إعداد: خالد صلاح حنفى محمود
مدرس أصول التربية – كلية التربية – جامعة الإسكندرية
إن التربية عملية اجتماعية ثقافية تحدث في صورة نقل أنواع النشاط والتفكير والمشاعر التي تسود جماعة ما إلي جيل الصغار لإكسابهم الصفة الاجتماعية فهي بذلك عملية تطبع اجتماعي (Socialization Enculturation ) أو هي عملية تشكيل ثقافي وتتصف هذه العملية بالالتزام وإلزام التربية يكمن في أنه بدون نقل الثقافة من جيل إلي جيل عن طريق التربية تنتهي وجود المجتمع – وجود جيل الكبار – بانتهاء وجوده المادي مهما طال بهم الزمان – وذلك فإن طبيعة الحياة للأفراد من حيث أنها مؤقتة بزمن معين وبعمر محدود بينما يولد غيرهم ليأخذ نفس الأدوار التي اضطلع بها آبائهم من قبل – هذه الطبيعة تجعل عملية نقل الثقافة عملية ضرورية لاستمرار النظام الاجتماعي والثقافي للمجتمع غير أن هذا النقل ليس عملية سلبية وإنما هي عملية ايجابية تتطلب تبسيط الثقافة والاختيار بين عناصرها وتجديدها.
ويشير مفهوم البحث التربوى إلى مجموعة متنوعة من الأساليب التي تقيم جوانب مختلفة من التربية والتعلم والتعليم. مثلا، على سبيل المثال لا الحصر: تعلم الطلاب، طرق التدريس، وتدريب المعلمين، وديناميات الفصول الدراسية ويتفق الباحثون في ميدان التربية على ضرورة أن تجرى الأبحاث التربوية بطريقة صارمة ومنهجية إلا أنهم في كثير من الأحيان ما زالوا يتناقشون على دلالات ومعنى هذا الإتفاق.
ويؤدى البحث التربوى دوراً غاية فى الأهمية، فى ظل طبيعة التربية كميدان بينى متداخل التخصصات وهناك مجموعة متنوعة من التخصصات التي تتواجد إلى حد ما في البحث التربوي. وتشمل علم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، والفلسفة وغيرها من العلوم. وهذا التداخل في التخصصات يخلق مجموعة واسعة من المنهجيات التى تتنوع باختلاف وتنوع القضايا و المشكلات التى يتم التعامل معها، التى تحتاج دوماً إلى عون المتخصصين والباحثين فى تحديد أسباب المشكلات التعليمية، ووصف سبل العلاج والتعامل معها ومن هنا تبرز أهمية البحث التربوى.
والعلاقة بين البحث التربوى و السياق الثقافى تتضمن طرفين ، أولهما البحث التربوى وثانيهما السياق الثقافى للمجتمع .وإذا نظرنا للطرف الأول وهو البحث التربوى لوجدنا أنه يتكون من شقين الشق الأول: البحث , وهو كمفهوم يتضمن السعى وبذل الجهد لاستجلاء طبيعة الظواهر والعلاقات المتداخلة بينها ، وصولاً إلى التوضيح المنطقى لتلك الظواهر ، ويعتمد بالدرجة الأولى على إعمال الفكر . أما الشق الثانى فهو “التربوى” وبالمثل فالبحث التربوى هو محاولة لإعمال الفكر فى قضايا ومسائل التربية فى محاولة لفهم وتفسير الظواهر.
ويجدر الإشارة إلى أن البحوث فى ميدان التربية تنقسم إلى مستويات وأنماط لعل من أبرزها بحوث التأصيل النظرى التى تركز على الأمور المفاهيمية و الفلسفية والقضايا النظرية التى تستهدف التحليل و التوضيح المنطقى بغية توجيه ممارسات التربية وعمليات وإجراءات التعليم . وهناك البحوث التطبيقية وتنقسم – بدورها- إلى نوعين: أ- بحوث الفعل وذلك النوع الذى يمثل الحقلة المتوسطة بين البحث البحث ، وتلك المتعلقة بالأداء مثل البحوث المتعلقة بالسياسات التعليمية . وهناك “بحوث الأداء ” والتى تنصب على الممارسة و التنفيذ بهدف قياس العائد و الوقوف على مدى ما تحقق من الأهداف ووصولاً إلى تعظيم الممارسة وتعظيم عائدها.
وتتعدد المداخل البحثية المستخدمة فى ميدان التربية ما بين المدخل الوصفى والمدخل التاريخى و المدخل شبه التجريبى ، و المدخل المقارن ، ومدخل تحليل النظم ، ومدخل بحوث العمليات .. إلخ ، وكذلك تتنوع الأدوات . وهذا يعكس لنا طبيعة ميدان التربية القائم على التنوع فى المداخل و الأساليب و الأدوات .
أما بالنسبة للطرف الثانى فى تلك العلاقة فهو السياق الثقافى للمجتمع والذى يمثل انعكاساً لثقافة المجتمع ، و مصدراً للنظر والدراسة و البحث ، لكونه ظاهرة إنسانية ، ويتسم بالتنوع و التغير و التراكم ، مما يجعل كل نمط ثقافى أمراً متفرداً فى خصائصه . فنمط الثقافة فى أى مجتمع يصبغ كافة نواحى الحياة بصبغته ، و البحث التربوى ليس استثناء من ذلك . وهناك زوايا يجب النظر إليها فى ذلك الصدد منها الباحث و موقفه الثقافى ، وتوجهات البحث وطبيعته .
وأما بالنسبة للباحث وهو الباحث فمهما كانت درجة تجرده فإن للباحث تحيزات ثقافية تتفاوت من إنسان لآخر . وبالتالى فإن درجة الموضوعية فى البحث ليست مطلقة ، وبالطبع فالبحث كمجمله كفكرة وعمليات ونتائج يعكس الموقف الثقافى للباحث .
أما العنصر الثانى وهو توجهات البحث وطبيعته ، فإن السياق الثقافى يتدخل فى ذلك اعتباراً من اختيار مشكلة البحث وحدودها . بل حتى الأدوات المستخدمة تعتمد على السياق الثقافى وخصائصه.
إجمالاً ، فكل عناصر منظومة البحث التربوى بل حتى النتائج وتفسيرها ومناقشتها تتخللها سمات النمط الثقافى .
أما موضوعات البحث فنجد أن النمط الثقافى السائد فى أى مجتمع هو مصدر موضوعات البحث التربوى ، بل إن مشكلات الدراسة ما هى فى الحقيقة إلا انعكاسات خصائص ذلك النمط الثقافى على مجال التربية .
وعليه ، يتعين على البحث التربوى فى معالجته للظواهر و المشكلات التربوية أن يأخذ بعين الاعتبار النمط الثقافى وخصوصيته وأبعاده ، وأن يضع الباحث حدوداً دقيقة لإجراءات بحثه وأن يراعى طبيعة وخصائص النمط الثقافى لأن ذلك يعينه على :
أ- الرصد الدقيق للمشكلات و القضايا التعليمية التى يعانى منها النظام التعليمى .
ب- التحديد الدقيق و الرصين للخطوات و الإجراءات البحثية التى تلائم السياق الثقافى الذى تجرى فيهالدراسة .
ج- التفسير الاجتماعى الثقافى لنتائج البحوث .
د- وظيفية البحوث التربوية ، وتوجيه البحوث للإصلاح و التطوير و التجديد التربوى واستخدامها كمحرك للتنمية الثقافية .
المصادر والمراجع
1-بكر، بكر بن عبد الله ، البحث العلمي وعوائده الاقتصادية ، رسالة الخليج العربي ، ع 59 س 17 ، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، الرياض ، 1417 هـ – 1996م .
2- حارب ، سعيد ،البحث العلمي وتحديات العصر ، الندوة الثانية ، موقع جريدة البيان بشبكة الانترنت، دبي، 1999م .
3-الصباب ، أحمد عبد الله ، أساليب ومناهج البحث العلمي في العلوم الاجتماعية ، دار البلاد للطباعة والنشر ، جده ، ط 2 ، 1413هـ -1992 م.
4-العيسوي ،جمال مصطفى وآخر ، البحث العلمي في كليات المعلمين بالمملكة العربية السعودية ،مركز البحوث التربوية بجامعة الملك سعود الرياض ،1419هـ -1998م.
5-كومبز، أزمة التعليم في عالمنا المعاصر ، ترجمة أحمد خيري كاظم وآخر ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1968م .
6-مرسي، محمد منير ، البحث التربوي وكيف نفهمه ، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع ، الرياض ،1407هـ- 1987م .
7- النجار , عبد الله ، البحث العلمي وتحديات العصر ، الندوة الثانية ، موقع جريدة البيان بشبكة الأنترنت ، دبي، 1999م .
اترك رد