطعام لتوطيد الصلة و التراحم بين الأهل و الأقارب،وننشد الأناشيد الدينية التي يتغنى بها أطفالنا و يرددونها بكل فرح و سرور و هذا ما أنقذ الجزائر و الجزائريين من الذوبان في المشروع الإستعماري الذي عملت على إنجاحه فرنسا طيلة القرن و نيف من الزمن،إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل لأن حب الجزائريين للرسول الكريم لا يزال يمثل و إلى يومنا هذا القاعدة الأساس لكل الجزائريين على مختلف إتجاهاتهم و مشاربهم،و هم دائما يؤكدون ذلك بتسمية أبنائهم الذكور بإسم محمد أو الميلود في إشارة إلى ذكرى المولد النبوي،وأضيف بأننا نسمي سيد الخلق عندنا ب”سيدنا”.أبقى متعجبا لأفراد يحرمون كل عمل أو بادرة خير قد تدفع بصاحبها إلى المزيد من الإفتخار بدينه و رسوله و تراهم يجهدون أنفسهم في البحث عن كل ما يعكر فرحة المسلم أراد أن يحيياها في زمن التغريب والترهيب.
-
السلام عليكم ورحمة الله لابأس ان يكون احتفالنا بسيد الكائنات بإحياء سيرته النبوية في ملاحم القصائد النبوية والتي يشتهر بها أغلب بلدان المغرب العربي ، ويكون بالتذكير بسنته في معاملته الحياتية للأجيال ، حتى يقتدوا به ويسيروا على منهاجه : تمعنوا في هذا القول ( تركت فيكم شيئين ما أن تمسكتم به لن تضلوا ابدا كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ) فلنتذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
-
وإنك لعلى خلق عظيم * خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا * محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم…*
اترك رد